اليأس الخلاق
Creative
Despair
الاب الدكتور اثناسيوس
اسحق حنين
قد يتعجب القارئ
العزيز من عنوان هذا المقال والتناقض الظاهر فيه ولكنها حقيقة حياتية وخبرة روحية عاشها
رسول الامم بولس فى حياته وبشارته بالانجيل فاليأس الخلاق هو سمة من سمات الكارزين
بانجيل المسيح فكيف يكون اليأس هو احد اركان البشارة المسيحية وهل هو اليأس النفسانى
الذى يؤدى الى الانتحار او المصحات النفسية او هو الاكتئاب الذى تعلن فيه اعضاء الجسد
الاحتجاج على تسخيرها فى غير ما قصد الله لها فتتمارض او تهرب الى الجنس والمخدرات
وغيرها من ملذات هذه الدنيا الفانية او تصاب بالشلل الوهمى او الحقيقى وما اكثر هذه الظواهر فى ايامنا هذه وربما هذه الروحانية
المكتئبة والمنحنية الرأس والفاشلة شكلا وموضوعا هى من احد الاسباب التى ادت الى الالحاد
المعاصر وترك الناس للكنائس لا للمسيح
اليأس الذى عاشه
رسول الامم هو لون من الوان الرجاء الوجودى
والنهج الكيانى فى مواجهة الحياة وتخطى صعابها بايجاد معنى لهذه الصعاب وقيامة فى صلبانها
وليس بالهروب منها والشئ اللافت انه بعد البحث فى فهرس الكتاب المقدس لم نجد اى اشارة
لكلمة اليأس سوى ايتان واحدة وهى الاية الواردة فى رسالة الرسول بولس الثانية الى اهل
كورنثوس الاصحاح الاول والاية الثامنة وهى موضوع بحثنا المتواضع والثانية هى الواردة
فى الاصحاح الرابع من نفس الرسالة والاية التاسعة (فاننا لا نريد ان تجهلوا أيها الأخوة من جهة ضيقتنا
التى أصابتنا فى أسيا أننا تثقلنا جدا فوق الطاقة حتى أيسنا من الحياة أيضا )2كو 1
:8(مكتئبين فى كل شئ لكن غير متضايقين متحيرين لكن غير يأسين مضطهدين لكن غير متروكين
مطروحين لكن غير هالكين حاملين فى الجسد كل حين اماتة الرب يسوع لكى تظهر حياة يسوع
فى جسدنا لأننا نحن الاحياء نسلم دائما للموت من اجل يسوع لكى تظهر حياة يسوع فى جسدنا
المائت)
Ού γάρ
θέλομεν ύμάς άγνοείν,άδελφοί,ύπέρ τής θλίψεως ήμών τής
γενομένης έν τή Ασία
,ότι καθ,ύπερβολήν ύπέρ δύναμιν
έβαρήθημεν,ώστε έξαπορηθήναι ήμάς καί τού ζήν)
ولعلنا نحتاج الى
وقفة لغوية مع الفعل اليونانى الذى ترجمه فاندايك (أيسنا) والترجمة
اليسوعية ترجمته
(يئسنا) وهو
Εξαπορέομαι
ولقد ترجمها المعجم
اليونانى الفرنسى بعنى (ان يوجد الانسان فى ورطة كبيرة)Etre
embarassé ;incertain ;ne savoir que faire. Bailly,
Dictionnaire Grec
Français, Paris,p .699(
ويمكن ان تعنى
حالة اللاقرار وهى حالة نفسية تصيب الجهاز العصبى بالشلل المؤقت ويجد الذهن نفسه عاجزا
عن اتخاذ اى قرارواذا استنطقنا الكلمة اليونانية فسنجدها كمعظم كلمات الكتاب المقدس
كلمة مركبة ونلمح فيه مقطعين (اكسو) اى خارج و(بوريماى) اى المسيرة فاليأس هو التغريد
خارج السرب وهو انحراف المسيرة اى مسيرة الحياة عن قصدها الالهى اى هو اللحن النشاز
خارج النوتة الموسيقية للجماعة البشرية الصحيحة وهذا ليس باتأكيد اليأس الذى يتكلم
عنه بولس ولكن ما هى الضيقة التى (اصابتنا)
فى اسيا وادت برسول الامم الى هذا الاعلان الخطير باليأس؟
يقول المفسرون
ان المحنة فى اسيا وبالطبع لا يقصد قارة اسيا المعروفة اليوم بل اسيا التى هى أقليم
رومانى عاصمته أفسس وربما يشير الى الثورة التى حدثت ضد الرسل فى أعمال الرسل (فارسل (بولس) الى مكدونية أثنين من الذين كانوا
يخدمونه تيموثاؤس وأرسطو ومكثا زمانا فى أسيا وحدث فى ذلك الوقت شغب(أضطراب كثير) ليس
بقليل بسبب هذا الطريق)اع 19 :23 –40 وذكر الرسول فى رسالته الاولى الى الكورنثيين
هذه المحنة (ان كنت قد حاربت وحوشا فى افسس )اكو 15 :32 وفى رسالته الى الفيليبيين
يستفيض خادم انجيل الامم فى شرح ابعاد هذه المحنة(ثم أريد أن تعلموا أيها الاخوة أن
أمورى قد ألت أكثر الى تقدم الانجيل حتى أن وثقى(الكلبشات) صارت ظاهرة فى المسيح فى
كل دار الولاية وفى باقى الاماكن اجمع وأكثر الاخوة وهم واثقون فى الرب بوثقى يجترئون
أكثر على التكلم بالكلمة بلا خوف)فى 1 :12 -30 وهنا احد اسباب الضيقة وهى خوف ومن الجدير
بالذكر ان اعتقال بولس فى أفسس كان ورائه ومسببوه يهود من اسيا وربما اشترك فى المؤامرة
ضد بولس بعض المسيحيين المتهودين اصحاب المصالح مع السلطة السياسية ورجال الدين اليهود
لانه من المعروف عند الفاهمين ان اسواء تحالف فى التاريخ هو تحالف رجال الدين مع السلطة
السياسية لقمع الشعوب واذلالها(اع 21 :27 و24:19 راجع ايضا انجيل تلميذى عمواس فى لوقا 24 وكيف أسلم
رؤساء الكهنة والحكام المسيح خادم انجيل الاب للموت وصلبوه العدد20 )نفهم من
هذا كله ان ضيق بولس ليس هو ضيقا نفسانيا لانسان يدور حول نفسه وحول زعاماته الدينية
ولا طموحاته حتى الروحية منها!!ونفسه معلقة امامه كما يقول سفر الامثال بل هو ضيق كيانى
لانسان حسب كل شئ نفاية ليربح المسيح و من اجل الانجيل والبشارة وحقوق الانسان فى السماء
وعلى الارض
يبقى ان نتعرف
على مدينة كورنثوس والكورنثيين فكورنثوس من المدن المشهورة تقع على بعد 40 ميلا غربى
اثينا(ساعة بالسيارة)وكان على قمة جبال كورنثوس هيكل لافروديتى الهة الجنسى العاهر(الايروس وليس الاغابى)! وكانت
كورنثوس مدينة تجارية ساحلية كوزموبوليتانية حتى اصبحت مركزا للغنى والترفه والعلم وحسبت زينة
بلاد اليونان ولكنها ويا للاسف اشتهرت بالسفسطة العقلانية و بالخلاعة السلوكية حتى
أنهم نقلوا هذه السلوكيات داخل كنائسهم(راجع 1كو 1 ) واصبحت مضربا للامثال (قاموس الكتاب
المقدس صفحة 796 )
وهنا يتحول الضيق
واليأس على يد رجال الانجيل الى ينبوع رؤية ومصدر قوة لا الى اصل مرارة يمرمر حياة
الخدام والمخدومين وكيف تحول هذا اليأس الى رؤية فبكلمة واحدة (ولكن ) هناك دائما فى
حياة المؤمنين وخدام اللاهوت (ولكن) اى رؤية اخرى الى الامور تنبع من قلب الاب بيسوع
فى الروح القدس ولهذا فالكلمات عند الخدام الاكابر ليست كلمات مدهونة بزبدة الوعود
الكاذبة تطلع عليها الشمس تسيح بل افعال تكتب تاريخ الله فى ازمنة الناس !!! ولكن الثمن
باهظ فنعم النعمة مجانية ولكنها مكلفة(بضم الميم) كما قال اللاهوتى الالمانى الذى تحدى
بالانجيل جبروت هتلر ديتريش بنوهوفر فهى تكلف الانسان ان يسلم حياته
للذبح كمن اجل ذاك الذى ذبح عنا فضلا وطوعا ...ولكن ....ولكن ماذا ؟
(لكن كان لنا فى
أنفسنا حكم الموت لكى لا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله الذى يقيم الاموات )2كو
1 : 9 هذا هو جوهر المسيحية الاصيلة والاصلية هى الموت معى المسيح (مع المسيح صلبت
لاحيا لا انا بل المسيح يحيا فى) لا يمكن ان يعيش الانسان كما هو فى المسيح لابد من
موت احدهم ليحيا الاخر فالمسيحية القائمة على (ترقيع ) الحياة العتيقة برقعة جديدة
تصير الثوب اى ثوب الحياة كله اردأ وهذا يقود
الى اليأس النفسانى والتدين القرفان والضجر والتذمر والخدمة المهزومة التى لا تعرف انتصارا وتتغنى بسلطان
الشيطان وقوة الخطية وتفتخر بخطاياها لا بغفران السيد(يعوزنا الوقت للكلام عن هذا الاختبار
الروحى الراقى عند اباء البرية وعلماء الكنيسة وهذا مجال دراسة أخرى) !!! وهنا يصير
انجيل النعمة (انجيلا اخر )غلاطية 1: 6 على حد تعبير الرسول بولس خادم انجيل اليأس
الخلاق وماحكم الموت الذى وضعه وقبله فى نفسه بولس واصحابه الا هو قبول موت يسوع المحيى
والسير فى موكب النصرة فالمسيحى عابر دائما يعرف الى اين يتوجه ويعرف ان مدرسته فى
السماء وان يسوع زعيمه وان القديسين رفقائه وان الانجيل كلمته غير هذا لا يعرف(المطران
جورج خضر)وهنا من سيفصلنا عن محبة المسيح أصل الضرب فى الميت مع يسوع حرام حرام على القتلة وسفاكى الدماء الذين قتلوا الانبياء
بين الهيكل والمذبح ولا يقتصر الامر على (كان ) بل يصير قبول المحنة محنة البشارة وليست
محن الحياة النفسانية الساقطة الطماعة الكاتمة لانجيل المسيح تصير هذه المحن قيامة
ونصرة ونجاة فى الماضى والحاضر
والمستقبل(الذى نجانا من موت مثل هذا وهو ينجى الذى
لنا رجاء فيه انه سينجى أيضا فيما بعد )2كو 1 :10 وهنا هل للمؤمنين اى المخدومين دورا
فى قيامة ورجاء الخادم ؟ لقد اعتدنا على رؤية بعض المسيحيين يكتفون بان يعيشون عالة
على انجازات القديسين بلا دور ولا حركة وشعارهم
(عاش الملك مات الملك ) ولا دور لهم ولا يشتركوا فى العمل مع الله ويكتفون وينكفون
على الفتات الساقط من وعاظ الفضائيات ونجوم الاعلام الكنسى ونكرر السؤال هل كان للمؤمنين
فى كورنثوس المدينة العالمية دورا فى تحول محنة خدام الانجيل ويأسهم الى قيامة وحياة
ونصرة وبشارة وخلاصا ؟ نعم ويشهد بذلك الروح على فم بولس (وأنتم مساعدون بالصلاة لاجلنا
لكى يؤدى شكر لاجلنا من اشخاص كثيرين على ما وهب لنا بواسطة كثيرين)2كو 1 :11
(Ίνα έκ πολλών προσώπων τό είς ήμάς χάρισμα διά πολλών
εύχαριστηθή ύπέρ
ήμών)
ولا يجب ان تفوتنا
كلمة (اشخاص ) وهى باليونانية(بروسوبون) اى انسان كامل شاخص الى الاب فى وجه يسوع بالروح
القدس انسان حقق ذاته فى الخارسما اى النعمة والموهبة وتحول من فرد لا قوام له او نمرة
لا رأى له بل هو عبد بلغة الجيش الى شخص حى له قوام ورؤية ورأى ولهذا تستخدم نفس الكلمة
فى اللاهوت للدلالة على الاقانيم الثلاثة والكلمة الهامة الاخرى هى (الافخارستيا )
ومن المعروف فى
اللاهوت الليتورجى وعند كبار علماء الليتورجيات ان كلمة (يؤدى
ِشكر) لا تعنى الشكر
الشكلى او المجاملاتى بل الافخارستيا اى الكنيسة فى ملء النعمة
والخارسما وهى تحيا
موت وقيامة الرب وتحول يأس العالم وهمومه الى قيامة ونجاة
ورؤية تحتوى الماضى وتنتصب
فى الحاضر وتصبو الى المستقبل
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire