عمارة يعقوبيان وكشف المستور الاب اثناسيوس اسحق حنين
· عمارة يعقوبيان وكشف
المستور
القس اثناسيوس اسحق
حنين
وسط الصخب والضجيج
الاعلامى الذى يسود اجواء بلادنا ووسط التراوح بين اليأس المطلق من اى اصلاح او
تغيير والتفأؤل المفرط فى اننا خير امة اخرجت للناس رغم انف الواقع المر وعدم رضا
الناس اصحاب الشأن ورغم ان الجميع يتفقون على ان هناك شئ (مش ولا بد ) بيحصل فى
البلد الا ان اصحاب نظرية (سمعة مصر ) مازالوا يملاون قلوب الناس عامة والمثقفين
خاصة رعبا وينفثون التهديدات بان مجرد التفكير او الشروع فى القيام بأى اجراء نحو
عملية تغيير شامل او جزئى فى بلادنا ها يضحك علينا الناس وها يشمت (ابلة ظاظا فينا
) على رأى عادل امام فى (الواد سيد الشغال ) .
وسط هذه الاجواء التى
تجعل المهاجر منا يتحسر على بلده التى لا تتغير وان تغيرت فللاسواء ياتى الفن
ليعطى الرجاء والامل فى تشخيص الداء واعطاء الامل فى امكانية الحصول على الدؤاء ولقد
اجمع كل من شاهد هذا العمل الفنى الرائع (عمارة يعقوبيان ) على ان كاتب السيناريو
قد وضع يده على الاورام التى تعشش فى الجسد المصرى والذى يسير على نفس نمط التجاهل
والصهينة وربنا يستر ويوم الله يعين الله ولا يقوم احد فى البلد بعمل (شيك اب ) اى
فحص دورى لكشف المستور واشتهر المصريو1ن بذلك فالراجل كان واقف صحته زى الفل ومات
يا حول الله و فى الحقيقة الامراض كانت معششة فى جتت المسكين بلا فحص وبلا كشف
للمستور ولو تجرأ حد وقال للمصرى او للبلد انت عيان فالتهمة جاهزة وهى الخيانة
العظمى لصحه الوطن والتشهير بأمور صارت من حق الشعوب و البديهيات اليومية فى بلاد
الواق واق بل والاتهام بزعزعة الاستقرار وتطفيش رؤؤس الاموال ولم يسمعوا ان القضاء
الفرنسى يحاكم رئيس وزراء فرنسا السابق بدون ان يتهمهم احد بتشويه سمعة البلد او
تطفيش الاستثمار ّ!
لعل االخطيئة الاكثر
تفشيا فى بلادنا هى الكذب اى ان تقول غير الواقع حينما يكون عليك ان تشهد للحقيقة
وهنا يأتى الفن كملاذ اخير لقول الحقيقة وكشف الكذب والنفاق فالفن حينما يكون هو
نفسه يكشف الحقائق ويسبر غور المستور ويدخل الى اعماق الناس ووسط هذا التلوث
السمعى والبصرى والعشوائيات الفنية والغير الفنية والاجساد التى تتلوى كالافاعى
تلتهم برأة عيون اولادنا وبناتنا بل ورجالاتنا يأتى العمل الكبير للفنان الكبير
عادل امام ليوكد انه (الزعيم ) فى زمن قل فيه الزهماء اصحاب الرسالات الكبرى .
الزعيم لملايين افتقدوا دفء وحنان ونزاهة الزعماء الحقيقيين ورغم ان عادل يدعى
(انه شاهد ما شافش حاجة )الا انه فى الحقيقة شاهد شاف ودرس ومحص كل حاجة فى البلد
وعاشر الطبقات السفلى والعلى وبقى (الواد سيد الشغال ) وهو يراقب ويشهد على زيف
وكبرياء وانحراف مجتمع الكبار رجال مال كانو ام ساسة وشهد على ان الدين اى دين
ورجال الدين اذا ما لعبوابالمال مع السياسة فقدوا كل شئ وهو الفنان الوحيد الذى
كشف اعماق المستنقع الذى يبتلع شبابنا باسم الدين ويسمونه( الارهابى) بينما هو
احتجاج مدوى على زيف اخلاق الكبار .
يأتى هذا العمل الفنى
الكبير (عمارة يعقوبيان ) ليثير شجون وهموم رجل الشارع ؤابن البلد المصرى والمثقف
وكلاهما يتحسر على الزمان الجميل الجميل خلقا ودينا وفنا وذوقا وثقافة وعلاقات بين
البشر وزادنا حسرة ان زمن الباشوات الحقيقيين قد ولا بلا رجعة وجاء زمن الاغنياء
الجدد وهو التعبير المهذب عن الحرامية الجدد و لقد جمع الباشا زكى حوله كل طبقات
المجتمع المصرى فالمسلم التقى العابد الله هناك والشاب الفقير ابن البواب الذى
حرمته الايام والواسطة من تحقيق احلامه بدخول كلية الشرطة فتلقفته ايادى التطرف
ووجدت فى داخله تربة جيدة للانتقام واولاد الذوات وسكان السطوح ومجتمع البنات وفى
المقابل طبقة اولاد الايه على حد تعبير المرحوم فيليب جلاب فى جريدة الاهالى
وجماعات الشباب المصرى المسلم الذى تركه المجتمع يبحث عن هوية فضائية مستوردة لا
تمت لعاداتنا وتقاليدنا المصرية بصلة لا من قريب ولا من بعيد !! هذا الشباب التواق
ان ياكل لقمة شريفة ويلبس هدمة نظيفة ويرون حولهم المجتمع المتناقض الذى حولهم الى
قتلة وضحايا وحينما انعم الله علينا بالحوار معهم حاورناهم على يد رجال الامن لا
يعرفون شيئا عن امن المواطن ! زبانية التعذيب الذين هتكوا عرض االشاب المسلم
واذلوه وهم صانعوا الارهاب الحقيقى للمواطن!!! ولقد اثبت الباشا زكى انه فى لحظات
الصدق وعزة النفس يمكن ان يجتمع رجل وامرأة ولا يكون الشيطان ثالثهم وذلك حينما
تكون النفس مهمومة بهموم راقية ويأتى الديكور الفرنسى والموسيقى الكلاسيكية والفن
الجميل على يد الفنانة الحسناء كريستينا( يسرى) ليكشف كم كان ذوق المصرى راقيا وان
البلد لم تتأخر الا حينما صار كل صراخ فن وكل حركات بورنوجراافيك رقص وكل عواء غير
مفهوم تجويد وترتيل وكل كلام فى اى كلام تثقيف وتعليم وافتاء !!!الاستعمار ليس فى
الثقافة الكونية والذوق الفنى والموسيقى الراقى بل فى استعمار الانسان لنفسه
والباسها خمار ذهنى وحجاب عقلانى !!! ولقد اثبت عادل امام انه فنان يملك رؤية لكل
طبقات وفئات المجتمع ولهذا فالاقباط حاضرون فى العمارة المصرية ولقد دخلوا العالم
الفنى منذ زمن ولقد صورهم الفيلم كما تصورهم وسائل الاعلام والروايات الشعبية بدون
جهد تجديدى او بحث فى اعماقهم التى تحمل جراحات تاريخية غائرة لا تهتم الدولة
المصرية بالعمل على المساهمة فى شفائها !! وبلا مجاملة فالقبطى ملاك الذى يستأمنه
الباشا زكى على ماله وعرضه واسراراه بدون ان يكون عميل للاجانب بل امين لبلده !
هذا القبطى ومنذ زمن طويل وككل مصرى غير امن على المستقبل ولا يأتمن الوالى على
ماله فيضع فلوسه تحت المرتبة وبعدها اصبح المصرى يضع فلوسه تحت البلاطة وقد رأيت
جدى بأم رأسى يخرج فلوسه من تحت البلاطة بعد ان اكلها العث ! ثم سلمها لشركات
توظيف الاموال والبنوك الاسلامية وضاعت الفلوس ويضطر القبطى ان يسلك بدبلوماسية
تصل الى حد الكذب والحلفان بالمسيح والعذراء فيذكر المحامى القبطى فكرى عبد الشهيد
(باننا اولاد معمودية واحدة ) ويلمح الفيلم ان للكنيسة سطوة وسلطة على ضمائر الناس
فيؤكد ملاك وفانوس ان ابونا قالهم ماذا يفعلون كما يؤكد الشاب المسلم ان الامير
قاله كيف يتصرف فالقبطى يتلقى اوامره من الكاهن اى الكنيسة والمسلم من من امير
الجماعة اى المسجد والدولة بمؤسساتها التعليمية والثقافية والاجتماعية تشارك فى
هذا الفرز الطائفى كما يقولون فى لبنان وبل تدعمه وتلعب به لعمل توازنات ترى فيها
سلامة البلد ووسيلتها الوحيدة فى ضبط هذا البازل الحضارى هو ارهاب امن الدولة للجميع
بعدم تخطى الخطوط الحمرا والصفرا والسودا كمان واذا دعت الحاجة فتلفيق المحاضر
جاهز والرمى فى غياهب السجون لمن تسول له نفسه المساس بايه صدقونى لا اعرف !!!
ووسط هذا الفساد
والجليطة الاجتماعية تأتيك نسمات من عالم اخر على يد يسرى وحتى الشواذ جنسيا كانوا
هناك ولعل الفيلم يريد ان يقول انها ظاهرة غريبة عن بلادنا العفيفة الشريفة وكل
الفساد جاى من الغرب ولعل عادل امام اراد ارضاء الرقابة التى على حد علمنا كانت
تتمنى الكثير من الفشل للفيلم ! فالصق التهمة برئيس تحرير الجريدة الفرنسية فى مصر
لكى يقول ان الغرب لا يأتى منه غير الشذوذ ولعل كاتب السيناريو على علم بمدى نمو
حركات الشواذ فى الغرب وكيف يطالبون بتقنين اوضاعهم والاعتراف بالزواج بين
المثليين فلم يناقش او يقدم براهين بل اختار قتل النفس الشاذة فالغرب ينحاز
للانسان ايا كانت ظروفه والشرق ينحاز للانظمة ايا كان استبدادها واحتقارها للانسان
وقد يكون الغرب اعطى حرية زيادة عن اللزوم للانسان ولكن ليس هذا مبرر لان يتفنن
الشرق فى اذلال الانسان وقمعة ويبدو ان المؤرخ الكبير تونبى كان محقا حينما قال ان
الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا !!
لم يفت السيناريست ان
يلمح الى اثار الانفتاح الاقتصادى العشوائى الذى اصاب البلد والضمائر بالعطب
والفساد (الحاج نور الشريف ) يمثل رجل الاعمال الذى يعرف من اين يؤكل الكتف سواء
كان الكتف كتف الحكومة او الملذات والزوجة الثانية فها هو نور الشريف يؤكد ان الكل
فى البلد ماشى على كيفه فالكيف والرشوة هما اساس النهضة ! وعمار يا مصر !!!
خسارة يا مصر ...
عمارة يعقوبيان لم يأت بجديد ولكنه نجح فى تجديد الاحزان ووضع يده على بؤر الفساد
وسبب الضياع ولقد ابكانا عادل امام هذه المرة بعد ان اضحكنا على انفسنا مرات فهل
من رجاء !!
ربى عينك يارب التى
ترى بلدى بعثرة كبرى قادرة سيدى ان تلملمه و يدك يارب التى نثرت النجوم الا تحنو
علينا لمسات حب علنا نثق انك مفتقدنا من وراء الموت ! يا من تمتم الوجود نفسه على
شفتيك اما قلت كلمة لنبرأ جميعا ؟ تعال ربى فى هذه الايام العجاف للنسى المأسى
ويتوب الوجه الى الوجه ومشرق الشمس الى مغربها ...... أطل الهى فى ضيائك العظيم
حتى يستقيم الفكر من نزواته والروح من بعد تيه واذا لمستنا يمناك فالعرج يطفرون
والموتى يقومون وندفن احزاننا فى الفرح الاتى ونمشى الكتف الى الكتف نحو تقدم
وازدهار يفوق كل عقل ووصف خذنى ربى الى الناس لا الى ما يقولون لا الى ما قرئ
عليهم فقد تنفع الكتب اذا صار الانسان بها انسانا .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire