jeudi 31 mars 2016

الكنيسة فى العصور الاولى بين المواهب اللاهوتية والروحية والتدبيرات المادية والحياتية الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين





 الكنيسة فى العصور الاولى بين المواهب اللاهوتية والروحية والتدبيرات المادية والحياتية                                  الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين

--
الكنيسة فى العصور الاولى بين المواهب اللاهوتية والروحية والتدبيرات المادية والحياتية
الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين                                  
أمن المسيحيون الاوائل بأن الخليقة الجديدة للانسان هى أساس السلوك الجديد وان الروح النارى هو الذى يدبر امورهم الروحية والجسدية فى الكنيسة و فى العالم باجتهاد وان القوة التى تخرج من هاتين اليدين اللتان تعملان فى ضفر الخوص انما هى قوة الروح القدس العامل فى اليد البشرية [1]
وامنوا يقينا ان ألله هو العامل فيهم لكى يريدوا ويعملوا من اجل المسرة(فى 2: 13 ) اى انهم ادركوا ان الثيؤلوجيا تتحول فى الانسان الجديد بالروح الى ايكونوميا الى مواهب وخاريسماتا وعن هذه الخليقة الجديدة يقول القديس كيرلس الكبير (لان الله الاب فى البدء بكلمته أخذ من تراب الارض-كما هو مكتوب-وخلق الانسان كائنا حيا له نفس عاقلة حسب ارادته وأناره بنصيب من روحه ونفح فى أنفه نسمة الحياة (تك 2-7) ولكن عندما سقط الانسان بعصيانه واستعبدته قوة الموت فقد كرامته القديمة أعاده الله الأب وجدده الى الحياة الجديدة بالابن مما كان فى البدء ؟ وكبف جدده الابن ؟ بموته بالجسد ذبح الموت وأعاد الجنس البشرى الى عدم الفساد عندما قام من الموت لأجلنا ولكى نعلم أنه هو هو الذى فى البدء خلقنا وختمنا بالروح القدس لذلك يمنح مخلصنا الروح القدس من خلال العلامة المنظورة أى نفخته للرسل القديسين لانهم باكورة الطبيعة البشرية المجددة)[2].
العلاقة الجدلية بين المواهب والتدبير فى العهد الجديد                                                 
حاول بعض اللاهوتيين من عصر الاصلاح ايجاد شرخ كبير فى العهد القديم بين الكاهن والنبى على اساس ان الاول مشغول بطريقة روتينية وعقيمة بالطقوس وسماع صوت الناموس والثانى مشغول بأقتناء المواهب الروحية وبالاصلاح والسماع لصوت الرب على راسهم أدولف هارناك اللاهوتى الالمانى الذى راى ان هناك قسمان من الوظائف فى الكنيسة الوظيفة الاولى روحية وخاريسماتيكية اى موهباتية وتبشيرية والوظيفة الثانية ادارية محصورة فقط فى التنظيمات والادارة وهو يرجع فى ذلك الى الفصول 11 و12 من الديداكى وقام كثير من العلماء بالرد [3] على اراء هارناك ولكن فى الواقع ليس الامر بهذه الدرجة لان الكثير من الانبياء كانوا كهنة موهوبين والكهنة انبياء والكنيسة وجدت كمستودع مواهب بالروح الواحد(1كو 12)[4]. والطقس اذا مورس بالروح يصير معهدا عاليا لتخريج المواهب الروحية ولقد رأى بعض الباحثين مستندين على شهادة المؤرخ يوسابيوس القيصرى على ان نفس التوتر بين روح المؤسسة وروح الخاريسما قد ظهر فى بدايات ظهور الحركة الرهبانية فلقد كانت الرهبنة فى بداياتها خاريسماتيكية اى عفوية تنصت لصوت الروح وتستجيب لدعوة الكلمة الالهية وتهيم على وجهها فى البرية طالبة وجه الرب وحده كما حدث مع القديس انطونيوس ولما ادركت الكنيسة التى كانت قد خرجت من الاضطهادات وبدأت فى ترتيب البيت من الداخل وادركت الاهمية الكبرى للطاقات الروحية والمواهب اللاهوتية والعلمية والروحية الخاريسماتيكية لخدمة الكنيسة بدأت على يد القديس اثناسيوس الذى ادرك ما لشخصية انطونيوس من خاريسما روحانية فتتلمذ لها وحرر اللاهوت القبطى من التجاوزات الفلسفية التى اوقعها فيها اوريجينوس واكليمنضس ورد اللاهوت واللاهوتيين الى دموع اباء البرية ووضع اللبنات الاولى للاهوت اللوغوس الواقعى ويرى المتخصصون فى اثناسيوس وعلاقته بانطونيوس بأن القديس اثناسيوس حينما كتب سيرة انطونيوس انما كان يضع المنهج الخرستولوجى التدبيرى والاكليسيولوجى للمواهب الكبيرة اللاهوتية والروحانية التى افرزتها الحركة الرهبانية وهنا تم مأسسة الحركة الرهبانية فى اطارها الكنسى! ولقد كانت الحركة الرهبانية سبب بركة روحية ولاهوتية وتدبيرية كبيرة للكنيسة وقدم اثناسيوس فى شخص انطونيوس الراهب المثالى الحر روحيا والملتزم كنسيا الناسك المتوحد فى اقسى معنى للتوحد والملتزم انين الروح و شئون العالم بالروح والذى ينزل الى الاسكندرية ويقف امام المحاكم لمساعدة المظلومين والذى لا يشغله شئ غير حب المسيح(ورد اسم السيد المسيح له المجد اكثر من مائة مرة فى سيرة الانبا انطونيوس للقديس اثناسيوس) وراسه فى السماء وينحنى امام اصغر دياكون(اى يحترم المؤسسة الكنسية) رغم قامته الروحية العالية ووسط التيارت الثقافية السائدة حرص اثناسيوس على تقديم انطونيوس كصديق للمثقفين والفلاسفة يأنسون اليه ويحاورونه ليضفوا طرواة روحانية على قساوة العقل وجموحه وليس ذلك فقط بل ان الاهم ان انطونيوس كان على دراية خاريسماتيكية وواقعية بخطورة بدعة اريوس وانشقاقات المونتانيين لان اللاهوت عند اباء البرية الكبار هو احساس قبل ان يكون علما والخطية هى انعدام الحس قبل ان تصير فعلا!!ويذكر لنا التاريخ الزيارة التى قام بها رهبان البرية الى الاسكندرية للحوار مع البطريرك ثيؤفيلوس حول تفسيره الرمزى للاية (لنعمل الانسان على صورتنا كشبهنا)تك 1 :26 طالبين التمسك بالتفسير الحرفى للاية ضد التفسير الاورجينى الرمزى ولقد عرف هؤلاء الرهبان فى التاريخ الكنسى بأسم (الانثروبومورفيتيس) فرغم تمأسس الحركة الرهبانية الا ان البرية ظلت هى ترمومتر الدقة فى حرية حرارة الكنيسة اللاهوتية والروحية والتدبيرية ونستطيع ان نتكلم عن المؤسسة الخاريسماتيكية والخاريسما المؤسساتية فى وحدة بلا تشويش ولا خلط للادوار ولا تقزيم للمواهب ولا عملقة للاقزام ولهذا حرصت الرهبنة الاولى على عدم رسامة الرهبان كهنة الا للضرورة القصوى وحديثا قال سياسى لامع(Absolute power corruptabsolutly .[5]
ولكى ندرس بعمق العلاقة الجدلية بين اللاهوت والمواهب فى الكنيسة الاولى لابد بادئ ذى بدء ان نتعرف على معنى وفحوى الكنيسة ما هى الكنيسة ؟                                                 
الكنيسة هى المعمل الذى يتحول فيه اللاهوت الى مواهب والثيؤلوجيا الى ايكونوميا بالروح والحق
من أروع أوصاف الكنيسة فى العهدين القديم والجديد وأمتلائها بالمواهب وحنكتها فى التدبير ورسالتها فى العالم[6] هو ما جاء على قلم احد كبار اللاهوتيين المعاصرين الذى يقول:
(الكنيسة عاشت حياتها ومسيرتها كما عاشها الانسان الاول فكما كان الانسان الاول يحيا فى وسط هبات وعطايا الخليقة البكر هكذا عاشت الكنيسة وسط مدارس العالم الروحية والثقافية على مر العصور وكما أعطى أدم مسميات مختلفة للحيوانات هكذا الكنيسة ومنذ نِشأتها نظرت حولها على الارض وتأملت وتزاورت وتحاورت بالروح والحق مع الحضارات والثقافات والافكار التى وجدتها واعطت للعالم بكل مكوناته وتراثاته نكهة سماوية واسماء روحانية. فبدأت الكنيسة فى كلدان ثم سكنت وسط الكنعانيين وقبلت انبيائها بقبلة المحبة وهبطت الى مصر فهدمت اوثانها واسست فى وسطها مذبح للرب ثم عبرت الى العربية حتى استقرت فى موطنها أورشليم وصارت هناك ام الكنائس ثم تقابلت مع تجار صور ومع حكمة الشرق وفخامة حضارة سبأ ثم حملوها قسرا الى السبى فرنمت للرب احلى المزامير على انهار بابل وتمشت بين مدارس الاغريق الفلسفية وصادقت علمائها وطوعت تراثهم ولغتهم العنيدة القاسية الوثنية الوجدان لطرواة الانجيل ولخدمة الكرازة وزارت حضارة مصر وبنت مذبحها فى وسط ارضها وعمدت اللاهوت بالدموع فى بريتها وعلى يد اباء البرية الجوانية وواديها وأنقذت لغة وارض مصر من الضياع والتغريب ومازالت وحيثما ذهبت الكنيسة فى وقت النصرة أو زمان التعب فى زمان التجليات او الكبوات فى زمان الانكماش والانطواء فقد كانت دوما فكر وصوت ألله العالى الصارخ فى برية هذه الدنيا تجلس كمعلمها بتواضع وثقة وانفتاح وسط ملء الزمان (وسط العلماء تسمعهم و تسألهم)لو2: 46 ويوسف ومريم وكل نفس متبتلة مع يوسف ومريم يبحثان عنه وسط الجموع وهى تتبنى كل حق فى كلامهم وتعمده فى دموع التوبة وتصحح كل خطأ بقوانينها الرشيدة وتتشفع فى عيوبهم بالروح ونقائصهم وتكمل ما بدأوه وتشاركهم هواجسهم وأشواقهم وتشبعهم باللاهوت والخبز الحى وفى كل ذلك تستلهم المواهب وتفك الطاقات وتبكت الكبار شكلا وتشجع الصغار النفوس حقا وتدبر الكون تدبيرا حسنا وتصلى من اجل ان يملاء الله القلوب فرحا ونعيما) .[7]                                                         
المراحل التاريخية لعلاقة المواهب بالتدبير:                                                                
لكى ندرس موضوعنا بشكل موثق نقسم تاريخ العلاقة بين الكنبسة والمواهب الى 4 اقسام:    
  
1 –الفترة الاولى تمتد من عام 30 الى عام 65 مبلادية وتشمل :                                    
-التراثات الى سبقت الاناجيل الازائية                                                           
-المصادر الاولى لسفر الرويأ                                                                     
    -  الاصول الاولى لسفر الاعمال                                                                        
                                                               
2 – الفترة من عام 65 الى عام 85 وتشمل :                                                             
   - تدوين انجيل مرقس                                                                                   
- تدوين اعمال لوقا الانجيل وسفر الاعمال – تدوين انجيل متى                                
                              
3 –الفترة من عام 85 الى عام 100 وتشمل :                                                              
-باقى رسائل بولس                                                                                      
- انجيل ورسائل يوحنا                                                                                  
- الرؤيا                                                                                                    
                                                   
4 –الفترة الابائية الاولى مت 100 الى 200 وتشمل:                                                     
- الديداكى                                                                                                  
-الراعى لهرماس                                                                                         
- الرسالة الاولى لاكليمنضس الى الكورنثيين                                                                     
- رسائل اغناطيوس الى اهل سميرنا واهل فيلادلفيا والمغنيسيين                                           
هناك ثلاث مواقف فى حياة الكنيسة المسيحية الاولى تؤكد هذا التوتر الخلاق بين المواهب الروحية والتسليم المطلق لنعمة الرب وبين التدبير الزمنى والتزام شئون الارض ونستطيع ان نعطى لهذه المواقف اسماء وهى:                                                                                       
ألمواهب الروحية وابعادها الاحتماعية ومردوداتها الحضارية :                                          
الكنيسة الاولى كنا سبق وذكرنا تتعامل مع الواقع التاريخى باحاسيس لاهوتية راقية فلقد رأت وبعيون ثاقبة فى عز الوثنية [8]بوارق امال خلاصية وفى الفلسفة اليونانية وسيلة فكر واداة كرازة وفى عادات المصريين دروسا روحية فالمواهب الروحية بعد التجسد لها مدلولات ومردودات تاريخية وواقعية وهذا هو جديد المسيحية لانه لا يمكن للمرء ان يكون متمدينا فى تدينه وبدويا فى سلوكه فى المدينة كما يقول المطران جورج خضر[9] فالمواهب اى الخاريسمتا معنى Χαρίσματαوالموهبة هى لفظا وفحوى هى نعمة وجهاد[10] وحينما صارت اى المواهب على يد الغنوسيين غيبيات وارستقراطية روحية فارغة ادانتها الكنيسة غير عابئة بما لها من فكر يبدوا للسذج من العامة خلابا والكنيسة لم تكن ابدا شعبوية تكلم الناس بالناعمات بل انحازت للصفوة والنخبة المؤمنة بين الناس وهموهم وأسئلتهم المصيرية المصيرية وقفز اباء الكنيسة قفزات لاهوتية غير مسبوقة لايقاظ الحبيب النائم فى سفينة الامم المعذبة من الامواج وخرج على العالم لاهوتيوها بنظرية الاسبرماتيكوس لوغوس[11]σπερματικός λόγος تلك النظرية التى لا تعطى خلاصا مجانيا لغير المؤمنين بدون جهاد وقبول وتعب كما ظن البعض من المسيحيين اكثر من المسيح نفسه !! بقدر ما تسعى لتسير الميل الثانى فكريا مع افكار الناس لكى تكتشف ما لله فى هذه الحضارات وما لقيصر وما للشيطان والاسبرماتيكوس لوغوس هو قفزة من العلماء لاكتشاف ان للرب لقاحا فى الحضارات لم يجد رحم الامم مخصبا بالروح ليولد فيه المسيح فخرج منه انبياء للرب وخرج منه خداما لابليس ولعل حركات التنصير الكبيرة فى هذه الايام الا دليلا على صدق حدس الاباء من نحو الامم وما على الابناء الا مواصلة العمل واعادة حفر الابار القديمة! وذهب ابن الاسكندرية البار اكليمنضس الى القول الرهيب ان الفلاسفة اى المثقفين الصادقين هم انبياء الوثنية انها ايجابية الكرازة والكرازة الايجابية التى دشنها بولس الرسول فى اثينا باليونان(اع 17 ) ونعود الى اهم الاحداث التى فجرت قضية العلاقة بين المواهب الروحية والتدبيرات اليومية ونكتفى بثلاث مواقف فى العهد الجديد ونترك الباقى للباحثين الشباب                                                           
                                                          
أولا: الحادثة الاولى التى ظهر فيها التوتر الخلاق بين الخاريسمتا والايكونوميا وردت فى سفر تاريخ العائلة المسيحية الاولى حينما حملت النعمة المؤمنين فاحبوا الملك المسيح وتركوا كل شئ تحت اقدام الكنيسة(وكان لجمهور الذين امنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن احد يقول ان شيئا من امواله له بل كان عندهم كل شئ مشتركا وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة على جميعهم اذ لم يكن احد فيهم محتاجا لان كل الذين كانوا اصحاب حقول او بيوت كانوا يأتون باثمان المبيعات ويضعونها عند ارجل الرسل(موهبة العطاء) فكان يوزع على كل احد كما يكون له احتياج (موهبة التدبير الحسن)اع4 -34 ). الخارسما صارت عدوى طيبة اصابت كل الجماعة والجو العام جو نعمة الحب و الترك والتجرد والثقة والى ان جأت اسرة صغيرة من حنانيا الزوج وسفيرة الزوجة ولم يقل لنا لوقا شيئا عن اولادهم واصابهم القلق ظنوا انهم قد تسرعوا فى الاستجابة لصوت الخارسما وقرروا ان يدبروا امورهم بشكل اخر عملى اكثر بلغة اليوم !! واختلسوا من ثمن الحقل وتسال لوقا السؤال الكبير(لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل؟) ووضع لوقا وربما لاول مرة الاطار اللاهوتى و التشريعى للعلاقة بين الموهبة وسوء التدبير (انت لم تكذب على الناس بل على الله)اع 5-4) اتهام خطير على خطأ يبدو بسيطا ولكن الارتداد للانشغال بالذات وتأمين المستقبل الروحى او الجسدى خارج اطار الجماعة المؤمنة نتيجة الانشغال بالذات والكذب او التقية العربية او التفنن فى تبرير الذات ولقد كتب الفيلسوف شوبنهور كتابا عن (فن ان يكون الانسان على حق دائما والاخرين على خطأ دوما)!!! بعد ان ذاق حلاوة العطاء هو فى نظر الكنيسة كذب على الروح القدس وتحالف مع الشيطان ولا يعنى ذلك عدم التدبير والحسابات والحسابات فالرب نفسه دعا الى الجلوس و حساب النفقة المشكلة هى فى ان يخفى هذا الامر مصالحا شخصية ونوايا سيئة والمثال يهوذا وعلاقته بالتدبير(يو12 :6) .ولهذا فالرد على هذا الصراع كان حاسما وهو التدبير الحسن من جهة والعقاب الصارم على تبديد اموال الله من جهة اخرى (فنهض الاحداث وحمله خارجا ودفنوه) لم يهتم به الشيوخ بل تركوه للاحداث(اى نيوتيرى) فالشيوخ لهم مهام اخرى اهم فالشيوخ دعوا الموتى يدفنون موتاهم اما هم فذهبوا ونادوا بملكوت الله!!. وقديما قال حكماء مصر ان الجشع ليس له قبر اى انه غائب عن الذاكرة الجمعية للامة.[12]                                                                                 
ثانيا:الحادث الثانى جاء من وراء ظهور النعرات الاثنية وسط الجماعة وبعد ان زادت المواهب وكثرت النعم (حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين أن اراملهن كن يغفلن عنهن فى الخدمة اليومية(الدياكونيا)أع 6-1 القضية تدبيرية بالدرجة الاولى وذات جذور لاهوتية ومردودات اجتماعية وثقافية فمهما كانت روحانية الشخص ومواهبه فهذا لا يلغى انتمأئه وثقافته ولم يتهم احد الارامل (بالدناوة) ولم يتركوهن يتهن بين المكاتب بل اخذوا القضية القديمة مأخذ الجد واخرجوا منها جددا وعتقاء لاهوتية وتدبيرية روحية وسنوا منهجا جديدا فى التوفيق البارع بين الثيؤلوجيا والايكونوميا على الارض ولم يتم الحل (دكاكينى) او باستعجال للتراضى او خوفا من الدوشة او حرصا شكليا على سمعة البلد او الجماعة!!او هروبا من فتنة عرقية بين اولاد الله بل تم الحل فى جو حوارى ديموقراطى وما اروع(دعا الاثنى عشر جمهور التلاميذ وقالوا لا يرضى (اوك ارستون اى ليس هذا هو الحل الامثل) أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد فأنتخبوا( ليس للكلمة علاقة بالمعنى المعاصر للانتخابات بل تعنى ابحثوا بالتدقيق عن النخبة والصفوة بينكم اى اهل الخبرة وليس اهل الثقة عكس المذهب الناصرى) ايها الاخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم على هذه الحاجة وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة ) الكلام هنا كثير ويحتاج لدراسات خاصة معمقة ولكن المهم هو ان الرسل يقولون(نحن) لم يقل احد (انا) لان المواهب هبة للجماعة من خلال الافراد ففى وسط الزحام واختلاط الحابل بالنابل وضياع المواهب تحت اقدام لقمة العيش لابد للكنيسة ان تجدد هويتها كخادمة للكلمة (ليس جيد اى ليس هذا هو الحل الامثل) فالكنيسة ليست مهمتها ان تطعم فقط بطونا لا تشبع او تكون صفوفا من الشحاتين المحترفين باسم اخوة الرب !!! بل تبحث عن الجياع والعطاش الى البر وهذا يعيد طرح قضية الدور السياسى والاجتماعى للكنيسة والذى يشغل اليوم اللاهوتيون من امريكا اللاتينية الى افريقيا مرورا بالدول الغنية وظهور ما يسمى بلاهوت التحرير ولابد ان تشغل طوابير العيش وثورة الجياع وشباب وصباى النواصى اللاهوتيين فى بلادنا. خدمة الخبز والتدبير يتصدى لها رجالا على نفس القامة الروحية لخدام الكلمة ومشهود لهم وكم من مأسى حدثت وتحدث بسبب تولى الغير مؤهلين روحيا الادارة فلم يسلم الرسل الارامل الى مجموعة من هواة تعذيب البشر الذين تخصصوا فى اهانة (اخوة الرب ) وبدلا من ان يحولوهم الى مؤمنين احرارا جعلوهم يحترفوا الشحاتة باسم الرب وقد ادرك قداسة البابا شنودة الثالث خطورة ترك الفقراء فى متاهات اللجان والروتين فقرر ولاول مرة فى تاريخ الباباوات ان يستقبلهم بشكل كريم وبنفسه ويعطيهم كسيده اكثر مما يطلبون او يفتكرون وكنا نرى وفودا من اغنياء الارض ينتظرون قداسته لانه على موعد مقدس مع فقراء الشعب .
ولاول مرة فى تاريخ الناس تسمع عن تحول جذرى فى طريقة تقديم المعونة او المساعدة او المال فخدام اموال الكنيسة من مدبرون او لجان لابد ان يكون مشهود لهم ومملوئبن من الروح القدس وحكمة فالشهادة الحسنة المطلوبة لرسامة الاسقف والكاهن والدياكون عند تيموثأوس(1تيمو3-7) هى هى نفسها ولاقامةخدام الموائد عند لوقا فخدمة المائدة والسقفية موهبتان للروح الواحد.وتكمل الصورة بالمؤمنبن فى اورشليم الذين امنوا بان الرب قريب وقدموا اموالهم للكنيسة ولما تأخر المجئ وقعوا فى العوز فجال بولس يجمع المعونات لهم(1كو16 :1-4 تاخر المجئ قضية شغلت علماء العهد الجديد وعلماء التاريخ الكنسى ولقد قدم فيها الاب كومان وهو من كنيسة رومانيا الارثوذكسية رسالة دكتوراة فى اثينا ولقد كان للبروفسورسافاس اغوردس السبق العلمى فى اثارة هذه القضية فى الاوساط العلمية واللاهوتية اليونانية والاوربية وهى ليست مجرد قضية مشاعرنفسانية وأشواق عاطفية او روحية صماء كما ارادتها بعض المسيحيين بل هى قضية تاريخية وعلمية تتعلق بماضى وحاضر ومستقبل البشرية ولا يمكن ان نحصر مستقبل البشر الزمنى والابدى فى مجموعة عواطف دينية توقف حركة الحياة وتتنكر للتاريخ انتظارا للمجئ فى معناه الروحى والعاطفى الضيق بعيدا عن ابعاده اللاهوتية والانثروبولوجية والكونية والسؤال الذى يطرح على الاسخاتولوجية الغيبية والغنوسيين الجدد هو الاتى كيف يريد ان يخلص العالم ويوعده بالخلاص من يتجاهل تاريخ العالم وهموم الناس ومعطيات العلوم الحديثة هل سنظل نتكلم عن الارض كمركز للكون ونرجع الرسالة المسيحية الى ما قبل جاليليو وهل سنتستمر فى الحديث عن الخليقة الاولى مع تجاهل نظرية دارون فى النشوء والارتقاء والتى يدرسها اولادنا فى المدارس العلمانية ! وهل سنظل نتعاطى مع النفس البشرية بدون فهم ما قاله فرويد عن اللاشعور وعقده واوجاعه كمكون اساسى للنفس البشرية؟ فالاخرويات ليست هى اصابة التاريخ الانسانى بالشلل ولا وقوع الناس تحت غيبوبة جماعية وفقدان ذاكرة ولخطورة القضية كرس لها الرسول بولس جزء كبير من رسالته الى التسالونيكيين (اتس 4: 13 -21 و2تس 2 و3 ) والرب يسوع حينما ظهر لتلميذى عمواس ولكى يرد لهم الوعى اللاهوتى به قدم لهم درسا فى التاريخ فيسوع درس تاريخ الخلاص لتلاميذه مما هيأهم لسر الشكر والاستنارة الروحية واضرم فيهم الشوق للقائه على السحاب(ثم ابتداء من موسى وجميع الانبياء يفسر لهم الامور المختصة به فى جميع الكتب )لو 24 :27 )بعد ان كلمهم عن الامه والدخول الى المجد الاسخاتولوجى (أيها الغبيان اما كان ينبغى ان المسيح يتألم بهذا ويدخل الى مجده)فالاسخاتولوجيا هى ازدياد للوعى التاريخى بمجد الالام والام المجد ويسميها علماء العهد الجديد                                                                          
Realised Eschatology
التاريخى فى اعماقه الاخروية                                                                               
                                                                         
ألعلاقة بين الثيؤلوجيا والايكونوميا عند الاباء                                                             
                                                         
فالاسخاتولوجيا فى العهد الجديد هو الملكوت الاتى المحقق فى الزمان الانى[13]وهذا التوق للذهاب الى السماء بطريقة ذاتية انانية بعيدا عن هموم الناس ولا تحمل الناس وهمومهم امام العرش الالهى وقف ضدها اباء البرية ونذكر على سبيل المثال قصة البستان (قال الشيوخ :اذا رايت راهبا شابا يرتفع الى السماء بارادته الخاصة(هيم بيفووش بالقبطية) امسك برجليه واجذبه الى الارض لان هذا الامر غير نافع له)[14]                                                                                      
الاباء ادركوا خطورة ان طلب السماء بدون شركة المجمع وشركة الكنيسة وبركة التلمذة وفى سن الغرور والكبرياء هو شئ غير نافع !!! وعالجوا الازمة بين الثيؤلوجيا والايكونوميا والاسخاتولوجيا ولقد حسمت الكنيسة القبطية خيارها منذ البدء فهى تطلب فقط السماويات والقبطى يدعى (خينيفاوى ) اى جاى من السماء وصارت الكلمة فى الحس الشعبى مرادفة للبساطة والسذاجة وتصديق كل شئ والثقة بالحياة ببساطة ولهذا صمد القبطى امام الغزوات ومحاولات محو ذاكرته وتاريخ الكنيسة حافل بالامثلة على هذا التوجه ولهذا يستغرب البعض اذا كان الرهبان فى الدير المحرق فى القرن الماضى قد انزعجوا من سلوك امين الدير القديس الانبا ابرام اسقف الفيوم حينما كان وكيلا للدير واتهموه بتبديد اموال الدير على الفقراء فالقديس يحيا فى السماء والرهبان يريدوا ان يدبروا امور الدير تدبيرا حسنا هنا على الارض انه الصراع بين الاسخاتولوجيا والايكونوميا والشئ اللافت ان تعبير (الربيتة) اى امين الدير عند الاباء الاقباط هو(الايكونوموس) فى النصوص القديمة اى الخبير بالشئون الاقتصادية اى مدبر شئون البيت وهذا لايكفى فلابد ان يكون خبيرا ايضا بالشئون الروحانية وعلى المستوى العلمى واللاهوتى فقد انحاز ابائها للتفسير الرمزى لاسرار الكتاب المقدس واللاهوت ولم يرضوا بالانغلاق فى التفسير الحرفى للتاريخ الالهى فقط وكهدف فى حد ذاته لان الحرف يربط بفترة سابقة وثابتة من امجاد التاريخ ويخلق نوعا من الحسرة والنوستالجبا على والى امجاد الماضى العريق مما قد يهدد بقتل الطاقات (2كو 3 :6 ) فالحرف صنع نسطور والروح والرمز ابدع كيرلس !!! وهذا الامر يشكل اليوم ازمة كبيرة فى الكنيسة اليونانية على سبيل المثال هذا التوجه الحرفى للماضى تحت شعار (الى الوراء الى الاباء والتقليد ) ممكن ان يقتل حيوية الحركة والابداع اللاهوتى وفتح افاق جديدة للمستقبل ولهذا قال لهم الاب جورج فلورفسكى (الى الامام نحو المستقبل مع الاباء وبالاباء )وذلك ادراكا من العلماء ان التفسير الرمزى المستقبلى الاخروى يعطى الفرصة لاخذ رموز من كل عصر وكل حضارة لشرح اللاهوت لان اللاهوت ثابت ولكن تدبير اللفظ والرمز يأخذ معناه من كل عصر الى جانب حرية الحركة الروحية والذهنية فى التعامل مع النصوص[15]. والمثال الاخر على الاهتمام القبطى بالروحيات وبالسماويات وبالثيؤلوجيا اكثر من الاستوريا(التاريخ) هو نص صلاة المجمع فى القداس الباسيلى فيلاحظ ليس الباحث بل اى طالب وى السنة الاولى تاريخ ان واضع نص المجمع لا يشغله الترتيب التاريخى لاسماء الاباء لا تشغله الثيؤلوجيا فى بعدها التاريخى بل شغله الشاغل هو الثيؤلوجيا فى بعدها الاخروى وهذا ينطبق على الكثير من النصوص فالقديس باسيليوس بعد كيرلس مع انه تاريخيا قبله(باسليوستنيح 371 م) واثناسيوس قبل الاثنين مع انه تاريخيا معاصر يسبق كيرلس ومعاصر لباسيليوس والانبا انطونيوس بعيد جدا عن الزمن الذى عاش(تنيح 451 م) فقد وضعوه بعد محمع افسس 431 وقد قارب على الانتقال ولا يعرف احد ما هو الحقيقى وراء عدم الدقة التاريخية فى النص ولكننا نعى الدافع الروحى وراء النص وهذا يحتاج الى اختصاصيين يتصدون له بروح ليتورجية علمية ولم يتسأل يوما قبطى جاهل او متعلم عن السبب وربما لو تجرا احد واقترح تعديل الاسماء فى نص المجمع لتصير مفهومة للمصلى الذى يمتلك الحس التاريخى ربما يوافق علماء واباء الكنيسة ولكن الشعب الذى ظل سنينا يربط مصيره وصلاته وتعزيته وربما حياته بهذا النص وبهذا اللحن الجميل للمجمع الذى يعطى فرصة هدوء وتأمل كبيرين فى الكنيسة بعد رحلة الليتورجيا ويهيئ الكنيسة للشركة مع القديسين وبهذا الشكل سيجد الشعب صعوبة كبيرة فى الـتأقلم مع الدقة التاريخية للروحيات ولقد اوصى قداسة البابا بحس ابائى كبير بمراجعة السنكسار وتنقيته مما يخالف التاريخ والواقع وكذلك اوصى بالدراسة النقدية لقوانبن ابن العسال وتنقيتها [16] ولا يستبعد الكثير من الباحثين فى الشأن القبطى ان يكون هذا الخوف من التعاطى مع النصوص بحس علمى وتاريخى ونقدى بالمعنى العلمى النزيه للنقد وليس النقمة النفسانية وحسب المعايير التى اسسها الاباء واخرجها فى ثوب معاصر علماء اللاهوت اليوم واود ان اوجه رجاء حار الى الدارسين والباحثين ان يضعوا جانبا اى هموم شخصية وانين جانبا وان لا يجعلوا من مشاكلهم النفسية مشاكل لاهوتية !!وان يبحثوا الامور بشكل علمى يليق بكرامة المسيح وتاريخ المسيحيين الجليل تاريخ كل المسيحيين والا يظهروا مرارة [17] ولعل احد اسباب غياب الدالة البحثية والحرية العلمية فى التعامل مع النصوص بدالة                                                                    
روحية وعلمية هو الجو الاسلامى الذى يؤمن بالتنزيل ونزاهة النصوص عن كل فحص ولا يسأل التاريخ عن ايمانه ونصوصه ويحتقر كل ما هو انسانى ولا نلوم القبطى العادى وحتى الباحث القبطى لان الوعى بقيمة النصوص فى التاريخ الكنسى والتاريخ بشكل عام هو فى الغرب نفسه [18]علم حديث يعود الى عصر النهضة ونحتاج الى جهاد كبير وتوبات وتعب ونسك عقلى وتخصصات ليتم الصلح فى الشرق الاوسط بين التاريخ واللاهوت وبين النص والفكر والواقع وبين اللاهوت والرموز التدبيرية وبين عمل الروح ودور الانسان بين السلطة والخاريسما بين اهل الثقة الجهلة واهل الخبرة الموضوعيين والسبب الاخر ان الكنيسة فى نصوصها تطلب روحا ولا تبتغى شئ من هذا العالم المحيط بها ولا معاييره التى لم يصبها منها سوى الاذى والاضطهاد والاتهامات بالتزوير والتحريف التى تحرج شعبنا كل يوم ولا يستطيع الرد ولا الاحتجاج فيفضل الانكفاء والاكتفاء بالنصوص يحفظها ويخاف عليها ويشترها بدون فحص لان من جاور الحداد ينكوى بناره ومن جاور السعيد يسعد !! وهذا امر طبيعى فى اجواء تهدد الوجود فى كل صباح ولم ترفع هذه المعايير شان احد بل مازلت تكبل الانسان الشرقى وتمنعه من التقدم ولكن ومع تغير علامات الزمان وظهور جيل جديد من العلماء والباحثين الذين يملكون ناصية العلوم ومع انتشار المسيحيين الشرقيين فى المهجر والمقارنة بين احوال الغرب (الكافر ) والشرق (المؤمن )!!! والاسئلة الجديدة التى يطرحها اليوم الانسان الشرقى من كل الثقافات والشرائح الاجتماعية والنهضة العلمية فى علوم الاباء على يد علماء مراكز الدراسات اللاهوتية والانسانية والابائية سوف يؤدى الى (التوبة العلمية ) رو12 : 1و اعادة اكتشاف العمق اللاهوتى للنصوص والعمق اللاهوتى للتاريخ والعمق التاريخى للاهوت والنصوص القبطية واليونانية والسريانية والارمنية والتراث الارثوذكسى الاول(الارثوذكسى بالمعنى الشامل وليس الطائفى) فيه من الغنى الكفيل بتقديم التوازن العلمى واللاهوتى بين اللاهوت كخبرة ورؤية واللاهوت كعلم ومنهج والايكونوميا كتاريخ حى والاسخاتولوجيا كواقع يعيشه الناس البسطاء فى كل يوم وهنا والان لنصل الى لاهوت راسه فى السماوات بس بيمشى على الارض كسيده حسب تعبير عالم لاهوت امريكى Feet on Earth Theology
كنيسة كورنثوس والصراع بين أهل المواهب                                                          
                                                 
ظهرت قضية العلاقة بين المواهب والتدبير فى اجلى صورها فى كنيسة الله التى فى مدينة كورنثوس والتى تبعد ساعة بالسيارة عن العاصمة اليونانية أثينا والقضية هنا لا تتعلق بارامل يطلبن الخبز ولا بعائلة تختلس مالا خوفا من المستقبل بل بكبار(أستغنوا فى كل شئ قى المسيح فى كل كلمة وكل علم حتى انهم ليسوا ناقصون فى موهبة (خاريسما) وهم متوقعون استعلان يسوع المسيح)اكو 1-4 ولكن (بينهم انشقاقات وخصومات)اكو1 -10 وخطورة خصومات الكبار!!! كرس لها الوحى الالهى كما كبيرا من الايات فنحن امام قامات روحانية عالية فبدلا من ان تتحول المواهب الى شركة فى العمل الالهى وظفها البعض فى خدمة( الاوجاع باثوس)- والكلمة من بستان الرهبان- الحزبية الرفوضة حتى لو كانت احزاب بطرس وبولس ويتهياء لها انها تعمل من اجل مصلحة الجماعة !! واضطر بولس الى الرجوع الى الاساس الخرستولوجى للازمة(هل انقسم المسيح)1كو1-13 وذكرهم باصولهم الاولى ودعوتهم وبأن الطموحات النفسانية تقتل اكبر المواهب وهم يقدسون معا ولا ينجحوا فى دفن خصوماتهم تحت المذبح مع عظام القديسين والعلماء بل يحتفظوا لها ويجدوا لها المبررات اللاهوتية ! فواحد يقول انا لبولس ويرد عليه الاخر فى (لحن الخصام) امين وانا لابولس وهنا الشقاق والخصومات ويتحول لاهوت المواهب الى لاهوت الاهواء وتصفية الحسابات وحذرهم من خطر مرض أخر هو اساس للسابق ونتيجة له وهو الحكمة حسب الجسد وكلام الحكمة ويقصد التشبه بالسوفوسطائيين اليونانيين الذين يقدرون ان يقولوا النور ظلاما وللظلام نور على رأى شوبنهور الفيلسوف الذى الف كتابا سماه (فن ان يكون المرء دائما على حق والاخرون على باطلL’Art d’Avoir Toujours Raison )ولقد كانت هناك من الفلاسفة وظيفتهم هى الكلام وتبرير المواقف وهم ينطبق عليهم قول ولوم و شكوى اشعياء النبى(اش 5 :18-23 ) لان الكثيرين فى كورنثوس حملوا معهم ذكاء العالم ودرجاته العلمية الى داخل الخدمة ولم يعمدوا هذه الطاقات فى روح التوبة وهؤلاء شكلوا طبقة الغنوسيين اى العرفان الذين اتعبوا الكنيسة زمانا طويلا بذكائهم ومعارفهم الكاذبة كما سماها ايرينيؤس اسقف ليون بفرنسا فى مؤلفه ضد الهراطقة والمعارف المزيفة الكاذبة (اكو2 13                                                   
اللاهوت (بين التدخلات الالهية بالمعجزات والتدبير البشرى بالصلاة وتشغيل العقل) فى حياة المسيحيين الاوائل:                                                                                     
فى الحديث عن الثيؤلوجيا والايكونوميا يبرز أمامنا امامنا امران فى غاية الاهمية فى فهم واختبار وتفسير عمل الله فى التاريخ فالثيؤلوجيا تظهر فى تدخلات الله فى التاريخ بالايات والعلامات والمعجزات والانسان يستدعى هذا التدخل او يكتشفه ويفهمه بالصلاة والتفكير واعمال العقل والبحث عن الاسباب ولنقدم مثلا                                                                           
οΑνθρώπος
من حياة المسيحيين الاوائل ففى الاصحاح الثانى عشر من سفر الاعمال نقرأ عن الحادث الشهير الذى حدث وهو القبض على بطرس فبعد ان قتل هيرودس يعقوب أخا الرب بالسيف ولما راى هيرودس اغريباس الحاكم اليهودى ان ذلك يرضى اليهود القوة الدينية السائدة يومها اتفحت نفسه!! على قتل باقى الرسل فوضع بطرس فى السجن وهنا (واما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة الى الله من اجله)اع 12 :5 , وبعد هذه اللجاجة التى نسميها (الايكونوميا التدبير البشرى ) جأ التدخل الالهى (ألثيؤلوجيا) فى التاريخ وفى الاحداث لان موت بطرس احد هامات الرسل لو كان قد تم !! وبعد قتل يعقوب كان كفيلا بأن يصيب الكنيسة الناشئة بالاحباط الكبير فكان لابد من التدخل الالهى بدون ان يحول هذا التدخل المؤمنين الى متواكلين متكاسلين غير خلاقين ويعيشون عالة على الماضى او عبيد للحاضر المستبد او اسرى لاوهام مستقبل لن يأتى ابدأ !! وهذا الامر يحتاج الى تدقيق كبير لفهم اليات عمل اللاهوت ودور الانسان اى الانثروبولوجيا فى تحقيق اعلانات الثيؤلوجيا وهو موضوع يشغل الفكر الدينى الشرقى كله اليوم فالتدخل اللاهوتى جاء فى الشكل الاتى(واذ ملاك الرب أقبل ونور اضاء فى البيت فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلا قم عاجلا قسقطت السلستان من يديه وقال له الملاك تمنطق والبس نعليك ففعل هكذا فقال له البس رداءك وأتبعنى فخرج يتبعه وكان (بطرس ) لا يعلم ان الذى جرى بواسطة الملاك هو حقيقى بل يظن انه ينظر رؤيا فجازا المحرس الاول والثانى وأتيا الى الباب الحديد الذى يؤدى الى المدينة فانفتح لهما من ذاته فخرجا وتقدما زقاقا واحدا وللوقت فارقه الملاك فقال بطرس وهو قد رجع الى نفسه الان علمت يقينا ان الرب ارسل ملاكا وأنقذنى من هيرودس ومن كل انتظار اليهود )اع 12: 6-12
نترك تفسيرهذا النص الرائع لعلماءاللغة اليونانية والقبطية للعهد الجديد ولكن جل اهتمامنا هو امرين الامر الاول هو التدخل المعجزى الخارق لقوانين الطبيعة ونواميس التاريخ اى الثيؤلوجبا والثانى الرد الفعل البشرى فى وسط الجماعة اى الاكليسيولوجيا وعلى مستوى الخدام فالله قرر ان يتدخل بعد الصلاة بلجاجة والامر الثانى ان الملاك اى السماء قادت الموقف وسط ذهول بطرس الى ان جأ به الملاك الى باب السجن وتقدم به حارة واحدة وتركه وهنا نقف لنتأمل كما سبق واشرنا فى ان بطرس بعد ان عاش هذا الحدث الميافيزيقى اى الفوق الطبيعى عاد الى الوضع الفيزيقى اى الى الوضع الطبيعى وارض الواقع (وهو قد رجع الى نفسهγενόμενος έν έαυτώ          
اى انه (صار هو ذاته ) بمعنى ان التدخلات الاعجازية من الله فى التاريخ ليس هدفها ان تقف عجلة الاحداث ولا ان تبلف الناس ولا ان ينتظر التاريخ اوامر من احد بل ان يصير التاريخ كما بطرس هو نفسه بدون تزييف ولا غيبوبة ولا ادعاء بالبطولة بل يصير هو نفسه اى يسترد الوعى بالذات ويصير العمق التاريخى هو هو المرجو من الاعلان الالهى فى الاخرويات اى كمال التاريخ(كونوا كاملين كما اب اباكم هو كامل ) والامر الثانى والاهم ان المبادرات الالهية تتوقف طوعا فى اخلاء ذات(كينوسيس ) الهى مملوء حبا لتعطى الفرصة والمساحة لحرية الانسان العاقلة وعقلانيته الحرة ليدبر راسه كما يقول الشوام فالملاك قاد بطرس الى زقاق واحد وتركه لانه بكل بساطة بطرس ها يعرف يروح لوحده وبالطريقة التى سيختارها لان البلد بلده!!! فالله لا يغربنا عن واقعنا والتدخل الالهى لا يلغى عقل الانسان والتوبة ليست هى لون من الوان فقدان الذاكرة التاريخية والتفرغ لطرح الاسئلة التافهة المكررة والتى لا تعنى الا شئ واحد وهو الهروب من الاسئلة المصيرية التى تجدد الجماعة وتفك الاسرى وتطلق الطاقات وتكرز بسنة الرب المقبولة فى كل سنة واذا كنا نؤمن ان كل حرف وكلمة فى الكتاب المقدس لها معنى ومغزى فان للكلمات هنا وزنها فالملاك تركه ليعى ذاته ويستثمر المعجزة فى الكرازة وليعطيه الفرصة ليبدع فى اخراج المعجزة من خلال شخصيته لاخوته فى الكنيسة فى بيت مريم ام يوحنا(اع12 :12 ) ولان الملاك تصرف -اذا جاز التعبير بلباقة الهية- فلو جاء مع بطرس الى البيت لفقد بطرس دوره ولانشغل الجميع باستقبال الملاك وتركوا بطرس وهذا كان سيؤدى الى ضياع مفعول التدخل الالهى وتهميش الدور الانسانى او سحق الدور الانسانى امام الانبهار والتصفيق لله الصانع العجائب لتحولت تدخلات الثيؤلوجيا فى التاريخ الى نوع من انواع الديكتاتورية القاهرة للطاقات ولتحولت الايكونوميا من مواهب وتعددية وتنوع جميل فى الوحدة على مثال الثالوث الى نوع من الترديد الالى لكلام نظرى لا مردود له على الارض ولغلبت روح الفردية والتواكلية على مثال الشعب اللى قال البركة فى موسى يصلى ويصوم اربعين بوم ونحن نأكل ونشرب ثم نقوم للعب(خر32 :6) . التى لا تتفق مع الايمان الثالوثى القدوس والشركة ودور الشعب فى الكنيسة ولا معنى لصلاة الكنيسة ( أشترك فى العمل مع عبيدك فى كل عمل صالح )[19] وهذا ضد لاهوت التجسد فالله تدخل والكنيسة قادة وشعب تعيش وتذوق وتختبر و تكتب تاريخ التدخلات والله يتكلم والكنيسة تكتب مسوقة من الروح القدس بلغتها وفى ظروفها وزمانها وهى دائما تعى ذاتها ورسالتها كما بطرس والله فى التدبير بالنعمة والكنيسة فى التفكير بالمواهب وهذا التوجه فتح امام الكنيسة فى العصر الرسولى افاقا كبيرة فى البشارة والتفاعل مع حضارات وثقافات الارض(اع 2 و17) وادى الى توظيف كل الطاقات واكتشاف كل المواهب من البشارة والتنبؤء والكلام بالسنة الناس و خدمة الموائد الى اقامة الموتى وشفاء المرضى(اع5 :12 ) وقبول التوبات ومسح دموع الحزانى وتبكيت التجار بالتقوى وومنح المواهب بالسيمونية (اع 9 :20 ) والحوارات الفكرية العالية التقنية مع اعتى حضارات الارض اليونانية(اع17 ) بفلاسفتها والعبرانية بانبيأها(اع 2 ) ومصر بمعابدها وحكمائها(اع7: 22.                                            
العلاقة بين الكنيسة كمواهب والكنيسة كمؤسسة                                                             
الكنيسة التى رايناها فى سفر الاعمال هى صورة الكنيسة الناشئة والتى اسسها وادار شئونها الروح القدس ولقد وردت كلمة (ابنيفما) اى الروح سبعين مرة فى السفر اى خمس العدد الكلى للكلمة فى كل العهد الجديد.[20] الروح هو الكل فى الكل وكل الامور الاداربة التى حدثت فى تلك الفترة ودونها سفر الاعمال هى ادارة بالروح فمن يوم الخمسين(اع2 )الى استئجار بولس لبيت فى روما كمركز للكرازة فى قلب عاصمة الدولة الرومانية العلمانية بكل مجاهرة وبلا مانع (اع28 :30 ) يسير العمل بالروح حتى فى ادق تفاصيله اليومية والتدبيرية والادارية كما سبق وراينا. فالمواهب الروحية هى لبنيان شعب الله سواء صلى فى بيوت او فى قاعات او فى كاتدرائيات ومن اهم ملامح هذا الانسجام بين الثيؤلوجيا والايكونوميا هو بداية ظهور ما يعرف اليوم فى اللاهوت المعاصر بظاهرة (التثاقف) اى ربط الظواهر الفوق                                                                  
inculturation
الطبيعية بجذورها الطبيعة على مثال شخص المسيح الذى ارتبط فيه اللاهوت الفوق الطبيعة بالناسوت الطبيعى جدا اللى شابهنا فى كل شئ فنحن عرفنا الميتافيزيقى فى ابنه بالطبيعة بالفيزيقى فهو ابن الله وابن السماء وهو ابن يوسف ومريم وابن الناصرة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير اى ان الخرستولوجيا هى اساس الوفاق العملى بين الثيؤلوجيا والايكونوميا وهذا يتم فى الاكلسيولوجيا بمعناها الابائى الشامل ومن هنا تأخذ ظاهرة التثاقف معناها الانسانى ولقد كان الاباء سباقون فالقديس اثناسيوس القبطى اخذ اجمل فى الثقافة اليونانية الوثنية وعمدها فى دموع اباء البرية وسطر اروع الكتابات عن تجسد الكلمة.[21]ولنأخذ مثلا يخص بلادنا مصر من سفر الاعمال فحينما يقول عن موسى النبى (انه تهذب(تربى على) بكل حكمة المصريين )اع 7 :لا يستطيع اللاهوتى الذى يخدم سر تجسد الكلمة فى تاريخ الناس وحضارات العالم الا ان يسأل عن ما هى هذه الحكمة ومكوناتها ومدلولاتها وهذا معناه البحث الشاق فى التاريخ المصرىالقديم ! فهل يعقل ان يلم اللاهوتى اليونانى بفكر اسلافه افلاطون وارسطو واللاهوتى القبطى لا يلم بحكمة المصريين التى شكلت شخصية موسى النبى[22] ولا يعرف بلده التى ورد اسمها مائتان مرة فى اسفار موسى الخمس وامام الباحث القبطى الذى اتقن لغة افلاطون جهاد ليقنى لغة ابائه القبطية والفارق كبيرفى المعانى والدلالات وهذا يتطلب البحث الدؤؤب عن دور ثقافات الشعوب فى التدبير الالهى وكيف يتم تحويل تراثات الناس بالروح الى تاريخ عمل اللاهوت وهنا يصير العمل اللاهوتى ابداعا حضاريا فى كل العصور وليس ترفا فكريا فى عصر ما وياتى الدور الابائى ليزيد العمل جمالا وتقنية فيرجع الباحث الى حديث باسيليوس الى الشباب فى كيفية الاستفادة من ثقافة الشعوب الوثنية اى الفلسفة اليونانية لفهم المسيحية ونعرج على (حياة موسى )[23] لاغريغوريوس النيسى والذى تكلم عن دور (كنوز مصر) فى التدبير الالهى لخروج شعب الله من ارض العبودية وكيف ان الذى اذل الاسرائيليين فى مصر ليس هم المصريون لان الرب اعطى نعمة لشعبه فى عيون المصريين بل الذى اذل الشعبين الاسرائيلى والمصرى هم حكام مصر وفراعنتها وهكذا يتم تحويل روحانيات الايات الى مشروع حضارى ومادة للكرازة والمصالحة بين الشعوب !!                             .
اسئلة الناس لم تتوقف على العصر الكتابى وايام الاباء بل استمرت الى اليوم والكنيسة لم تتوان عن الجهاد اللاهوتى لتحويل العمق اللاهوتى الى مشروع تدبيرىحضارى وثقافى وروحى لخدمة البشرية فى المرحلة العمرية التى وصلت اليها ولهذا يتمسك الباحثون اليوم بضرورة دراسة كتابات اباء الكنيسة لاكتشاف اليات هذا العمل الرعوى الضخم وحتى لا نتناول قضايا لها تاريخ طويل فى البحث بسطحية مؤذية وجهل عميم بجمال الكنيسة وتاريخها اللاهوتى العريق واوضح مثال لهذا التحول من الثيؤلوجيا الى الايكونوميا هو تاريخ المجامع والمعاناة التى عاشها العلماء والاباء(يكفى ان نقراء رسائل كيرلس الى نسطور ورهبان مصر والانطاكيين لنعلم مدى المعاناة اللاهوتية التى تسبق عقد اى مجمع ذو شأن فى تاريخ الكنيسة) فلو ان الامور كانت بالبساطة التى يراها البعض لتسويق مسيحية رخيصة(ديلفرى وتيك اواى على رأى شبابا اليوم ) وحسب تعبيرهم بسيطة بعيدا عن تعقيدات اللاهوتيين لما كان هناك حاجة الى دراسة تاريخ الكنيسة وتاريخ المجامع وتاريخ العقيدة وتاريخ كتابة الاسفار المقدسة الموحى بها (انفاس الله) ونمو الكنيسة عبر العصور وسير القديسين واقوالهم ولا حاجة لدراسة اللغات الاصلية للاسفار المقدسة وندخل فى متاهات الترجمات وعبودية لغة الغزاة والمستعمرين ولا حاجة الى اكليريكيات والى مراكز بحوث وهنا التنكر لتعب العلماء الاباء فى كل العصور وفى كل بقاع الارض حيث روح الرب يهب حيث يشاء الذين قالوا(اعطى دما تأخذ روحا) هنا الخطر فى ان يظهر لاهوت العشوائيات والمزاج الشخصى والمجاملات والخرافات الدنسة العجائزية العجائزية (1تيمو4 :1-11 ).[24]                   
ألاباء الرسوليون تمسكوا بالنفحات الروحية الاولى ولكن دبروا الامور بشكل كنسى اكليسيولوجى فالانقسامات فى كنيسة كورنثوس لم تنتهى بتدخل بولس مما ادى الى ان يكتب الى الكورنثيين مرة اخرى القديس اكليمنضس الرومانى وذهب اغناطيوس الانطاكى الى السر اللاهوتى للوحدة ودبره تدبيرا اكليسويولوجيا حسنا ودعا المسيحيين الى الالتفاف حول الاسقف والكهنة والدياكونيين فى الافخارستيا حينما قال (على الجميع ان يحترموا الشمامسة(الدياكونيين) والاسقف كصورة الاب والكهنة كمجلس الله ومصاف الرسل بدون هولاء لا توجد كنيسة).[25] واعطى المصالحة الواقعية بين المواهب والتدبير وهو قد اعطى تفسيرا عمليا للرسائل الرعوية وهنا وفى نهاية القرن الثانى استقرت الكنيسة وتمت المصالحة بين الثيؤلوجيا والخرستولوجيا والايكونوميا من خلال الافخارستيا والاكليروسية والشعب العابد بالروح والحق.[26]                                                           
عند الاباء اللاهوت المتحول تدبيرا لاهوتيا لا هدف له الا خلاص العالم وحياة افضل للناس فالكنيسة هى (الصوت الصارخ )فى برية هذا العالم فالكنيسة لم تكن ولن تكون ولا يجب ان تكون باى حال (أفيون الشعوب)كما اتهمها الملحد الكبير كارل ماركس ولا هى قبر المسيح بدون قيامة كما نعتها الفيلسوف نيتشة بل الكنيسة هى (الخمر الجيد) فى عرس هذا العالم(يو 2 )                      
. فالكنيسة هى مواهب اللاهوت التى منحها الله للعالم والعالم هو مجال استنطاق واستنفار المواهب وهكذا تتجدد رسالة الكنيسة ولا نقول تجديد الكنيسة كما يقول البعض لان الكنيسة جديدة بعريسها فالكنيسة تجدد الاياتها وخطابها ومعاهد بحوثها وسط ظروف جديدة فالكنيسة الاولى لم تعرف الكثير من قضايا اليوم مثل مشكلات الطاقة والتلوث الكونى والانظمة الجديدة وحقوق المراة وزواج المثليين ولم تعرف الاسلام كظاهرة دينية وثقافية وديانة تريد التبشير بمشروع لخلاص العالم وباتت هذه الديانة ذات مردودات كونية[27] وغيرها من الامور ولا يمكن لكنيسة تفهم دعوتها من الاكتفاء والانكفاء على الشجب والرفض او المجاملات او المساومات او التوازنات بل يجب ان تكون محاورة لخصمها(اى العالم والتاريخ كند لها وموضوع حب سيدها ومجال بشارتها وخدمتها )مادامت تسير معه فى الطريق !! وهنا نسمع صوت النبوة (ليس احد يجعل خمرا جديدا فى زقاق عتيق لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق فالخمر تنصب والزقاق تتلف بل يجعلون خمرا جيدا قى زقاق جديدة)مر2 : 22                                                                                             
وهكذا وان كنا نرى انه لاسباب تاريخية وواقعية اختفت موهبة التكلم بالالسنة وهذا بحث اخر ليس مجاله الان الا ان الكنيسة سوف تتكلم وبالروح[28] وبالمواهب فى معناها اللاهوتى والابائى بلغات والسنة كل مجتمع وكل حضارة فى العالم المعاصرولهذا ورغم تمسكنا بدراسة اللغات الاصلية الااننا نترجم كتبنا وتراثنا الى كل لغات الارض الحية. وفى النهاية ليس هناك طريق لاقتناء المواهب اللاهوتية الا الطريق الذى فتحه لنا رب المواهب يسوع                                      
الحبيب وهو الحب والزمان هو زمان الحب                                                                

------

الدين ونعمة الحياة الاب الدكتور أثناسيوس اسحق حنين




                                              الدين ونعمة الحياة


 الدين ونعمة الحياة                                                                               
                                              الاب الدكتور أثناسيوس اسحق حنين
السؤال الكبير الذى يشغل المفكرين والمثقفين والسياسيين وصناع القرار وأحيانا البعض من رجال الدين الباحثين عن معنى الوجود هو هذا :هل من فائدة من وراء الدين وبالطبع ليس الايمان بالله لان الدين وسيلة والله فى الانسان الاخر هو الغاية؟هل للدين اليوم دورا فى صياغة مستقبل البشرية ؟ ما دور الدين والانسان يواجه اليوم كم هائل من المذابح المبرمجة والكوارث الطبيعية والاهوال النفسية ؟ ولقد وصل الامر الى ان شريحة كبيرة من الناس فى العالمين الحر والغير الحر اصبحت تخاف من الدين وتتقى شر المتدينيين من كل حدب وصوب !!
نشرت الصحيفة الامريكية الواسعة الانتشار(يو أس توديى ) U S TODAY MONDAY 9 AUGUSTبنشر بحثا موثقا استطلعت فيه اراء شرائح كبيرة من الناس وكان السؤال المطروح هو لماذا الدين ؟
Why Religion?
وتعددت الاجابات وتنوعت فالبعض أجاب بان السعى من وراء الدين هو العبادة والخشوع والبعض الاخر رأى أن وراء الاجتماع الاسبوعى للعبادة فوائد جمة ليس أقلها الاعتراف بفضل القوة الاتية من فوق!! بينما ذهب بعض الامريكيين(الامريكيون هم يمثلون كل شعوب الارض بسبب الهجرة) الى القول أن التدين يعطينا مجتمعات دينية صحية وهى على اى الاحوال أفضل بمكان من التجمعات فى النوادى العلمانية واماكن اللهو وهذه المجتمعات الروحية تشد من أزر العائلات وتحفظ الاطفال وهناك شريحة لا بأس بها من الامريكيين ذهبت الى ان اجمل ما فى الحياة الدينية أنهم يجدون فى الدين والتدين معنى كبير فى خدمة الاخرين فالشعب الامريكى (الشعب لا الحكومات ) المتدين يسعى دائما لاطعام الجائع وكسوة العريان وتسكين من لا مأوى له وهذا العمل يتم فى اغلبه عن طريق الجمعيات الخيرية الغير حكومية ولقد نشرت صحيفة القدس العربى فى عددها الصادر فى 10 أغسطس 2010 وفى الصفحة الاولى مقالا بعنون (مليارديرات العرب وثرواتهم ) ويقول (خبر صغير نشر على استحياء فى ذيل الصفحات الاخيرة فى بعض الصحف العربية يقول ان اربعين مليارديرا امريكيا تعهدوا والتزموا بتخصيص نصف ثرواتهم على الاقل لخدمة الاعمال الخيرية والانسانية تجاوبا مع حملة اطلقها بيل غيتس مؤسس شركة (مايكروسوفت) العملاقة وزميله الملياردير الاخر وارين بافيت................نشعر بالحسرة والخجل معا عندما نرى مليارديرات امريكيين يقدمون على مثل هذه الخطوة وأخرين من زملائهم ينضمون اليهم بحماسة ولا نرى من بين الاسماء أسما عربيا واحدا ) ولعل السيد عطوان رئيس تحرير القدس العربى والمقيم بلندن يريد القول ان هؤلاء الامريكيون الغير المتدينيين(لم يقل الرجل الكفرة) يفعلون ما لا يفعله العرب المتدينيين(لم يقل العرب المسلمين)!
وهناك شريحة ليست بصغيرة من الامريكيين رأوا ان للدين دورا لا يستهان به فى انه يساهم فى بناء المجتمعات وهذه المساهمة تتعدى حياة التألف والخدمة الى انها تعطى معنى للحياة وشجاعة فى الوجود ولقد أجرى الباحثون فى علم الاجتماع ابحاثا فى التجمعات التى يستعد فيها الناس للموت لاى سبب من الاسباب الطبيعية او الابادة او التهديد بالموت فى كل لحظة وشملت الدراسة اناسا من كل الاديان والمذاهب فوجدوا ان من عاش وسط هذه الاجواء واوجد لها معنى واستعان بها على الوجود ليس هو الأقوى أو الأكثر أدبا او مالا ولكن الذين عاشوا وسط هذه الاجواء القمعية وواوجدوا معنى وابدعوا هم الذين وجدوا معنا لوجودهم Those who have found meaning in their lives
فالانسان فى حاجة ماسة الى سبب جوهرى يجعله يتمسك بالحياة ولهذا قد يستغرب الشرقيون من ان حالات الاقدام على الانتحار فى ازدياد فى البلاد الغنية !وليس الغرب فقط بل قد ادلى احد المثقفين فى وسيلة اعلام شرقية ان السبعين فى المائة من الشباب المصرى يتعاطى المخدرات ويصادق البنجو مما حدا بالفنان شعبان عبد الرحيم ان يخصص احد اغانيه لمقاومة التحشيش وقال عبارته الشهيرة مع السيد ابراهيم عيسى على الهواء مباشرة (ما حشش يجيلك فى وحش!!!! )
هذا البحث الدائب عن معنى الوجود هو الذى ادى الى السعى الدائم فى الغرب لنقد الخطاب الدينى والبحث فى غياهب التاريخ عن المعنى من وراء الدين والتدين وهم وجدوا ان الفهم الذاتى للدين يؤدى الى لون نفسانى من الوجود يقاوم ويتصدى لتيار نعمة الحياة ويقف امام عجلة التقدم ووجدوا ان الدين الصحيح هو فى الدافع للحياة وليس فى الشكليات او المظاهر التى قد تصلح فى جيل ولا تصلح فى اخر وقد تناسب انسان ولا تناسب اخر فلقد وجدوا مثلا ان الانسان المريض او السجين او المريض او الفقير او العالم القابع فى قلايته وقد ضحى بحاضره لايجاد مستقبل افضل للبشرية او الجندى قد ينسى نفسه ويهتم بتشجيع الاخرين على قبول مخاطر الحياة واقناعهم بقبول المعاناة الفردية من اجل خير الجماعة التى ينتمى اليها وهنا يأتى الدور الاجتماعى للدين فى انه يعطى معنى للوجود الجماعى للناس وهنا تظهر ثقافة قبول الاخر مهما اختلف فقبول الاخر يأتى من منظومة قبول معنى للوجود لا غنى فى هذا المعنى عن الاخر وهنا يأتى دور الدين فى طرح اسئلة جوهرية على الانسان لماذا نحن هنا ؟ ما هو المعنى وراء كل شئ ؟ مما هو الدافع وراء اى سلوك مهما كان صغيرا اى كيف يجب ان نعيش ؟ هذه لم تعد اسئلة فلسفية محصورة فى الصالونات المكيفة بل هى اسئلة يطرحها رجل الشارع فى كل ارجاء الارض بشكل ايجابى فى المجتمعات الحرة وبشكل خفى مرأى فى المجتمعات القمعية ولقد اكد نيتشة انه اذا استطاع الانسان الاجابة عن (لماذا ؟) الوجود فسوف يقبل على الحياة ويبدع فيها ويقبل اى وكل (كيف ؟) يأتى عليه فالعالم اليوم يبحث عن الاسباب هنا على الارض وهو يرفض بل لقد رفض كل غيبيات وخرافات تقيد حريته فى السؤال الحر عن معنى وجوده منذ اساطير اليونانيين الى العصور الوسطى الى اليوم اى كانت الاشكال الدينية التى تختفى ورائها هذه الاشكال
فى الواقع ما اعتاد ان يسميه المثقفون فى الشرق بالالحاد فى الغرب هو تسطيح لقضية عميقة وتهميش لاسئلة مصيرية فالانسان الغربى ما حقق هذه الحضارة التى حقق وما وصل الى هذا المستوى من احترام الانسان وطاقاته الخلاقة الا لانه انسان فى اعماقه روحانى يطلب النعمة فى الدين ولكن نعمة الوجود والشئ العجيب ان معظم الذين ساهموا فى التحولات الكبرى فى تاريخ البشرية هم العلماء الذين تمردوا على السجن الدينى الغير مساهم فى فهم معنى الوجود وهدف الحياة ولعل هذا يفسر عدم نمو الفلسفة الوجودية الاحادية !!فى الشرق مع ان بذارها وشراشريبها متجذرة فى داخل الانسان الشرقى تبرما وزهقا وتريقة على الحياة ومن فيها وهى تظهر ابداعا حينما ما ينوجد نفس ىالانسان الشرقى فى اجواء صحية نجحت فى وضع حجر الاساس للحياة الناجحة اى امنت بنعمة الحياة وبركة الوجود لانه بدون معنى حقيقى للحياة وهدف واضح للوجود سوف يعيش الناس ليأكلوا ويشربوا وغدا يموتوا كما قالت الفلسفة الرواقية
ان العالم اليوم يبحث عن الله ليس فى السماء بل على الارض فى المشروع الحضارى والثقافى الذى يحتوى الجميع ولا يقمع احد والغرب بدأ بنقد دينه الرسمى وهو المسيحية ويحاول اليوم تطبيق هذا النهج النقدى العلمى على كل ديانات الارض من خلال مراكز البحوث التى لا هدف لها سوى خير الانسان ومستقبل الانسانية فنابليون جاء الى مصر ليس بالعسكر فقط بل بالباحثين والعلماء ولن يترك العالم اليوم اى جماعة صغيرة على الارض مهما علا صوتها تنفرد بالدين وتحتكر الله!! لان قضية الله والدين هى قضية البشرية جميعا وكما كان التدين المريض كان ومازال سببا فى خراب البيوت وتعطل الطاقات وتكبيل الحريات وتخلف المجتمعات فان التدين السليم وفهم معنى الوجود سيظل هو طريق الحياة والحياة الافضل
بحث علماء الانثروبولوجى اى علم الانسان- والكلمة يونانية – وسط المجتمعات التى تعرض أهلها للموت أو التهديد بالموت أو التصفية المعنوية او الجسدية فوجدوا ان هناك نوعان من الناس الانسان المهذب والراقى والانسان الغير مهذب والمتخلف وهنا لا يدخل فى التصنيف اى بعد سياسى او عرقى او دينى فهناك جندى نازى مهذب لم يقبل اوامر هتلر وقام بمساعدة اليهودى البائس وهناك قائد مسيحى غير مهذب يمعن فى احتقار الاخرين وهناك من لا يدين باى دين شكلا وهو يؤمن بالعدالة والغفران والحب موضوعا لحياته وسببا لوجوده ويجب ان لا ننسى ان اكبر القوى الاقتصادية والتقدمية فى العالم اليوم مثل اليابان والصين وجزء كبير من الهند لا يؤمنون بالاديان التقليدية !!! فبذرة التخلف قائمة فى كل انسان كما ان بذار الصلاح موجودة فى كل انسان وفى كل مكان واقد اعطى احد العلماء الحائزين على جائزة نوبل وهو البرت شفايتزر تعريفا للدين على انه هو الذى يؤكد على معنى وقيمة ونعمة الحياةReligion is Life Affirming
فالدين اى دين صحيح هو الوسيلة وليست الغاية اى الوسيلة التى تسهل للانسان كل انسان وكل الانسان ان يكون مهذبا ومتحضرا لانه اى الدين يشجع الانسان أن يتطور ويتمسك بالقيم الجوهرية وليست الشكلية ويجاهد للافضل دائما ويعمل لا لحساب نفسه او جماعته او عشيرته او قبيلته بل لحساب البشرية جمعاء فالانسان يسعى للصلاح ليس خوفا من قوة الله الغاشمة ولكن لانه يشعر بالامتنان والشكر على نعمة الحياة وبركات الوجود والانسان الراقى يعرف انه يوما ما سيرحل عن هذه الارض ليلقى وجد ربه الكريم ويشعر بالواجب المقدس ان أن عليه يترك لانسان اخر يأتى بعده ما وهبه الله من عطايا ومواهب وانه عليه ان يترك العالم فى المكان والزمان الذى عاش فيه بشكل افضل مما وجده

وهنا دور رجال الدين الغير تقليدى والمثقف بوعى والمصلى بحرارة فليس الاهم عنده هو حفظ السبت ولعن من هو غير يهودى والتمسك الاستعمارى بيوم كيبور أو شكليات وزحمة يوم الاحد او مظاهر شهر رمضان الخلابة ولكن قضيتهم الاولى يجب ان تكون مساعدة الناس كل الناس على اكتشاف القصد والمغزى الذى يجعل الانسان يملك الجرأة والقوة والحيوية بالدراسة الواعية والناقدة وليست الناقمة ان يترك سريره فى كل صباح ليبدأ مواجهة جديدة مع الحياة الافضل وهنا وهنا فقط سيصير الدين نعمة الحياة والحياة نعمة من الله الخالق والمحب لكل الناس ورغم كل الخلافات اللاهوتية والفقهية بين الاديان(( الا ان الحياة الروحية تبقى لنا طاقة كبرى طاقة للذين ذاقوا الله فى انفسهم هؤلاء اخوتى واذا اختلوا له منسحقين فأنا له معهم عابد انه فيهم وفى وهذه قناعتى التى لن تنتزعها منى ادلة الارض جميعا ان الله اراه فى الروحانيين وأياه أشهد فى قلوبهم ولا ينفى ذلك ما يقولونه وما انا قائله ما اعرفه انه سبحانه هنا معنا وفى ما بيننا وانا اسجد له فى هذا الهياكل البشرية التى تحتضنه وتطلقه فى العالم نورا وميراث على هامش ذلك قد تأتى المشاركة فى خيرات الارض والتطوع للانسان المحروم والذود عن السلام هذه اشياء نرتقى بها الى الله ومنه نعود اليها ولكن الذى لا يبتغى وجهه الكريم من اجل نفسه ومن اجل الناس جميعا فليس على شئ (ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب) هذا وحده يذكى لقائنا ويصير اللقاء (صدى غنوة) من أعالى السماء(المطران جورج خضر فى مواقف أحد دار النهار للنشر بيروت 1992 ص74)

بين كلام الناس وصمت الله الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين




                                         بين كلام الناس وصمت الله

 بين كلام الناس وصمت الله                                                                            
الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين                                          
                                     

يلاحظ الباحثون فى العلوم النفسية والكلينيكية ان الناس يريدون ان يتكلموا باى شكل وفى اى موضوع وكأن الناس هاربون من الخوف من مواجهة الحياة فى صمتها الى ظاهرة اللاوجود بالكلام ويظنون انهم يحققون وجودهم بالكلام مع ان كثرة الكلام لا تخلوا من معصية ولعل ما قاله الحكيم سليمان يلخص حالة الانسان المعاصر كثير الكلام (وتكون نفسك معلقة أمامك) والصمت هو بداية الكلام وسنتناول فى هذه الدراسة الرؤية اللاهوتية والانثروبولوجية للصمت وسنعتمد فى دراستنا على الدراسة التى اعدها العالم اللاهوتى اليونانى والاكاديمى ميغاس فاراندوس البروفسور بكليات اللاهوت باليونان يربط الباحث الصمت باللغة وعلاقتها بالكلام عن الله ويرتبط الصمت فى اللاهوت بالرموز فى الحديث عن الله فاذا كان الله لم يره احد قط(يو1 :18 ) ولا نستطيع الكلام عنه الا بالرموز البشرية فالصمت هو حالة من الذهول والدهش الروحى امام السر الالهى الذى لا يسبر غوره فالصمت هو التعبير الاساسى عن اللاهوت السلبى او الايجابى وهذا المفهوم للصمت يعود الى الفلاسفة اليونانيين وتعود الى الفلاسفة السابقين لسوقراط حينما يتكلمون عن الكائن الاوحد من خلال صور ورموز وجاء الافلاطونيون ليعرفوا الكائن الاوحد على انه يتعدى حدود الجوهر اى انه الكائن الذى تتعدى اوصافه الحدود الكونية ولمعرفة هذا الكائن يجب على الانسان ان يتنكر لكل ما هو محسوس اى للعالم المادى اى عالم الصور والرموز اذا كيف نعرف الله لابد ان تتعرى النفس الغنوسية اى النفس الباحثة عن المعرفة من كل الماديات وتتخلى عن الرغبات والشهوات وهنا تصل الى رؤية الله والطاقة المعرفية الوحيدة التى تأتى بها النفس الى الله هى الصمت Η Σιγή ويصير الله هنا حقيقة كمال وجودية حيث يسود الصمت والهدوء واللاوجع واللاضطراب والحركة هنا تتجه من موت الصمت الى كلام الحياة وحياة الكلام وصار الصمت عند الغنوسيين- اى الباحثين الحقيقيين عن معرفة الله قبل ان يشير هذا التعبير الى الهراطقة الغنوسيين- هو العمق الكيانى لمعنى كل الوجود حسب تعبير اكليمنضس الاسكندرى فى المتفرقات ومن الصمت يجئ الانسان فالصمت هو نبع كل كلام ومبدأ كل لغة حسب ايرينئوس اسقف ليون وهنا عمق الوجود الحقيقى الوجود الغير ناطق الغير محاور الصمت هو الجوهر وأساس كل جوهر والشعار الكبير هو ان الذى لا تستطيع الكلام عنه اصمت من ناحيته وهذا يؤكد ان الحضور ليس دائما غياب والغياب ليس دائما حضور فغياب الكلام احيانا يبدو حضورا اقوى كما ان الحضور الثرثار قد يكون غيابا أن النفس الباحثة عن معرفة الله اى النفس الغنوسية حسب تعبير الاسكندرى اكليمنضس هى النفس التى تتجرد من رباطات المادة والافتخار والاوجاع كافة وهى تأتى الى رؤية الله والقوة الوحيدة التى تملكها هى قوة الكلمة الصامتة وفى التصوف الافلاطونى تتوقف القوة الحوارية للكلام الصامت وهنا يظهر اللاهوت انه ميت حسب تعبير نيتشة اى لا يعبر عنه وهو يتوافق مع الكمال الوجودى اى الصمت والسكون واللاوجع واللاضطراب والحركة هنا تتم من الحياة للموت ومن الموت للحياة بينما فى الغنوسية ترى الصمت على انه العمق الكيانى ومصدر كل شئ ومن الصمت جاء الانسان وهنا نأتى الى اللاهوت البروتستانتى الذى ياخذ بداياته من الافلاطونية الجديدة والغنوسية والذى رفض كل شركة صامته مع الممارسات اى العبادات المقدسة والاسرار واحتفظ فقط بالكلمة اى العظة كالامكانية اللاهوتية الوحيدة وحسب بولتمان فان الله ياتى للانسان فى الكلمة وفقط فى الكلمة بينما الصمت الغنوسى اى الارتقاء بالكلمة الى رؤية الله وهذا بالنسبة للاعلان اليهودى المسيحى هو اعلان وهذا اللاهوت يندرج فى اللاهوت التدبيرى لبولتمان وهذا يتناقض مع اللاهوت الوجودى وهو فى هذا النقد الموجه الى اللاهوت الايجابى ينتهى الى اللاهوت الاحتوائى والذى يحول الطريق الى المعرفة اللاهوتية من الطريق السرائرى الصامت الى الطريق الذى يضع الكلام على انه السبيل الوحيد للمعرفة اللاهوتية متجاهلا طريق الصمت ويرى اللاهوتيون الالمان البرتسانت ان الله محبة وهذه المحبة تعبر عن نفسها فى صمت الصليب وان انجيل كلمة المحبة تقود بالضرورة الى الصليب حيث (صمت الله ) وهنا حقيقة ان صمت الله يمكن ان يكون اصدق تعبير عن كلامه وحسب اللاهوتى الالمانى كارل بارث فأن الصمت احيانا كثيرة يكون عملا انسانيا جليلا ويرى لاهوتى المانى اخر انه فى امور الله لا يقف الصمت جنبا الى جنب مع الكلام بل يسكنون معا بغير انفصال فالله يتكلم فى صمته ويصمت فى كلامه والحقيقة انه فى عصر الصخب والضجيج وكثرة الكلام اى فى عصرنا وهو عصر كثرة الكلام اللاهوتى البطال وباطل الاباطيل على حد تعبير مكاريوس المصرى فان السعى الى الصمت والهدوئية يكون عرضا من اعراض المرض بينما هو الشوق الدفين فى اعماق كل نفس فى عصرنا الصمت عند اباء الكنيسة الكبار ان الصمت كوسيلة اساسية للكلام عن الله لامر متفق عليه عند اباء التقليد الكنسى وهو فى اعماقه صمت لاهوتى كيانى بالروح والحق وليس شكليا او مجرد تدريبات فريسية وناموسية وهذا الاساس اللاهوتى الحوارى للصمت ينطلق من العلاقة الحوارية الصامتة بين اقانيم الثالوث فالاب هو (الصمت الاكبر) وهذا الصمت هو الاقنوم الاول والغير مرئى فى اللاهوت والذى منه اى من صمت الاب خرج اللوغوس (ان رئيس هذا العالم لم يدرك لا بتولية مريم ولا ولادتها ولا موت السيد أسرار ثلاثة فعلها الله (الاب) فى صمت وهدوء)اغناطيوس الانطالكى الرسالة الى اهل افسس 19 فالله كصمت يعطى لنا الابن اى اللوغةس الذى (هو فى حضن الاب )يو1 :18 وهذا اللوغوس يعلن او يخبر او ينقل الصمت عهدا جديدا ففى يسوع المسيح الكلمة صار لنا (اعلان السر الذى كان مكتوما فى الازمنة الازلية ولكن ظهر الان )رو25:15 فلقد تم التعبير عن الصمت فى اللوغوس وذلك ليس لكى يتوقف الصمت عن ان يكون صمتا ولكى لكى نتلامس مع سر الصمت فالكلمة ليس هو ثانويا او هامشيا بالنسبة للصمت ولا هو الغاء لحضور الصمت فالصمت يملك عمق حوارى فان صمت اللهوت هو كلام والحان وهو الصوت الذى لا صوت له والمعروف فى عدم معرفته حسب تعبير مكسيموس المعترف فالله هو سر باهر وناصع حسب تعبير الانطاكى اغناطيوس افسس 19 :1 وهو السر المعلن وهو السر الذى يفوق كل الاسرار وهو مسيرة السكون وشركة الفائق للوصف وهو استعلان السيادة وعلى عكس الفلاصفة اليونانيين القدامى الذين يعرفون الكائن على انه اللاحركة(بارمينيديس) او كحركة(هيراكليتوس وارسطو) وهو اللاشخصى والاوحد فان المسيحية تعرف الله عل انه السكون المتحرك والحركة الساكنة وهو شخص واقنوم وفى نفس الوقت هو كان فى شركة فالله اذن هو سر باهر وهو الذى به وفيه نحيا ونتحرك ونوجد (اع 17 :28 )وهع ذلك نختار احيانا كثيرة ان نعبد المخلوق دون الخالق (رو 1 :25 )والله ظهر انه سر باهر فى يسوع المسيح وقمة هذا السر الباهر ظهرت على الصليب ففى غيابه هو حاضر كله وفى صمته هو المتكلم ان لغة اللاهوت لكى تكون بالحقيقة لغة لاهوتية يجب ان تكون متناسبة مع الوجود الالهى كما سبق وشرحنا اى ان تكون نابعة من نطق فى صمت وصمت ناطق وهنا نصل الى البعد الروحى والاخلاقى للعقيدة وهى ان تنسجم حياة وسلوك المؤمن اللاهوتى مع حياة الله اى ان حياة المؤمن هى حياة فاعلة ومتفاعلة وليست صخب اجتماعى بهدف قتل الوقت هذا الوقت الثمين لانه هو القبس التى من الابدية وهو لن يرتاح الا فى الابدية بل هو الابدية ولا يمكن ان نعقل حياة المسيحى بدون الهدوء والصفاء ولهذ فاللاهوت كعلم هو الكلام فى الصمت والصمت فى الكلام وهو لا يتكلم فى اى وقت وفة اى مكان عن الله ولكن يتكلم حيث لا يكون هذا الحديث باطلا وبطالا اى حينما يعبر الكلام عن حقيقة الوجود اللاهوتى لانه خير لنا ان نصمت ونكون من ان نتكلم ولا نكون اى انه من الخير ان نعلم اذا كنا نحيا ما نعلمه حسب تعبير اغناطيوس الانطاكى (اف 15 :1 )وحينما تطون لغة اللاهوت هى كلام عجب واستطراد ممل فانها ستضر اكثر مما تنفع ولكن حيت يشعر ويقبل اللاهوتى دعوة الله ليتكلم عن الله فن كلام البشر لن ينفع شيا ان لم يعلم الروح القدس ويعطى الخبرة والخبر حسب اغناطيوس الانطاكىفاللهوتى الذى لا يملك اختبارا واشواقا داخلية لا يمكن ان يملك كلاما فى الله او عن الله وهنا يأتى شعور خادم اللاهوت الشخصى بانه خاطئ ليس بالمعنى الروحى الاخلاقى المجرد ولكن بالمعنى العلمى اى ان يمارس نقد الذات بعمق امام الله كما ان الكلام عن الله يصير خطرا كبيرا اذا اتجه الى التنظير والتحديد المدرسى وحبس السر الالهى فى منظومات عقلانية بدون خبرة فالعلم اللاهوتى حينما يتكلم عن الله فى قوالب فكرية وهذا واجب الا انه وهو يحدد يجب الا يحد من حرية الله فىت ان يتعدى بحكمته وحبه اى صورة نمطية عنه مهما كان جمالها وقدمها فاللاهوت لا يسكن فى مسكن مصنوعة بايادى الناس مهما كان جمال هذه المنازل ويصير الحديث عن الله اليوم فى منتهى الخطورة اذا لاحظنا كيف صارت اللغة لغة وضعية وعلمية ودنيوية وفقدت كل هيبتها اللاهوتية والانسانية فالافضل الصمت فالصمت لا ياتىاذن من مجرد عدم القدرة على الكلام او عدم وجود الكلام او عدم القدرة على الكلام ولكن الصمت هو القربى مع الله والالتصاق بكلمته الحية بايمان الصمت فى اللاهوت بعد انتشار الاسئلة المصيرية والعدمية واللامعنى وهنا الصمت كطريق لمعرفة الله يصير هو طريق الفشل والياس واللامعنىبينما يرى الايمان المسيحى الصمت كامر ايجابى فالصمت ليس هو الياس واللاحيلة والفشل وعدم القدرة على الكلام فصمت يسوع امامك سؤال بيلاطس عن الحق هو طريق معبر عن حياة الله وهو مضاد لنهج هذا العالم اى عالم الخطية والتعدى ويلعب الصمت دورا كبيرا فى اختبار اللقاء مع سر الله الغير المدرك والغير المحدود والذى يعلن فى العالم من خلال اللغة والاختبار وفى هذا اللقاء يستجيب الكيان الانسانى لا بالكلمات ولكن بالنهج الحياتى والقرار المصيرى بالعبادة والشركة بالاسرار فى السر الالهى وهنا فالصمت ليس سكوتا او خرسا عن الكلام وليس هو حالة من حالات الغموض النفسانى ولا هوناتج من حالة من حالات اللامبالاة النفسانية او نسيان لله ولكنه صمت معترف بالايمان فهو صمت صارخ والكلام عن الله لا ياتى هنا كامر مضاد للصمت ولكنه ياتى كرؤية ونور لصوت الصمت الصارخ فى اعماق الكيان والكلام فى اللاهوت بدون هذا الصمت المقدس هو لون من الوان العبث بلا مرجعية لانه يعرض للانا البشرية ويقدم اللاهوت كشئ محدود من هذا العالم بينما الصمت كحالة اندماج روحانى كيانية وكطريقة جامعة فى الحوار مع اللاهوت لا يعطل الكلام بل يحتضن الكلام الاتى من الكلمة الذى كان فى حضن الاب وخبرنا عنه حسب يوحنا والذى يكتفى بكثرة الكلام ولا يتك على صدر المخلص فى صمت مع اللاهوتى الاول يوحنا لن يرى لاهوتلا بل سيملا الدنيا ضجيجا كنحاسا يرن وصنجا يطن فاللوغوس فى صمته لا يصير بال فكر ولا بلا كلام ولكنه يصير ديالوغوس اى لقاء كيانات متحاورة فى ظلال الصمت الخلاق فالعلان لا يكشف الخفيات فقط بل يخفى ايضا الظاهرات فى ضباب نعمة الصمت ولقد بالغ المسيحيون فى الكلام عن انسانية الله فى ظروف تاريخية مختلفة مما كان له وقع سلبى على اختبار الايمان ولكنهم لابد ان نعود الى التراث الكتابى والابائى فى التشديد على ان الله ليس لنسانا فيكذب ولا ابن انسان فيندم(عدد 23 :19 ) رغم محبته للبشر الا انه (كما علت السموات عن الارض هكذا علت طرقى عن طرقكم وافكارى عن افكاركم )اش 55 :9 وحسب ديونيسيوس الاريوباغى فان الله هو سبب ومصدر كل الوجود وما فيه من موجودات ولكنه عال على كل شئ ويجب الا تغيب هذه الفكرة ابدا عن بالنا اذا ما اردنا ان نؤمن بالله الكائن ولا نحوله الى وثن حتى ولو كان هذا الوثن من احسن ما فى العالم من اوثان ونفس الطابع الجدلى ينطبق على علاقة ووجود المؤمن بالمسيح وفى المسيح فنحن قد متنا مع المسيح رو 6 -8 ونسلك فى العالم كمائنين زخا نحن نحيا 2كو 6-9 الصمت عند اباء المسيحية الاوائل لا يقابل حالة البلادة الذهنية او موت الحواس التى نادى بها فلاسفة الافلاطونية الجديدة ولكنه كلام عن الذى لا يعبر عنه تماما مثل وجود القديس الذى لا يقدر ان يتكلم عن ميلاده الروحى ولا نموه وحياته فى الكمال ولكنه يؤمن ان الله هو العامل فى الناس ان يريدوا وان يعملوا لاجل المسرة فالقديس لا يظهر ذاته بل هو يتكلم فى الصمت من خلال وجوده فانت لا تسال القديس اذا كان الله موجود ام لا ولكن تساله ماذا تعمل لتصير مثله اى ماذا ينبغى ان تفعل لكى تخلص فكيف يتجرا اى لاهوتى ان يتكلم عن وجود الله فى نفس الوقت اذى لا تعكس حياته اى خاصية تليق باللاهوت ولقد شغل يسوع المسيح زمانه وناس عصره ليس بالكلام عن الله او اظهار اسمائه الحسنى ولكن اظهر الله بوجوده وحياتهوالتى كانت وجودا وحياة لاهوتية بالدرجة الاولى فالصمت يشكل دائما نهجا ارستقراطيا وكيفية وجود عميق فالصمت حسب اكليمنضس الاسكندرى هو الكلمة التى عركتها وانضجتها الايام والتجارب فالصمت قد يشكل ارقى الوان الكلام اللاهوتى والروحى فى ايام موت الله فى ضمائر الناس وصارت دور عبادة المرايين مقابر له !!كما قال نيتشة فالله يغيب ويصمت عن عالم ووسط اناس ارتضوا الكذب نهجا والظلم طريقا والنفاق اسلوب ونهج وجودهم واكتفى بالكلام عن الحق والحقوق والعدالة هذا العالم لا يسعى وراء الحقيقة من اجل التوبة والتغيير وقبول النور ولكنه يعقد حلقات الدراسة من اجل البحث عن الحق وعن الله من اجل الافتخار وارضاء الذات والعجب بينما يصرون على عدم تغيير نهج حياتهم وفى عالم مثل هذا حيث تبرد وتنسى(بضم التاء) بسهولة المحبة فان اجابة اللاهوت واللاهوتيين الاحرار هى الصمت كصرخة احتجاج!!! وذلك لان حديث الروحانيين يصير بربرية عند الناس الذين من هذا العالم اى يعيشةن ةكمجرد عبيد الاركان العالم الضعيفة ورؤساء هذا الدهر والمتاجرين بقضية الله حسب قول القديس مكاريوس المصرى وليصمت العاقل فى هذا الزمان الردئ حسب قول الحكيم سليمان

أزمة اللاهوت المعاصر وأثارها على حياة الكنيسة اليومية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان


أزمة اللاهوت المعاصر وأثارها على حياة الكنيسة اليومية
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
نقدم للقارئ السيرة الذاتية للكاتب سيادة المطران فلاسيوس لكى يتعرف القارئ باللغة العربية على قامة عالية من قامات اللاهوت المعاصر فى الكنيسة الارثوذكسية الرومية
(ولدة سيادة المتروبوليت ايروثيؤس فلاسيوس فى يؤأنينا باليونان عام 1945 , حصل فى عام 1969 على شهادة اللاهوت من كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى . تمت رسامته شماسا انجيليا فى عام 1971 وبرسفيتيروس عام 1972
ومن ثم قام بالخدمة كواعظ فى مطرانية أديسا (1969 -1987 ) وكذلك فى مطرانية ثيفون وليفادياس (1987 )وبعدها قام بخدمة الشباب فى رئاسة اساقفة أثينا (1987 –1995 ) . قام بالتدريس فى كلية اللاهوت جامعة البلمند بلبنان . تم منحه الدكتوارة الفخرية من كلية اللاهوت جامعة أثينا قسم اللاهوت الاجتماعى . قام بتمثيل الكنيسة الكنيسة اليونانية فى الكثير من المناسبات العلمية والمحافل اللاهوتية ومنها المؤسسة القومية لعلاج مرضى الايدز والمؤسسة القومية للاعلام وعمل فى المؤسسة القومية لعلاج الادمان وكما مثل الكنيسة فى المجلس القومى للاصول الاخلاقية للممارسات الطبية . معروف عالميا يمؤلفاته اللاهوتية الرصينة والدقيقة . تمت سيمته مطرانا على نافبكاتوس فى 20 – 7 – 1995 .
ا صاحب الغبطة
السادة المطارنة رؤساء الكهنة الأجلاء
أولا أود أن أتقدم بالشكر الى صاحب الغبطة رئيس اساقفة أثينا وسائر اليونان كيريوس كيريوس أيرونيموس والى سائر اعضاء المجمع المقدس لكنيسة اليونان لسببين أساسيين ’ السبب الأول لاختيارهم لهذا الموضوع الهام والعاجل ليشغل اجتماعنا وعلى هذا المستوى الاكليريكى الرفيع والسبب الثانى هو أنهم قد أختارونى أنا الأخير بين الأخوة لمعالجة هذه القضية ذات الأهمية الملحة لرسالة الكنيسة الارثوذكسية اليوم ’ هذه الأهمية هى ألاهمية اللاهوتية ’ الكنسية ’ الرعائية ’ الثقافية والوطنية اليوم فى المجتمع المعاصر .
بادئ ذى بدء أود أن اعترف أمامكم علانية أن الموضوع جد خطير وهام وهو ينقسم الى شقين ’ الشق الاول هو "الأزمة اللاهوتية " ’ والشق الثانى هو " أثار الأزمة اللاهوتية على مسيرة الكنيسة وشهادتها فى الحياة اليومية". يبدوا من الوهلة الأولى أن الموضوع تنظيرى ونظرى الى حد كبير ’ ولكن هذا لا يمنع من أن للقضية تبعات وأثار عملية فى منتهى الأهمية والخطورة ’ هذا الى جانب أننا لا يمكننا أن نعزل النظرية والتنظير عن الممارسة والتطبيق فكل تنظير حقيقى لا يتم بمعزل عن أرض الواقع وكل تطبيق حقيقى لابد وأن يأتى من تنظير مستقيم .
يجرى الحديث فى السنين الأخيرة وبشكل دائم عن الأزمة الاقتصادية ’ ولقد أجتاح هذا الفكر عقولنا وشكل توجهاتنا وعملنا الرعوى بشكل كبير ’ بينما فى الحقيقة أننا نتجاهل أن الأزمة فى عمقها هى أزمة جيوبوليتيكية وحضارية – ثقافية وفى أعماقها هى "أزمة لاهوتية ". لقد أثبت ماكس فييبر أن العقلية والرؤية والممارسة الرأسمالية الارستقراطية للحياة هى بنت الاخلاقيات البروتستانتية وأنه وفى هذه المناطق التى سادت فيها الاخلاقيات الرسمالية البروتستنانتية نشأت المصانع وتعملقت البنوك وسيطر وتوحشن المال ’ لكن هذه ليست قضيتنا اليوم وسوف أقتصر على تناول الأزمة اللاهوتية فى الكنيسة وأثارها العلنية والجانبية .
أؤكد لكم منذ البداية أننى ’ وبالرغم من خطورة الموضوع وأهميته ’ سأحاول الاختصار مع العلم أننى أقوم الأن باعداد كتاب من 600 صفحة حول الموضوع ذاته ويشمل على بيبليوغرافيا شاملة.
سأختصر الحديث على نقاط ثلاثة وهى :
أولا : لاهوت الكنيسة الارثوذكسية
ثانيا : انحراف اللاهوت عن مساره الأول
ثالثا : تبعات ازمة اللاهوت على الحياة الكنسية اليومية
أولا : لاهوت الكنيسة الارثوذكسية :
اللاهوت –الثيؤلوجيا ’ كما نعلم هى اللوغوس عن الثيؤس أى الكلام فى الله وعن الله . هذا معناه أن الجميع يتكلمو ن عن الله مثل الفلاسفة واتباع مبدأ الثنائية الكونية والكفرة والملحدون ’ هؤلاء الذين يتكلمون عن الله لكى ينكروه ويحاربوا اتباعه ’ هذا يعنى أن هناك اكثر من لاهوت . لا يكفى أن يتكلم المرء عن اللاهوت ’ بل لابد من أن يوضح ويحدد معناه وفحواه. لقد كان للمخلوقات الاولى أى أدم وحواء ’قبل السقوط ’ شركة مع الله وحوار مباشر مع اللاهوت ’ ولكن بعد السقوط ’ أنقطع الحوار أو كاد ’ وقام أحفاد أدم وحواء بعمل لاهوت خاص بهم ’ لاهوت أقمصة الجلد ’ لاهوت على مقاسهم ’ لاهوت تأليه الذات ’ به ألهوا به أنفسهم وفكرهم ومشاعرهم ومن ثم قاموا بتأليه المادة ومن ثم لهوتة الأفكار . هكذا نشأت "عبادة الأوثان " والميتافيزيقية الكلاسيكية .
لقد قدم الله بظهوراته فى العهد القديم للأباء البطاركة وللأنبياء وللأبرار ’ المعرفة الحقيقية أى معرفته الحقيقية . لقد أظهر لهم الفارق بين المخلوقات الزائلة والسماويات الباقية وأعطاهم الشريعة لكى ما يقدروا أن يميزوا ويفهموا أن الفارق كبير بين اله الاعلان (الابوكاليبسيس )واله الفلسفة ( الفيلوسوفيا) ’ والديانات الميستيكية التصوفية القديمة والسحر والشياطين .
Ο Θεός της Αποκαλύψεως και Ο Θεός της Φιλοσοφίας
هنا ينطبق ما ها مكتوب فى رسالة بولس الرسول الى العبرانيين " الله بعد ما كلم الأباء بالانبياء ’ قديما ’ كلمنا نحن ’ فى الأيام الخيرة فى ابنه "(عبرانيين 1 :1 ).
ان تأنسن المسيح وظهوره للرسل وظهور واستعلان الثالوث فى نهر الاردن وعلى جبل ثابور ’ والقيامة وصعود المسيح وحلول الروح القدس فى يوم الخمسين ’ قد وهب لنا اللاهوت الحقيقى . لقد كتب القديس أغريغوريوس بالاماس أن ابن الله " الذى هو الكائن قبل الدهور ’ قد صار لاهوتيا من أجلنا "
صار المسيح لاهوتيا من أجلنا
Ο Υιός του Θεού « Θεός ών προαιώνιος δι,ήμας και θεολόγος έγεγόνει»
بالتالى يأتى السؤال من هم اللاهوتيون ؟ اللاهوتيون هم الذين عاينوا الله فى مجده "ذوكسا" أى الأنبياء والرسل والأباء والقديسين على اختلاف درجاتهم ومراكزهم ووضعهم الاجتماعى والمهنى . لقد بذل القديس اغريغوريوس اللاهوتى الجهد الكبير فى حواراته مع الأفنوميين لكى ما يوضح ويبين من هم اللاهوتيون الحقيقيون فى الكنيسة. قال أنه ليس من السهل أن ينشغل ايا من كان باللاهوت ’ بل لابد من نقاوة النفس والجسد لكى ما يقدر أن يعاين اللاهوت "الثيؤريا". اللاهوت معاناة ! وليس درسا ! اللاهوت بصخة النفس الساجدة بالروح والحق اى عبورها الدائم !
Η Θεολογία είναι Πάθημα , και όχι μάθημα !
ان اللاهوتى الأول هو المسيح وبعده يأتى أصدقائه اللاهوتيون ممن أظهر لهم الله نفسه من الأنبياء والاباء ومن بعدهم يأتى كل من يقبل فى داخله هذه الخبرات والخيرات والرؤى . لقد أظهر القديس أغريغوريوس بالاماس فى "الطومس الموجه للرهبان" وبوضوح من هم اللاهوتيون الحقيقيون المختبرون الثيؤريا والفاهمون الكتب والواقفون على مراصدهم يرقبون علامات الزمان الأتى فى الزمان الأنى والهاضمون للتاريخ والشاهدون للنعمة الدائمة والمتجردون عن كل مسعى من مساعى الدنيا الزائلة وكما أظهر من هم تلاميذ أولئك اللاهوتيين الحقيقيين .
لا أريد أن أطيل عليكم فى هذه النقطة ’ فقط أؤد أن أذكر بما نرتل فى (السينوديكون) فى يوم أحد الارثوذكسية المسى أحد مستقيمى الرأى وهو الأحد الأول من الصوم الكبير وهذا يؤكد لمرة اخرى ارتباط العبادة بالعقيدة واللاهوت بالتاريخ :
"اننا كما عاينت الانبياء ’ كما علمت الرسل ’ كما تسلمت الكنيسة ’ كما اعتقدت المعلمونوكما اتفقت اراء المسكونة كما أشرقت النعمة ’ كما اتضح الحق ’ كما انطرد الكذب ’ كما استعلنت الحكمة ’ كما جاد المسيح بالجوائز ...هكذا نعتقد هكذا نتكلم وهكذا نكرز منذرين بالمسيح الهنا الحقيقى ونكرم قديسيه بالاقوال والتأليفات والمعانى والضحايا والهيالكل والايقونات . فأما المسيح فنسجد له كسيد واله ونعبده واما القديسون فنكرمهم لاجل السيد لخدام له ".(راجع التريوديون الخشوعى – المنشورات الارثوذكسية – مكتبة السائح –طرابلس –لبنان 1996 صفحة 136 ).
لقد قلت ما هو معروف للجميع من الأحبار الأجلاء ’ فقط أريد أن أذكربكل احترام ومحبة أخوية ’ أن هذا اللاهوت الارثوذكسى لا يوجد فقط مكتوبا فى قرارات المجامع المسكونية وفى كتابات الأباء المختبرين ومؤلفات اللاهوتيين الثقاة من الاساتذة والاكاديميين ’ ولكنه وبالدرجة الاولى يوجد أمام أعيننا كل يوم معاشا فى العبادة الكنسية ومرسوما فى الايقونات ومسموعا فى الموسيقى الكنسية البيزنطية التى تحول الكنيسة الى سماء ثانية . ان العلاقة لوثيقة بين "قانون الايمان والعقيدة " وبين " قانون الصلاة والسجود "
(
Lex credenda---Lex orandi)
المثال الواضح على ما قلنا هو ما كتبه القديس يوحنا الدمشقى فى كتابه الشهير " عرض دقيق للايمان الارثوذكسى "
«
Εκδόσις άκριβής της όρθοδόξου πίστεως»’
ويدهشنى استعماله لتعبير "دقيق" ذلك أن اللاهوت الارثوذكسى له من الدقة الكثير وهو ليس كلمات والفاظ عشوائية وأوجاع نفسانية تلقى على عواهنها من أى عابر سبيل !’ هذا ويطلق القديس الدمشقى صفة اللاهوت (الدقيق) على مجمل لاهوت القرون الثمانية الاولى الشامل للمجامع المسكونية السبع وتراث الأباء وشروحاتهم . نخلص من هذا كله الى أن العلاقة وثيقة جدا بين العقيدة والعبادة ’ بين اللاهوت والصلاة وبين التاريخ واللاهوت أى بين المخدع والمذبح والمكتبة والمكتب . هذا معناه أيضا أنه اذا ما اراد أحدنا أن يدرس لاهوت موضوع ما وبدقة ’ لا يجب أن يكتفى بقرارات المجامع بل لابد من أن يفحص وبدقة نصوص العبادة والترانيم والطروباريات والقنداكات ونصوص صلوات الاسرار الكنسية ’ بل ونصو الجنازات والتذكارات الحافلة بروح التعزية والرجاء والقيامة والنصرة . لقد عرفت الكنيسة من هو المسيحى اللاهوتى فى صلوات سرى المعمودية والمسحة ’ كما حددت اساسات الاسرة الارثوذكسية لاهوتيا وانسانيا فى صلوات سر الزيجة وعن العائلة ككنيسة والكنيسة كعائلة افخارستية فى سر الافخارستيا وصلواته الرائعة من الميطاليبسيس (صلاة الاستعداد للمناولة وهى من أروع النصوص اللاهوتية والنسكية والانسانية والتى يقرأها أو يسمعها أبسط انسان يتقدم للتناول ) الى الانصراف بسلام (لنخرج بسلام..... من الرب نطلب ). مرة أخرى نؤكد على العروة الوثقى بين قرارات المجامع المسكونية والافخولوجيون والايمنوجرافيا أى بين العقيدة والتسبيح . لا يوجد فى الارثوذكسية لاهوتيون من منازلهم مدرسيون ودماغيون !
لابد هنا من الاشارة الى أن أباء الكنيسة وقد عاصروا تيارات ثقافية متعددة وفلسفات كثيرة ’ ومن ثم ولضرورات رعوية صرفة وليس حبا فى الفذلكة والتباهى اللفظى ’ فقد أستخدموا تعبيرات الثقافة السائدة للتعبير عن الرؤية اللاهوتية ’ بالطبع ’ بدون أن يؤثر ذلك على سلامة القصد وقوة اللاهوت وصدق الخبرة والنية . لقد أراد العالم الالمانى البروتستانتى أدولف هارناك أن يتهم اللاهوت الارثوذكسى بأنه قد تهللن !’ فقام العالم الروسى اللاهوتى جورج فلوروفسكى بالرد بأن العكس صحيح فقد تنصرت الهيللينية على يد الأباء (ي
«’
έξελλινισμός του Χριστιανισμού»’
ή «’έκχριστιανισμός του Ελληνισμού»’
(يذكرنى هذا الموقف بمقولة للسيادة المطران جوروج خضر وهو أنه على يد اللاهوتيين الروم العرب قد تنصرت اللغة العربية بعد أن مضى زمان كانت قد ابت اللغة العربية ألا تتنصر والملحوظة للمترجم )
.هذا يؤكد وجود لون من الوان الوحدة الوثيقة بين الخبرة واللاهوت عند ما عاشوها من الانبياء والرسل والأباء وان كان هناك فارق ما وتباين ’ فهذا التباين هو فى الاشكال والتعبيرات والامثال المعبرة عن الخبرة وليس فى ذات جوهر الخبرة . هذه مقدمة اساسية لكى ما ندخل فى موضوعنا الاساسى وهو أزمة اللاهوت . وللتسهيل على القراء الاصدقاء لكى ما يتمتعوا بهذا الفكراللاهوتى الرائع ’ سوف نقوم بتقسيم الموضوع الى حلقات نظرا لضخامته الكمية ودسامته النوعية والى الحلقة القادمة عن:
أنحرافات لاهوتية أو انحراف الفكر اللاهوتى
Η άλλοίωση της Θεολογίας
والى أن نلتقى فى حلقة القادمة ’ سوف نلتقى فى الصلاة .
أزمة اللاهوت المعاصر وأثارها على حياة الكنيسة اليومية
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
الحلقة الثانية.2
2-
Η άλλοίωση της Θεολογίας
انحراف اللاهوت عن مساره الأول
تشكل قضية التغييرات التى طرأت على مسيرة اللاهوت ’ كما سبق وذكرناه فى الحلقة الاولى ’ قضية معقدة جدا وصعبة بمكان ويمكن تناولها من عدة جوانب. سأفضل أن نتناول القضية من من الناحية التاريخية أى ان نلقى نظرة فاحصة على مسيرة اللاهوت فى الالفية الثانية لكى نفهم ما هو الجديد والغريب الذى دخل على لاهوت الالفية الاولى . سنفحص اللاهوت من خلال مسيرة حياة الكنيسة أو الحياة الكنسية من خلال دراسة العلاقة بين (الليكس كريديندى ) و( الليكس أوراندى). لقد جاهدت الكنيسة فى مسيرة الألفية الاولى وبالام واتعاب كثيرة وشركة الروح النارى فى الحفاظ على علاقة متوازنة بعمق وعميقة باتزان بين اللاهوت العقائدى وصلوات الافخولوجيون (الخولاجى) ’ أى بين الفكر والقلب ’ بين العقل المذبح والمكتبة والمكتب ’ بين الاعلان والتاريخ ’ بين اعلانات الله وهموم الناس وبشكل خرستولوجى أكثر وضوحا العلاقة بين اللاهوت والناسوت ’ بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية فى شخص الابن الواحد والوحيد يسوع المسيح بغير انقسام ولا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ..
لقد سبق وأكد اللاهوتى الكبير أندريا سوبكوا على أنه ’ وحسب التراث القديم - المتجدد ’ كان هناك علاقة حميمة بين العقيدة والصلاة كما يظهر من محاضر جلسات وقرارت المجامع المسكونية السبع ’ ومن خلال الكتاب المقدس والاسرار والعبادة . للأسف وبمرور الأيام وكثرة الألام ’ ظهر لون من الجفاء صغير مرة وكبير مرات ’ بل ونكاد أن هذا الجفاء قد وصل الى حد الانفصام والخصام والقطيعة ’ بين هذين العملاقين مما أصاب وحدتهم بجرح طال أمده خلال الألفية الثانية من عمر اللاهوت ولقد سبب هذا الجرح جرحا أكبر للمسيح فى بيت أحبائه !.
يظهر هذا بوضوح فى أن لغة العبادة وتعبيراتها وقصدها النهائى قد بقيت بلا تغيير يذكر ’ بينما ظهرت بين وقت وأخر بعض بعض التعبيرات العقائدية المختلفة من جانب بعض اللاهوتيين المختلفين .
يكمن السبب وراء هذه الظاهرة فى أن كتب العقيدة الارثوذكسية قد تأثرت بتيارات أخرى مثل السكولاستيكية أو اللاهوت المدرسى ’ بينما بقيت العبادة بلا تغيير ولقد تسبب تأثر مفكرين يونانيين فى دخول هذا التيار المدرسى العقلانى الغربى الى اللاهوت الارثوذكسى ونذكر على سبيل المثال الانتاج اللاهوتى لايفجينيوس فولجاريس (جيورجيوس باناغوبولوس). أدى هذا الى أن يتعلم طلاب اللاهوت الارثوذكس فى معاهدهم فكر عقائدى أخر مختلف عن ما يمارسونه ’ فى كنائسهم ’ من عبادة . هذه هى الحالة التى انوجد فيها القديس بأيسيوس فيلوتسكوفسكى والذى درس اللاهوت فى مدرسة اللاهوت بكييف وكانت النتيجة أنه ترك المدرسة وسلك درب الرهبنة ولكى يمارس "الهدوئية" فى جبل أثوس ومن ثم قام بنقل هذا التراث الهدوئى (الاسيخاستى) الى مولدافيا مما سبب فى تغيير وتحويل هذا المناخ الغير الارثوذكسى والذى كان قد ساد فى كل روسيا والمناطق المجاورة .
لكى ما يصير كلامنا مفهوما وأكثر تحديدا ولكى ما نرى التيارات اللاهوتية المختلفة والتى نمت وكبرت وترعرت فى الالفية الثانية ’ ولكى ما نفهم الفارق بين (الليكس كريديندى ) وبين ( الليكس اوراندى) ’ أود أن أقوم بسياحة روحية فى العلاقة بين اللاهوت المدرسى واللاهوت الكتابى من جهة وبين اللاهوت الروسى من الناحية الأخرى.
لقد صارعت الكنيسة خلال مسيرتها فى الألفية الاولى ’ لكى ما توثق التراث الاعلانى اللاهوتى فى قوالب فكرية وتعبيرات والفاظ بدون أن يضيع هذا التراث اللاهوتى الذى للاعلان الالهى فى متاهات الالفاظ ومحسنات الكلام . هكذا نجح أباء الكنيسة فى تأمين وتوثيق التراث المستقيم الرأى والعبادة وتمييزه عن تراثات أخرى لاهوتية مازالت قائمة حتى يومنا هذا ’ ونذكر على سبيل المثال التراثات الغير الخلقيدونية (المونوفيزيتيس والنساطرة ) وأصحاب عقيدة المشيئة الواحدة . يكمن الفارق بين هذه التراثات فى أن التراث الأبائى قد تأسس وتمحور على اساس خبرة الأنبياء والأباء والتى "استثمروها " من خلال نحت تعبيرات معاصرة ’ بينما قام لاهوت الفرق الأخرى على الفلسفة فقط أى على المحسنات اللفظية التى تدغدغ العقل بلا ركب منحنية فى العبادة والتى قد تصل الى العبودية للنصوص وليس للروح صانع النصوص .
ان ما نسميه انحراف اللاهوت عن مسيرته الاولى قد دخل الى اللاهوت الغربى من نهايات الألفية الأولى وأستمر خلال الألفية الثانية. لعل التيار اللاهوتى الكبير الذى نما وترعرع فى الغرب وشكل انحرافا واضحا عن التراث الأبائى أى تراث المجامع المسكونية السبع هو ما درج العلماء على تسميته بالسكولاستيكية أى اللاهوت المدرسى الدماغى ’ هذا اللاهوت الذى لا ينزل الى القلب الا نادرا وفى لحظات نفسانية وغير كيانية (أسمع كلامك أصدقك وأتبهر وأتحمس ...أشوف أعمالك أتعجب وأتعقد وأتصدم !!! المترجم ) .
نقصد بالسكولاستيكية ذلك التيار اللاهوتى الذى نشأ فى الغرب فى مرحلة ما قبل اللاهوت المدرسى أى منذ القرن التاسع والذى منه نما واستقر التيار المدرسى خلال القرون الحادى عشر والثالث عشر.
يأتى تعبير اللاهوت المدرسى – السكولاستيكى من كلمة الاسخولى
Σχολή
Σχολαστική Θεολογία
أى المدرسة حيث يدرس الطلاب وهذا الذى نسميه اليوم التعليم الجامعى ’ أطلق عليه القدماء التعليم المدرسى ’ وكان منهج الدراسة السائد هو المنهج المدرسى أى القائم على المنطق
اللوجيكى. كان لاهوت هذه المدارس يستند على المنطق أى التحليل المنطقى للمعانى والالفاظ ’ وهنا يظهر الفارق فبينما استند الأباء على قاعدة الخبرة وما ينتج عنها من فكر ساجد ’ كان السكولاستيكيون يلجأون فى الكلام عن الله الى المنطق الاستنتناجى والتذاكى الدماغى واللعب ليس فقط بالالفاظ بل وعلى الالفاظ (لا ننسى الوعاظ الذين يقومون بالوعظ من الكتاب المقدس بلغة عربية عامية ويلون عنق الايات ليا ويؤكدون على معنى الأيات بثقة منقطعة النظير وهم نجوم فى الفضائيات بدون أن يكلفوا خاطرهم بالبحث عن النص الأصلى أو استشارة أهل العلم ما داموا لا يعلمون !!! المترجم). من بين كبار اللاهوتيين السكولاستيكيين ’ نذكر أنسيليموس كانتربويرى ’ افيلاردوس واوجو من القديس فيكتور والبرتو الكبير وتوما الاكوينى والذى شكل قمة اللاهوت المدرسى ولقد تبع خطاهم أخرون فى المرحلة اللاحقة مثل يوأنس دونوس سكوتوس وويليام أوكام .
أن أهم ما يميز اللاهوتيين السكولاستيكيين هو أن البعض منهم قد أعتمدوا على فلسفة أرسطوا الواقعية ’ بينما لجأ البعض الأخر الى فكر أفلاطون الرومانسى . لم يكتف اللاهوتيون السكولاستيكيون بهذا الخلط الغريب عن التراث بين اللاهوت والفلسفة ’ بل سارعوا الى تأليف المجلدات الضخمة فى اللاهوت المدرسى وأشاعوا بين الناس أن هذه المؤلفات أكثر عمقا ومعاصرة من اللاهوت الأبائى فى الألف السنة الأولى.
وكما نعلم أنه لابد من أن لكل فعل رد فعل ’ من أين جاء رد الفعل اللاهوتى على تيار اللاهوت المدرسى ؟ جاء بالطبع من المصلحيين البروتستانت والذين لم يقدروا أن يقبلوا هذا النهج القاسى والواقع تحت سيطرة الدماغ فقط ’ وزاد على ذلك تأثرهم الشديد بالمبادئ الحرة ! التى سادت فى القرن السادس عشر والتى نبتت فى عصر النهضة الاوربية ’ من هنا قام المصلحون البروتستانت برفض اللاهوت المدرسى وزادوا على ذلك بأن قاموا بتأسيس اللاهوت الكتابى.
βιβλική Θεολογία
لقد قام طيب الذكر البروفسور ماركوس سيوتيس استاذ العهد الجديد بجامعة أثينا وعضو الأكاديمية العلمية الأثينية ’ نقول قام بتحليل مجمل هذا التيار المسمى باللاهوت الكتابى والذى كان محاولة بدأت فى القرن السابع عشر لتأسيس التعليم المسيحى على أساس الكتاب المقدس فى تغرب كامل عن العقيدة ’ ليس العقيدة الابائية فى الالفية الاولى ’ بل العقيدة التى أسسها اللاهوت المدرسى على مقاساته الدماغية . لقد كان رد الفعل فى الواقع ضد اللاهوت المدرسى. هكذا أعتمدوا بالدرجة الاولى على تفسير الكتاب المقدس فى غربة تامة عن التفسيرات الأبائية ’ بل وعن اللاهوت الكتابى المدرسى والذى سبق وأسسه اللاهوتيون السكولاستيكيون . أسمحوا لى أن أشير الى قول للبروفسور طيب الذكر سافاس أغوريديس والذى يعتبر من أهم اللاهوتيين الكتابيين فى اليونان ’ " تكمن أزمة اللاهوتيين البروتستانت فى أنهم لا يرون الوحدة والاستمرارية فى النصوص القديمة التاريخية والنبوية والتعليمية والتى تعبر عن الديانة فى العهد القديم ’ وبالتالى لا يرون علاقة ما بين نصوص العهد الجديد وبين التراث الكنسى اللاهوتى اللاحق والقائم على الكتاب "(يظهر هذا الانفصام فى القطيعة بين العهدين فى هذا المثال العملى ’ أذكر أخ بروتستانتى صديق كان يذهب للقرى للوعظ وويقول للناس يا ناس يا هو أفرحوا موسى مشى يسوع أجه !). لا ينكر باحث أنه ومن وجهة نظر النقد الكتابى المعاصر ’ يوجد مسافة وربما صدام بين الأنبياء والرسل وبين كتاب العهدين القديم والجديد لأن كل منهم قد تأثر بعصره والأفكار الدينية والثقافية السائدة ’ لأن العلم الكتابى ينشغل بالبحث فى النصوص وأماكن نشأتها وثقافات شعوبها ولغاتها الأصلية وترجماتها (يحتاج العقل المسيحى العربى الذى تربى فى ظل ثقافة التنزيل الى بذل المزيد من الجهد للحاق بهذا التوجه التاريخى الفاحص للنصوص لكل النصوص !) ولهذا يجرى الحديث عن لاهوت يوحنا وفكر بولس وتوجهات بطرس.
لقد ظهر فى وقت متأخر نسبيا أى فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفى روسيا خاصة لاهوتا أخر وتم تسميته باللاهوت الروسى. لقد تأثر اللاهوت الروسى باللاهوت الأبائى وايضا تأثر باللاهوت المدرسى ’ ذلك لأن اللاهوتيون المنتمون لهذه الحركة التجديدية قد قرروا أن يتخلصوا من سيطرة الفلسفة اليونانية ومن طغيان العقلية القانونية القضائية الغربية . يعد اليكسيوس كومياكوف من رواد حركة اللاهوت الروسى الثائر على سيطرة الفلسفة اليونانية وضد الروح القانونية الغربية على اللاهوت ولقد وصل كومياكوف الى النتيجة الهامة وهى أن اللاهوت المدرسى قد سبق اللاهوت الأبائى وأن اللاهوت الروسى قد تعدى اللاهوتيين السابقين .
لم يتوقف اللاهوت الروسى عند هذه المحطة ’ بل قام الاب جورج فلوروفسكى والذى يعد من أكبر لاهوتيين القرن العشرين الروس ’ قام بالوقوف فى وجه نظرية كومياكوف ’ والذى نادى بالنظرية الشهيرة "العودة الى الأباء" وكما قام بتطوير فكرة "الرؤية الأبائية الجديدة" بمعنى أن مسيرة الأباء لا تتوقف على الماضى وانه فى كل جيل يوجد أباء وعلماء وقديسين وأنبياء اى معلمون وأنه يجب البحث فى كتابات الأباء الجدد مثل سمعان اللاهوتى الجديد واغريغوريوس بالاماس واباء الفليلوكاليا . باختصار شديد وبمعنى أخر لقد حارب اللاهوتى الروسى فلورفسكى الرأى القائل بأن عصر الأباء قد توقف فى القرن الثامن ولم يتوقف عن التبشير بأن عصر الأباء مستمر وأننا لا يجب أن نقول "العودة الى الأباء " بل لابد أن ننادى بالسير "الى الأمام مع الأباء" ’ كما قاوم النظرية التى تنادى بأن عصر اللاهوتى السكولاستيكى الجديد قد أنهى عصر الأباء وأنم عصر اللاهوت الروسى الجديد قد أنهى العصرين . الحقيقة التى يجب أن نتوقف عندها طويلا ومليا هى أنه اليوم تسود هذه التيارات الاربعة الساحة اللاهوتية وهذه المدارس هى اللاهوت الأبائى واللاهوت المدرسى واللاهوت الكتابى واللاهوت الروسى . هذا يؤدى بالضرورة وكنتيجة حتمية وبشكل طبيعى الى أزمة اللاهوت . والى الحلقة القادمة
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
الحلقة الثالثة 3
انحراف التعبير اللاهوتى يؤدى بالضرورى الى انحراف العبادة والتعليم
يشكل ما سبق وقلنا "الحلقة الأولى والحلقة الثانية" ضرورة وحاجة شديدة لا غنى عنها فى ألية فهم و سبل مواجهة أثار الأزمة اللاهوتية فى حياة ومسيرة الكنيسة الارثوذكسية. سوف نشدد وبشكل خاص على كيف أن أية انحرفات فى التعبيرات اللاهوتية ’ ينتح عنها بالضرورة ممارسة وعبادة منحرفة عن مسارها ’ وينتج أن هذا الانحراف بين التعبيرات والممارسات يؤدى الى ظهور مناخ غير صحى فى الحياة الكنسية. لا نقدر أن نتفاخر بالخبرة الروحية ولا نعطى الأهمية الضرورية للكلمات حاملة المعنى فالكلمات ’ عند الأباء ’ هى الأوانى التى ينسكب فيها الروح ’كما يقول كيرلس العظيم فى شرحه لانجيل يوحنا . اذا هنا الأعمال الايمانية ليست فقط بالنيات ’ بل بالكلمات الصحيحة والتعبيرات المستقيمة والتعليم الصحيح لأن استقامة التعبير ’ عند الارثوذكس ’ تأتى من صحة ودقة اللفظ وشمول التعبيرات. اذا ما طبقنا هذا الكلام على واقعنا اللاهوتى ’ سنجد أن الجيل الذى سبقنا من اللاهوتيين (سيادة المطرن يقدم اعتراف علنى أمام المجمع ويمارس نقد ذاتى قاسى جدير بالاحترام – المترجم ) قد تأثر باللاهوتيين السكولاستيكيين والبروتستانت مثل توما الأكوينى وفالهاوزين وهارناك ’ بينمنا جيلنا نحن ( نستطيع القول بأن المبعوثين الاقباط الى اليونان الذين درسوا بين عام 1980 وما تلاها من سنوات قد شاركوا سيادة المطران فى نفس الأجواء التى يتكلم عنها ونغس الاساتذة ودرسوا نفس المناهج - المترجم ) فقد تأثر بنظرية كارل بارث وبرونر وبولتمان وتيليخ ’ وخاصة المثالية الالمانية ’ أما اللاهوتيون اللاحقون لجيلنا فقد تأثروا وكبروا وترعروا فى ظل اللاهوت الروسى واللاهوت الوجودى والكيانى مثل لاهوت أفدوكيموف ولوسكى ومايندورف وبردياييف وهيدجر والفلاسفة الوجوديين . يجب أن نلفت النظر الى حقيقة هامة حتى لا نسبب السجس ونثير سوء الفهم وهذه الحقيقة هى أن طلاب اللاهوت فى الكليات الارثوذكسية يدرسون كل هذه التيارات التى تميز العلوم اللاهوتية الغربية ’ على أن لا يتم هذا على حساب اللاهوت الأبائى . لابد أن يتعلم طلاب اللاهوت العلاقات والفوارق بين مبادئ اللاهوت الغربى واللاهوت الابائى على أن لا يسود الرأى الذى يرمى الى القول بأن اللاهوت السكولاسيتيكى واللاهوت الروسى قد سبقا اللاهوت الأبائى وأحتلوا مكانته . هذا غير مقبول .
أنه من المعروف أن كلية اللاهوت جامعة أثينا قد تأسست على أساس النموذج الألمانى وأنها منذ تاسيسها وهى واقعة تحت تأثير اللاهوت المدرسى واللاهوت البروتستانتى . قام الباحث الكاثوليكى أيدان نيقولاس بكتابة كتاب سماه نور من الشرق
Aidan Nichols
Light from the East
(
Φώς άπό την άνατολή)
وفى هذا الكتاب ’ يبذل جهدا لدراسة فكر بعض اللاهوتيين الارثوذكس لكى ما ينقل الى المسيحيين الغربيبن هذا الفكر على سبيل العلم بايمان المسيحيين الشرقيين . يصل الباحث الكاثوليكى نيقولاس الى بعض النتائج التى ’ فى رأينا ’ تظلم كليات اللاهوت الارثوذكسية وتقلل من قيمة ارثوذكسية التعليم بها ’ هذا لا يمنع أنه على حق فى الكثير من النقاط . يؤكد نيقولاس على أنه قد دخل الى كلية اللاهوت جامعة أثينا اللاهوت السيكولاستيكى ’ بينما تسرب الفكر الفلسفى واللاهوت الروسى الى كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى (بينما فى جيلنا وبعدنا نحن الدارسون فى اليونان كان يقال بأن أثينا هى اللاهوت المدرسى وتسالونيكى هى اللاهوت الأبائى- المترجم ).هذا لا يلغى أن كليات اللاهوت الأثينية والتسالونيكية قد ساهمتا بدرجة كبيرة وهامة فى مجال الدراسات التراثية الأبائية واللاهوت الكتابى والعبادة والحق الكنسى واللاهوت الرعائى والتاريخ الكنسى. ان مساهمات الكثيرين من اللاهوتيين الاحياء أو الذين رقدوا فى اليونان لهى مساهمات عظيمة ولكن هذا لا يلغى أن الكثير من الأفكار الغير الارثوذكسية قد دخلت خلسة الى ساحة اللاهوت الارثوذكسى . نحن نعتقد أنه وبالرغم من بعض المبالغة فى رأى الباحث الكاثوليكى نيقولاس ’ الا أنه يبدو أن اللاهوت اليونانى المعاصر قد تعرض بالفعل لبعض المؤثرات ليس فقط المؤثرات اللفظية ’ بل المؤثرات الموضوعية ’ من قبل الفكر اللاهوتى الغربى عامة واللاهوت الروسى خاصة . وسوف أقدم بعض الأمثلة لتوضيح هذا التأثير :
1 – محاولات ايجاد تناسب بين الثالوث القدوس والحياة الانسانية:
Συσχέτιση μεταξύ της Αγίας Τριάδος και των άνθρώπων
يقوم الكثيرون من اللاهوتيين ’ اليوم ’ بعمل علاقة تناسبية (انالوجيا)
,
αναλογία
ما بين الثالوث القدوس والمجتمع الانسانى ’ أى ما بين الله والانسان . يحاولون شرح أقانيم الثالوث القدوس عن طريق حياة الناس فى المجتمع المتعدد . وهكذا يتم تقديم وحدة الجوهر بين الأقانيم فى الثالوث على أنها نموذج للوحدة بين الاشخاص فى المجتمع البشرى المتعدد . يصل البعض الى تصوير الاتحاد بين اقانيم الثالوث على أنه مثل الاتحاد فى الزواج ويصل البعض الى عمل تناسب بين الوحدة المرجوة بين الكنائس والوحدة بين أقانيم الثالوث. لقد سبق وحاول اليكسيس كومياكوف تقديم هذه الصورة للتناسب – الأنالوجيا بين أقانيم الثالوث وبين المكونات الانسانية وقد قام بعض اللاهوتيون الروس بتطوير الفكرة . لقد كتب يوما كومياكوف عن " وحدة الشخصيات البشرية المتعددة فى داخل الطبيعة البشرية الوحيدة المتأنقمة والمنجمعة فى المسيح .ان الكنيسة ذات الطابع المطلق فى الثالوث القدوس تصير بهذه المعنى صورة قانونية للكنيسة ’ كنيسة البشرية الواحدة فى تعددها "صورة للمحبة الواحدة المتبادلة بين الناس المتعددين " وأيضا وبمعنى الكنيسة صورة الثالوث التى هى صورة عن الوحدة فى التعدد".
نحن نجد هذه العلاقة التناسبية بين الثالوث القدوس وبين الانسان ’ وبصفة عامة الببشرية كلها ’ نجدها قد وردت أولا عند اللاهوتيين المدرسيين. سأورد ما كتبه ريخارديوس القديس فيكتوروس عن المحبة " اللازمة و المفيدة " والمحبة " الغيرالواجبة" بين الاقانيم الثالوث القدوس وما كتبه أيضا عن "التناسق بين الكائنات" أى بين الله والانسان .
Analogia entis between God and Man
الأباء ونظرية الأنالوجيا :
ان اباء الكنيسة المستقيمة الرأى لا يقبلون بنظرية الأنالوجيا اى التناسب والتلاقى المتساوى بين الله والانسان لأنه وببساطة لا يوجد تشابه وتناسب كيانى ووجودى بين الغير المخلوق والمخلوق .
(
Δεν υπάρχει όμοιότητα μεταξύ ἀκτίστου και κτιστού)
يكتب القديس أغريغور يوس بالاماس بأن الأقانيم الثلاث يرتبطون بعضهم البعض ويتداخلون بعضهم فى بعض
(
Οι τρείς θείες ύποστάσεις συνδεόνται μεταξύ τους και περιχωρούν ή μία την άλλη φυσικώς , όλικώς , αιδίως , άμεταδότως , συγχρόνως δε και άμικτώς και άσυγχύτως , ώστε μία να είναι και ή ένέργεία τους « όπερ έπ, ούδενός αν τις εύροι των κτιστών»’»δηλαδή αύτή ή περιχώρηση πού συμβαίνει στον Τραιδικό Θεό δεν μπορεί να βερθή σε κανένα κτιστό).
بشكل طبيعى وكلى وأبدى وغير فابل للانتقال لكائنات أخرى ومتزامن وبلا اختلاط وبلا تداخل وهذا التواصل والتداخل والتنازل القائم فى داخل الثالوث يمثل طاقة واحدة أى انيرجيا واحدة للثالوث لا يمكن أن يوجد فى أى خليقة أخرى. السبب هو أن الانيرجيا فى البشر هى انيرجيا خاصة بكل انسان على حدة بينما الانيرجيا فى الثالوث هى انيريجيا مشتركة بين الأقانيم الثالثة فى الثالوث القدوس. هذا معناه ام كل انسان يتمتع بارادته الخاصة الحرة بينما فى الثالوث الارادة
η Βούληση مشتركة بين الأقانيم الثلاثة ’ نخلص الى أنه لا يمكن أن يوجد أنالوجيا بين الله والبشر.
(
Άρα δεν ύπάρχει άναλογία μεταξύ Θεού και άνθρώπου)
بالطبع يقابل القديس بالاماس (انالوجيا ) بين الله والانسان فى حالات أن الانسان كأيقونة الله يملك عقل ولوغوس وروح وفكر ولكن هذه كلها هى دلائل
Είκονικά Υποδείγματα
الايقونة الالهية فى الانسان والتى حسب ما نعرف لا يوجد بينها وبين الله انالوجيا مطلقة لأنه فى الله الثالوث العقل (الأب) واللوغوس والروح القدس هى أقانيم بينما هذه الدلائل الايقونية فى الانسان هى طاتقات النفس العاقلة
)ἐνέργιές της ψυχής (
نقدر أن نقول نفس الشئ على كلام المسيح فى صلاته الكهنوتية ".أيها الأب ..وأنا أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد ..." يوحنا 17 :22
(
Ινά πάντες έν ώσι Καθώς σὐ , Πάτερ, έν έμοί κάγώ έν σοί ,ίνα και αύτοί έν ήμίν έν ώσιν )
.ويتم استعمل هذه القول ’ فى غير محله ’ لكى يعبر عن الوحدة المرجوة بين الكنائس انطلاقا من نظرية الانالوجيا . بينما الحقيقة هى أن هذه الصلاة الكهنوتية قد تحققت تاريخيا فى يوم الخمسين حينما عاين الرسل مجد الله (ذوكسا ثيؤء) ووصلوا الى التأله (الثيؤسيس) وأتحدوا بعضهم ببعض ’ وبمعنى أخر أن هذه الأية اليوحنائية تشير الى الثيؤبتيا (المعاينة الالهية) وأنه فى كل مرة يصل أحدنا الى هذه البصيرة اللاهوتية يتحد أو يقتنى الوحدة الروحية واللاهوتية والعقائدية مع الرسل بل ةيصير امتدادا لهم كما نقول فى السينوديكون فى يوم احد الارثوذكسية
ومن ناحية أخرى فأن الرابط (كاثوس
Καθώς
) فى الأية اليوحنائية يجب أن نراه مع القديس كيرلس الاسكندرى كتيبوس
أى كنمط وصورة اى ايقونة للانسجام والوحدة والصداقة . الأية نفسها تتكلم عن الوحدة فى المجد كما صلى السيد ( اعطيتهم المجد الذوكسا الذى أعطيتنى ) وهذا المجد أى ذوكسا المسيح هى الثيؤبتيا أى الثيؤسيس التى صارت من مقتنيات التراث الأبائى المستقيم الرأى ولنقرأ التعبير الكيرلسى باللغة اليونانية القديمة
(
Καθώς ως είς είκόνα και τύπον της ἀδιασπάστου φιλίας τε και όμονίας και ένότητος )
الخلاصة من هذا كله أن اللاهوت الأبائى لا يعرف ولا يعترف بمبدا الانالوجيا والذى هو أساس اللاهوت المدرسى .
نكتفى بهذا القدر نظرا لصعوبة الموضوع لاهوتيا ولقد فضلنا وضع بعض العبارات باللغة اليونانية أى نفس لغة سيادة المتروبوليت مساهمة منا فى تشجيع من يشتاقون لتعلم اللاهوت من اللغة الاصلية والى أن نلتقى فى الحلقة القادمة أطلب بركات صلوات القراء من الأباء الأجلاء ودعوات الأخوة الاصدقاء والاخوات .
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
الحلقة الرابعة 4
رأينا من أجل تسهيل المتابعة على الأصدقاء محبى اللاهوت الأبائى واللغة اليونانية اللاهوتية والابائية ’ أن نشير ’ فى كل حلقة جديدة ’ الى نهاية الحلقة السابقة’ ’ أى الثالثة ’ وخاصة أنه ترتبط بالتأثيرات اللاهوتية الغربية والروسية الحديثة على اللاهوت الأبائى .
نحن نعتقد أنه وبالرغم من بعض المبالغة فى رأى الباحث الكاثوليكى نيقولاس ’ الا أنه يبدو أن اللاهوت اليونانى المعاصر قد تعرض بالفعل لبعض المؤثرات ليس فقط المؤثرات اللفظية ’ بل المؤثرات الموضوعية ’ من قبل الفكر اللاهوتى الغربى عامة واللاهوت الروسى خاصة . وسوف أقدم بعض الأمثلة لتوضيح هذا التأثير:
المؤثر الثانى
2- الشخصية الانسانية – الانسان الوجه
Το άνθρώπινο πρόσωπο
يلاحظ المهمومون بالانسان والشخصية الانسانية اليوم كثرة التحليلات والدراسات حول الانسان ويصلوا الى درجة أن يحددوا ميزات هذه الشخصية الانسانية ويحصرونها فى الوعى بالذات والغيرية والفرادة والنشوة والعشق . لقد انطلق الرأى أن الانسان هو وجه وشخص وشاخص على يد اللاهوت الروسى فلاديمير لوسكى والذى يكتب بكل وضوح :" أما فيما يخصنى شخصيا ’ يجب أن أعترف بأننى الى اليوم لم أعثر فى اللاهوت الأبائى رؤية نظرية كاملة حول الانسان والتى تتوافق وتتواجد جنبا مع التعاليم الواضحة والجلية حول الاشخاص الالهيين أو الاقانيم " . ولا يكتفى لوسكى بهذا بل يستمر فى القول " أنا لا أعرض بحثا تاريخيا فى العقائد المسيحية ’ بل سوف أحاول أن أسبر غور بعض الأفكار اللاهوتية من أجل الاجابة على تساؤلات كثيرة وملء فراغات عديدة بخصوص المعنى والمكانة التى يجب أن يحتلها الشخص – الوجه – الشخصية الانسانية فى داخل سياق وبنيان العقيدة المسيحية ".
نحن نمدح صدق وصراحة فلاديمير لوسكى فى تأكيده أنه لم يجد عند الأباء رؤية نظرية أو تنظيرا فلسفيا ما حول الوجه- الشخص الانسانى ’ والذى يسير جنبا مع تعليم الأباء حول أقانيم الثالوث القدوس . فى الحقيقة لم يتناول الأباء ’ فى أثناء حديثهم عن الأقانيم الثلاثة فى الثالوث القدوس فى الله الواحد ’ لم يتناولوا قضية الانسان كشخص ’ والسبب هو أنه فى زمان الأباء ’ لم يكن يسود المناخ الثقافى واللاهوتى النظرية أو المبدأ الميتافيزيقى (الانالوجيا انتيس)
Analogia entis
لقد تكلم الأباء عن الانسان من منطلقات مختلفة تماما ’ كان منطلق الأباء فى رؤية الانسان منطلق كتابى ’ حسب القديس يوحنا الدمشقى ’ فقد استعمل الأباء ’ فى كلامهم عن الانسان ’ تعبيرات كتابية مثل (على صورتنا ) وهو يقابل الطاقة الذهنية والارادة الحرة و(كشبهنا) أى التأله الثيؤسيس .
Άλλά για τον άνθρώπο χρησιμοιούσαν , όπως γράφει ό άγιος Ιωάννης ό Δαμασκηνός , τους βιβλικοὐς όρους κατ,είκόνα (νοερό ᾱύτεξούσιο) και καθ,όμοίωση (Θέωση).
هذا لا يمنع اناا نجد هنا وهناك فى كتابات الأباء بعض التعبيرات التى تشير الى الانسان كأقنوم (هيبوستاسيس ) ويستمل الأباء هذه التعبيرات بمعنى وجودى لأن هذا التعبير يستخدم ايضا فى هذه الحالات للاشارة الى الكائنات الحية بصفة عامة .
الحقيقة هى أن الصفات التى تحدد الانسان وتحجيمه فى صفات مثل معرفة الذات والغيرية والنشوة والعشق ’ نقول ان هذه التحديدات للشخصية الانسانية لم تأت الينا من التراث الأبائى بل هى تعبيرات نشأت على يد الفليسوف الوجودى الالمانى ومن ثم تسللت الى اللاهوت الارثوذكسى . هاديجر ومن ثم تسللت الى
نذهب الى أبعد من ونقول أنه حتى التعبير (بيريخوريسيس) أى التداخل وتبادل الطاقات لا يستخدمه الأباء الا للاشارة الى العلاقة الداخلية بين أشخاص – أقانيم اللاهوت ’ وهذا التداخل بين اقانيم الثالوث لا يمكن أن يتم بنفس الطريقة بين البشر
والذين لا يملكون نفس الطاقات (الانيرجيس )
Ένέργιες ) التى للثالوث القدوس ولهذا لا يقدر المرء أن يفهم كيف يمكن أن يتم (بيريخوريسيس ) أى تداخل وتبادل طاقات بين البشر. أن الحب بين البشر لا يمكن أن يفسر على أساس التبادل والتداخل فى الطاقات ’ كما يحدث بين اقانيم الثالوث.
Η άγάπη μεταξύ των άνθρώπων δεν μπορεί να έρμηνεύεται με την άρχή της άλληλοπεριχωρήσεως , κατά τον τρόπ πού γίνεται στον Τριαδικό Θεό.
3 - المؤثر الثالث
الشخص والفرد
«
Πρόσωπο και άτομο»
يشدد الكثيرون من اللاهوتيين والمثقفين ’اليوم ’ على أنه هناك فارق بين الشخص (بروسوبو) والفرد ( أتومو) . يذهب أتباع هذا الرأى الى التأكيد شفهيا وكتابة على أن الشخص يملك وعيا بالذات وقدرة على التمايز ’ كما يتميز بالطاقة على الحب والحرية ’ بينما يرون الفرد من وجهة نظر بيولوجية وعددية (الفرد النمرة بلغة الجيش) .نحن نرى أن هذا التمييز له وجاهته المنطقية وهو مفيد فى النقاشات حول قضايا اجتماعية وثقافية ’ وأعترف أنا شخصيا (يقول سيادة الميتربوليت) أننى وقبل ثلاثين عاما قد تأثرت وأنبهرت بهذ التمييز بين الشخص والفرد ولقد ساعدنى كثيرا فى حواراتى مع كبار المثقفين وخاصة أثناء خدمتى مع الشباب ولكننى سرعان ما أدركت أن هذا التقسيم يختلف عن التراث الأبائى. ظهر التمييز بين الشخص وبين الفرد لأول مرة عند اللاهوت السكولاستيكى – المدرسى توما الأكوينى ومن ثم تم تطوير ونشره فى ايامنا على يد الفلاسفة الوجوديين وخاصة على يد بردياييف وأخرون. أستخدم هذا التمييز بين الشخص والفرد أيضا وحلله كثيرا وطويلا اللاهوتى الروسى فلاديمير لوسكى.
ومع هذا كله ’ لا يوجد فى الأدب والتنعليم الأبائى مجالا ولا ذكرا لمثل هذا التفريق بين الشخص والفرد. نذكر بأن الأباء قد طوروا وطبقوا تعبير الشخص والاقنوم فقط على اللاهوت وليس على الانسان. هكذا يكتب القديس يوحنا الدمشقى :" يجب أن نعرف أن الأباء القديسون قد أستعملوا التعبيرات شخص وفرد وأقنوم بنفس المعنى ولنفس الغرض"
«
Χρή δε γνώσκειν , ως οί άγιοι πατέρες ύόστασιν και πρόσωπον και άτομον το αύτό έκάαλεσαν»
ويكتب ايضا فى موقع أخر (الهيبوستاسيس هو هو الأتومون) ’ أى أن الشخص والفرد والأقنوم يتطابقون من حيث المعنى والفحوى. لقد كتب القديس يوحنا الدمشقى هذا الكلام وهو الضليع فى أصول اللغة اليونانية ويعرف أن كلمة (أتومون) تتكون من حرف الحذف (ألفا) ومن كلمة (تومى) أى الشئ أو الذرة أو الجزء والذى لا ينقسم يأتى منها الكلمة الانجليزية
Atomic
Α -- τομή
لقد أستخدم التعبير فى النزاعات الخرستولوجية لكى ما يتم التشديد على أن المسيح لم ينقسم الى جزيئات أى لم ينقسم الى طبيعتين ’ طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية ’ ولكن المسيح هو شخص وفرد واحد وكامل وفيه تتحد الطبيعتان ( بغير اختلاط ولا تغيير ولا انقسام ولا انفصال )
Όπότε ό Χριστός είναι ένα ένναίο πρόσωπο -΄ατομο , στο όποίο ένώνονται οί δύο φύσεις «΄ασυγχύτως , άτρέπτως,άδιαιρἐτως και άχωρίστως».
يستخدم ’ أيضا ’ القديس سمعان اللاهوتى الجديد التعبير (أتومون) للاشارة الى الله الثالوث بمعنى أن أقانيم وأشخاص وأفراد الثالوث القدوس لا ينقسمون ولا يتجزاؤن
«’Υιός έν Πατρί άεννάως όράται / γεγεννημένος / ,άλλά συνηνωμένος / και έν Υίώ γάρ ό Πατήρ καθράται/άδιαστάτως , άτόμως , άχωρίστώς»’
بينما نجد أن فلاديمير لوسكى يستخدم التعبيرين ( بروسبون وأتومون ) بشكل متميز ومختلف ويقول ويكتب :" ...نخلص من ذلك الى أنه فى اللغة اللاهوتية ’ فى الشرق كما فى الغرب ’ يتطابق التعبير (الشخص الانسانى) مع (الفرد الانسانى) . لكننا لا نقدر أن نتوقف بشكل نهائى عند هذه الرأى ’ لأنه ومما يبدوا فأن الانثروبولوجيا المسيحية لم تعطى فحوى ومعنى جديد للهيبوستاسيس الانسانى ’ لهذا دعونا نحاول أن نكتشف معنى جديد يتوافق مع تعبير أتومون" ’ هذا يدل على أن لوسكى لم يجد هذا التمييز بين الشخص والفرد عند الأباء ومن ثم قد قام بالتمييز بين الشخص والفرد وهو واقع تحت تأثير الفلسفة الوجودية.
يبدوا ’ فى النهاية ’ أن محاولات التمييز والتفريق و وزيادة على ذلك تقنين وتبنى الفارق بين الشخص والوجه الانسانى و بين الانسان - الفرد ’ هو من عمل اللاهوت المعاصر لأننا نعرف أن الأباء لم يقوموا بهذا التمييز ولم يقننوه على مستوى النثروبولوجيا ’ وان استخدموه على مستوى الثيؤلوجيا .
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام
مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
يوم 8 – 10 – 2015
الحلقة الخامسة (5 )
نقلها الى اللغة العربية الاب أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية- اليونان
نقدم للقارئ السيرة الذاتية للكاتب سيادة المطران فلاسيوس لكى يتعرف القارئ باللغة العربية على قامة عالية من قامات اللاهوت المعاصر فى الكنيسة الارثوذكسية الرومية
(ولدة سيادة المتروبوليت ايروثيؤس فلاسيوس فى يؤأنينا باليونان عام 1945 , حصل فى عام 1969 على شهادة اللاهوت من كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى . تمت رسامته شماسا انجيليا فى عام 1971 وبرسفيتيروس عام 1972
ومن ثم قام بالخدمة كواعظ فى مطرانية أديسا (1969 -1987 ) وكذلك فى مطرانية ثيفون وليفادياس (1987 )وبعدها قام بخدمة الشباب فى رئاسة اساقفة أثينا (1987 –1995 ) . قام بالتدريس فى كلية اللاهوت جامعة البلمند بلبنان . تم منحه الدكتوارة الفخرية من كلية اللاهوت جامعة أثينا قسم اللاهوت الاجتماعى . قام بتمثيل الكنيسة الكنيسة اليونانية فى الكثير من المناسبات العلمية والمحافل اللاهوتية ومنها المؤسسة القومية لعلاج مرضى الايدز والمؤسسة القومية للاعلام وعمل فى المؤسسة القومية لعلاج الادمان وكما مثل الكنيسة فى المجلس القومى للاصول الاخلاقية للممارسات الطبية . معروف عالميا يمؤلفاته اللاهوتية الرصينة والدقيقة . تمت سيمته مطرانا على نافبكاتوس فى 20 – 7 – 1995
هناك بعض المفاهيم الانثروبولوجية والاكليسيولوجية التى تسبب مشاكل رعوية وأزمات لاهوتية وصدام بين اللاهوت الأبائى والفكر المعاصر ومنها :
أولا : الانسان بين حقوقه الوضعية وكرامته اللاهوتية
حينما يتكلم المعاصرون عن الانسان ’ هم يقصدون كل انسان بغض النظر عن الدين واللون والانتماء ويسقطون ذلك على اللاهوت ’ بدون دراية فعلية ’ ليؤكدوا أن كل انسان هو شخص وهو على صورة الله مادام يملك الارادة والعقل.
(
Κάθε άνθρωπος είναι πρόσωπο ως κατ,εικόνα Θεού, διότι έχει το νοερό και το αύτοεξούσιο).
أتذكر(يقول سيادة المتروبوليت) حينما كتبت مرة عن أن شخص الانسان والانسان الشخص وصيروة الانسان شخصا حينما يقطع المسافة من (الشبه ) الى (المثال) أى الى القداسة والثيؤسيس حسب القديس صوفرونيوس زاخاروف ’ وقتها قامت على الدنيا ولم تقعد ولذلك لأنه وحسب اللاهوتيين المتفلسفين فأن كل انسان هو شخص مادان يملك الحرية والقدرة على الاختيار !.هنا تصطدم المفاهيم الحرة المعاصرة مع الرؤية الأبائية للانسان ’ على سبيل المثال يقول لنا اتباع حقوق الانسان أن المثلية (الشذوذ الجنسى) هى ضعف فى الطبيعة وليس فى الشخصية ’ هنا يتم خلق هوة بين الطبيعة والشخص فى الانسان ويصل اصحاب هذه النظرية الى أن شخص الانسان المثلى هو مقدس بينما طبيعته مريضة. أذكر مرة أنه قد كسب مسابقة الايروفيزيون شاب صار أمرأة ’ وعند تسليم الجائزة ’ تسأل الجميع من سندعوه ’ فخرج اصحاب نظرية حقوق الاننسان وقالوا أنهم يسمونه (بيرسونا شخص ). يقول الأب يوأنس رومانيدس أن الكنيسة ستواجه مشكلات كثيرة فى المستقبل القريب من وراء تيار (حقوق الانسان ) وأنه وبأسم حقوق الانسان ’ سوف يتم فرض أراء وتوجهات وممارسات مضادة لمقاصد الله الأصيلة فى الانسان .أن عمل الكنيسة ليس هو ابداء الأراء فى مشاكل خلقتها الطبيعة الساقطة للانسان ’ بل هو وبالدرجة الاولى عمل علاجى وشفائى ’ الكنيسة مدعوة الى أن تشفى الطاقات العقلانية والنفسية للانسان ومن خلال هذا الشفاء يتم التناسق والتوازن بين الاسنان ونفسه من ناحية والتعايش بين الانسان والمجتمع من الناحية الأخرى . هذا يدفعنا الى القول أن العبارات التى يستعملها أتباع مبادئ حقوق الانسان تحمل داخلها تناقضات وتسبب أزمة للاهوت المعاصر فى التعاطى معها .الأزمة هى بين حقوق الله (الثيؤلوجيا) وحقوق الانسان (الأنثروبولوجيا).
ثانيا : الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة :
«’
Στρατευομένη και θριαμβεύουσα Εκκλησία’»
كثيرا ما نتناول فى عظاتنا (نلاحظ أن سيادة المطران يتكلم أمام مجمع المطارنة الاساقفة فى الكنيسة اليونانية ’وهم كلهم لاهوتيون على مستوى رفيع وهذا درس لنا انه لا يوجد أحد لا يحتاج للتعلم اللاهوتى والمراجعة الانسانية وخاصة اذا كان يهتم بالانسان هذا المخلوق العظيم والرائع ) قضية الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة . ونقصد ’ فى الغالب ’ بالكنيسة المجاهدة ’ الكنيسة التى تعيش فى العالم وينتمى لها كل منا ’ نحن الذين نجاهد ضد الأهواء والشيطان والموت ’ بينما نقصد بالكنيسة المنتصرة القديسين الذين بعد موتهم عبروا الى نطاق زمنى أخر الى الى الزمان الأبدى والحياة الدائمة الابدية ’وينتظرون قيامة الاجساد. فى الحقيقة ’ نحن ننتمى جميعنا لكنيسة واحدة مجاهدة فى المسيح وهناك شهادات كتابية وابائية كثيرة على ذلك.أن انتصار المسيح على الصليب وتشهيره بالشيطان حسب تعبير بولس (كولوسى 2 :15 ) ينطبق على الاحياء وعلى الراقدين . نحن من خلال سرائر العمادة والمسحة والافخارستيا نشترك فعليا فى انتصار المسيح حسب القديس نقولا كابسيلاس فى كتابه "الحياة فى المسيح "
«’
Ἑν Χριστώ Ζωή»’
لا يمكننا أن نقسم الكنيسة الى قسمين لأن الكنيسة واحدة وغير منقسمة. نحن نعيش فى الكنيسة وفى الافخارستيا حقيقة أن الكنيسة هى مجمع السماء والارض
«’
Σύνοδος ουρανού και γής»’
أى الأحياء والراقدين والبشر والملائكة كما القديس يوحنا الذهبى الفم الذى يقول ونضع النص باليونانية بدون ترجمة ليستمتع محبو اللغة اليونانية بنص مباشر للذهبى الفم وهو نص أدبى ولغوى رفيع المستوى يشتهى أن يقرأئه أفلاطون نفسه وكبار اساطين اللغة والاداب الهيللينية فى العالم (ويستطيع القارئى باللغة العربية أن يذهب الى أى كنيسة روم ارثوذكس ويطلب نسخة من قداس الذهبى الفم باللغة العربية ويقرأ ويتمتع ) :
«’
Ανω στραταί δοξολογύσιν άγγέλων . κάτω έν έκκλησίαις χοροστατούντες άνθρωποι την αύτήν έκείνοις έκμιμούνται δοξολογίαν .Ανω τά Σεραφίμ τον τριάγιον ύμνον άναβοά . κάτω τον αύτόν ή των άνθρώπων άναπέμπει πληθύς . κοινή των έπουρανίων και έπιγείων συγκροτείται πανήγυρις μ μία ευχαριστία ,έν άγαλλίαμα , μία εύφρόσυνος χοροστασία»’.
نخلص من هذا الى أن تقسيم الكنيسة الى مجاهدة ومنتصرة ’ فى رأينا ’ يأتى من التقسيم الأخر والغير الارثوذكسى بين "المرئى " والغير "المرئى" .
Ορατό και Αοράτο
لقد ظهر هذا التعبير فى القرن التاسع عشر على يد "حركة أكسفورد" فى الكنيسة الانجليكانية والتى ترى أن الكنيسة الحقيقية هى الكنيسة الواحدة والغير المرئية وأن الكنائس الكثيرة فى العالم هى كنائس قانونية وهى تعبيرات مرئية عن الكنيسة الواحدة الغير المرئية وهى ذات كيان قانونى وتاريخى وحقوقى وبشرط أن تحافظ على الكنيسة الواحدة الغير المرئية وأن تتمتع بالتتابع الرسولى الاسقفى .هذا المفهوم يعود بنا الى اللاهوت الاكليسيولوجى المدرسى والذى يرى فارقا بين الكنيسة كجماعة قائمة فى التاريخ وبين الكنيسة الجسد السرى للمسيح وهنا يمكن أن يعطى الحق لجماعات صغيرة أن تصير كنائس قانونية وحتى لو لم تخضع لسلطة البابا . هذه التفريقات كلها تعود الى التميز الاساسى بين التاريخ وألاخرويات ’ أى بين الاستوريا والاسخاتولجيا
Η Ιστορία και Η Εσχατολογία
’ وهذا التقسيم غير ارثوذكسى لسبب بسيط وهو أن القديسون الذين غادروا عالمنا يحيون فى الكنيسة التاريخية برفاتهم واجسادهم وعجائبهم وكتاباتهم وظهوراتهم أحيانا كثيرة ’ هذا الى جانب أن الأخرويات فى الارثوذكسية ليست هى فقط الحياة بعد الموت وظهور المسيح الثانى بل هى تبدأ من هنا والأن .المسيح هو الأول والأخر "رؤيا 1 :17 "
«
Ο Χριστός είναι ο πρώτος και ό έσχάτος»
لقد تأنسن المسيح وتجسدن ودخل التاريخ ’ لهذا فالاخرويات فى المسيح هى هنا الأن فى الحاضر. لهذا فأن التمييز بين كنيسة مجاهدة وكنيسة منتصرة ’ كنيسة هنا وكنيسة هناك ! يشكل خطرا لاهوتيا ورعائيا كبيرا لأن الكنيسة هى عملة واحدة ذات وجهان ان جاز التعبير. يقول الاب جورج فلوروفسكى " أن الكنيسة المنتصرة هى هى الكنيسة العابدة والساجدة بالروح وووجودها وعملها هوالشركة فى عمل المسيح المعزى وفى حبه الفادى ".
ان العلاج الناجح لكل المشاكل الرعائية ’ يأتى من الفكر اللاهوتى النافذ .’
والى أن نلتقى فى الحلقة القادمة والأخيرة أطلب بركات الأباء القراء ودعوات الاصدقاء .
الحلقة السادسة والأخيرة
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام
مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
يوم 8 – 10 – 2015
الحلقة السادسة والأخيرة (6 )
نقلها الى اللغة العربية الاب أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية- اليونان
نقدم للقارئ السيرة الذاتية للكاتب سيادة المطران فلاسيوس لكى يتعرف القارئ باللغة العربية على قامة عالية من قامات اللاهوت المعاصر فى الكنيسة الارثوذكسية الرومية
(ولد سيادة المتروبوليت ايروثيؤس فلاسيوس فى يؤأنينا باليونان عام 1945 , حصل فى عام 1969 على شهادة اللاهوت من كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى . تمت رسامته شماسا انجيليا فى عام 1971 وبرسفيتيروس عام 1972
ومن ثم قام بالخدمة كواعظ فى مطرانية أديسا (1969 -1987 ) وكذلك فى مطرانية ثيفون وليفادياس (1987 )وبعدها قام بخدمة الشباب فى رئاسة اساقفة أثينا (1987 –1995 ) . قام بالتدريس فى كلية اللاهوت جامعة البلمند بلبنان . تم منحه الدكتوارة الفخرية من كلية اللاهوت جامعة أثينا قسم اللاهوت الاجتماعى . قام بتمثيل الكنيسة الكنيسة اليونانية فى الكثير من المناسبات العلمية والمحافل اللاهوتية ومنها المؤسسة القومية لعلاج مرضى الايدز والمؤسسة القومية للاعلام وعمل فى المؤسسة القومية لعلاج الادمان وكما مثل الكنيسة فى المجلس القومى للاصول الاخلاقية للممارسات الطبية . معروف عالميا يمؤلفاته اللاهوتية الرصينة والدقيقة . تمت سيمته مطرانا على نافبكاتوس فى 20 – 7 – 1995
+ أستحقاقات المسيح النبوية والملوكية والكهنوتية
«
Προφητικό ,Βασιλικό και Αρχιερατικό άξίωμα του Χριστού»’
يوجد فى العهد القديم ثلاثة أنواع من المواهب التى أنعم بها الله على المؤهلين لقبول النعمة ’ وذلك لقيادة شعبه ’ وهؤؤلاء الحاملون للمواهب هم الأنبياء والملوك ورؤساء الكهنة . أما المسيح فقد حصل على ملء النعمة ’بتجسدنه وتأنسنه ’ كأبن الله فى الجسد ’ كما يؤكد الرسول بولس "لأن فيه ابتهج أن يحل ملء اللاهوت جسديا "(كولوسى 1 :19 ).
«
ότι έν αύτώ εύδόκησε κατοικεί πάν το πλήρωμα της Θεότητος σωματικώς »
ويقول أيضا "لأن فيه حل ملء اللاهوت جسديا " (كولوسى 2 :9).
أذن يكون المسيح نبيا بالوعظ وملكا بالقيادة ورئيس كهنة بالتقدمة (البروسفوروا) والذبيحة. هذا يعنى أنه فى المسيح قد أتحدت هذه الخواص - الصفات الثلاثة فيما بينها .
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم فى شرحه للمزمور "عظيم هو الرب وممجد جدا" يكتب " مادام هو الله العظيم ’ والرب العظيم ’ والملك العظيم والنبى العظيم والكاهن العظيم والنور العظيم ’ اذن هو عظيم فى كل شئ ". لقد أعطى المسيح حياته كلها بمواهبها وسلطانها للكنيسة ’ وهو الذى يعلم الشعب (كنبى) ’ ويقيم العبادة (كرئيس كهنة) ’ ويقود أعضاء جسده الى الهدف النهائى (ملك). الحقيقة هى أن المسيحيون كلهم يشاركون فى العمل الثالوثى ’ وذلك حسب الذهبى الفم يوحنا مخاطبا المسيحى :" هكذا صرت أنت ملك وكاهن ونبى ’ وذلك فى المعمودية ’فأنت ملك لأنك تطرح أرضا كل الأعمال الشريرة وتذبح كل الخطايا ’ وتصير كاهن لأنك تقدم ذاتك لله وتهب جسدك ذبيحة حية ’...وأما النبى ..فأنت تتعلم الأتيات وتصير بركة وخاتما للشعوب " .
من الواضح أن هذا الكلام الالهى يتعلق بحياة المؤمن الشخصية ’ المؤمن الذى بالعمادة والخريسما وبالجهاد الروحى لحفظ وصايا المسيح ’ يطهر ذاته بالنعمة ويرث ملكوت الله.
ولكن وبمعنى أخر ’ يتم منح هذه الخصوصيات والهبات للاكليريكيين ’وبصفة خاصة للأساقفة من أجل اقامة الأسرار المقدسة’ ويعلمون الشعب ويقودونه الى ميناء الخلاص.
كل هذا كلام لاهوتى رأئع ورؤية روحية واقعية وجميلة ’ ولكن ما يشغلنى ويقلقنى ويثير فى نفسى الهواجس هو التعبير "استحقاقات المسيح الثلاثة" أو " سلطات المسيح الثلاثة "
«
τρισσόν άξίωμα του Χριστού»
وأن رئيس الكهنة هو شريك فى هذه الاستحقاقات الثلاثة ! ما هو معنى "الاكسيوما " السلطة أو الموهبة ؟ وكيف نفهمها ؟ ما هو هذا الاستحقاق ؟ ما هو استحقاق المسيح ؟ لماذا لا نستعمل تعبير "خاريسما" أو أى كلمة أخرى وتستعمل كلمة "أكسيوما" ؟ حينما قمت بالبحث فى الموضوع ’ تثبت لى أن كلمة "أكسيوما" أو السلطة هى من أصل بروتستانتى وهى أتية من صديق للوثر ’واسمه أوكولامباديو وهو من أنصار الصلاح اللوثرى. ما يزعجنى أن هذه العبارة تتكرر فى الرسائل الدورية التى يصدرها المجمع المقدس لكنيستنا (اليونانية) والتى يتم ارسالها للرعية فى كل مطرانية عند رسامة رئيس كهنة جديد للمطرانية ’ ويتم قرأة الرسالة المجمعية فى طقس التنصيب . أنا أرى أنه من الأفضل أن يتم تغيير الكلمة ووضع تعبير أخر محلها يعبر عن نفس الواقع .
وأود أن الفت الانتباه ’ بالمناسبة ’ الى أن تعبير أن رئيس الكهنة هو "نمط ومكان المسيح "
«
ό Αρχιερεύς είναι τύπον και τόπον Χριστού»
والتى يزعم البعض أنه للقديس أغناطيوس الثيؤفوروس الأنطاكى ’ فقد أكتشفت أنه لا توجد عند القديس أغناطيوس لأنه وحسب القديس الثيؤفوروس فأن الاسقف هو "تيبوس " نمط الله الأب ’ بينما الدياكونوس هو نمط المسيح ’ وبصراحة لم أتمكن من معرفة من من الأباء قال هذه العبارة . هذا لا يلغى أنه يوجد نوع من التناسب بين الاسقف والمسيح ولكن لا يوجد عبارة "ايس تيبون كى توبون تو خرستو". أنا مازلت أبحث فى الموضوع .
الحقيقة هى أن الاسقف ليس هو ممثل الله أمام الشعب ’ ولا هو ممثل الشعب أمام الله ’ ولا يمارس سلطة أو سلطان باسم المسيح ’ ولا يقدم خدمات للشعب لكنه أى الاسقف هو "سر حضور المسيح المحسوس " ومن هذا الحضور الخرستولوجى تنسكب كل الخدمات .
« ¨
ο ¨Επίσκοπος είναι το μυστήριον της αίσθητής παρουσίας του Χριστού »
كيف يتم هذا الحضور المحسوس للمسيح من خلال الاسقف؟
يتم ذلك عن طريق الكهنوت أو رئاسة الكهنوت والتى من الأفضل أن تفسر على ضوء عنصرة الاسقف الشخصية وقت الرسامة.
+ رئاسة الكهنوت ويوم الخمسين
يلاحظ فى أثناء رسامة الاسقف يقال على لسان الذى يرسم أو المرسوم عبارة "يوم الخمسين الشخصى " أى أنه يتم شخصنة العنصرة وعمل تطابق بينها وبين الاسقف المرسوم.أو بكلام أخر يقال أن الاسقف يشارك سرا فى العنصرة.
«
οτονία ταυτίζουν την χειροτονία είς Επίσκοπον με την μέθεξη της Πεντηκοστής ».
لاشك فى أن الاساقفة هم خلفاء الرسل وهم " شعلة العنصرة المضيئة"
«
ή άναμμένη λαμπάδα της Πεντηκοστής »
الشعلة التى نقلت وتنقل نور يوم الخمسين ’ أى نعمة الله ’ الى الاسقفية أو المطرانية والتى تم اختياره لها وسيامته عليها حسب القديس أغريغوريوس بالاماس . هذا لا يعنى بأى حال تطابق مطلق بين خبرة العنصرة ونعمة رئاسة الكهنوت . يا ليتهما يتطابقان ’ ولكن فى الواقع هناك فارق .
يوم الخمسين هو اليوم الذى جاء فيه الروح القدس على والى التلاميذ ووحدهم بالمسيح وصاروا أعضاء جسد المسيح . قبل العنصرة ’ كان التلاميذ يسمعون ويرون المسيح ’ وحتى فى واقعة التجلى "أندهش التلاميذ وعاينوا مجده" ’ ومع ذلك كان جسد المسيح غريبا أو بعيدا عن التلاميذ . بينما فى يوم الخمسين ’ صار التلاميذ فى الروح القدس أعضاء جسد المسيح .
لقد حدثت العنصرة مرة واحدة فى التاريخ وعلى الذين قرروا السير على نفس الطريق ’أى طريق العنصرة ’ عليهم ’ حسب القديس مكسيموس المعترف ’ أن يسلكوا طريق الفلسفة العملية ’ أى طريق التطهر ’طريق "المعاينة الطبيعية" أى الثيؤريا والاستنارة عن طريق اللاهوت النسكى ’ أى التأله الثيؤسيس ’ هؤلاء يأتون الى قمة الخمسين ويشاركون فعلا فى خبرة العنصرة ’ وتصير خبرة العنصرة خبرة شخصية أى شخصنة العنصرة ووقعنة يوم الخمسين .هنا يظهر الفارق بين غفران الخطايا بفعل الروح القدس ’ والشركة مع الروح القدس والتى تتم بالثيؤريا . هناك فارق بين نعمة رئاسة الكهنوت والتى يتم منحها للانسان عن طريق الروح القدس ’ وبين عطية الثيؤسيس التى يذوقها الانسان فى رؤية الله ’ الرؤية التى هى يوم الخمسين.
المثال الواضح على ذلك هو الشهيد الأول الارشيدياكون اسطفانوس ’ والذى كان "ممتلئا من الايمان والروح القدس " ولهذا تم اختاره وسيامته دياكون(أعمال الرسل 6 :6 ).هنا يحلو الكلام عن شركة الروح القدس ’ أى شركة يوم الخمسين والعنصرة والتى خرجت من جسد الدياكون . اذا يقول ان المجتمعون قد رأؤا وجهه كوجه ملاك (أعمال 6 : 15 ). ثم وبعد قليل وحينما أنوجد فى ملء الروح القدس ونظر الى السماء فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله . فقال ها أنظر السموات مفتوجة وابن الانسان قائما عن يمين الله (أعمال الرسل 7 :55 -56 ). هذا الذى تم مع اسطفانوس ’ كان شيئا مختلفا تماما عن موهبة – نعمة – خدمة الدياكونية . يمكن لأحد العلمانيين أن او الرهبان او الاكليريكين أن يصل الى خبرة البنديكوستى المؤلهة ’ الى رؤية الله ’ فى شركة الروح القدس ’ كما يمكن ان يكون اكليريكيا بلا شركة فى خبرة العنصرة المؤلهة .أن الشركة مع نعمة الله تتم بأشكال وطرق مختلفة وتعتمد فى درجة كبيرة على حالة الانسان وكيفية قبوله هذه الشركة. وهكذا نستطيع أن نتكلم عن عدة طرق لاستعلان نعمة الله ’ هناك النعمة الحافظة والخلاقة ’ وهناك الطاقة الالهية المطهرة والمنييرة والمؤلهة ’ كما أنه يوجد طاقة الهية دياكونية وكهنوتية ورئاسة كهنوتية.وهذا واضح من الطروبارية التى ترتلها الكنيسة فى عيد الاقمار الثلاثة .
تعبر الطروبارية عن لاهوت الكنيسة اذ تقول أن الاسقف القديس هو خليفة كراسى الرسل وهو أيضا شريك لنهج الرسل . ان نهج الرسل هو العمل والثيؤريا ’ مما يعنى أن الرؤية أو الثيؤريا أو اللاهوت النظرى يجب أن يكون مؤسسا على ومنطلقا من الخبرة والعمل والتطبيق ’ هكذا يصير الاسقف ملهما بالروح ويعترف بالحق ويشهد له حتى شهادة الدم.
لهذا كله ’ تعتبر أن عبارة المدعو للاسقفية "اليوم سأعيش خبرة عنصرتى الشخصية " ’ على أنها تعبير غير دقيق لاهوتيا وروحيا وكنسيا . ويميز الاب جورج فلوروفسكى بين العنصرة التى هى عطية لكل المؤمنين وبين الخلافة الرسولية والذى هو نعمة الاسقفية " لقد حل الروح القدس على الكنيسة الاولى فى أورشليم ووهب الجميع عطايا ومواهب وخدمات متنوعة , يوم الخمسين هو ينبوع كل الاسرار والعمال السرائرية والعنصرة والخمسين هما حق وواجب على كل من يعيش فى الكنيسة ’ بينما الاسقفية هى ان يصير الاسقف واسطة التواصل والتسلسل الرسولى . هذا معناه أن الكنيسة فى شخص اسقفها الرسولى النية والهمة والفكر ’ تتواصل مع الكنيسة الاولى وتشكل جزء لا يتجزْء من الكنيسة الجامعة جسد المسيح. التراث الكنسى هو كمال العنصرة فى اللحظة التاريخية التى يعيشها المؤمنون ’ المؤمنون يعيشونها والاسقف يضمن استمرارها .
هذا معناه أن العنصرة هى شركة خبرة الثيؤسيس ’ وهذه الخبرة يقدر كل من يريد ويقرر من المؤمنين الحسنى العبادة ’ أن يشارك فيها. هذه الخبرة ليست قاصرة على الاساقفة بل أن الاساقفة هم وسائط التسلسل الرسولى والمعبرين عنه ’ وهم المؤهلون والمسئولون عن قيادة المسيحيين الى شركة خيرات العنصرة.
يكتب بولس الرسول عن ذلك بكل وضوح قائلا:"...وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة والبعض معلمين .لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح . الى أن ننتهى جميعنا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله .الى انسان كامل . الى قياس قامة ملء المسيح " أفسس 4 :11 -14 .
«
Αυτός έδωκε τους μεν άποστόλους , τούς δέ προφήτας , τους δε εύαγγελιστάς ,τους δε ποιμένας και διδασκάλους , προς τον καταρτισμόν των άγίων είς έργον διακονίας , είς οίκοδομήν του σώματος του Χριστού , μεχρι καταντήσωμεν οί πάντες είς την ενότητα της πίστεως και της έπιγνώσεως του υίού του Θεού, είς άνδρα τέλειον , είς μέτρον ήλικίας του πληρώματος του Χριστού»
ربما أتت عبارة " العنصرة الشخصية" من اللاهوتيين الروس الذين تكلموا عن "عنصرة الاسرار الكنسية أو أن كل سر كنسى هو حضور للعنصرة " ’ وخلطوا فى حماسهم بين يوم الخمسين الذى حدث مرة واحدة فى التاريخ وبين طاقات التقديس التى تحدث فى الانسان وفى مادة الاسرار لكى ما يتم العمل السرائرى .
الخاتمة
نصل ’ يا أبائى الأجلاء ’ مما سبق الى أننا نعيش فعلا أزمة لاهوتية . أن كل الازمات الأخرى الاقتصادية والاخلاقية والاجتماعية والثقافية ’ هى أزمات من هذا الدهر ’ تكون يوما ولا تكون يوما أخر ’ هى أزمات تخص المادة والجسد والاشياء وهى وقتية وعابرة ’ بينما الأزمة اللاهوتية تختص بكيان الانسان ونفسه ووجوده ومعنى وجوده وخلاصه وهذه أمور باقية وأبدية ’
لهذا يجب علينا ’ نحن رؤساء الكهنة ’ أن ننتبه اليها بشكل خاص ’ لأنه حسب (الفكر) اللاهوت ’ يكون (الروشتة) العلاج
Ανάλογα με την θεολογία , γίνεται ή θεραπεία
حينما يستعمل الطبيب الوسيلة الطبية الخاظئة ’ وقتها لن يقدر على منح الشفاء .
أسمحوا لى أن أكرر ما سبق وقلته فى البداية ’ أن الأزمة اللاهوتية لا تقتصر على مجرد تحريف التعبيرات اللاهوتية عن أصولها ومعانيها وتاريخها وواقعيتها ’ مع أن التعبيرات والمعانى اللاهوتية هى ابداعات الاباء وثبتتها المجامع المسكونية السبع والمحلية العديدة وهى امتداد للتراث والتقليد ’ ولكن تكمن الأزمة فى ردم وتجريف التراث الكنسى ’ وبالتالى التغرب عن التراث والاصول ’ نحن لسنا فقط أمام أزمة لاهوت ’ بل أمام مرض لاهوتى .
أطلب أن تسامحونى لأنى قد أرهقتكم ’كما أتوسل تفهمكم وأختم بالقول أن هذه الافكار السريعة ’ سوف تشكل موضوع كتابى القادم .