mardi 19 avril 2016

الخطاب المسيحى المعاصر بين الاكتئأبولوجية والثيؤلوجية ! هذه المقال لا يقرأئه الا المكتئبون بجد ! الأب أثناسيوس حنين – مطرانية – بيرية –اليونان






الخطاب المسيحى المعاصر

بين الاكتئأبولوجية والثيؤلوجية !

                       هذه المقال لا يقرأئه الا المكتئبون بجد !


الأب أثناسيوس حنين – مطرانية – بيرية –اليونان


أجتاحتنى هذه الخواطر بينما كنت أسجد أمام أيقونة السيد "أيقونة الكرمة الحقانية" فى كنيستى الصغيرة الأثرية"كنيسة المخلص" فى ضواحى ميناء البشارة العظيم بيرية والذى صار حديث العالم بسبب من كأبة المهاجرين والتى حولها حب اليونانيين كنيسة وشعب من كأبة الى سعادة (نسبية طبعا) ’ وهى ايقونة نادرة للسيد المسيح تعود الى عام 1913 ’ تصورالسيد كاملا من هامة رأسه الى الصندل فى رجليه . أعتدت على أن أقبل الرجلين وأحيانا ينعم على الروح أن أبللهما بالدموع ’ هذه المرة حدقت فى وجه المسيح ’ وخاصة فى عينيه ولشدة دهشتى ويا للعجب العجاب ’ كما أعتاد طيب الذكر الأب متى المسكين على الصراخ أمام رؤية لاهوتية ’ أو كشف أبائى يونانى جديد فى معنى أية ’ أقول تأكدت ولأول مرة ’ بالرغم من أنى فى هذه الكنيسة منذعام 2010 ’ تأكدت ’ مما قاله لى الكثيرون من بسطاء الشعب اليونانى ’ أنه ومن أى جانب تنظر الى وجه السيد ’ تراه ينظر اليك ’ ابداع رسام الايقونة والهام لاهوتى فى أن ’ يجعل عينان المسيح تلاحقك سواء نظرت اليه من اقصى اليمين أو من أقصى اليسار(أيا كان أنتمائك الثقافى أو السياسى أو النفسى) . لاحظت أن عينان السيد مكتئبتان ’ ربما اننى أسقط اكتائبى على وجه المسيح . ولكنه سوف يصرح باكتائبه ’ علنا ’ الاسبوع المقبل "نفسى كئيبة جدا حتى الموت " ’ بينما السيد لا يفصل بين اكتأئبه ولاهوته ’ بين احزانه وانجازاته ’ انسانه ولاهوته ’ بل نقول ان موضع الكأبة وهو الصليب ’ قد صار مكان ابداعات واعلانات وقيايميات . لم يكن المسيح ’ نفسه ’ أبدا لا نسطوريا ولا مونوفيزيتيا !!!
يلاحظ المراقب للساحة اللاهوتية ’ اليوم فى بلادى ’ ان هناك فصل نسطورى ومونوفيزيتى خطير فى الخطاب المسيحى .
هناك اكتئاب عام يمسك بتلابيب الخطاب المسيحى وبالتالى يمسك بتلالبيب المسيحيين أنفسهم . هذا هو ما نسميه "الخطاب الاكتأبولوجى" أى الذى يحشر الناس حشرا فى فقه ما "تحت الزنار" ’ لكى ما ينفرد هو بما هو "فوق الزنار" ’ يجرم ما تحت الزنار بالتهديديات الأرضية والقوانين الوضعية ويجمل ما فوق الزنار بالوعود الميتافيزيقية والغيبية . الخطاب المسيحى اليوم (الثيؤلوجيا ) يؤدى بالضرورة الى الأكتئاب (الاكتائبولوجيا ) . صرنا جميعنا ’ فجأة ’ أطباء نشخص ’ بذكاء حاد مكتئب ’ الداء الكئيب ’ ولا نصف الدواء !. ونتصرف ونتكلم وكأنه لا يوجد غيرنا على الساحة ’ بينما صار عقلنا المتأسلم يعرف ويسمع قبل الاكل وبعده أنه يجب أن " أسألوا أهل الذكر(اللاهوتيين ) ان كنتم لا تعلمون". الأسلام يرى ’ مشكورا ’ فى الاعتراف بالجهل فضيلة وفى سؤال أهل العلم واجب ! . صارت الثيؤلوجيا هى الطريق المؤدى الى الأكتئابولوجيا ’ وكأن المسيح قد اكتأب على الصليب بلا سبب ومات قتيل وفطيس زى ما بنقول فى الصعيد الجوانى ! اليست هى النسطورية الاكتئأبولوجية والمونوفيزيتية النكدية فى أكئب صورهما !!!’ حيث تترك الناسوت وحده منفصلا عن اللاهوت ’ تعيسا وكئيبا فى يد قدر تعيس لا يرحم وبدلا من أن تصير الصرخة (أيلى أيلى لما شبقتنى ) وقتية وعابرة ’ تصير دائمة وباقية وقدرا مكتوبا ! أو حينما تترك اللاهوت يفترس الناسوت ويمارس عليه دكتاتورية لا حرية انسانية وارادة فيها ولا خصوصية لها ولا مشيئة عندها ولا قدرة لها على الشركة فى اللاهوت والتقدس والثيؤسيس ’ هنا من الطبيعى أن تصير الكئأبولوجية الدينية هى سيدة الساحة ’ واللطم على الخطية واستجداء عطف الله البعيد قوى قوى "وويحى أنا الانسان الشقى" هى الشعار ! ’ وكأننا صرنا شوية "شحاتون" على باب موائد الرحمن نشتهى أن نأكل من كل الفتات الدينى التافه والساقط من موائد أولياء الله وأياته والذى لا يسد جوعا ولا يروى ظمأ ! الفتات الدينى الساقط من موائد وفتاوى وعقد رجال الدين ! ’ أيا كانت ركائبهم ’ واساتذة وواضعى مناهج مدرسة الاكتئأبولوجية العليا .
كيف لا تسود الاكتئأبولوجية وتكون الكلمة الأخير للاكتئأبولوجيين ونحن لا نزال لا نعرف تحديدا دقيقا لاهوتيا وروحيا لمعنى الخطية وقيمة النعمة وتفاصيل شركتنا فى اللاهوت !
كيف لا تسيطر الاكتئأبولوجية ونحن لا نزال لا نفرق بين المسيح وبلعال ’ والبعض منا يقصر عمر المسيح ويوقف نموه ليصير عمره اللاهوتى والتاريخى اربعمائة وواحد وخمسين عاما فقط فى عناد مكتئب ’ بينما عمره الحقيقى هو الفان من السنين ’ هذا بدون اضافة تاريخ العهد القديم والثقافات القديمة والتى كان حاضرا فيها "كأسبارماتيكوس لوغوس" حسب الأباء المدافعون !!
كيف لا تسود الاكتئأبولوجيا والمسيحيون اليوم يعيشون حالة من السذاحة السياسية والبلاهة العقلية والسطحية التاريخية ’ وأكبر دليل هو المسكونية المريضة والمرضانة والكئيبة والجالبة للكأبة والتى تنادى بوحدة سطحية ’ بين المسيحيين ’ بلا وعى بتاريخ اللاهوت ولا بلاهوت التاريخ ولا دراية بتعب الأباء الكبار خلال الفين سنة بس !! وكأن المسيحيين ’ قد أمنوا بمبدأ " أنصر أخاك "لاهوتيا " ظالما أو مظلوما "!.
كيف لا يفتخر الكئأبولوجيون فى حزب الكأبة الكبير والمسيحيون اليوم مشغولون بحيض المرأة وبنطلون البنت ’ وكأنهم قد قرروا ’ بعد سنين طوال من الارتماء فى احضان الشريعة اليهودية وكأباتها وأفرازاتها ’ نقول قرروا الاقتداء بروائع الفقه الاسلامى فى البحث فى بول البعير وغيرها من القضايا المصيرية عملا بالقول أن الجار أولى بالشفعة !
كيف لا يسرح ويمرح الاكتئأبولوجيون وهناك من القادة المسيحيين ’ اليوم ’ من ينادى ويفتخر أن المسلمون قد خلصونا من البيزنطيين –الروم المسيحيين فى الوقت الذى يتمتع فيه بنعم وعطايا وخيرات وبعثات اللاهوت البيزنطى ويبحث عن الوحدة المسيحية !
كيف لا يسود علم الاكتئأبولوجية ’ وأنت ترى الكثيرون من الصادقين والباحثين عن الحق من الشباب والصبايا (الاصدقاء والصديقات على الفيس ) ’ ولا يجدون من يمد لهم يد العون أو من يكسر لهم خبزا ! روحيا وثقافيا يحترم عقولهم ويواكب تنهداتهم وتطلعاتهم ويجيب على أسئلتهم !
كيف لا يكتئب من تبقى له نقطة من الدم الحى ’ وهناك من يفتخرون "بارثوذكسية لفظية:
"Orthodoxie Verbale"
تعيسة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بارثوذكسية العشرين قرن من الفكر واللاهوت والركام الثقافى والصراع الحضارى والتراث الأبائى والامهاتى !
كيف لا تكتئب وأنت تعاين بأم رأسك كيف يسرح ويمرح المكتئبون والمبشرون بالتعاسة ’ وهناك من يخرج علينا بحل ذكى لمشكلة الخرستولوجيا التى استغرقت عقودا ومجامع وصراعات فكرية ولم تنتهى الى اليوم ’ بالحل الساذج أن القضية كلها هى الميا فيسيس والمونوفيسيس!!! بلا بحث تاريخى موثق ولاهوتى معتمد وحينما تتعب لأن تشرح لهم بحب وتواضع ’ وأنت المتخصص فى القضية ومشهود لك ’ ينهالون عليك بوصلة شرقية من الردح البلدى والشتائم السافلة .
كيف لا يصيبك الاكتئأب حينما تكتشف أن مسيح القرأن هو نسخة من مسيح بعض المسيحيين عند ظهور الاسلام فى القرن السابع ’ مما دعا العالم الكبير القديس يوحنا الدمشقى أن يقول ان الاسلام ما هو الا بدعة مسيحية !!! ’ وأن القرأن حينما قال عبارته الشهيرة " وما قتلوه وما صلبوه ’ بل شبه لهم" ’ انما كان يدافع ’ بذكاء سياسى وقبائلى وبدوى كبير ’ عن كرامة اللاهوت الذى لا يعرفه ’ وينأى به عن الألم ’ بل و يرد على من أدعى من المسيحيين بأن اللاهوت قد تألم (الثيؤباسخيتيس ) ’ فى خلط خطير ’ من جانب بعض المسيحيين ’ ومدمر بين الطبيعتين وتنكر تام للمبدأ اللاهوتى – الخرستولوجى الأبائى "تبادل الخواص" بين اللاهوت والناسوت ’ والادعاء المضلل بأن هذا كله "فذلكات" بيزنطية وليست هى الارثوذكسية بعينها وايمان الأباء وقرارات المجامع المسكونية السبعة بغض النظر عن بعض التجاوزات البيزنطية من قبل القادة العسكريين الرومان وليس اللاهوتيين المستقيمى الرأى والتى فرضتها ظروف العصر !!!
كيف لا يكتئب الصادقون ’ وهناك من يفتخر بارثوذكسية عرجاء تقف على قدم واحد ة وحولاء لا ترى الخط التاريخى المستقيم وتؤمن بأن (الجهل نورن) بلا امتداد تاريخى ومجمعى ولاهوتى منذ حضور المسيح على الارض الى اليوم .
كيف لا تكتئب وتقرر الانضمام رسميا الى "حزب المكتئبون" ’ وأنت ترى أن معظم ’ أن لم يكن كل’ الذين يدينون المجمع المسكونى الرابع الخليقدونى 451 م ’ لم يقرأو تاريخه ولم يتمعنوا فى قراراته وحيثياته ’ وأن كل ما يعرفونه عن المجمع أنه قد أهان "البطريرك ديوسقوروس " المصرى (لم تكن كلمة قبطى معروفة بعد)’ وكأن ’ عند هولاء وأولئك ’ أهانة المسيح له المجد ’أهون عندهم’ من أهانة بطريرك أو كأنه أول أو أخر بطريرك ’ فى التاريخ ’ يهان من أجل اسم المسيح ووحدة الكنيسة !!!". لعل صديقى العالم ببواطن الامور والمكتئب دوما ’ لم يخطئ حينما قال لى يوما ’ أن الذى شق الكنيسة ’ جسد المسيح ’ هو العناد النفسانى والقومى الفرعونى والكبرياء السياسى والعسكرى البيزنطى !!!
كيف لا يصيبك الاكتئاب وتصير عالما واستاذا فى مدرسة الاكتئأبولوجيا العليا ’ وأنت ترى وتعاين أن الجميع يعترفون ويكتبون ويتندرون بأن هناك أمورا كثيرة لا تسير فى الطريق المستقيم ’ وهم لا يحركون ساكنا ولا يرمش لهم جفن ويعيشون فى حالة من البلادة العقلية والطوباوية السماوية والغيبية الدينية والفرح الوهمى والساذج ’ حتى صارا قضايا الانسان المصيرية فى ايديهم سلاوة صالونات أو دردشات على الفيسات وخاصة تحت غطاء الاسماء المستعارة وهذه سبب كأبة أخرى لا مجال لها الأن !.
كيف لا تكتئب وانت ترى أهل الدنيا (هذا العالم ) الذى يحتقره المتدينون ! يثورون ويحتجون ويتظاهرون ولا يأكلون احتجاجا على فساد قادة أهل الدنيا ’ بينما أهل الأخرة لا يحركون ساكنا أمام فساد أهل وقادة الدين ودكتاتوريتهم وسطوتهم ! وكأن لحزب المكتئبين مصالح ’ مطلقة ’ فى فساد المؤسسات الدينية المطلق !!! مما دعا الرئيس المصرى السيسى الى الدعوة بشجاعة وبصيرة نافذة الى ضرورة اصلاح الخطاب الدينى ’ كل الخطاب الدينى وكل خطاب دينى !
قمت بالبحث فى فهرس الكتاب المقدس عن كلمة (كأبة ومكتئب واكتئاب ) لم أجدها ’ وتذكرت أية المكتئب الأول بولس الذى كان يعيش حالة كأبة ووجع لا ينقطع من جهة أحبائه وأقربائه الجسديين ’ مع الفارق الكبير وهو أن بولس قد نجح ’ فى صدق ايمانه وصراحه تحوله للمسيح وتعبه على حاله وسهره الليالى للدراسة والصلاة ’ فى أن يحول الكأبة الى لاهوت ’ الكئأبولوجية ’ فى يد الصادقين ’ تصير ثيؤلوجية . اكتئاب بولس صار لاهوت ورسالة ومنهج فى الرعاية .
الأية الوحيدة التى تذكر تعبير "اكتئاب" وردت فى الرسالة الثانية الى أهل كورنثوس والتى يتحدث فيها بولس عن يأسه من الحياة ’ نعم عن يأسه (راجع مقالنا- اليأس الخلاق عند بولس ) ’ ويبدو أنه كان من بين المسيحيين أهل كورنثوس من أصابتهم حالة من البلاهة والاستهبالولوجية والتهود المبكر وتنكروا لالام بولس وعلمه وتعبه بل وحرضوا الرعاع ضده كسيده وضنوا عليه بكلمة تعزية او لمسة حب أو كلمة حق ’فأضطر أن يقول لهم " لا أريد أن تجهلوا ( أو تتجاهلوا أو تستهبلوا أو تستعبطوا –المعنى واحد فى الأصل اليونانى والقبطى ) أيها الأخوة من جهة ضيقتنا التى أصابتنا فى أسيا أننا قد تثقلنا جدا فوق الطاقة حتى أيسنا من الحياة ايضا ......"2كو 1 : 8 .
كيف تتحول الاكتئأبولوجية ’ على يد الخدام الأكابر ’ الى ثيؤلوجية ؟
يرد بولس ’ الذى تعب اكثر من الجميع المرتاحين والرايقين ’ ويعلن عن خبرة خرستولوجية "..ولكن لنا هذا الكنز فى أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا ’ مكتئبين فى كل شئ لكن غير متضايقين . متحيرين لكن غير يأسين " 2كو 4 :7 – 8 .
نحن هنا أمام قائد روحى ومبشر ولاهوتى ’ يصرح علنا بكئأبته اللاهوتية ولا يخاف على سمعة ما وهمية أو صيت ما فارغ !!!’ كئأبته التى عاناها من أجل خدمة الناس والكنيسة ’ والتى نجح بشركة الروح من خلال "الكنزوفضل قوة اللاهوت " وتراث الكنيسة الحى (العهد القديم) فى أن يحولها الى رؤية ولاهوت .
«’¨Εχομεν δε τον Θησαυρόν τούτον έν όστρακίνοις σκεύεσιν , ίνα ή ύπερβολή της δυνάμεως ή του Θεού και μη έξ ήμών . έν παντί ΘΛΙΒΟΜΕΝΟΙ θλιβόμενοι άλλο ύ στενοχωρούμενοι»’
الكلمة اليونانية (ثليفومينى) تعنى حالة من الحزن الكئييب والكأبة الحزينة الشديدة والتى فى اجتياحها للنفس كفيلة بأن تؤدى الى الانتحار (يهوذا) أو الى التمنطق بحزام ناسف واطلاق عنان الحزن والكأبة والسخط وسط الناس وعلى رؤؤس الأشهاد (الجهاديون) !
لقد أدرك القديس يوحنا الذهبى الفم ’ حبيب بولس ’ اختباريا ولاهوتيا وانسانيا مدى خطورة هذه الحالة من الحزن والكـأبة على الانسان المؤمن والخادم الارثوذكسى ’ فوضع فى قداسه صلاة خاصة من ضمن الطلبات التى يبدأ بها الليتورجيا والتى تتبع مباشرة بداية القداس والاعلان الكبير الذى يبشر بدخولنا فى معية ملكوت الثالوث القدوس واعلان الحرب اللاهوتية على الكئأئبولوجية المحبطة وتحويلها الى ثيؤلوجيا أفخارستية مبدعة :
"مباركة مملكة الأب والابن والروح القدس ’ الأن وكل أوان الى دهر الداهرين "
«Εύλογημένη ή Βασιλεία τού Πατρός καί τού Υίού καί τού Αγίου Πνεύματος ,νύν και αέί καί είς τούς αίώνας τών αίώνων»’
ليقول الشعب "أمين " ومن ثم يقوم الشماس الانجيلى بالنداء والشعب يجيب كل مرة "يارب أرحم"
" من أجل نجاتنا من كل ضيق(كأبة) وغضب وخطر وشدة ’ الى الرب نطلب "
ان العلاقة بين نجاتنا من كل كأبة والدخول الى الملكوت الليتورجى ’ علاقة وثيقة ’ ليست الليتورجية سببا للكأبة ولا مجالا لترويج الكئأبة والترويج لها والتجارة بها بل هى مطرح من مطارح الشفاء من كل كأبة وخطر وشدة !

يستخدم الذهبة الفم حبيب بولس نفس تعبير بولس "ضيق وكأبة ثليبسيس "
«Ϋπερ τού ρηθήναι ήμάς ΄από πάσης ΘΛΙΨΕΩΣ, οργής , κινδύνου καἰ ανάγκης , τού Κυρίου δεηθώμεν»’
لذلك لا نفشل ولا نكتئب اكتأبا نفسيا ’ بل نكتئب اكتأئبا وجوديا ولاهوتيا وروحيا ’ لأنه وان كان انساننا الخارج يفنى (فى السهر والتعب والصلاة والحب والاكتئاب الايجابى وربما فى المعاناة من اللامبالاة وعدم العرفان والتنكر للخدمة والاسفار الكثيرة والاضطهادات ) ’ فالانسان الداخل يتجدد يوما فيوما طارحا الكأبة وكل تلاميذها وقبيلتها بسهولة ’ ويلبس الرب يسوع المنتصر دوما والذى صار أول من يعيش الكأبة ويحولها الى لاهوت الفرح والمرح ’ فى اسبوع الالام تتحول كئأبتنا الى ثيؤلوجيتنا وثيؤسيتنا . فلننتبه جميعا لئلا يفوتنا هذا الاعلان وتهرب منا هذه الرؤية . فصح مقدس بلا كئأبولوجية وكله ثيؤلوجية أمين .

mercredi 13 avril 2016

القديس بولس فى اليونان تعريب الاب اثناسيوس اسحق حنينن





القديس  بولس  فى  اليونان
SAINT  PAUL   IN  GREECE

 تأليف أوتو  مايناردوس
OTTO  F.A.   MEINARDUS
                         الطبعة الاولى 1972  أثينا  اليونان

                                                
عيد الرسل الاطهار عام 2004

المحتويات   :  
                                         
تورايخ  رحلات  بولس  الرسول

مقدمة 

اولا :_تمهيد                             
1 _ حياة  الرسول  بولس                   
 2 _الدعوة الى الذهاب  الى  مكدونية           3الوصول    
                         
ثانيا :مكدونية 
                            
 1 _فيليبى                                        
2 _البشارة                                      
  3 _السجن      
                                 15
4 _القديس  بولس  يكتب  الى  الفيليبيين  
  5 _زيارة  القديس  بولس  الثانية               
 6 _زيارة القديس  بولس  الثالثة               

 7 _تسالونيكى                                      
  8 _الوصول                                                                          
 9  _البشارة                                           
10 _التيارات  المضادة                             
 11القديس   بولس  يكتب  الى   التسالونيكيين   
12 _فيريا 

  ثالثا__أخائية  
                                    
1 _أثينا                                                   
2 _الوصول                                             
3 _البشارة                                               
4 _الاريوس  باغوس                                  
5 _النتائج                                                
6 _ كورنثوس                                           
7 _الوصول                                             
8 _البشارة                                                
9 _غاليو                                                  
10 _ الالعاب                                              
11 _مغادرة   كنغاريا                                     
12 _القديس  بولس  يكتب  الى  الكورنثيين         
13 _عودة  القديس  بولس                                 
15 _الكنيسة  الرسولية  فى  كورنثوس                   
16 _رودس                                                    
17 _كريت 
                                                    
رابعا  :فهرس  بأسماء  البلاد                                

    

  نبذة  تاريخية

قام  القديس  بولس بثلاث  رحلات  تبشيرية  ورحلة  رابعة واخيرة  لروما  المدينة  العظيمة . وكانت الرحلة  التبشيرية الاولى الى قبرص   واسيا   الصغرى  والثانية  والثالثة  الى  اسيا  الصغرى  واليونان   واما  الرحلة  الرابعة  والاخيرة  فكانت  من  فلسطين   الى  روما  .
  خريف  عام  48  بداية  الرحلة  التبشيرية  الثانية من  انطاكية  الى دربى وليسترة   وايكونوميوم وفيرجيا  ووطروادة 
ربيع   عام  49  نيابوليس  (كفالا  ) وفيليبى  وتسالونيكا    وفيريا   واثينا
ربيع  عام  50  الوصول  الى كورنثوس
صيف  عام  51  المثول  امام  غاليو  نائب  القيصر  فى  كورنثوس
خريف  عام  51   مغادرة كورنثوس  والعودة الى انطاكية  عن طريق  أفسس وقيصرية  واورشليم 
ربيع  عام   53  بداية  الرحلة  الثالثة    وزيارات  لفريجيا  وغلاطية  
خريف    54   الرحلة  الى افسس   حيث  مكث  حوالى  السنتين  والنصف قام  خلالها بزيارة   قصيرة  الى  كنيسة  كورنثوس 
صيف  57    مكدونية 
شتاء  57 _58  زيارة كورنثوس    لمدة  ثلاث  شهور
ربيع   58      العودة    الى  قيصرية    عبر    مكدونية  .
خريف   61   كريت  
  

مقدمة  المؤلف    :

وها  نحن  مع  كتاب  جديد  عن   الرسول  بولس  وما  الحاجة الى  كتاب جديد  ؟  الم  يكتب  الباحثون  والمؤرخون واللاهوتيين  بما  فيه  الكفاية  عن  حياة  ورحلات   وفكر  هذا  الرجل  اللاهوتى  ؟  بكل  تأكيد  لقد  كتب  عنه  الكثير   فلقد  نشر  حوالى   48  كتاب    فى  قائمة  دليل  الكتب  المطبوعة عن  القديس  بولس الصادر  عام 1970 وهناك  كم  هائل  من  المقالات    تقدر بحوالى 2987  مقال وقد  سجلت  فى  (فهرس الاداب  الدورية  الخاصة  بالرسول بولس  )  ولكن  معظم  هذه  الدراسات  والمقالات   بعيد  عن  متناول  السائح   الروحى  الذى  يريد  ان  يعيش   فى  بركة  تتبع  خطى    الرسول  العظيم  فى  اليونان  الا  اذا  قرر  ان  يقضى  رحلته  فى  البحث  فى  ارجاء  مكتبة  جيناديون  الضخمة  بالقرب  من الليكافيتوس  حيث كنيسة القديس  العظيم ماجرجس   بأثينا وبدون  ذلك  سوف  يجد  الزائر  الفضول  ومحب  بولس  الرسول  انه  من  المستحيل  ان  يجد  ما  يروى  ظمائه  الى  السيرة  العطرة  للسان  العطر  بولس  وخاصة   كرازته  وجولاته  فى  اليونان .
ولقد  لاحظت  اثناء  خدمتى   كراع  لكنيسة  سانت  اندروس  الاميريكية    فى  أثينا  وذلك  اثناء  الخمس  سنين  الماضية  بأن  الكثير  من  الزائرين    يبحثون  بعناء  شديد  عن  دليل  او  مرشد  يخبرهم  عن  الاماكن  التاريخية  التى  ارتبطت  بانتشار  الانجيل   فى  بلاد  اليونان .  ولقد  كتبت  الصفحات  القليلة  هذه  استجابة  لهذ  الرغبة  الملحة  وهادفا  الى  مساعدة  السائح  الروحى   الذى  يملك  الحس  التاريخى  والشوق  الروحانى لكى  ما  يجد  فى  بعض  الواقائع  الكتابية  الاولى   لقاء  ذو  معنى  ومغزى  مع  ماض  مازال  حاضرا  فى  ضمير  البلايين  من  البشر !
وفى  البداية  لابد  ان  نقرر  بأن  علاقة  الرسول  بولس   (وانجيله  )  بالرب  يسوع  المسيح  قد  حاظت  على  اهتمام  علمى ولاهوتى وروحى عظيم   ولقد  ظهر  هذا  الاهتمام  فى  التيار الذى ظهر  فى  الغرب  تحت  اسم (البروتستانتية  االليبيرالية  )  والتى  رفعت  شعار  العودة  الى  ( العودة  الى  يسوع  )  ولقد  ظن  الكثيرون  من  المسيحيين  المتحمسين   بأنهم  يستطيعون    الاعتماد  فقط  على  نموذج  واقوال (  يسوع  التاريخ  )  كمعيار  لحياتهم المسيحية   وبهذا  الشكل  نظروا  بشئ  من  اللامبالاة  الى  (يسوع  التقليد الكنسى  )  كما  عاشه واختبره   وذاقه وكتب  عنه  الرسول  بولس     ووصل  البعض  الى  اتهام  رسول  الامم  بأنه  قد  حول  بساطة  رسالة  يسوع   الى مجادلات  لاهوتية  وعقلانية   وهذا  التيار  كان  يريد  ان  يقبل  يسوع  ويرفض   الشاهد  ليسوع  بولس   .  وهذا  الجدل  حول  الكارز  العظيم  واللاهوتى  الفصيح  ليس  هو  وليد  اللحظة  بل  يعود  الى  ايام  الكنيسة  الاولى  فنحن  نعلم من  الرسائل  كيف  قاومه  البعض  واتهموه  بانه  ليس  رسولا  (شرعيا )   لانجيل  المسيح   ولقد  تعددت  اراء  اباء  الكنيسة  حول  هذه  القضية  فكاتب  الرسالة  المنحولة  المنسوبة  الى اكليمنض  يشبه  الرسول بولس  بسيمون  الساحر  بينما  البعض  يرفعه  الى مصاف  الرسل ويستشهدون  برسائله فى  كتاباتهم .
فقضية  دراية  الرسول بولس  بتفاصيل  رسالة يسوع   هى  قضية  ناقشها باسهاب  المؤرخون واللاهوتيون  ولكن  من  المؤكد   ان  الرسول  بولس  لم  يكن  يعرف  البشائر  الاربعة للعهد  الجديد   فى  صورتها  النهائية  ولكنه  بكل  تأكيد  سمع  واطلع من  الرسل  على  عمق  رسالة  الرب  يسوع  التاريخية  ونحن  نلاحظ  ان  الرسول  بولس  يركز  على    صليب  يسوع  وقيامته  كمسيا  بينما  يسوع  نفسه  قد  اعلن  الاب  السماوى وملكوت  الله  .
واى  كانت  الاختلافات  فهناك  حقيقة  ساطعة وهى ان  رحلات  بولس  وكرازته  تشكل  كنزا  كبيرا   وذلك  لانه  يقدم  نمودج  حى  للبشارة  المسيحية  فى  معطيات  وظروف  تاريخية  محددة  وبمنى  اخر  قدم  درسا  للوعاظ  فى  ضرورة  التوازن  بين  الطابع  الابدى  واللازمنى  للرسالة  المسيحة  وبين  الظروف والمواقف  المكانية  والزمانية  واللغوية  التى  تحدد  مسار  العظة  المسيحية  او  الخطاب  اللاهوتى  المعاصر  .
SITUATIONAL  CHARACTER  OF HIS PREACHING)     )
فلو  هناك  لاهوتيا  نظر  الى  العالم  نظرة  واقعية   فهذا  اللاهوتى هو  بولس  الرسول   ولو  هناك   واعظ  شعر  بالحاجة  الملحة  الى  (ايمان  ثورى )   (واخلاق  جديدة )   فهو  بولس  الرسول  !   فهو   مثله  مثل  القلة  من المسيحيين  الكارزين  والوعاظ  فى  القرن  العشرين  قد  نجح  فى  توحيد قوة نعمة الانجيل  المحررة  مع  مواقف وقضايا  حياتية  محددة  وهذا  واضح أشد  الوضوح  فى  كتاباته  الى  كنيسة  اليونان  فبولس  كتب   ليجيب  على  قضايا  مصيرية  فى  حياة  اناس  عاشرهم   واحبهم    ولم  يطراء  ابدا  على  ذهنه  المتواضع  ان  ما  كتبه بوحى من الروح القدس   سوف  يتم  جمعه  بقوة ونعمة ذات  الوحى   ليصير  احد  اهم  معايير  اللاهوت  والروحانية  المسيحية فهو  كرسول  لقوة  الله  للخلاص  يعد  نموذجا  منهجيا  وليس  مثالا  للثقليد  الاعمى  !  فلقد خدم   كالناطق  الرسمى  باسم  الله    الذى  اعلن  عن  نفسه  فى  وجه  يسوع  المسيح  ولهذه  فرسالة  القديس  بولس  تمثل  قيمة  عظيمة   لرؤيتنا  وفهمنا    للبشارة  المسيحية  ولقد  نجح  فى  الدمج   الروحى  العميق  بين  وعيه  المطلق  بأنه  مرسل  من  الرب  بل  قد  رأى  الرب   وبين  حقيقة  انه  انسان  مثلنا  من  لحم  ودم  !! وهذا  يفسر  التعدد  والتنوع  العجيب  لارائه  اللاهوتية  ونصائحه  الروحية  ورؤيته   الانسانية  ولهذا  فنحن  نختلف  مع  الذين  يريدون  ان  يعتبروا  الرسول  بولس  (لاهوتى  مدرسى  )    فحصره  فى  خانة  المدرسيين  او  اللاهوتيين   النظريين  او  المنظريين  للروحانية الانجيلية  انما  هى محاولة   تجريد  لرسالته وكتاباته   من  قوتها  المسيحية  المحررة   والمخلصة  !!!
اما  عن  مصادرنا  العلمية   فى  هذه  الدراسة  فنحن  نشكر  الرب  لاننا  نوجد  محظوظين بان  نعرف  عن  القديس   بولس  اكثر  من  معرفتنا  عن  اى  شخصية  اخرى   من  شخصيات  الكنيسة  الاولى   فمعرفتنا بالكثير من  رسل  السيد  المسيح  معرفة  محدودة  وتعود  الى  عصور  لاحقة  والرسل  اهتموا  بالكنيسة  بعد  قيامة  المسيح   اكثر  من  وصف  تاريخى  لما  سمى  فيما  بعد  (بيسوع  التاريخ  )  ولقد  كرمه  الرب  يسوع  فبينما  لم  يكتب  الرب  يسوع  شيئا   فلقد   انار  حبيبه  بولس  بان  يكتب  اربعة  عشر  رسالة  من  جملة  كتب  العهد  الجديد السبعة  والعشرين  . وهذه  الوثائق   هامة  جدا  لاى  محاولة  علمية  لرسم  صورة  لحياة  وجهاد  وخدمة  القديس  بولس    فالرسائل  وخاصة  ما  ارسل  منها  الى  كنيسة  اليونان  ( وهى  الرسائل  الى  التسالونيكيين  والى  الكورنثيين   والى  الفيليبيين)  تعد  من  المصادر  الاساسية  لدراستنا  هذه   وهذه  الرسائل  ارسلها  القديس  بولس  الى جماعات  وكنائس  تأسست  على  ارض  اوربية   وتعتبر  الرسالة  الى  اهل  تسالونيكى  من  اول  الكتابات  المسيحية  وبكلمات  اخرى  بداية  الادب  المسيحى  المكتوب   ولقد  كتب  الرسول بولس  هذه  الرسالة   فى  منتصف  القرن  الاول  الميلادى  ولم  يكن  قد  مضى  على  موت  الرب  يسوع  على  الصليب   وقيامته  من  بين  الاموات  اكثر من  عشرين  عاما  ! وباقى  الرسائل  التى  تهم  موضوعنا  تعود  تقريبا  الى  هذا  التاريخ  اى  العام  50  من  القرن الاول  الميلادى  وقد  كتب  قبل  كتابة  اول  البشائر  وهى بشارة  مرقس  الرسول  بحوالى  عشر  سنوات .
اما  المصدر  الثانى   لدراستنا  فهو  كتاب  اعمال  الرسل    وفى  هذا  السفر  يؤرخ  القديس  لوقا   لبدايات    المسيحية  وخاصة  بدايات  المسيحية  فى  اليونان وتبدا   احداث  سفر  اعمال  الرسل  بتأسيس  كنيسة  اورشليم وتصل  الى  ذروتها  فى  روما  حيث  كان  الايمان  المسيحى  قد  انتشر  بشكل  معجزى  وسرائرى . ويحتل  القديس  بولس  وخدماته  حوالى  نصف   سفر الاعمال   ولقد  اعتبر  الكثير من  الدارسين  ان  سفر  الاعمال  يشكل  مرجعا  كافيا   بل  ورئيسيا   للاحاطة   بخدمة  وكرازة  القديس  بولس  . ويعود  السبب  وراء  ذلك  ان  سفر  الاعمال  كتب  فى  وقت  لاحق  كانت  الكنيسة  المسيحية    قد  انتشرت   واستقرت  فى  القسم  الشرقى  من  حوض  البحر  الابيض  المتوسط   ونحن  نشعر  بالاسف  بان  القديس  لوقا  لم  يتعرف  بالشكل  الكافى  على  كتابات  القديس  بولس  ولانها  كانت  ستساعده  كثيرا  فى  الكتابة  عن  حياة  وخدمة  القديس  بولس   ولكن  الملاحظ  ان  القديس  لوقا  لم  يكن  يسرد  الاحداث  التاريخية  فقط  بل  كان  يبذل  جهدا  لكى  يخرج  من  التاريخ  فائدة     للقراء  .  والقديس لوقا   لا  يكتب  عن  القديس  بولس  كبطل  مات  بل   كذكرى  روحانية  مستمرة  الحضور   فالرسول  بولس  فى  اعمال  الرسل  ليس  هو  بولس  فى  الرسائل  الذى  يئن  ويتوجع  بل هو   نموذج  بطولى     يسطع  فى  رؤؤس  الكهنة   والقادة  العسكريين  والحكام   بل  وامام  الملوك  وهذا  يجعلنا  نركز  فى  دراستنا  هذه  على  الرسائل  التى  خطها  الرسول  بيده .
ومع  ذلك  فسفر  اعمال  الرسل  يشكل  خير  دليل  على  رحلات  القديس  بولس  فى  اليونان  ونضيف  اننا  تقتبس  ايات  الكتاب  المقدس  من  نسخة  Revised  Stanadard Version of  the Bible  والصادرة  عام  1946   وعام  1952    واصدرها   قسم  التعليم  الكنسى التابع للمجلس   القومى  لكنائس  المسيح    بالولايات  المتحدة الامريكية   ولقد  حصلنا  على الاذن  باستعماله .

واود  ان  اتوجه  بالشكر  والعرفان  للزملاء   فى  مدرسة  الدراسات  الكلاسيكية  فى  اثينا  على  افضالهم  الجمة  وايضا  اتوجه  بالشكر الى  سكرتيرتى  صوفيا هانازوجلوا على  تعبها فى  اعدهد  النص  للطياعة .
أوتو  ميناردوس                 اثينا   اليونان  عام  1972


مقدمة  الترجمة  :

كنت  اسمع  الكثير  عن  شخصية  العلامة  الكبير  والاب  الفاضل  البروفسور  ميناردوس  وكيف  انه  قد  كرس  جل  عمره  للبحث  فى  تاريخ  الاقباط  والكنيسة  القبطية  والى  ذلك  اليوم  لذى  التقيته  فى  مؤتمر  القبطيات  العالمى الثامن  فى  باريس   من  28  يونيه الى 3 يولية 2004  وقد  اصر  على  الحضور  رغم  انه  قد  تعدى  الثمانين من  العمر  وقدم  بحثا  علميا  رائعا  وكنا  نلتف حوله  لنعرف  ما  نجهل  من  تاريخ  بلادنا  وكنيستنا  العريقة  وحينما  عرف  ان  قداسة  البابا  شنودة  الثالث  قد  كرمنى  بالخدمة  فى  اليونان  حكى  لنا  عن  ذكريات  مع  قداسته  ووصل الحديث  الى  كتبه  عن  الرسول  بولس  فى  اليونان  والقديس  يوحنا  فى  بطمس  ولما  عرف  تعلقى  بهذه  الكتب  اعطانى  تصريحا  بترجمتها  الى  اللغة  العربية  لينتفع  بها  القارئ  الشرقى  والمترجم  اذ  يدرك  مدى  الكرامة  التى  كرمه  بها  المؤلف  يسعده  ان  يقدم  هذا  الكتاب  الى  محبى  الرسول  بولس  من  اللاهوتيين  والخدام  بل  والى  من  يشتاق  الى  السير  على  خطوات  القديس بولس فى اليونان  وهم  كثرة  وزاد  من  البركة  ان  رتب  الرب  زيارة  الاب  الحبيب  والمؤلف  والكاتب  ابونا  القمص  أشعياء  ميخائيل  راع  كنيسة  رئيس  الملائكة ميخائيل  بالضاهر  بالقاهرة لليونان  للقيام  بعمل  نهضة  روحية فى  صوم  الرسل  الاطهار  فى  المدة من السبت  3 يوليو  الى  الاثنين12 يوليو 2004  وذلك  باذن وبركة قداسة البابا  شنودة الثالث   وقد   شجعنى  على  ترجمة  هذا  الكتاب  واعدا  بالمساعدة  فى  النشر  وكتابة  المقدمة  المناسبة  فله  منى  جزيل  الشكر  الرب  يبارك  هذا  الكتاب  ويجعله  سبب بركة  للكثيرين   بصلوات   غبطة  وقداسة  البابا  شنودة  الثالث باعث  النهضة  الروحية .
                                                     الاب  اثناسيوس  اسحق  حنين

أثينا   عيد  الرسل  الاطهار  12 _7 _2004


       
تمهيد :

نبذة تاريخية  عن  حياة  القديس  بولس

يحتل  القديس  بولس  الملقب  برسول الامم   مكانة  كبيرة  فى  كنيسة الرب  يسوع  المسيح ولقد وصل  بعض  العلماء  فى تكريمهم  للقديس  بولس  ان  وضعوه فى  المكانة  الثانية   بعد  المؤسس  الاول  للمسيحية  رئيس  خلاصنا  الرب  يسوع  المسيح  له  المجد    وررغم  اننا  لا  نعرف  بالضبط  تاريخ  ميلاد  القديس  بولس  الا  اننا  نستطيع ان نفترض  بأنه  قد  ولد  فى  بدايات  الحقبة  المسيحية  اى  السنين  الاولى  للتاريخ  الميلادى   وقد  لد  فى  مدينة  طرسوس  التى  كانت  تعد  واحدة  من أهم المدن  فى  مقاطعة  سيسيلية  الرومانية   فى  شمال  اسيا  الصغرى . ولقد  ولد  بولس  كمواطن  حر     وكان  يحمل  الجنسية الايطالية منذ ولادته (اع 22 :28 ) وكان يحمل  اسمان  فبالاضافة  الى  اسم  (بولس )  كان  يحمل  اسما  اخر  رومانيا  ولكن  هذا الاسم  لا  يوجد  فى  اى  من  الوثائق   ولقد  كان  فخورا  بأنه  يحمل  الجنسية  الرومانية   منذ  ولادته  (اع 21 : 28 ) وبالاضافة  الى  ذلك  فقد  كان  (عبرانيا  ابن  عبرانى  )  من  والدين   يهوديين  .  ولقد  كان  يهوديا    بنفس  الدرجة  التى  كان  بها  طرسوسيا   ورومانيا   ولقد  سببت  له  هذه  الانتماءات  الثلاثة  الكثير  من  البركات  كما  جلبت  عليه  المتاعب   فنحن  نجده  مع  اليهود فى  المهجر  يؤكد  على  اصله   اليهودى  وحينما  ذهب الى  اليونان  كلم  اليونانيين  بلغتهم  الام    وحينما  واجه  السلطات  الرومانية   شدد على   حقوقه  كمواطن  ايطالى .
  ونحن  نعرف  من  الرسائل  انه  قد  تربى   كيهودى  متشدد وليس   كصدوقى   بل  كفريسى  (أهم  عبرانيون   فانا ايضا اهم اسرائيليون  فانا ايضا  . أهم نسل ابراهيم فأنا أيضا  ) 2كو 11:  22   ويضيف  فى موضع اخر  (من جهة الختان مختون فى اليوم  الثامن  من جنس  اسرائيل  من سبط بنيامين   عبرانى من العبرانيين    من  جهة  الناموس  فريسى  )
 في 3 :  5 .   ولقد  سمى  بالعبرانية  (شأول )  تخليدا  لذكرى اول  ملك  على  الامة  اليهودية  شأول  .  
 ورغم  هذا  التعدد  فى  شخصية  القديس  بولس  الا  اننا  نلاحظ  ان  المؤثرات الفلسفية الهيلينية  على  شخصيته  كبيرة  جدا  . فاللغة  التى  تكلمها  منذ  نعومة  اظفاره  هى  اللغة  اليونانية  كما  انها  اللغة  التى  كتب  بها  كل  رسائله  .  ولقد  تعلم   اللغة  العبرية    وتتلمذ  على  يد  غمالائيل  فى  اورشليم  (اع 22  : 3 )  ويبدوا  انه  قد  اتقن  ايضا  العبرية  اتقانا  كبيرا  . ومع  ذلك  فأن  نسخة  العهد  القديم  التى    اعتاد  عليها  واقتبس منها  هى  الترجمة  اليونانية  للعهد  القديم  والمعروفة  (بالسبعينية ) ولعل  الاستعداد   الكبير  للتعبير  عن  نفسه  باللغة  اليونانية   يظهر  تمكنا  كبيرا  من  هذه  اللغة   وهذا  يفسر  درايته  بها  منذ   طفولته.
ونحن  لا  نعرف  شيئا  عن  عائلة  القديس بولس   ولقد  أشار  اشارة  عابرة  الى  والده . ونعرف  ان  هناك  ابن  لاخته  (اع 23  :  16  )   ولقد  اشار  الى  اقرباء  له  من  بعيد  ( رو16  :  7 و11 و 1 2  )  ولم  يذكر  شيئا  بالمرة  عن  والدته   .   ونحن  لا  نعرف  على  وخه  الدقة   كم  كان  عمر    شأول  حينما  غادر  طرسوس  الى  اورشليم    حيث  التقى  بالمذهب  الجديد  الغريب  للحركة   المسيحية  .     ولقد  بدا   سفر  اعمال  الرسل  روايته  بقصة  الاضطهادات  التى  شنها   شأول  على  اتباع  الايمان  الجديد    وقصة  تحوله    على  الطريق  الى  دمشق    وخدمته  البطوليه  لسيده  الجديد  ومخلصه  الرب  يسوع  المسيح .
  فبعد  هذا  التحول  العجيب  لم  يعد  شأول  الربان  اليهودى   وربما  الذى كان  عضوا فى  مجلس  السنهدريم   ولكن  صار  بولس    الرسول      تلك  الشخصية    الرئيسية   فى  الكنيسة  المسيحية  فى  سنواتها  الاولى  .


الدعوة  الى  مكدونيا :

(فمروا  على  ميسيا  وانحدروا   الى  ترواس  وظهرت  لبولس  رؤيا  فى  الليل  رجل  مكدونى  قائم  يطلب  اليه  ويقول  اعبر  الى  مكدونية  وأعنا    فلما  رأى  الرؤية   للوقت   طلبنا   ان  نخرج  الى مكدونية  متحققين   ان   الرب  قد  دعانا  لنبشرهم  )  اعمال 16 : 8 _10 .
    رغم   الرؤى  الكثيرة   والعلانات  التى  عاشها  القديس  بولس  (ولئلا  ارتفع  بفرط  الاعلانات .........) 2كو  12 :  7   الا  انه  هناك  تجربتان  شخصيتان  قد  ساهما  فى  توجيه   مجرى  حياة  الرسول  العظيم والحادثة الاهم  والمعروفة  هى  المواجهة  التى  تمت  بين  شأول  والرب  القائم  من  بين  الاموات  على  الطريق  الى  دمشق   والتى  حولته الى  الايمان  المسيحى  وأعطته  القوة  للكرازة   بالحق  الذى  اكتشفه  لليهود  والامم  على  السواء  .  ونحن  نعتقد  ان  اهمية  الرؤية  التى  عاشها  القديس  بولس  فى   طروادة  لا  تقل  فى  قوتها  ومغزاها  الكرازى  عن   رؤية   طريق  دمشق فلقد  استمدت  رسالته  الى  شعوب  اليونان  الهامها  وفحواها  من  هذا  النداء  والذى  حدث   خلال  رحلة  القديس  بولس  الثانية  فى  خريف   عام   48   وذلك  بينما  كان   الرسول  مع  سيلا   والشريك  الذى  ربحه  حديثا   يجوزان  مدن  فيريجيا   وغلاطية   فى  طريقهم  الى  طروادة    .
 ونستطيع  القول  بأن  هناك  ثلاث  عوامل  ادت  الى  قيام  القديس  بولس  برسالته  التبشيرية   فى  اوربا   وسفر  الاعمال  يخبرنا بأن  الروح  منعهم    من  البشارة  بالانجيل  فى  مقاطعة  أسيا   وان  روح  يسوع  منعهم  من  دخول   بيثينية   وانه  فى  النهاية   الرية  هى التى  قادت  ق.  بولس  الى  مكدونية  .  وهناك   رأى  يقول  بأن  المرسلين  الثلاثة    لم  يقدروا  على  الكرازة    بالانجيل   فى  اناطوليا  الغربية بسبب  نشاط  القديس  يوحنا  التبشيرى  فى  المنطقة.
ولعل  الرسول  بولس  لم  يكن  يعرف  انه  يقف  على  ارض  شهدت   تسع  اجيال  من  البشر والتى  اكتشفها  عالم  الاثار  هنريخ   شليمان (  1872 _1874 )  ولقد شهدت   هذه  الارض  التى  وقف  عليها  بولس مجد  هوميروس وليسماك  احد  قادة  جيش  الاسكندر  الاكبر  والذى  اعاد  بناء  المدينة  والتى  اطلق  عليها  اسم  اسكندرية  ترواس    وذلك  تكريما  لقائده   الذى  يعتبر(رجل  اخر  من  مكدونية  )   وخلال قرون  جاء  الى  طروادة  ملوك  وامراء   فلقد   عبر  من  هناك  اكسيركيس خلال  حملته  لكى  يعيد  اليونان   وفى   عام  334  زار  الاسكندر  الاكبر  هذه  المدينة   وقدم  القرابين  للالهة  اثينا لكى  يكرم  قبر  اشيلا    ولقد  عبر  بها  ايضا  يوليوس  قيصر بعد  معركة  فارسال  وفى  الحقيقة  لقد  صارت  مدينة  ( الكسندر  ترواس  )  خلال  العقود  اللاحقة   مركز  الامبراطورية  اى  القسطنطينية    ولم  يكن  قيصر الوحيد  الذى  اعتير  طروادة   عاصمته  المفضلة   ولكن  قسطنطين  الكبير  وقبل  ان  يقع  اختياره  على    بيزنطة   كان  قد  تصور  وخطط      ان  يقيم  مقر   امبراطوريته  فى    هذا  الموقع  التاريخى   ولهذا   فانه  ليس  من  قبيل  المصادفة  ان  العثمانيون    كانوا  قد  اطلقوا  على  انقاض  ترواس   اسم  (ايكستنبول  اى  القسطنطينية  القديمة   )   ولم  يكتف  الامبراطور  اوغسطس  بان  يسبغ  على المدينة  الامتيازات  التى  تتمتع  بها اى  مستعمرة  رومانية بل   منحها   اعفاء  من  الضرائب  مثلها  مثل  اى  اراضى  ايطالية   وحينما  جاء  ق بولس    برفقة  سيلاس وتيموثأوس  الى  ترواس   كان  هناك  الكثير  من  المشروعات  الكبيرة  الرومانية  والتى  لم  تكن  قد  تم  الانتهاء   منها    ولقد  تم  الانتهاء  من  حائط  المدينة  فى  وقت  لاحق .
وتعتبر  اقامة  القديس  بولس   ولقائه  مع (الرجل  المكدونى  )   احداث  ذات  مغزى  خاص    لدارسى   الاسفار  المقدسة  وذلك  لان    عند  هذه  النقطة   فى  سفر  الاعمال  نلاحظ  تغير فجائى لشخص  الراوى  لاحداث  سفر  الاعمال   فلقد  تغير  الرواى  الى  صيغة  الجمع  ( فلما  رأى  الرؤية  للوقت   طلبنا  ان  نخرج  الى  مكدونية    ) اع  16 :  10   اى  عملوا  المستحيل  لكى    للوصول  الى  مكونية     ونحن  نرى  ان  ظهور  صيغة  الجمع  والقاري لهذه  الايات  يشعر  ان  الكاتب  هو  شريك  فعلى  فى الاحداث   التى  يسردها  ويرى  الباحثون  ان  يجب  دراسة  الفقرات  التى  تتكلم  بصيغة  الجمع  واستخلاص  الدروس  النافعة  منها  (  اع  16 : 10_18    و20 : 5_16  و 21 :  1  و  18  _ 16    )   ويرى  البعض  ان  كاتب  هذه  الايات  ربما  يكون  احد  شركاء  القديس  بولس  .
 والان   هناك  سؤال  يطرح  نفسه   من  هو  هذا  الرجل  المكدونى   الذى  ظهر  فى  الرؤية   الترواسية   ؟  وهناك   احتمال  ان  الرسول  لم  يسمع  صوتا   كما  سمع   فى  تجربته  على  طريق  دمشق  ولكنه  رأى  رجل   وعرف  انه  رجل  مكدونى    مع  انه  من  المعروف  انه  فى  ذلك  الزمان  لم  يكن  خلافا  فى  المظهر  الخارجى  بين  بين  سكان  غرب  بحر  ايجه  وسكان  الشرق   ولهذا  فمن  المحتمل  بأن  القديس  بولس  قد  تعرف   سابقا  على  الشخص  المكدونى  الذى  ظهر  له  فى  الحلم  فى  ترواس  .   ولقد  رأى  وليام  رامسى واخرين   بأنه  من  المحتمل  ان  يكون  الرجل  المكدونى  هو  القديس  لوقا  ( الطبيب  الحبيب  )  كولوسى 4 : 14 .    وربما  يكون  القديس  بولس  قد  التقى  الطبيب   فى  انطاكية  حيث  يشير  الثقليد  الى  انها  مسقط  راس  القديس  لوقا  الطبيب   وعلى  اى  حال  فأن   الوصف  المفصل  الوارد  فىسفر  الاعمال  يفترض  علاقة  كبيرة  بين  الطبيب  وهذه  الكنيسة  واسم  لوقا    الذى  هو  تبسيط  لاسم ( لوكانوس  او لوكيوس)  يفترض  انه  كان  ابنا  لرجل يونانى   حر من  عائلة رومانية   ولما  كان  يوليوس  قيصر  قد  قام  بمنح  الجنسية  الرومانية  لكل  الاطباء   المقيمين  فى  روما    فانهة  من  المحتمل  ان  يكون  القديس  لوقا  قد  اسنفاد  من  هذا  الامتياز .  وهذا  مجرد  افتراض  للبحث    ولكن  من  المحتمل  جدا  ان  يكون  القديس  لوقا  قد  مارس  مهنة  الطب  فى  فيليبى  وهكذا يكون  قد  قابل  القديس  بولس  فى  ترواس   وذلك  بطريقتين  ان  يط\كون  قد  سمع  من  الناس  ان  القديس  بولس  قد  جاء  الى مدينة  هوميروس  ترواس  فذهب  للقائه  بشكل  عفوى  او  ان  يكون  اللقاء  قد  تحدد  بناء  على  ميعاد  محدد ونحن  لا  نرى  سببا  يمنع  ان  يكون  (الرجل  المكدونى  ) هو  الانجيلى  الثالث   والذى  عاش  فى  فيليبى  المستعمرة الرومانية  والتى  اعتيرها  كبلده  .



الوصول  :


( فاقلعنا  من  ترواس  وتوجهنا  بالاستقامة   الى  ساموثراكى   وفى  الغد  الى  نيابوليس ) اع 16 : 11   حينما  اقلعوا من ترواس (ق بولس  وسيلاس  ولوقا الطبيب )  ذهبوا  مباشرة  الى ساموثراكى   وكانوا يستطيعون  اذا  نظروا  غربا  ان  يروا  قمة  جبل  اثوس  والذى  يمكن رؤيتها  اذا  كان  الطقس  صحوا  من   نواحى  اسيا  وواضح  ان  الظروف  المناخية  كانت  مواتية   لان  الرحلة  الى  من  ترواس  الى نيابوليس  لم  تستغرق  اكثر  من  يومين  والدليل  انه  فى   مرة  اخرى   واثناء  عودة  ق  بولس  من  رحلته التبشيرية  الثالثة  قضى  خمسة  ايام  لكى  يعود  من  نيابوليس  الى  ترواس  ( اع  20 : 6 )  ويخبرنا  النص  انه  فى  هذه  الرحلة  كانوا  يبحرون  امام  الريح  وهذا  معناه ان  الريح  كانت  تهب  من  الشمال  وهذا  يفسر  قضائهم  الليلة  فى ساموثراكى   ولقد  كتب  فى  هذا  الصدد  العالم كونيبيير (  ان قمم ساموثراكى  تساوى  فى  نظر  الاجداد  اليونانيين  الوثنيين  ما  تساويه  قمم  جبل  اثوس  فى  نظر  المسيحيين  )     ولو  ان  الرسول  بولس  كان  قد   مكث  فى  ساموثراكى  بضعة  ايام  اكثر   فلابد  انه  كان  سيزور  هيكل  الالهة  ولكن  ليس  هناك  دليل  انه  قد  نزل  فى  الجزيرة .  وفى  اليوم  التالى  واصل  الرحالة    رحلتهم  وبعد ما  عبروا  جزيرة  تاسوس   نزلوا  على   ساحل   ثراس  فى  نيابوليس ميناء  فيليبى   وهذا   النزول  يعد  من  اهم  لحظات  المسيحية قاطبة   ففى  هذه  اللحظة  التاريخية    خطت  الرسالة  المسيحية  من  الشرق  الى  الغرب    ولعل  صانعى  هذه  اللحظة  التاريخية  انفسهم وهما  القديس  بولس  والقديس لوقا لم  يدركوا   عظمة  وخطورة  هذا   الفارق  الجغرافى  الكبير على  مستقبل  المسيحية !  فالامر  بالنسبة  لهم  لم  يكن  يتعدى  مجرد  الابحار  من  مقاطعة  رومانية  الى  مقاطعة  رومانية  اخرى  اى  من  اسيا  الى  مكدونيا ! بينما  فى  الواقع  هم  كانوا  يضعون  الاسس  المسيحية  للقارة  الاوربية ولهذا  فاليونانيون  المعاصرون  يشعرون  بالفخر  لانهم  كانوا  الطريق  الى  معمودية  اوروبا  والرجل  المكدونى  لم  يتكلم  لغة  اخرى  غير  اليونانية  !
وكما  هو  الامر  مع  اسماء   المدن  القديمة    فأن  اسم  الميناء  الذى  رسوا  فيه  قد  تغير  مع  مرور  الزمن    فلقد  عرفه  اليونانيون  القدماء  باسم  ( نيابوليس ) وفى  ايام  بيزنط  دعى  اسمها خرستوبوليس   وذلك حينما  صارت  اسقفية  فيليبى   وذلك  بلا  شك  لتخليد  ذكرى  زيارة  الرسول  بولس  للمدينة . واما  فى  العصور  الوسطى  فقد  سماها  الفرنجة  (خرستوبل)
  وحينما  جاء  العثمانيون  اعطوها  اسم  (كفالوا  او  قولة  )  وهى  لهجة  عامية  للكلمة  اللاتينية  التى تعنى  (حصان )  وذلك  لانها  كانت  تخدم  لمحطة  للبريد  ايام  الاحتلال التركى   وهى  مسقط  رأس محمد  على   حاكم  مصر  فى الفترة  من 1805 _ 1848 .
 وشكلت  كفالاس  او قولة  كما  عرفت  فيما  بعد  جزا ء من  الامبراطورية  العثمانية  من  عام 1387   حتى بعد   اندلاع  حرب  البلقان  فى  1912 _1913    ووقتها  تم  ضمها  الى  بلاد  اليونان . وفى  اثناء  الحرب العالمية الاولى   قام  البلغار باحتلال المدينة  ولكنها عادت الى اليونان فى عام 1918 .  وفى  عام 1941   احتاها  مرة  اخرى  البلغار   بعد  الغزو الالمانى لليونان  اثناء  الحرب  العالمية  الثانية    ولكنها  عادت  مرة اخرى  لليونان  فى عام  1944 .  واليوم  تعد  كافالاس  هى  مركز  التصدير الاول  للتبغ  المكدونى .
 ولقد  تم  بناء  كنيسة  القديس  بولس  والتى تخلد زكرى  زيارة  الرسول  للمدينة  فى  عام  1928 . ويشير  مورتون  الى  كنيسة  للقديس  نيقولاوس  والتى  كانت  قبل  الاحتلال  التركى  للمدينة   تعرف  بكنيسة  القديس  بولس  .  ولكن  ليس  لدينا  دلائل  تاريخية  على  هذا التقليد الشعبى .   وفى  اثناء  الاحتلال  التركى  تم  تحويل  هذه  الكنيسة  الى  جامع  وتم  اعادة  بنائه  فى  عام 1930 . ويوجد  خلف  الكنيسة    بقايا  عمود   ويرى  الكثيرون  ان  القديس  بولس  قد  نزل  من  المركب  عند  هذا  العمود .


مكدونيا  : 

فيليبى   :  الكرازة 

(ومن  هناك  (ذهبنا )  الى فيليبى   التى  هى  اول  مدينة  من  مقاطعة  مكدونية   وهى  كولونية  فأقمنا  فى  هذه  المدينة  اياما   وفى  يوم  السبت خرجنا  الى  خارج  المدينة   عند  نهر  حيث  جرت  العادة ان تكون   صلوة  فجلسنا  وكنا  نكلم  النساء   اللواتى  اجتمعن   فكانت  تسمع  امرأة  اسمها  ليدية بياعة  ارجوان من  مدينة  ثياتيرا   متعبدة  لله  ففتح  الرب  قلبها لتصغى  الى  ما  كان  يقوله  بولس  فلما  اعتمدت  هى  واهل  بيتها  طلبت  قائلة ان  كنتم  قد  حكمتم  انى  مؤمنة  بالرب  فأدخلوا  بيتى  وامكثوا . فالزمتنا .
وحدث  بينما  كنا  ذاهبين  الى  الصلاة  ان  جارية  بها  روح عرافة   استقبلتنا   وكانت  تكسب  مواليها   مكسبا  كثيرا  بعرافتها  هذه  اتبعت  بولس  وايانا  وصرخت  قائلة  هؤلاء  الناس  هم عبيد الله  الحى  الذين  ينادون  لكم  بطريق  الخلاص  وكانت تفعل هذا اياما  كثيرة  فضجر  بولس   والتفت  الى  الروح  وقال  انا  امرك  باسم  يسوع  المسيح  ان  تخرج  منها   فخرج  فى  تلك  الساعة  ) اع  16 :  12  _  18 .
ذهب  المبشرون    من  نيابوليس  الى  فيليبى  والتى  كانت  وقتها مركزا  لتمركز  الجيش  الرومانى   واهم  مدينة  فى  مقاطعة  مقدونيا   وحينما  سلك  الرسول  ورفاقه  الطريق  الرئيسى   والذى  يربط  الميناء   بمدينة  فيليبى   فلقد  عاينو  الجبل  الاحمر  الشهير  بمناجم  الدهب   وتمدتد  انقاض  مدينة فيليبى   على  مساحة  شاسعة    ويمكن  الوصول  اليها  اليوم  من  خلال  الطريق  الذى  يربط  بين    كافالا  ودراما  وبعد  حوالى   8اميال   سوف تظهر  انقاض  المدينة  التى  تعود  الى  القرن  الثانى  الميلادى    على  الناحية  الشمال   وعلى  مسافة  15  قدم    تحت  سطح  الارض  الحالية   وعلى  اليمين  ايضا  نرى  انقاض  كنيسة  البازيليك   والمسرح  القديم . ولقد  اسس  مدينة  فيليبى   فيليب  الثانى ملك  مكدونيا  وذلك فى  القرن  الرابع   قبل  الميلاد   ولكنها  اشتهرت    بعد المعركة  الحاسمة  التى  انهت  الجمهورية   الرومانية  .  وفى  هذه    المعركة  هزمت  جنود   اوكتافيوس  وانطونى   الجيوس  التى  يقودها   قتلة   القيصر   بروتوس  وكاسيوس  .  ولقد  انتحر  القتلة  بعد  المعركة   وصارت  المدينة   مستعمرة  رومانية   وحظت  بمكانة   مركز  كبير  للجيش  الرومانى   وصارت  قريبة  من  العاصمة  روما  فى  المقام    وحملت العملة     فيها   نقوش  لاتينية    وصار  اسمها  الرسمى  (Colonia  Augusta   Julia   philippenesis ).
سكان  المدينة  :

ينقسم  سكان  المستعمرة الرومانية  فيليبى  الى  نوعين  من  المواطنين  الرومان  والنوع  الاول  يشمل  الايطاليين  الاصلاء   والذى  تم  تكليفهم  بالذهاب  للحياة  فى   المستعمرات   والنوع  الثانى  من  السكان   هم  الذى  يطلق  عليهم  لقب  ( المتحولين  سياسيا  )  والى  هذا  النوع  الثانى   ينتمى  القديس  بولس  وسيلاس   وهذا  اللقب  اعطاهم  نفس  الحقوق   التى للرومان  الاصليين  ومن  هذه  الامتيازات  الاعفاء من  عقوبة  الجلد   وعدم  القاء  القبض  عليهم  الا  فى  حالات  الخطورة  القصوى  بالاضافة  الى  حق  اللجوء  الى  الامبراطور   ويلاحظ  القارئ  لسفر  الاعمال  ان  الرسول بولس  قد واعيا لهذه الامتيازات و استفاد منا   حينما  القى القبض عليه  فى  اورشليم  وللاصف  لا  نعرف  الكثير  عن  السكان  الاصليين  لمدينة  فيليبى ويبدو  ان  عدد   اليهود  كان  قليلا  والدليل  عدم  وجود  معبد  لليهود  ولكن  كان  هناك  مكان  مؤقت  للعبادة  ويقع  خارج  المدينة   على  شاطئ  النهر   وذلك  لكى  يستطيعوا  ان  يمارسوا  طقوس  الاغتسال  التى  تفرضها  ديانتهم  كما  ورد  فى  نص  قديم    (   وبسبب  استحقاق  البطاركة   فأن  الله   قد  كلم  الانبياء   خارج  الاراضى  المقدسة    ولكنه  كلمهم   فى  اماكن    تنقت  بالماء    كما  هو  مكتوب (فرأيت  فى  الرؤيا   وكان  فى  رؤياى  وأنا  فى  شوشن  القصر الذى فى ولاية  عيلام   ورأيت  فى  الرؤيا  وانا  عند  نهر  أولاى )(دا 8 _2 )   وايضا   (وفى  اليوم  الرابع  والعشرين  من  الشهر  الاول  اذ  كنت  على  جانب  النهر  العظيم   هو  دجلة  ) دا  10 _ 4 .
  وقبل  ان   نتتبع  النشاط  التبشيرى   للرسول  فى فيليبى     والوصف  التفصيلى  للاحداث   يجب  ان  نفحص  عن  الاهمية  التى يوليها    الرسول  والراوى  للاحداث   لذلك  الحدث  العظيم  وهو  تأسيس  اول  كنيسة  على  الاراضى  الاوربية ومجرد  المقارنة  بين  عدد  الايات  التى  كرسها  الرسول  لوقا  الطبيب   للاحداث  فى  فيليبى  وبين  المدن  الاخرى  سيفهم  القارئ  تلك  الاهمية   ونلاحظ  ان  لوقا  الطبيب  قد  خصص   28   اية   لوصف   تأسيس  اول  كنيسة   على  الاراضى  الاوربية    بينما  اقامة  الرسول  بولس  فى  تسالونيكى  لم  تتعدى  التسع  ايات    وعن  خدمة  بيرية  الميناء  اليونانى  العظيم  خصص  القديس  لوقا    5  ايات   فقط    ورغم  ان  العمق  الروحى  للكتاب  المقدس   لا  يرتبط  بعدد  الايات  الا  ان  القديس  لوقا  بتخصيصه  هذا  الكم  من  الايات  للحديث  عن  خدمة  ق  بولس  فى  فيليبى  يوضح  الاهمية  الكبرى  التى  يوليها  الرسل  لهذا  الحدث  التاريخى  والهام  ليس  فقط  للرسل  ولكن  لكل  الكنيسة  الاولى  التى  فرحت  بهذا  الحدث  الرسولى  .  ووونكتشف  ايضا  من  هذا  الوصف  التفصيلى   ان  الرواى  للاحداث  وهو  القديس  لوقا  الطبيب  يولى  اهتمامال  خاصا  لهذه  المدينة   وهذا  يشرح  ما  سبق  وقلناه  عن  ان  فيليبى  تعد  وطن  القديس  لوقا  الثانى   ويؤكد  هذا  الارتباط  بين  القديس  لوقا  الطبيب  وهذه  المدينة  قوله  (فأقمنا  فى  هذه  المدينة  اياما  )  اع  16  _ 12   وهذا  معناه  اياما  كثيرة  اى  اقامة  طويلة     وتوحى  الاحداث  التى  عاشها  الرسول  فى  المدينة  الى  اقامة  طويلة  قد   تبلغ  عدة  اسابيع    وهذا   يخالف  بعض  الاراء  التى  ترى  ان  خدمة  فيليبى  كانت  قصيرة  .
 أول  حالة  ايمان  بالمسيح  فى  اوروبا  أمرأة  :
كانت  اول  حالة  ربحها  القديس  بولس  للمسيح  على  الاراضى  الاوربية  هى  امرأة  فى  فيليبى   ونلاحظ  ان  الحركة  النسائية  المعاصرة قد  انتقدوا  القديس  بولس    لانهم  ظنوا  ان  له  موقفا  سلبيا  من  المرأة  ويستشهدون  ببعض  الايات  التى  يقتطعونها  من  سياقها  العام  مثل (لان  الرجل  لم  يخلق  من  اجل  المرأة بل  المرأة  من  اجل  الرجل   )1كو11 _9   وايض   قوله  ( لتصمت  نساؤكم   فى  الكنائس  )1كو  14 _34 .  وايضا  دعوته  للنساء  ان  يخضعن  لرجالهن  (ايتها  النساء  اخضعن  لرجالكن   كما  يليق  بالرب  )كو 3 _18  .  ولكن  المراة  شغلت  مكانا  ومكانة  كبيرة  فى  الكنيسة  الاولى   ورغم  انه  لم  تكن  هناك  امرأة  بين  الرسل  الا  ان  النساء  كن  دائما  بجانب  الرسل   وذكرته  البشائر  وهن  تحت  الصليب  (لو21 _  8  و 9 )  ولقد  اسس  القديس  بطرس   جماعة  مكرسات  خادمات  فى  مدينة  يافا   تمركزوا  حول  اسم  طابيثا (التى كانت  ممتلئة اعمالا  صالحة  واحسانات  كانت  تعملها) اع 9 _36  .  وفى  الينان  على  وجه  الخصوص  لعبت  النساء  دورا  كبيرا  فى  خدمة   الكنائس  التى  اسسها  القديس  بولس  .  ومن  المستمعين الى عظات  القديس  بولس  فى  فيليبى امراة  اسمها  ليديا   وكانت  تؤمن  بالله  وقبلت  كلام  النعمة  على  لسان  بولس    واعتمدت  هى  واهل بيتها (اع  16 : 14  و15  )  وفى  تسالونيكى    حول  المبشرون عددا  كبيرا   ( من  النساء  المتقدمات  عددد ليس بقليل  ) اع 17  :4  والمقصود  بالمتقدمات  انهم  من  الاعيان  بلغة  اليوم   وفى  بيرية  حول  تحول  الى  الايمان (  كثيرون  من  النساء اليونانيات  الشريفات   )اع  17  : 12  .  وفى  العاصمة  اثينا  نجد  انه   من  بين  اسمين  تحولا  للايمان    بالانجيل  هناك  اسم  امرأة  تدعى  دامرس   (اع   17  :  34  )    وفى  ختام  رسالته  الى  اهل  رومية    يذكر   القديس  بولس     8  نساء    فى  قائمة  لاسماء  عددها  26    شخص    وقد  ذكر    6  من  هذه  الاسماء  بشكل  مميز    وسوف  نتكلم  لاحقا  عن  زوجة  اكيلا  المدعوة  بريسكلا   والتى  كانت  معينا  امينا    للرسول  فى  كورنثوس   وبعد ذلك  فى  افسس  .   وهذا  دليل  واضح  على  ان  المرأة  قد  لعبت  دورا  عظيما فى  حياة  الكنيسة  الاولى  خاصة  وحياة  الرسول  بولس  خاصة  وهذا  ينفى  عن  الرسول  بولس  اى  ادعاء  بالعداء  للمرأة  التى  لعبت  دورا  هاما  فى  الجماعات  التى  اسسها  . 

  دليل  على  مكانة  المراة  ان  اول  نفس  تحولت  للمسيح   كانت امرأة  وهى   ليديا  بائعة  الارجوان  هى  اول   نفس  تتحول على  يد  القديس بولس  الى  الايمان  بالرب  يسوع  على  الاراضى  الاوربية  وهى  من  مدينة  ثياتيرا   مقاطعة  ليديا   فى  اسيا  الصغرى   ولقد  اتت  الى  فيليبى  لتتاجر  فى  الارجوان    وهى  مهنة  رائجة  فى  هذه  النواحى  منذ  القدم   وثياتيرا  اليوم  هى  مدينة  تركية   تسمى  اكيسار   وهى  مركز  لصناعة   السجاد  .   ولما  لم  يذكر  صفر  الاعمال  اسم  زوج  ليديا  فنحن  نعتقد  انها  كانت  ارملة  والاشارة  الى  ليديا  على  انها  متعبدة  لله  تشير  الى انها    قد  قبلت  الايمان    اليهودى فى  ثياتيرا  حيث كانت  هناك    جماعة  يهودية   وقد  ارسل  القديس  يوحنا  الرائي من  بطمس  رسالة الى  كنيسة  ثياتيرا   ومنه  نفهم  انه  كان  هناك  تعدد  طوائف  فى  المدينة  .   وليديا  ليست  الوحيدة  التى  كانت  تتاجر  فى  الارجوان  فقد  اكتشف  البرفسور  مرتذيديس   فى  فيليبى   لوحة  من  المرمر  وعليه  عبارة  باليونانية  القديمة  تقول  (ان  المدينة  تكرم  من  بين  بائعى  الارجوان    مواطنا  بارزا  وهو انطيوخوس  ابن  ليكوس    من  مواطنى  ثياتيرا   ومن  فاعلى  الخير  ) وهذا  اللوح  المرمى  يكشف  بان  طبقة  تجار  الارجوان  كن  لها  مكانة  كبيرة  وكريمة  فى  المدينة  .
لقد  استمعت  ليديا  الى    رسالة  الرسول  واقتنعت  ان    يسوع  هو  المسيح   واعترفت  جهارا  بالايمان     واعتمدت     مع  كل  اهل  بيتها   .   والاحتمال  الاكبر  ان  عماد  ليديا  قد  تم  على  ضفاف  نهر   كانجيليس    ولذلك  النهر  قصة  حزينة  فلقد   اختلطت  مياهه  بدماء     المتحاربين  من  جنود   انطونيوس  واوكتافيوس    من  جهة  وجنود   بروتوس  وكاسيوس من  جهة  اخرى   واليوم  تجرى  مياه  هذا  النهر  الزرقاء  بين  حقول  التبغ  .   وقد  قامت  ليديا  بعد  نوال  سر  المعمودية  بدعوة  الرسول  بولس  الى  منزلها   وطلبت  منه  ان  يمكث  عندهم     ولقد  اصبح  هذا  الكرم  وحسن  الضيافة  المسيحية    جزاء  هاما  من  التقليد  الرسولى  والرسالة  الرسولية  (لا  تنسوا  اضافة  الغرباء   لان  بها  اضاف  اناس  ملائكة وهم  لا  يدرون  )  عب  13  _2  .  وزيادة  على  ذلك  نرى  هنا  بداية  تاسيس  اجتماعات  الاسرة  المسيحية   والتى  يتكلم  عنها  الرسول  بولس    دائما فى  رسائله  مثل  عائلة  استفانوس  (1كو1 _16  و16  _5  )   ووصل  الى  اطلاق اسم  كنيسة على بيوت  المسيحيين  الاتقياء    مثل  الكنيسة  التى  فى  بيت  اكيلا  وبريسكلا (رو 16  _5  )  وهناك  تقليد  قديم  يقول ان  بيت  ليديا    يوجد  فى  قرية  تحمل  اسمها    على  مسافة  بضع  مئات  من  الاقدام   بجوار  انقاض   مدينة  فيليبى .   ويقول  تقليد  شعبى  ان  فندق  ليديا   الحالى   قد  بنى   على  نفس  المكان  الذى  سكن  فيه  الرسول  بولس  اثناء  اقامته فى  المدينة   ولقد  تم  بناء  كنيسة  لتخليد  ذكرى  معمودية  ليديا  فى  نفس  المكان  .

اول  معجزة  اخراج  شياطين  فى  اوروبا  :

  لقد  تمتعت  الكنيسة  فى  فيليبى  بالسلام  الى  فترة  ليست  قصيرة   وكانت  جماعة  المؤمنين  تخرج  فى  كل  يوم  سبت    خارج  باب  المدينة  الى  شاطئ  النهر  حيث  يجتمعون  للعبادة   وفى  احد  الايام  وبينما  هم  ذاهبون  للصلاة  ان  جارية  طفلة  صغيرة  بها  روح  عرافة    تبعتهم   وهذه  المهنة  التنجيم  والعرافة  كانت  (اع 16  : 16 )معروفة  فى  اليونان  فى منطقة  دلفى   وقد  حققت  مكاسب  كبيرة  لاصحاب  مهنة  العرافة   ولما  شعرت  ان  الكرازة  بانجيل  النور  يهدد  مهنتها  جأت  وراء  القديس  بولس    والجاعة  المسيحية  الصغيرة  وهى  تصرخ   (هؤلاء  الناس  هم  عبيد  الله  الذين  ينادون  لكم  بطريق  الخلاص  )  اع 16  : 17    وكانت  تفعل  هذا  لايام  كثيرة   حتى  ضجر  بولس     والتفت  الى  الروح    وامره  باسم  يسوع  المسيح  ان  يخرج  منها  فخرج  فى  الحال  (اع 16  :
18  )   وجاء  رد  الفعل  على  اول  معجزة  اخراج   ارواح  شريرة   على  الاراضى  الاوربية  مباشرا   وعنيفا  فلقد  فقدت  الصبية  النطق   بالنبوات  الكاذبة  كما  كانت  تعمل    كما  فقدت  ايضا  تأثيرها  على  الناس    وضاعت  المكاسب  الضخمة  التى  كانوا  يجنوها  من  وراء  التجارة  بالارواح  !  وكان  لابد  من  الانتقام  من  بولس  ورفاقه  وقد  كان  !
 
 والقوهما  فى  السجن  :

( فلما  رأى  مواليها  انه  قد  خرج  رجاء  مكسبهم  امسكوا  بولس  وسيلا  وجروهما  الى  السوق  الى  الحكام   واذا   أتوا   بهما  الى  الولاة  قالوا  هذان   الرجلان   يبلبلان  مدينتنا  وهما  يهوديان  ويناديان   بعوائد    لا  يجوز  لنا  ان  نقبلها  ولا  نعمل  بها   اذ  نحن  رومانيون  فقام  الجمع    معا  عليهما   ومزق  الولاة  ثيابهما  وامروا  ان  يضربا  بالعصى   فوضعوا  عليهما  ضربات كثيرة  والقوهما  فى  السجن  واوصوا  حافظ  السجن  ان  يحرسهما  بضبط  وهو  اذ  اخذ وصية  مثل  هذه  القاهما فى  السجن  الداخلى  وضبط  ارجلهما  فى  المقطرة  )  اع 16  :  19 _ 24  .
 لم  يستطع     اسياد  الفتاة  العرافة  ان   يتهموا   الرسول  بولس  ببمارسة  اخراج  الشياطين   وذلك  لان  القانون  الرومانى   لا  يهتم  بهذا  الموضوع  .   ولهذا  فلقد  لجأوا  الى   اتهامات  سياسية   وهذه  التهم  هى  احداث بلبلة  فى  الحياة  العامة  وادخال  عادات دينية  جديدة .   والاتهام  الاول  ليس  له  اساس  ومزيف  وذلك  لانه  ليس  هناك  دليل على  ان  المرسلون  المسيحيون  قد  سببوا  اى  قلق  فى  الحياة  العامة للمدن   واما  الاتهام  الثانى فهو  اخطر   وذلك  لان  القانون  الرومانى   يمنع  اى  افكار  دينية  جديدة  ز  ولقد  جاء  فى  الاتهام  انهم  يهود  ولقد  تم  طرد  اليهود  من  روما   فى  نفس  الوقت   بين  يناير  عام  49  ويناير  عام  50   وقد  تم  فى    فيليبى  ما  تم  فى  العصمة  مع  اليهود  والشئ  الغريب  فى  هذه  الاحداث  هو  انه  لم  يقم  اليهود  بمقاومة  القديس  بولس  كما  حدث  فى   انطاكية   وليسترة   وتسالونيكى   وكورنثوس  ولكن  الذين  قاوموا  الرسول بولس  وسيلا  هم  الرومان .
الادارة  الرومانية   :
كانت  امور   المستعمرات  الرومانية  تدار  بواسطة  قادة   ينتخبون  مرة  فى  السنة   ويفتخرون  بانهم  قادة  اوائل  ويبدوا  ان  حكام   فيليبى  قد  نظروا  لقضية  بولس  على  انها  قضية خيانة  وهنا  يبرز  السؤال  لماذا  لم  يصح  الرسول  بولس  عن  جنسيته  الرومانية  وخاصة  انه  كان  قد  فعل  ذلك  مرات  عديدة من  قبل   ؟  والجواب  انه  ربما  قد  فعل  ذلك  وتم  تجاهله  او  لم  يسمعه  احد   والملاحظ  ان  صيغة  الجمع  قد  انتهت  فى  هذا  الجزء  من  سفر  الاعمال  مما  يدل  على  ان    القديس  لوقا لم  يتم  القبض  عليه  ولم  يذهب  مع  الرسول  بولس  الى  ابعد  من  ذلك    والسؤال  هو  ما  الذى  حدث  للرسول  بولس    ؟   ونحن  نملك  لمحات  من  اختبارات  الرسول  بولس  فى  رسائله   حيث  يتحدث  عن   كيف  انه  هو  وسيلا  (  بل  بعد  ما  تألمنا  قبلا  وبعى علينا  كما  تعلمون فى  فيليبى جاهرنا  فى  الهنا  ان  نكلمكم  بانجيل  الله  فى  جهاد  كثير  ) 1تس 2:2 .   ولقد  ذكر  لكنيسة   كورنثوس
(ثلث  مرات  ضربت  بالعصى   مرة  رجمت  ثلث  مرات  انكسرت  بى  السفينة) 2كو 11 -25.

الام  بولس  وروحانية  الاستشهاد  :

لقد  شكلت  جهادات  القديس  بولس   وصلواته  المسائية   والزلزال  الذى  هز  حوائط  السجن  وفك  السلاسل   واهتمام  المساجين  بالسجان  ومنعهم  له من  محاولة  الانتحار   وتغير  حياة  السجان  واهل  بيته   نقول  لقد  شكلت كل  هذه  الاحداث  الاساس اللاهوتى  والكتابى  لكل  البطولات  التى  اظهرها  المسيحيون  الاوائل   القديسون  والشهداء    اثناء  الاضطهادات  التى  حلت  على  الكنيسة   ودعونا  نتأمل  فى  اعمال  الرب  فى  قديسيه  فى  الايات  التالية  :
(ونحو نصف  الليل    كان  بولس   وسيلا   يصليان  ويسبحان الله  والمسجونون  يسمعونهما  فحدث   بغتة  زلزلة عظيمة  حتى  تزعزت   اساسات السجن   فانفتحت  فى  الحال  الابواب  كلها وانفكت   قيود  الجميع   ولما  استيقظ  حافظ  السجن  ورأى ابواب السجن  مفتوحة   استل  سيفه وكان  مزمعا ان  يقتل  نفسه ظانا  ان  المسجونين  قد  هربوا  فنادى  بولس   بصوت  عظيم  قائلا لا  تفعل  بنفسك  شيئا  رديا  لان جميعنا  ههنا فطلب  ضؤا وانفع  الى  داخل  وخر  وسجد  لبولس  وسيلا  وهو  مرتعد   ثم  اخرجهما  وقال يا  سيدى  ماذا  ينبغى ان افعل لكى  اخلص   فقالا  امن  بالرب  يسوع  المسيح  فتخلص  انت  واهل  بيتك  وكلماه  وجميع   من  فى  بيته بكلمة  الرب  فأخذهما  فى  تلك  الليلة وغسلهما  من  الجراحات  واعتمد  فى  الحال  هو  والذين  معه  اجمعون  ولما  اصعدهما   الى  بيته   قدم  لهما  مائدة  وتهلل  مع  جميع  اهل  بيته اذ  كان  قد  امن   بالله  )اع  16 : 25 _34 .
ولاشك  ان  المساجين  كانوا  يتهللون  ويترنمون  مع  المرنم  داود   الذى  يعبر  نعبيرا  عميقا  وبليغا  عن  الام  ومعاناة  المسجونين :
(امل  الى  اذنك  فى  يوم  ادعوك  استجب  لى  سريعا  لا  تحجب  وجهك  عنى   فى  يوم  ضيقى الرب  اشرف  من  السماء    ....ليسمع  انين  الاسير    ليطلق بنى  الموت ) مز  102 : 2 و19 و20 .  وايضا  (ليدخل  قدامك  انين  الاسير   كعظمة  ذراعك    استبق  بنى  الموت  ) مز79 :11 .  ونح نجهل  من  هم  باقى  المساجين  الذين  كانو  يسمعون  القديس  بولس  ولكن  الشئ  الاكيد  ان  الرسول  بولس  قد  حول  الزنزانة  الى  كنيسة  !!  وجأت  الاستجابة  الى  الصلوات  على  شكل  زلزال عظيم  زعزع  اساسات  السجن  وحطم  الابواب   وفكك  القيود  ! ولقد كان  اثر ذلك  عظيما  على  السجان  حتى  انه  من  الرعب  على  مصيره  بعد هرب  المساجين  حاول  الانتحار   وكأنما  حاول  ان  يعيد  تقليدا  وثنيا  قديما   وهو انتحار  القادة  امثال كاسيوس  وخادمه     وبروتوس   ومن   المصادفة انهم  قد  انتحروا كلهم  فى  فيليبى  .
  ولكن  الرب  انقذ  السجان  على يد  بولس  فلقد  قبل  هو  واهل  بيته  الرب  يسوع  المسيح    واعتمدوا  بدون  تأخير   وكما  فعلت  ليديا  التى من ثياتيرا    فلقد  دعى  السجان  المبشرين  الى  منزله  وهناك  مثل  السامرى  الصالح على  الطريق  بين  اريحا  واورشليم   ضمد  جراحاتهم  وقدم  لهم  طعاما  . ولقد  ابتجت  الطبيعة  ونفس  السجان    طوال  هذه  الليلة  الخالدة   وكما  ان  الزلزلة   حررت  المساجين  فان  المواجهة  مع  قوة الله  فى وجه  يسوع  المسيح   فتحت  افاقا  جديدة  امام  السجان    وهى  افاق  حياة  الحرية  الحقيقية  فى  المسيح.
وههناك  تقليد  محلى  يقول  بان   معسكر  رومانى    فى  نفس  المكان الذى  تم  فيه  حبس  القديس  بولس    وهذا  المعسكر    يوجد  من  الناحية   الشرقية   للبازيليك   شمال  الطريق  الحديث  الذى  يعبر  انقاض  فيليبى .  وهذا  السجن  يتكون من  قسمين   السجن  الخارجى   والسجن  الداخلى  ( اع  16  : 24  )   والدليل  الذى  يأخذك  لترى  المكان   سوف   يشح  لك  كيف  ان  سلاسل  المساجين  كانت  مربوطة  على  الحائط .
(ولما  صار النهار   ارسل   الولاة  الجلادين    قائلين   اطلق    ذينك  الرجلين  فاخبر  حافظ  السجن  بولس  بهذا  الكلام  ان  الولاة   قد  ارسلوا ان  تطلقا   فاخرجا الان  واذهبا  بسلام فقال   لهم  بولس   ضربونا   جهرا  غير  مقضى  علينا  ونحن   رجلان   رومانيان  والقونا  فى  السجن   افالان   يطردوننا  سرا   كلا   بل   ليأتوا  هم  أنفسهم  ويخرجونا   فاخبر  الجلادين  الولاة    بهذا  الكلام    فاختشوا   لما  سمعوا   انهما  رومانيان   فجاءوا وتضرعوا   اليهما  واخرجوهما   وسالوهما   ان  يخرجا  من   المدينة  فخرجا  من  السجن ودخلا ى عند  ليدية   فابصر الاخوة وعزياهم  ثم  خرجوا )اع  16 :  35  __40  .
ولاشك  ان  هناك  احداث  كثيرة  تمت  فى  هذه  الليلة  ولم  تكتب    فنحن  نرى  المبشرين  يوما   فى  السجن  ويوما  احرار    هل  السبب  فى  ذلك  هو  الزلزلة  التى  حدثت  واثارت  المخاوف  من  غضب  الهى  ؟   هل  لان  القضاة  ادركوا  خطورة  جلد  مواطن  رومانى  بدون  تحقيق  ؟    وهم  بذلك  خالفوا  القوانين  التى  تم  تكليفهم  بتطبيقها  ؟   وهذه   المخالفات  هى   :

اولا  : انهم   حكموا  على  المرسلين  بدون  محاكمة  .

ثانيا  :  انهم  عرضوا  مواطنين  رومان  للاهانة  العلنية  امام  مواطنين  غير  رومان  .
  وبناء  على  ذلك  فقد  طلب  القديس  بولس  ان  تقدم  له  السلطات  الاعتذار  كمواطن  رومانى  .  فلقد  تم  اتهامهم  بالذنب   واهانتهم  علنيا   وهو   يطلب  اعلان  برأئته ورد  اعتباره    علنيا  . وذلك  لان  حقوق  وامتيازات  المواطن  الرومانى   امر  ذو  اهمية  قصوى  وخاصة  اذا  وجد  المواطن  الرومانى  فى   مستعمرة  رومانية   وفوق  ذلك  كله   نجد  ان  القديس  بولس  قد  استغل  هذه  الظروف   احسن  استغلال  للشهادة  ليسوع   المسيح  . وومن  اهم  جوانب  شهادتهم  للمسيح  انهم  اظهروا  خضوعهم  واحترامهم  لقوانين  البلاد ولم  يحاولوا  الهرب   من  السجن    ليلا   ولهذه  الحادثة  اعظم  الاثر  على  روحيات  ومعنويات  القطيع  المسيحى  الصغير  فى  فيليبى  . والتصرف  الاخر  الذى  اظهر  عمق  محبة  الرسل  للسلام   هى  انهم  لما  راؤا  ان  استمرار  وجودهم  فى  المدينة  سيسبب  المزيد  من الاضطرابات  فى  المدينة  الصغيرة   فانهم اى  بولس  وسيلا   قبلوا  نصيحة  القضاة  وغادروا  المدينة   واما  القديسان  لوقا  و تيموثأوس فقد  مكثا  فى  فيليبى    واما  القديس  تيموثأوس  فقد  لحق  بالقديس  بولس  وسيلاس  اذا  لم  يكن  فى  تسالونيكى   فسيكون  فى  بيرية  قبل  ان  يغادر  الرسول  الى  اثينا (اع 17  :  14  )  واما  القديس  لوقا  فقد  لحق  بالرسول  بولس   فى  اثنا  عودته  الى  فيليبى  .

القديس  بولس  يكتب  الى  الفيليبيين   :

لقد  عانى  الرسول  بولس  اثناء  زيارته  الثانية  لافسس   من  الكثير  من  المتاعب والمحاكمات  التى  ادت  الى  السجن   فى  مدينة ديانا  ارتيميس   وكان  ذلك  فى    المدة  من   خريف   عام  54    الى  صيف    57    . ولقد  قام  بزيارة  بولس  فى  سجنه   المعو  ايبافروديتس   وهو  احد   اعضاء  كنيسة  فيليبى   واحضر  له  عطايا  وتقدمات   من  الاصدقاء  فى  مكدونية (فى 4  :18 )   ولقد  مرت  اعوام  كثيرة  منذ  زيارة  ق  بولس  الاولى  الى  فيليبى   ولكنه  ورغم  السنين  لم  يفقد  اتصاله  مع  الكنيسة  التى  تأسست  فى  اليونان  ومن   اكثر  هذه  الجماعات  تعلقا  ببولس  تلك  الجماعة التى  تكونت  بالقرب من  النهر    فالفيليبيين  قد  سمعوا  بكل  تأكيد   عن  عظات  بولس  النارية    ولقد  كانوا  شركاء  فى  بنيان  ملكوت  المسيح   وذلك  بشكل  خاص  جدا    كما  يشهد  بذلك  القديس  بولس  نفسه   :
(وانتم  ايضا  تعلمون  ايها  الفيليبيون  انه  فى  بداءة الانجيل   لكا  خرجت  من  مكدونية  لم  تشاركنى  كنيسة  واحدة  فى  حساب  العطاء  والاخذ  الا  انتم  وحدكم  )  فى  4   :  15  .
وحتى  عندما  غادر  الى  تسالونيكى   فى  محطته  الثانية  بعد ان  غادر فيليبى  فقد  قام  اهل فيليبى  المؤمنين  بارسال الاموال  اليه  اكثر من  مرة (فى 4  :16 ) وحتى  بعد  ان  ترك  مقدونيا  وذهب  الى  اثينا   واخيرا  الى  كورنثوس    لم  تقم  اى  كنيسة  بمساعدثه  فى  نفقات  الخدمة  سوى  كنيسة  فيليبى  .  وحينما  كان  القديس  بولس  فى  كورنثوس  فقد  قبل  بكل  فرح  الهبة  التى  ارسلها  له  الفليبيون (2كو 11  :9 )   مما  جعل  الكورنثيون  يغارون من  اخوتهم   المقدونيين  .
  وحينما  علم  الفيليبيون  بخبر  سجن  ق  بولس   فى  افسس  دفعهم  شعورهم العميق  بجميله  عليهم الى  ان  يقوموا بجمع  عطايا  المؤمنين   ويرسلوا  اليه  المال  مع  ابفرودتس  لكى  يسهر  على  راحته  .  وسفر  الاعمال  لا  يذكر  شيئا عن  سجن  بولس  فى  افسس  ولكننا  نعلم  ذلك   من  كتابات  الرسول  انه  قد  تم  حجزه  فى  دار  الولاية (حتى  ان  وثقى صارت  ظاهرة  فى  المسيح   فى كل  دار  الولاية   وفى  باقى الاماكن  اجمع  )  فى  1  :13 .  ولقد  ذكر  القديس  بولس  فى  رسالته  الى  اهل  كورنثوس  كيف  انه  حارب وحوشا  فى  افسس (1كو  15  : 32  )   ويذكر  لنا  احد  النصوص  القديمة  المنسوبة  للقديس  بولس  باانه قد    غادر  السجن  الافسسى  سرا  ليقوم  بتعميد   اثنين  من  تلاميذه  وهم  ايبولا  وارتيميلا   وقد  تم  طقس   العماد  المقدس  النهر  المجاور  .  ولقد  ذكر  الرحالة  الغربيون   من  منتصف  القرن  السابع  عشر ان  هناك  سجنا   فى  افسس  يسمى (سجن  ق  بولس  ) وهو  عبارة  عن  برج  مراقبة    كان  يشكل جزء من  حائط  المدينة   والذى بناه ليسيماخوس  عام 286  قبل  الميلاد  .

رسائل ق  بولس  الى  الفيليبين :  

ولكى   نتذوق   بركات  خدمة  ق  بولس  فى  فيليبى   لابد  من  فحص  رسائل ق  بولس  الى  الذين  تغيروا  وقبلوا  المسيح  فى  المدينة  المقدونية .  وقد  يستغرب  الدارسون  من  استمالنا  لصيغة  الجمع  (رسائل  )  وذلك  لان  العهد  الجديد   لا  يذكر  الا  رسالة  واحدة  الى  اهل  فيليبى  .  ولكننا  نعتقد  ان  هذه  الرسالة  عبارة  عن  رسالتين   مندمجتين  .   وهذا  الراى  له  سند  فى  كتابات  الابا ء  فالقديس   بوليكربوس  اسقف  سميرنا  وهو  يكتب  الى  اهل  فيليبى   ثمانية  سنوات  فقط  بعد  هذه  الاحداث  يتكلم  عن  (رسائل  )  بولس  الى  اهل  فيليبى (3 :   2  )   ويشير ق  بولس  فى  رسالته  الاولى  الى  الفيليبيين    الى  وصول ابفروديتوس  حاملا  عطايا  المؤمنين   (فى  3  :  2 _ 4     و23 ) ز  وهو  عبارة  عن  خطاب  شكر  (THANK  YOU  LETTER  )   والذى  يبداء برفض  عنيف  لمنهج  المتهودين    ويظهر  التناقض  بين  موقفهم  الحرفى    بثقته  وحريته  فى  المسيح  .  وفى  الختام  يبدى  عرفانه  لما  قدمه  له  شعب  فيليبى من  بركات  ومودات .
ولقد  اصاب  الاعياء  والمرض  ابفرودتس الذى  صار  نافعا  للرسول  بولس ( فى 2  : 25  _  30  )  وقد  وصلت  اخبار  مرضه  الى  فيليبى   ولقد  حزن  المسيحيون  فى  فيليبى حزنا  شديدا .  ولقد  تعافى  ابفرودتس  بشكل  يجعله  قادرا  على  العودة  الى  بلده  وحمل  معه  خطابا  اخر  الى  الفيليبيين (فى  1  :1   _3  :1  )   ويبداء  هذا  الخطاب  بالتعبير  عن  تعلق  نفس  القديس  بولس    باعضاء  الجماعة  المسيحية  فى  فيليبى   والذين  يعتبرهم  اكثر  اصدقائه  اخلاصا  .  وكان  يتعشم  ارسال تيموثأوس اليهم   لكى  يعد  تقريره  على  الطبيعة   عن  الاوضاع  الكنسية  فى  فيليبى   ولكن  اضطر  فى  الوقت  الحاضر  ان  يرسل  اليهم  ابفرودتس   والذى  كان  يمثل  الاخ  لبولس  وهو  ايضا  المرسال  اذلى  سبق  وارسلوه  بالعطايا  ليسهر  على  احتياجات  بولس  .(فى  2   :19  )
 وقصة  هذه  الرسالة  التى  تحوى  رسالتين   قد  تفصل  بينهما  عدة  شهور    وهى  تشكل  اعمق  الدلائل  على  العلاقة  الحميمة  التى  ربطت  بواس  بكنيسة  فيليبى .   ولقد حمل  ابفرودتس  الهدايا  والتقدمات   الصمينة   الى  الرسول  وعاد  بعد  بضعة  شهور  حاملا   اجمل  وافصح  الكلمات  الالهية  التى  خطها  الرسول  بالروح  القدس  .
 زيارة  القديس  بولس  الثانية :
( وبعد  ما  انتهى  الشغب   دعا  بولس  التلاميذ  وودعهم   وخرج  ليذهب  الى  مكدونية  )اع 20  : 1 
هناك  احتمال كبير ان  يكون  الرسول  قد  حقق  فى نفس  العام  اشواقه  التى  عبر  عنها  فى  اعمال  19  والعدد  21   بخصوص  تكرار  الزيارة  للكنيسة   فى  مقدونية .  ولا  نعرف  على  وجه التحديد اى  طريق  سلك  من  افسس ولكن  الاحتمال  الاكبر  انه انه  ذهب عن طريق ترواس   حيث  لم  يكرز  هناك  فى  زيارته الاولى ولكنه  وجد  بابا  مفتوحا   كما  ورد  فى  2كو  2  :12   .   ومن  الواضح  انه قد  انتظر  تيطس  فى  ترواس  والذى  كان  قد  ذهب  فى  مهمة  الى  كورنثوس   ولكن  لان  تيطس  لم  يأت فقد غادر بولس  المدينة  الى  مقدونية  واخذ  طريق  البحر مرة  اخرى  الى  نيابوليس  وبعدها  الى  فيليبى  .  وهناك  لحق  تيطس بالرسول   وهو  يحمل  اخبارا  سارة  من  كورنثوس  (2كو  7  : 6  _16  )   والتى  اجاب  عنها  الرسول  بالرسالة  الى  كورنثوس   والمذكورة  فى 1 _7 ولقد  كتب  القديس     مرة  اخرى  الى  الكورنثيين  وخاصة  بخصوص  استجابتهم  لندائه   لجمع  تبرعات  لكنيسة    اورشليم  .  وهذه  الرسالة   تشكل  الاصحاحين   8   و9   من  الرسالة  الثانية  الى  اهل كورنثوس   والتى  سلمها  الى  كنيسة  كورنثوس    التلميذ  تيطس (الاخ  الذى  مدحه  الانجيل فى جميع  الكنائس ) 2كو 8 _18 .
وبعد  ان  غادر فيليبى  قام  الرسول بزيارة  الى الى كنائس  تسالونيكى  وبيرية   وقد  زار   الليريكوم   والتى  يفسرها  الباحثون  من  خلال   ما  ورد  فى  رسالة  رومية  15  : 19    واستمر  الى  الشمال    ولكننا  لا  نعرف  اى  تفاصيل    ولكن  من  المؤكد  انه  زار  كورنثوس  حيث  مكث  هناك  ثلاث  شهور  .

زيارة  القديس  بولس  الثالثة   :

(ثم  اذ  حصلت  مكيدة من  اليهود  عليه  وهو  مزمع  ان  يصعد  الى  سوريا  صار  راى ان   يرجع    على  طريق مقدونية  فرافقه  الى  اسيا  سوباترس البيرى  ومن  اهل تسالونيكى  ارسترخس  وسكوندس  وغايوس  الدربى وتيموثاوس ) اع  20  : 3  _4
 ونحن  لا  نعرف  شيئا  عن  المكيدة  التى  حدثت  للقديس  بولس  والتى  منعته  من  الابحار  من  كورنثوس  الى  سوريا . ورغم  ان قرار  هذه  الزيارة  قد اخذ  فى  ظروف  اضطرارية  صعبة   الا  ان  قرار  الرسول   زيارة   كنائس  مقدونية  للمرة  الثالثة  قد  مكنته  من ان  يكتشف  الشركاء  المناسبين   الذين  سيصحبونه    الى   اورشليم  . وبلا  شك  فان  كناشس  مقدونية  قد  ساعدت  فى  اختيار  هؤلاء  الرسلين  الى  الكنيسة  الام  لتوصيل  التبرعات  والتى  الح  فى طلبها الرسول  اكثر من  مرة .  وعن  علاقة  كنائس  الامم  بالكنيسة  الام   كتب  احد  العلماء  :
( ان  كنائس  الامم   شعرت  بوحدة  الكنيسة   بادراك   الدين  ال
 ويمكن  الوصول  الى  انقاض  فيليبى  عن  طرق  كفالا  والتى  ربطت  الشرق  بروما  .و كبير  الذى  عليها تجاه  الكنيسة الام   ولقد  اعترفت  الكنيسة  الام  بكنائس  الامم   كبنات  اعزاء   ) من   ميناء نيابوليس   يسير  الطريق غربا خلال مقدونيا   والليريا  الى ديراخيوم  على  البحر  الادرياتيكى .   ومن  ديراخيوم   كان  المسافرون   يبحرون  الى  برنديسى  فى  ايطاليا   ومنها  برا  الى  روما .  ومن  المصادفات  المباركة نجد ان  الطريق  القديم  الى  روما   يجتاز  فيليبى  على  نفس  الطريق  السريع  اليوم  وعلى  المسافر  الذى  يريد تتبع  خطوات  الرسول  بولس   لابد  ان  يزور  السوق   حيث  تم  تقديم  الرسل  للمحاكمة   وهذا  السوق  الذى  يسمى  باليونانية  (الاغورا )  وباللاتينية (الفوروم )   يقع  بين  البازيليكا  والاكروبوليس.  وفى  هذا  المكان  كان  القضاة  يصدرون  احكامهم   ورغم  ان  انقاض  الفوروم تعود  الى  القرن الثانى   الميلادى  الا  ان   الصورة  الحالية  للاغورا   قد  تغير  عن  تلك  الصورة  ايام الرسول .
 زيارة  الرسول بولس الى تسالونيكى    :

(فاجتازا  فى  امفيبوليس  وابولونية  وأتيا الى  تسالونيكى  حيث  كان  مجمع  اليهود  ) اع 17 : 1

الوصول الى  المدينة :

تعتبر  امفيبوليس عاصمة  مقدونية الاولى   وهى تقع فى الاقليم  الشرقى  لنهر  ستريمون  والتى  تتبعها ايضا  فيليبى   وهى تقع  على بعد  ثلاثين  ميلا  فى  الشمال  الغربى من فيليبى   على  بعد  يوم  سفر   وهناك  احتمال ان الرحلة كانت اقصر لان ق بولس وسيلا قد  ذهبا  راكبين الخيول   وهناك  تمثال لاسد  ضخم  معروف باسد امفيبوليس   وتم  انشائه فى  النصف الاول  من القرن الرابع   الميلادى   اتخليدة  ذكرى  انتصار  مجهول لنا  وهذا  الاسد  كان قائما   كعلامة  للمدينة  فى  ايام  القديس بولس   وقد  كشفت  الحفريات    التى تمت فى المدينة عام 1920   عن  اساسات  لكنائس كثيرة   واليوم  تقه  امفيبوليس على  الطريق  بين  تسالونيكى  وكفالا   على بعد   66  ميلا  من  تسالونيكى .
وتوجه  المرسلون  الى  تسالونيكى  العاصمة  لمنطقة  مقدونية  الثانية . ولقد  بنى  المدينة  المدعو  كاساندر والذى  سماها  على  اسم  زوجته   تسالونيكى   وهى  اخت  الاسكندر  الاكبر   ولقد  تم  نفى  الشاعر  شيشيرون  اليها   فى  عام  58   قبل  الميلاد   ولقد  ذهب  اليها  انطونيوس  واوكتافيوس   بعد  الانتصار  الذى  احرزوه  فى  فيليبى .   ولقد  صارت  تسالونيكى  فى  القرن الاول  الميلادى  اكبر  مدينة  من  حيث  عدد  السكان  فى  مقاطعة  مقدونية   وقبل  تأسيس  القسطنطينية   كان  تمثل  من  الناحية  العملية  عاصمة  اليونان   والليريكوم  ومقدونية   ولما  كان  السكان  قد  قاموا  بمساعدة   انطونيوس  واوكتافيوس   فى  حربهم  ضد   كاسيوس  وبروتوس  فقد   تم  مكافاتهم بجعل  تسالونيكى  مدينة حرة   كاثينا   وهذا  معناه  خلوها من  الجنود  الرومان  والسلطة  فى  ايدى  مجلس  من  الشعب  يختار من  بينهم  القضاة . ولما  لم  يكن  يوجد مجامع  لليهود  فى  امفيبوليس  وفى  ابولونيا   فان  بولس  قد  ذهب  فى تسالونيكى الى  المجمع  اليهودى   حيث  قام  بالتبشير لمدة  ثلاث  سبوت .   ونحن  لا  نعرف  على  وجه  الدقة  حجم  الجماعة  اليهودية فى  تسالونيكى  فى  ذلك  الوقت .   ورغم  وجود  تجمع  يهودى كبير فى تسالونيكى  فى  العصور  الحديثة الا  ان  هذا  لا  يعنى   انه  كان  هناك  تجمع  يهودى كبير  فى  المدينة فى  القرن  الاول  الميلادى .   ولقد  استقر  اليهود   فى  ارجاء  الامبراطورية  العثمانية بعد  ان  تم  طردهم من اسبانيا اثناء  حكم   فيرناند  الخامس (1479 _1516 )   وايزابيلا  ( 1474 _ 1504 )    ومن  القرن  السادس عشر كان  هناك  يهود  كثيرون  يعيشون  فى  تسالونيكى    وفى  عام   1699  حينما جاء  بول لوكاس   مبعوث لويس  الرابع  عشر   زار  المدينة  وكان  بها  ثلاثين  الفا من اليهود    واثنين  وعشرين   مجمعا  .   وبعد  مرور  مائتى عام   كان  هناك  خمسة  وثلاثين  الفا   يهودى   واكثر من  خمس  وثلاثين  مجمعا   فى  تسالونيك   ورغم  كل  هذا  الحضور  اليهودى  الكبير  فى  العاصمة  الثانية  لليونان   فاننا  فى  ايام   زيارة  القديس  بولس  للمدينة   لا  نعرف  اكثر من   انه  كان  هناك جماعة  يهودية  وانهم  يمتلكون  مجمعا  واحدا .

البشارة  فى  تسالونيكى  :
(وذهب بولس كعادته اليهم وكان يحاججهم ثلثة سبوت من الكتب.موضحا ومبينا انه كان ينبغي ان المسيح يتألم ويقوم من الأموات. وان هذا هو المسيح يسوع الذي انا انادي لكم به.فاقتنع قوم منهم وانحازوا الى بولس وسيلا ومن اليونانين المتعبدين جمهور كثير ومن النساء المتقدمات عدد ليس بقليل)
جاء القديس بولس مع سيلا الى تسالونيكي وحسب عادته ذهب الى المجمع اليهودي حيث اعتاد ان يستخدم العهد القديم كمصدر للكرازة .وحسب رواية القديس لوقا ان الرسول قد وعظ شارحا اهم ملامح العصر المسياني وبالتحديد ان انبياء العهد القديم قد تكلموا عن المسيا المتألم مز22  اش53 وايضا انه بعد موته سيقوم المسيا وان يسوع المصلوب هو حقا المسيح.  وبالاضافة الى ذلك فنحن من رسائل القديس بولس انه تكلم عن مجد ملكوت المسيح وذلك لآن احد الايهامات التي واجهها المبشرون كانت انهم يبشرون (بملك أخر هو يسوع)اع  17: 7  .  ومن خلال مراسلات الرسول مع الكنيسة التي اسسها حديثا في تسالونكي من الواضح ان رسالة الملكوت احتلت مكانا كبيرا في كرازته.   ولقد زكر القديس بولس التسالونيكين ان قصده الوحيد هو ان يساعدهم ليعيشوا حياة (جديرة بالله) الذي دعاكم لملكوته ومجده  1 تس2: 12  .وبالاضافة الى ذلك اسهب الرسول بالحديث عن المجئ الثاني للمسيح ، ولقد اشار الى ذلك بشكل علني والى كرازته في تسالونيكي عندما عاتب شعبها قائلا(ألا تتذكرون انني حين كنت معكم قد قلت لكم ذلك)2تس2: 5.
ولقد تم اكتشاف عامودا من الرخام منذ بضعة اعوام قبر كنيسة السيدة العذراء في حي كالكين في قلب مدينة تسالونيكي وفوق هذا العامود نقرأ باليونانية النص التالي:
(وكلم  الرب  موسى  قائلا   كلم هارون  وبنيه قائلا   هكذا  تباركون  بنى اسرائيل  قائلين لهم  يباركك الرب ويحرسك  يضئ الرب بوجهه عليك  ويرحمك   يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما   فيجعلون اسمى على بنى اسرائيل وانا اباركهم  )        عدد 6 :22-26          ويمض النص ليذكر الحكيم المعروف ومعلم البلاغة سيريكيوس الذي كان من نيابوليس وهي مدينة سامرية عظيمة في فلسطين . وهذا يقودنا الى الاعتقاد ان هذا العمودكان يتبع مجمعا يهوديا او مجمعا سامريا. ورغما ان هذا العامود يرجع الى القرن الرابع او الخامس الميلادي فانه من الارجح ان  بيت العبادة اليهودي الذي نحن بصدده  كان قد تم بنائه على انقاد مجمع سابق والذي يرجح انه هو المكان الذي كان الرسول (يحاججهم من الكتب) لمدة ثلاث سبوت.   والقارئ الفاحصة  لرسائل بولس الى التسالونيكين ولسفر الاعمال سوف يلاحظ ان هناك فارق كبير بين الرسالة الرسولية الموجهة الى اليهود في تسالونيكي وبي نفس الرسالة المكتوبة لاحقا الى الكنيسة هل هي محض صدفة الن القديس بولس الذي اتكل بشكل كبير على العهد القديم في حواره مع يهود المدينة ومع ذلك يكاد لا يشير من قريب او بعيد الى الاسفار اليهودية في رسالتيه الى كنيسة يسالونيكي...؟ والجواب على ذلك نجده في الدليل الواضح ان معظم المؤمنين الجدد الذين اجتمعوا في كنيسة تسالونيكي لم يكونوا على الاطلاق من اليهود بل من الامم.
ولقد  كرس  القديس بولس ثلاث  اسابيع  للحوار  مع اليهود  ونجح  فى  كسب  بعض  النفوس  للمسيح  .  ولابد  ان  هذه  الاسابيع  الثلاثة  قد  كانت  فى  بداية   اقامته    وقت  ما  كرس  كل  جهده   للخدمة  وسط  اليهود .  وحينما   قرر  بارشاد  الروح  القدس  التوجه  الى  الامم   بدا  يربح  اعدادا كبيرة   للمسيح   ولقد  خاطب   عدد  كبير  من  اليهود   ووصل  الى  القمة فى   ربح  عدد  غير  قليل  من  النساء  اليونانيات  المتقدمات .  وهذه  العمل  الكبير  يفترض  اقامة طويلة   وسط  الامميين  فى  تسالونيكى  .  والدليل  على  هذه  الاقامة  الطويلة   هى  الدالة  التى  تعكسها  كتابات  الرسول  الى  الجماعة  المسيحية   والدليل  الاخر  انه  قد  مارس  مهنته  فى  صناعة  الخيام  اثناء  اقامته  فى  المدينة  (فى  4  : 16  )  ونخلص  الى  ان  ق  بولس  اقام  لمدة  شهور  وليس  مجرد   الثلاث  اسابيع التى  ذكرها  سفر  الاعمال  (اع 17 :2 )

التيارات  المضادة  للكرازة  :

( فغار  اليهود  غير  المؤمنين واتخذوا  رجالا  اشرار من اهل  السوق وتجمعوا   وسجسوا المدينة  وقاموا  على  بيت  ياسون  طالبين ان  يحضروهما   الى  الشعب   ولما  لم  يجدوهما   جروا  ياسون  واناسا من  الاخوة الى  حكام  المدينة   صارخين ان  هؤلاء الذين  فتنوا المسكونة  حضروا  الى  هنا  ايضا  وقد  قبلهم  ياسون  وهؤلاء  كلهم يعملون  ضد احكام قيصر   قائلين   انه يوجد ملك  اخر يسوع فأزعجوا الجمع  وحكام المدينة  اذ سمعوا هذا  فاخذوا كفالة من  ياسون  ومن  الباقين  ثم  اطلقوهم )اع 17  :5 _9 .
لقد  اثار  نجاح  خدمة  الرسول بولس  بين  الامم فى  تسالونيكى  حسد  اليهود  الذين  ربما قد  شعروا  ان  نفوذهم  فى  المدينة  يواجه  خطر التحجيم  او  التهميش  واتبعوا  عادتهم  فى  اثارة  الرعاع والعاطلين عن  العمل كما  فعلوا فى ايكونيا  وليسترة (أع 14 ) وهؤلاء الرعاع  نجدهم  فى  كل  مدينة  وقاموا  بالاعتداء على  بيت  جاسون .  وجاسون على الاغلب هو  يهودى  يونانى  الثقافة من  الذين  لم  يعودوا يتكلمون العبرية   واسمه  الحقيقى هو جوشيا .  ولما  كان  بولس وسيلا  غائبين  فقام  الرعاع بجر  جاسون  وبعض  المسيحيين  الى  القضاء  ويجب  ان  نتذكر  ما  سبق وقلناه  فى  فيليبى من  ان  طرد  اليهود  من   روما  جعل  موقف  المبشرين  موقف  حرج  قد  يصل  الى حد  الاتهام  بالخيانة .  وتظهر خطورة  الاحداث  فى  تسالونيكى  من خلال  كتابات  الرسول  حيث  يتكلم عن (ضيق  كثير  ) 1تس :1_6   وعن  ان  الانجيل  يتقدم (فى  جهاد  كثير)اتس 2_2  ونتيجة  هذا  الضيق  ترك  الرسل  الدينة  الى  بيرية .
وليس  هناك  اتفاق  كامل  بين  الباحثين  عن المكان  الذى كرز  فيه  بولس  فى  تسالونيكى .وحينما  جاء  الرحالة  الانجليزى  ريتشارد بوكوك  فى  القرن  الثامن عشر  وجال  فى  المدينة   قالوا  له  شهود  عيان  بان القديس بولس  قد  وعظ  وبشر فى فى  المكان  الذى وجدت فيه  كنيسة  اثرية اسفل كنيسة القديس ديمتريوس  والتى  فى  ايامه  كانت  قد  تحولت  الى  (اجمل  جامع  فى  المدينة ) وهناك  تقليد  اخر  يرى  ان كنيسة القديس ديمتريوس  قد  بنيت  على انقاض  المجمع  اليهودى  حيث  كان  الرسول  يحاجج اليهود . وبعض  اهالى  المدينة  يرون ان  المكان الذى بشر منه بولس يقع  بالقرب  من  كنيسة  القديس جورجيوس التى تعود للقرن  الخامس   وخاصة ان الشارع  الذى  تقعى فيه الكنيسة  يسمى باسم الرسول  وفى كنيسة  القديسو صوفيا  التى تعود الى القرن الثامن  هناك  حجر  اعتاد الناس الاشارة اليه على  انه  المكان الذى  اعتاد  القديس بولس ان  يلقى  فيه  عظاته . وهناك اشارات  حديثة ترى ان  المنبر  الذى كان يعظ من  فوقه  القديس بولس يوجد نصفه  فى  فناء  كنيسة  سان جورج  بينما  النصف الاخر  يوجد خارج  كنيسة القديس بندليمون .
 وهناك  تقليد  يقول  بانه  حينما جاء  الرسول  من  فيليبى  الى  تسالونيكى  قام  بزيارة منزل  فى اعلى المدينة  وهو منزل جاسون بلا شك   وهذا المنزل  تحول منذ العصور الوسطى الى  دير  فلاطادون  البطريركى  للدراسات الابائية
وتوجد  كنيستان  باسم  القديس بولس فى تسالونيكى   وهى تحفظ  لنا  ذكرى خدمة الرسول فى تسالونيكى   وتقع  الكنيستان  فى  المنطقة  التى  تحمل   اسم  الرسول وقد  اسس   اليونانيون  فى  نهاية  القرن  التاسع  عشر  وفى  نفس  المنطقة  مؤسسة  خيرية  وكنيسة  على  اسم  الرسول  بولس  .وومع  مرور  الوقت   ضاقت  الكنيسة  على  المصلين  وفى  عام  1950 رأى  محافظ  المنطقة    حلما  ظهر  له   الرسول  بولس  وطلب  منه  ان  يبنى  له  كنيسة  وهكذا  تم  بناء  كنيسة  اخرى بجوار  المستشفى  .  وهناك  تقليد  يقول  ان  اسفل  اساسات  الكنيسة  يوجد  الكهف وهناك  تقليد  اخر  يقول ان  الكنيسة  تقوم  على  مكان  المجمع  اليهودى   والبعض  يقول  ان هناك  خارج  اسوار  المدينة  القديمة   قضى  الرسول  ليلته  حينما  غادر  تسالونيكى  .
القديس  بولس  يكتب   للتسالونيكيين  :
لم  يمض  الا  بضعة  اسابيع   حتى  وصلت  الى  كنيسة  تسالونيكى الرسالة الاولى   من  الرسول   وقد  كتب    القديس بولس هذه  الرسالة من  كورنثوس   حيث  عاد   للتبشير  مرة  اخرى  ونستطيع  على  هذا  الاساس  ان  نقول  ان  الرسالة  تعود الى  ربيع  او  صيف    عام   50  .ورغم  تركه  لهم  الا  ان  القديس  بولس  كان  لا  يزال  يفكر   فى  كنائس  تسالونيكى  وفيليبى   وابدى  اعجابه  بالتطورات  التى  حدثت  وسط  الاخوة  الذين  تركهم  خلفه    واهتمامه  الاساسى  كان  نمو  الكنيسة  واستمرار  خدمتها.
  ونلاحظ  ان   تيموثاوس الذى  تركه   القديس  بولس  فى  بيرية  وسافر  معه  الى  اثينا   وبدلا  من  ان   يأخذ  تيموثاوس  معه  لاحتياجه  اليه  الا  انه  من    كثرة  انشغاله على  كنائس مقدونية    ارسل   تيموثاوس   الى   تسالونيكى    ولهذا  فقد ترك  تيموثاوس  القديس  بولس  فى  اثينا   وعاد    الى  الشمال   لكى  يقوى  الكنائس  فى  جهادها  (1تس   3   :1_2  )
 ولقد   كتب   الرسول  رسالته  الاولى  الى  التسالونيكيين لكى  يعبر  عن  سعادته   على  الاخبار  السارة  التى  حملها  له  تيموثاوس حينما  عاد  الى  الرسول  فى  كورنثوس  (1تس   3  :6  )  ولقد  تشجع  الرسول  بالاخبار    وعبر  عن  عرفانه لهذه  الاخبار  السارة  باملاء  خطاب    على   واحد  من  كتبة  رسائل  القديس   بولس    وهذا   يجعلنا  نقول  ان  الرسول  بولس   لم  يكتب   رسائله  بيده  (رو16  :22  و2تس   3  :  17  )  ولكن  هذا  لا  يعنى  ان  كل  ما  راه  تيموثاوس   فى  فى  تسالونيكى  كان  يبعث   على  الفرح    فلقد  كان  هناك  من  يوجه  انتقادات  واتهامات   ضد  القديس  بولس  الذى  اضطر  ان  يدافع  عن  نفسه ضد  هذه  الاتهامات  الباطلة  .وولقد  وصلت   الى  بولس  اخبار  عن  معاناة   المتحولين  الجدد  للايمان  على  يد  اصقائهم  القدامى  ولهذا  ذكرهم  الرسول  بشكة  الالام  التى  تجمعهم  بكنائس  اليهودية  (1تس   2   :  14  )  وفى  علاقة  القديس  بولس  باهل  تسالونيكى  يقوم  بدور  الراعى  الصالح الذى  يهتم   بعمق  بالنمو    الروحى   والفكرى    للقطيع  وهذا  يظهر  من  اهتمامه  بتفاصيل  حياتهم  الخاصة  وسلكهم  النقى  وحياتهم  العائلية   (  1تس 4  : 3 _8 )  وكما  كان   المسيحيون   يتوقعون  المجئ  السريع  للرب هكذا   كان   التسالونيكيون   يتوقعون  مجئ  الرب  سريعا  وهنا   طمأنهم  الرسول  بولس   بأن  لا  احد  يعرف  اليوم  ولا  الساعة   ولا  ميعاد  مجئ  الرب  لانه  سيأتى  كلص (1  تس  5   : 2  ).
ولعل   التسالونيكيين  الذين   استلموا  رسالة  القديس  بولس  لم  يكونوا  يعلمون  انهم   يمسكون  فى  ايديهم  اول  نص  من  نصوص  العهد  الجديد   ولقد  كتب  القديس  بولس  رسالته  الاولى  الى  اهل  تسالونيكى بعد  قيامة  الرب  بعشرين  عاما   وهى  اقدم  نص  من  نصوص  العهد  الجديد    وهى  تلقى  الضوء  على  علاقة  الرسول  بالمؤمنين  الجدد  الذين  تحولوا  للايمان  بالمسيح  على  يديه  فانه  اعتبرهم  اصدقاء  واخوة     ولكن   اصدقاء واخوة  فى  المسيح  . 
ولم  تمضى   بضعة  اسابيع   او  بضعة  شهور   على   كتابة  القديس  بولس  رسالته  الاولى  الى التسالونيكيين    وبينما  كان   الرسول   يقود   ببالتبشير  والوعظ  فى   كورنثوس   حيث   تأسست   الكنيسة  حديثا  حتى  جأته  اخبار  عن  ان  بعض   الاخوة   التسالونيكيين   يشتاقون  بقوة   ويتوقعون   بأمل  كبير  عودة  المسيح  له  المجد   حتى  انهم   تووقفوا  عن  العمل  وكرسوا  جل  وقتهم   للتأمل والعبادة   ولقد   سبب  هذا  السلوك   عثرة   ليست  بقليلة  وسط  الجماعة وذلك  لان  الاخوة  هؤلاء  رفضوا  العمل  واضطرت  الكنيسة   لدعمهم   ماديا  ! ونحن   نعلم  ان  هذا   التيار  كان  موجودا  من  قبل  وذلك من  خلال  الرسالة  الاولى  الى   اهل  تسالونيكى  .  ولكن  فى  الرسالة الثانية  ذهب  الرسول   فى  حججه  عن   موضوع  المجئ  الثانى  الى  محاولة  اقناع   القراء  بأن  زمام   المجئ   لم  يأت  بعد  مادام  لم  يظهر  بعد   (ضد  المسيح   )ودعا   المضربون  عن  العمل  الى  العودة  الى اعمالهم   وكرر  لهم  ما  سبق  وقاله  وهو  بينهم    ( فاننا  ايضا  حين  كنا  بينكم  اوصيناكم   بهذا  انه  ان  كان  احد   لا  يريد   ان  يشتغل  فلا  يأكل  ايضا   )  2تس    3  :10  ولقد   اضاف   الرسول  لتتحية  الاخيرة  فى  هذه   الرسالة  بيده  شخصيا  .
وربما   الذى  يجعل   هذه   الرسائل  عسرة  على  الفهم  هو  انها  لا  تعلم  تعليما  عاما  بل  تعالج  مواقف  خاصة   ولذا  يجب   على   القارئ  او   الواعظ  ان  يعيد  ترتيب   الظروف  التى  ادت  الى  هذه  الرسائل  حتى  ياخذ   اكبر  بركة  من   حكمة  هذه  الكتابات .

الذهاب  الى  بيرية :

( واما  الاخوة فللوقت   ارسلوا  بولس   وسيلا    ليلا    الى  بيرية  وهما  لما  وصلا مضيا  الى  مجمع   اليهود   وكان  هؤلاء  اشرف  من  الذين فى  تسالونيكى   فقبلوا  الكلمة  بكل  نشاط  فاحصين   الكتب   كل  يوم هل  هذه  الامور  هكذا   فأمن   منهم    كثيرون  ومن  النساء   اليونانيات   الشريفات   ومن  الرجال    عدد  ليس  بقليل  فلم   علم  اليهود   الذين  من  تسالونيكى   انه   فى  بيرية  ايضا  نادى  بولس   بكلمة  الله جاْوا  يهيجون   الجموع   هناك  ايضا  فحينئذ ارسل  الاخوة  بولس  للوقت ليذهب  كما    الى  البحر   واما    سيلا  وتيموثاوس   فبقيا  هناك     )  اع  17  : 10  _14  .
ونحن  لا  نعرف  تفاصيل  عن  هذا  الطريق  الذى  هرب  منه  بولس  وسيلا   ليلا   وربما  اخذوا  طريق   قوس  اوغسطوس   والبوابة  الغربية   ثم  استمروا  على  طريق  اغناطيا  ولو  كانوا  قد  اخذوا  هذا  الطريق   فبالتأكيد  قد  وصلوا بيرية  التى  تبعد   50   ميلا  عن  تسالونيكى  فى  ثلاثة  ايام  . وهذه  الدينة  بيرية    تقع  على الجانب   الشرقى  من  جبل  فرميون   تطل  على  الوادى  الذى  ترويه   مياه  انهار  هاليلكمون   واكسيوس  .   وولقد   جعل  الرومان  من  بيرية   بعد  هزيمتهم  مقدونيا  فى  عام  168   قبل  الميلاد   عاصمة   احد   الجمهوريات  الاربعة التى  ال  اليها  تقسيم  المملكة  ولقد  سكن  فى  بيرية  نوعيات  كثيرة  من  السكان    فهناك   السكان  المقدونيين   وكان  يوجد  رومان  ويهود .
وكعادة  الرسول  بولس   فى  رحلاته  التبشيرية  ذهب  بمجرد  وصوله  الى  المدينة    مبائرة  الى  مجمع  اليهود    وولقد  عبر  عن  دهشته  وسعادته  حينما  رأى ان  يهود  بيرية  (أِشرف  )  من  الذين   قابلهم  فى  تسالونيكى   فلقد  كانوا  اوسع  وكانوا اكثر  استعدادا  لقبول   الحقائق  التى  يبشر  بها  بولس   على  ان  تكون  مؤيدة  من  الاسفار  المقدسة  (يقصدوا  العهد  القديم  )  وقاموا  بانفسهم  بفحص   الكتب   ليقفوا  على  الحقيقة  بأنفسهم  وليروا   مدى  تطابق   حجج   وبراهين   الرسول  مع  نصوص   نبوات  العهد   القديم   .
وكما  حدث   فى  تسالونيكى   نجد  ان  هناك  الكثير من  غير  اليهود   قد  انجذبوا الى   كرازة   بولس   فالى  جانب  اليهود  الذين  قبلوا  الايمان  الجديد   كان  هناك  عدد    (ليس  بقليل  )  من  النساء   اليونانيات  الارستقراط  وكلك  الرجال  الشرفاء  الذين  اعتنقوا  الايمان  المسيحى   وصاروا   مسيحيين  .
ونحن  لا  نعرف   على  وجه  الدقة  كم  من  الزمن  امضى  الرسول  بولس  فى  بيرية.  ولكن  الاشارة  الى  البحث  الذى  كان  يقوم  به  اليهود  كل  يوم  فى  الاسفار  المقدسة  يعطى  الاحساس  انه  قد  مكث   هناك   عدة  ايام  .وهناك  اشارة  فى  الرسالة  الاولى  الى التسالونيكيين (1تس 2  : 18 ) يتمنى   القديس  بولس  ان يعود   الى  رؤية  اخوته  فى  تسالونيكى  مرة  اخرى    وهذا  يوحى  انه  كان  قريبا  من   المدينة    ومن  ناحية  اخرى   فان   يهود  تسالونيكى  لم  يترددوا  فى  الذهاب  الى بيرية  حينما  سمعوا  عن  نجاح   بولس  فى  تبشير  اخوتهم يهود  بيرية  وفى  النهاية  اضطر  بولس  ان   يغادر  بيرية   ولكنه  ترك   هناك  سيلاس  وتيموثاوس  ليقووا  ايمان  المتحولين  الجدد  وليقوموا بتنظيم  شئون  الكنيسة  الناشئة .
ولقد    اصطحب    الكثير  من   المتحولين  للايمان  الرسول  بولس  الى  الميناء   حيث  اخذ   السفينة  الى  اثينا  وربما  يكون  الرسول  قد  ابحر   من  ديوم  وهى  مستعمرة  رومانية  فى ذلك  الوقت   تعرف   بمقاطعة  جوليا  دينسيس   ويقول  احد  الباحثين  بأن   الرسول  قد  عبر  بمدينة  ديوم    كأخر  مدينة  فى  رحلته  كما  كانت    فيليبى  اول  مدينة  .
وهناك   اضافة فى  احد  المخطوطات  القدية  لنص   سفر  اعمال  الرسل  تقول   ان  الرسول   قد  سافر  الى  اثينا  عن  طريق  البر    مع  انه  (  تجاهل   سيسالى   لانه  منع  (بضم   الميم  )  من  الكرازة  بالكلمة  هناك   )  اع  17  : 15   . ويحكى   عالم  الاثار  الانجليزى  ويليام   لييك انه  فى  القرن  التاسع   عشر  قد   عبر    فى  جبل   سربيا    قرب   بيرية   وان  اسقف  الدينة  قد  اخبره    وأكد  له  ان  الرسول  بولس  قد  مر    على  مدينة  سربيا   وهو   فى  طريقه  من   بيرية  الى    اثينا    واليوم   للاسف   لا  يتذكر   الاكليروس   ولا  الشعب  فى  المدينة  هذا  التقليد .
  ولقد   كرم  اهل  بيرية  مرور  الرسول  فى  بلدهم   باقامة    صورة  تذكارية  ضخمة  بالموزاييك  ويقع  هذه  اللوحة  الضخمة  فى  الجانب  الشما  الشرقى  من  المدينة  على  المؤدى  الى  كوزانيس    ولان   هناك  ثقليد   محلى  يقول  ان  الرسول  كان  يقوم بالوعظ  من  هذا  المكان  .  وطبقا  لشهادات   سكان  مدينة  بيرية    فان  اول   المتحولين  الى  الايمان  الجديد  كان سبوتير  ابن  بيريوس   ولقد  ذكره   القديس  لوقا   بينما  كان  يتكلم  عن  رحلة  الرسول  بولس  التبشيرية  الثالثة   (اع   20    :  4  )  ويشير   سنكسار   الكنيسة  اليونانية  الارثوذكسية   الى  ان  كاربوس   احد  السبعين  رسولا  هو  اول  اسقف   على  مدينة  بيرية  .  وهناك  فى  المدينة  حوالى  37    كنيسة  بيزنطية   قديمة   ويوجد  فى  داخل  الكثير  منها  ايقونات  وفريسكات  جديرة  بالرؤية  .

منطقة  أخا ئية :   الوصول  الى  اثينا

(والذين   صاحبوا  بولس  جاءوا  به  الى  اثينا  ولما  اخذوا   وصية  الى  سيلا  وتيموثأوس   ان  يأتيا بأسرع  ما  يمكن  مضوا  وبينما  بولس  ينتظرهما  فى  اثينا  احتدت  روحه  فيه  اذ   رأى  المدينة  مملوة اصناما  ) اع 17  :  15  _16 .
وبعد  ان  جازت  جزيرة ايوبيا   وصلت  السفينة   الى   اقسى  شمال  منطقة  الاتيكى   وهى  تعرف   بمنطقة  العمدان  نسبة  الى  العمدان  اليضاء   التى  كانت  تشكل  معبد   بوسيدون    ومازالت  تشكل  علامة  مميزة  لكل  البحارة  المارين بالمنطقة وبعد  ان    ابحر  حول   خليج  صونيون   وصل  اولا  الى  جزيرة   ايجينا  وبعدها  الى  سلامينا    ومن  هناك  التقت  عيناه  بجبال   الهيميتوس  القريبة  من  الشاطئ  . وحينما  اقترب  من  ميناء  بيرية  لابد  انه رأى  الليكافيتوس  والكروبول    وسيكون  قد  بحث  مع  البحارة  عن  النقطة  البارزة   لتمثال   اثينا   بروماخوس  وهو  يرتفع  على  قمة  الاكروبول .  وهذا  المنظر  هو  اول  ما  يراه  القادم  الى  اثينا .
وهناك  ثقليد  حديث     يرى  ان  الرسول  نزل  فى  منطقة  جليفادا  بجانب  مطعم  انطونوبولوس  الشهير  حاليا توجد  اثار  كنيسة  باسيليكا  .  وهناك  تليد  اخر  يرى  انه  نزل  فى  منطقة  فاليروا  ويقال  ان  المعبد  الذى  التقى  فيه  تمثال  الاله  المجهول وهو  فى  طريقه  الى اثينا  يقع  فى  بجوار  كنيسة القديسين   ثيودورى  بجوار  ملاعب  الفريق  اليونانى  بنيونيوس  ومما  لاشك  فيه  ان  سفينته قد وصلت  الى ميناء   بيرية الذى  يعد  من  ايام  الرسل  من  اهم موانى  اليونان واكثرها  ازدحاما   وانه  قد   عبر  فى  الطريق  الذى  سلكه الرحالة اليونانى   المشهور  بوسانياس   فى  القرن  الثانى  قبل  الميلاد.
 ويوجد   نصا  رائعا  فى  (حياة ابولونوس  من  تيرانا  )   والذى  كتبها  فيلوستراتوس  وهذا  النص  يناسب  تماما  وصول  القديس  بولس  الى  اثينا  :
(  حينما  وصل  الى  ميناء بيرية   سار  من  الميناء  الى  المدينة    وفى  الطريق   التفى  الكثير  من  الفلاسفة  وفى  حواراته  الاولى  معهم  اكثشف  ان  الاثينيين   متدينون   كثيرا  على  الرغم  من  ان  المدينة  عامرة  بالمعابد  للاله  المجهول !!! ) وقد  اعتبرها   المؤرخون  للقديس  بولس  انها  فقرة  مناسبة  جدا  لندخل بها  مع  بولس  الى  اثينا  ولعل  هذه  العبارة   تمثل  افضل  واوضح   ملخص   للاصحاح  السابع  عشر  من  سفر  الاعمال    لان  المدينة  التى  سبق  وزارها  ابولونوس  هى  هى  المدينة  التى  زارها  الرسول  بولس  .
  ولقد  احتفظت  مدينة  بيرية   وهى  تحت  الحكم الرومانى  باثار  التحسينات والترميمات  التى  قام  بها   ثيموستوكليوس  لكى  يجعل  الميناء  واجهة   اثينا  القوية    ولكن  مع  مرور  الزمن  سقطت  هذه  الحصون  واندثرت    واختفى  الحائط  الضخم  الذى  كان  يربط  بيرية  باثينا   فى  العصور  الكلاسيكية  لليونان  .واذا  اعتبرنا  ان الرسول  بولس قد   سلك  نفس  الطريق  الذى  سبق  وسلكه  الرحالة  اليونانى  بوسودونوس  قبل  الميلاد  فلابد  انه  دخل  اتجه  من  ميناء  بيرية  نحو  الشمال  لكى  يدخل  اثينا  عن  طريق  (البوابة  ذات  البابين  )   وهى  على   المجخل  الغربى  للمدينة  حيث   تتقاطع  طرق  بيرية  وكورنثوس  والاكاديمية  .  ولابد  امن  الرسول  قبل  ان  يدخل  من  باب  المدينة  قد  رأى   المقابر  المدينة   حيث  توجد  اجساد   مواطنين  اثينيين  عظماء   ومن  اشهرهم  ميناندروس   ابن  ديوبيديس   ولانها  كانت  عادة  قديمة  عند  الاثينيين  ان  يدفنوا  الموتى    خارج  حوائط  المدينة   وبمحازاة  الطرق  الرئسية  السريعة .   وتشتهر  المنطقة  بالحجارة  الحمراء    ونستطيع  عن  طريق  الاستعانة  بالرحالة  بوسونياس  ان   نتعرف  على  الاماكن  التى  راها  القديس  بولس   فلقد  عبر  على  معبد  ديمترا   وراى  تمثال  الالهة   ابتها   وهى  من  اعمال  الفنان  براكسيتيلوس    ولابد  ايضا  انه  رأىىتمثال  الالهة  اثيناس  الشافية   وتمثال  زفس   وابولون  وهرميس  وهذه  التماثيل  قائمة  قرب  معبد  ديونيسيوس  .
 ونحن  نرى  ان  القديس  بولس  لم  يذهب  الى  اثينا  الا  مرة واحدة  وهى  من  الاهمية  بمكان  حتى ان  القديس  لوقا  وصفها  بالتفصيل .  ولقد   اختفى  بهاء  المدينة  القديم   واثينا  الق\يمة  لم  تكن  تماثل  اثينا الحديثة  المزدحمة  بالناس  والاعمال  بل  كانت  مدينة  جامعية  ومتحف  فنى  رائع  .  وهذا  الوضع  الراقى  اجبر  الرومان  على  احترام  المدينة  بسبب  ماضيها  العريق  مع  ان الحكام الرومان   قد  اعملوا  معول الهدم  فى  كافة  انحاء  اليونان   ومع  ذلك  فد   كان  بالمدينة  اثار  فخمة  تعكس  ماضى  مجيد  وعتيد  وصفها الرحالة بوسانياس  .  ومن  الواضح  ان  الرسول  وهو  ينتظر  سيلا  وتيموثاوس    الذى  كان  مزمعان ان  يلحقا به باقصى  سرعة  قد  قام  بجولة  فى  المدينة  كما  كان  سيفعل  اى  سائح  اليوم    ولكن  وان  اهملنا  سياح  كثيرين  الا  ان  سياحة  الرسول  بولس  من  السياحات  الروحية  التى  تركت  بصماتها  على  تاريخ  المسيحية  والتى  لا  يمكن  لمؤرخ  منصف  ان  يتجاهلها  ولعل  زاوية  الرؤية  تختلف  بين  سائح  معاصر  يجول  فى  اثينا  وبولس  الرسول  حيث  نظرة  السائح  المعاصر  نظرة  ثقافية  محضة  بينما  بولس  الرسول  فحص  اثينا  فحصا  لاهوتيا  فالسائح  المعاصر  يعرف  الكثير  عن  الديانات  الهوميرية   وويكثشف  جمال  العصور  اليونانية الكلاسيكية   بينما  ذاك  اليهودى   بولس  كان  يبدوا  له  الصراع  بين   اثينا  وبوسودونوس  على  امتلاك  المدينة  قمة  التجديف   والالحاد  .  وربما  لا  يةافق  القديس  بولس  بعض  اباء  الكنيسة  فيما بعد  الذين  راؤا فى مدينة  اثينا  (بقايا الفردوس  ) .
ولابد  ان  الرسول  قد  زار   الممر  الملوكى  وومعبد   ام  الالهة  وتمثالها    وهو  ما  اعمال  فيدياس   وزار  ايضا  مجلس  الشورى  وهو  الاجتماع  الديمقراطى  الذى كان  عدد  اضائه  500  عضو   وحينما  عبر  فى  (الاغورا )  فقد  عبر  على  مسرح  اثينا  القومى   ولقد  اقام  الاثينيون  تمثالا  لالهة  (التقوى )   وسط  اشجار  الزيتون    ويكتب   بوسينياس    ان  ( الاثينيين   لم  يمتازوا  فقط  بالنظرة  الانسانية  للامور  (الهيومانيسم)  ولكنهم  ايضا  اتقياء  جدا    فقد  اقاموا  تماثيل  لاله  الشجاعة  والشهرة  والقوة  الروحية   ) ولقد  انتصب  بجوار  الاغورا   وفى  وسط  ملعب  بطليموس  تمثال  ضخم    للاله  هرميس   وتمثال  من  البرونز    لبطليموس  .   وفى  اى  اتجاه  كان  القديس  بولس  يدير  وجهه  كان  يرى  تماثيل  ضخمة    ومعابد  ومذابح    وكان  هناك  معبد  لاولاد  زفس    وصيرابيون اصفل المدينة .  ومعبد  زفس  الاولمبى   جنوب  شرق   الاكروبول    ومعبد  ديونيسيوس   اسفل  اكروبول .  ومعابد  اخرى  كثيرة  .
ونحن  نعتقد  ان  الرسول  قد زار الاكروبول  مرة  واحدة  ودخل من البوابة الرئيسية  وتعد  من  اروع  اثار  اليونان  القديمة   وقد  مر  امام  تمثالين  كبيرين    لهيبارخوس  على جانبى  الطريق  وعلى  الجانب  اليمين   وعلى  الجناح  الغربى لمعبد الاكروبول  رأى  معبد  الالهة  اثيناس  المنتصرة  والذى  يسمى  الانتصار  الطائر بدون اجنحة ولاشك  انه  ادار  وجهه نحو البحر فراى السفنالضخمة التى تحمل القمح  م ارض  مصر من  ميناء  الاسكندرية الشهير .وبالتاكيد زار  اقدم واشهر  معبد  فى  اليةدونان   وهو البارثينون     ودار  ببصره  ليرى    اكثر  التماثيل  تكريما    للالهة  اثيناس    والتى مثلها  مثل  الالهة  ديانا  الافسسية   كان  اليونانيون  يؤمنون انه  لم  يبنى بيد  بشر  بل  نزل  من  السماء ( فلما عرفوا انه يهودى  صار  صوت  واحد  من الجميع  صارخين  نحو مدة ساعتين   عظيمة  هى  ارطاميس  الافسسيين )  اع  19  : 35 .
  وفى النهاية  كان هناك  اعظم  تمثال     للاكروبول   وكان  مرئيا  من   بيرية  .
  وهناك  تقليد  قديم  يرى  ان اثينا   كان  بها  الهة  اكثر من  البشر  !!  فمن  اى  مكان  ينظر  الانسان  يرى  تملثيل  لالهة  وانصلف الهة   ووسط  هذا  كله  يرى الرسول  بولس  مذبحا  مكرسا  (للاله  المجهول )  وهذا  النص  هو  الوحيد  الذى  يتكلم  عن  اله  بصيغة المفرد   بينما  عندنا  نصوص  كثيرة  بصيغة الجمع 
  ويرى  ايكومينيوس   المفسر  اليونانى  لسفر  اعمال  الرسل    بان   النص  الكامل  للوحة  الاله  المجهول  هى  ( الى  الهة  اسيا   واوربا  وليبيا  ....الى  الالهة الاجانب  والمجهولين  )   ويذكر   العلامة  ترتليانوس  فى  دفاعه    الالهة  المجهولة   فى  صيغة  الجمع   والفكرة  من  وراء  هذا  التعبير  (الالهة  المجهولة  )  يضمن    عدم  نسيان  احد  من  الالهة  اثناء   العبادة  الوصنية   ونلاحظ   ان  هناك   فى  الكثير  من  الكنائس   الميحية  الغربية  وفى  الاول  من  شهر  نوفمبر  عيد  يسمى  (عيد  جميع  القديسين  )  وهذا  العيد   يذكر  كل  القديسين  والشهداء  الذين  لم  تذكر اسمائهم  فى   النصوص  الليتورجية  !
وعلى  اى  حال  فلقد  اصاب  الرسول  بولس   لون  من  الهلع  والحزن   بهذا ىالكم  من  الاوثان   والسبب   الاولى  لهذا  الهلع  هو  انه  بولس  تربى  فى  بيئة  يهودية  محافظة  تدرك  معنى  الاية  القائلة  ( لا   يكن  لك   الهة  اخرى  امامى     لا  تصنع  لك  تمثالا  منحوتا  ولا  صورة  ما  مما  فى  السماء  من  فوق  وما  فى  الارض ومن  تحث  الارض  وما  فى  الماء من  تحت  )  خر   20  : 3_4 .

الكرازة  فى   اثينا   :

(وبينما  بولس  ينتظرهما  فى  اثينا  احتدت  روحه  فيه اذ  رأى  المدينة  مملوة  اصناما  فكان  يعلم  فى  المجمع  اليهود  المتعبدين  والذين   يصادفونه  فى  السوق  كل  يوم  فقابله  قوم  من  الفلاسفة   الابيكوريين والرواقيين  وقال   بعض   ترى  ماذا  يريد   هذا  المهذار  ان  يقول   وبعض  انه   يظهر  مناديا بالهة غريبة  لانه  كان   يبشرهم  بيسوع  والقيامة   فاخذوه  وذهبوا  به  الى  اريوس  باغوس    قائلين هل  يمكننا  من  معرفة  هذا  التعليم  الجديد  الذى  تتكلم  به   لانك  تأنى  الى  مسامعنا  بامور  غريبة   فنريد  ان  نعلم   ما  عسى  ان  تكون  هذه  أما  الاثينيون اجمعون  والغرباء   المستوطنون فلا  يتفرغون   لشئ  اخر    الا   لان يتكلموا   او  يسمعوا  شيئا  جديدا  )  اع  17  : 16  _  21  .
 للاسف   ليس  لدينا  اى  اكتشافات  اثرية  تدلنا  على  مكان  مجمع  اليهود    الذى  توجه  الرسول  بولس   والاكثشاف   الوحيد  الذى   يمت   لليهود  بصلة  هو مصباح  بسبعة  فروع   ورغم  ان  اثينا  ايام  وصول   الرسول  بولس   لم  تعد  تحتل  المركز  الاول  فى  الفكر  الفلسفى   كما  كانت  فى  العصر  الكلاسيكى الا  ان  ها  لا  يمنع   الفلسفة  مازالت  تحتل  مكانة  فلسفية  كبيرة  فى  مدينة  سقراط   وكانت  ما  تزال  الدارس   الكبرى   والاكاديمية    والليكيوم   مزدهرة  كما  فى  الماضى  العريق   وكان   الاغورا  ما  يزال  يمثل  منطقة  تجمع  الاثينيين  للحوار  فى  شئونهم  اليومية  (  الاغورا  ولقد  وقف  يوما  الفيلسوف  اليونانى  ديموستينوس  ووجه  اللوم  للاثينيين  لاعتيادهم  الكلام  الكثير  البطال  ووبخهم  انهم  دائما  يتكلمون  فى  الاخبار الجديدة  والمثيرة  حينما  كان  يظهر  خطر  يهدد    بلدهم   ودستور  بلادهم   !    ولم  يتغير  الاثينيون  حتى  فى  ايام  القديس  بولس   فقد  كانوا  ( يقضون   وقتهم  فى   البحث  عن  شئ  جديد  )  ولقد  كان  للفلاسفة  الابيقوريين  مدرستهم    فى  رواق  الرواقيين  فى  داخل  الاغورا  وبجانبها  مدرسة الفلاسفة الابيقوريين     ولم  تكن  الفلسقة  الرواقية  غريبة  على  مسامع  الرسول  بولس    وذلك  لان  فى  مدينته  الام  طرسوس  كان  يعيش  الكثير  من  الفلاسفة  الرواقيين  مثا  انتيباتير  الطرسوسى  وزينو  الطرسوسى  وكريسيبوس  والذى كان  من  مواليد  طرسوس  .
  ولقد  ظن  الذين  استمعوا  الى  كرازة  بولس    ان  الرسول  يبشر  بالهين    يسوع   واناستاسيس     اى  الاله  يسوع  والالهة  اناستاسيا   ولان  المستمعين  وثنيون فلقد  فهموا  ان  يسوع  والاناستاسيس  هما  الهين  الواحد  مذكر  وهو  يسوع  والاخر  مؤنث  وهو  اناستاسيا    ولقد  اطلقوا  على  الرسول  تعبير  (سبيرمولوغوس  )  اى  الذى  يبذر  التعاليم  الجديدة  كالبذار وهو  تعبير  شعبى  يطلق  على على   المتشردين  الذين  يسيرون  فى  الاسواق  بدون  هدف  يبحثون  عن  كل شئ  او  عن  لا  شئ  ويقولون  ويتكلمون فى كل شئ   ولاشك  ان  هذا  الوصف  لبولس  اطلقه  الفلاسفة  الابيقوريون  على  القديس  بولس   بينما  البعض   الاخر من  الناس  اهتم  بسماع  ما  يقوله  الرسول  عن   الامور  الجديدة  للعبادة  الجديدة   وابدوا  رغبة  فى  ان  يسمعوا  المزيد    بينما   نرى  ان  الرواقيين    المتسحامين  والاحرار  فى  الفكر   قد    ارادوا  ان  يتعلموا  اكثر  وهكذا  اخذوا  الرسول  بولس  الى  الاريوس  باغوس   .
  وحسب   شهادة     اسخيليوس  فان    البرلمان  القائم  فى  الاريوس  باغوس   قد   اسسته  الالهة   أثينا   بنفسها     وقد  سمى  على  اسم  اريس  اله  الحرب    حيث  كان  يعقد  اجتماعاته   وهناك  تفسير  اخر  لاصل اسم  الاريوس  باغوس   وهو  انه  من  الاسم  ( اراى  )  اى  اللعنة  او  سوء  الطالع   وذلك  لانه  حسب   التقليد  فان  اول  محاكمة تمت  فى  هذا  المكان  كانت  محاكمة  اورست  والذى  كان  مطاردا   . 
وفى  ايام  الرسول  بولس  كان  الاريوس  باغوس   يقوم  بفحص   كل  المسائل   المتعلقة  بالحياة  الدينية  فى  المدينة   ولهذا  السبب  تم  استدعاء  القديس  بولس  ليمثل  امام  هيئة  الاريوس  باغوس  .
  ولكن  نلاحظ  انه  لم  تكن  هناك  اى  تهمة  موجهة  للرسول  بولس  ولم  يتعدى   القديس  بولس  اى  قوانين  لكى  يمثل امام البرلمان او  الاريوس  باغوس  . والامر  لم  يتعدى ان  البرلمان  سمع  عن ان  بولس  يكرز بعقائد  جديدة   فاراد  ان  يلحق  الاحداث  ويتعرف  على  شخص  بولس   والذى  سوف   يقوله  القديس  بولس  اما  الاريوس  باغوس يعد  من  اشهر  واقوى  نصوص  العهد  الجديد   .
بولس   فى  الاريوس  باغوس
 وقف  بولس  وهو  متصب  القوام  وسط  الاريوس  باغوس  الشهير  وقال   بصوت  جهورى  (  ايها  الرجال  الاثينيون   اراكم من  كل  وجه  كانكم  متدينون كثيرا  لاننى  بينما   كنت  اجتاز  وانظر  الى  معبوداتكم   وجدت  ايضا  مذبحا   مكتوبا  عليه  لاله  مجهول   فالذى  تتقونه وانتم  تجهلونه  هذا  انادى  لكم  به  الاله  الذى  خلق  العالم   وكل  ما فيه  هذا  هو  رب  السماء  والارض    لا  يسكن   فى  هياكل   مصنوعة  بالايادى   ولا  يخدم (بضم  الذال  ) بايادى  الناس   كانه  محتاج   الى  شئ  اذ  هو  يعطى  الجميع   حيوة  ونفسا  وكل  شئ   وصنع  من  دم  واحد  كل  امة  من  الناس يسكنون  على  كل  وجه  الارض   وختم   بالاوقات  المعينة وبحدود  مسكنهم   لكى  يطلبوا  الله   لعلهم   يتلمسونه   فيجدوه  مع  انه  عن  كل  واحد منا  ليس  بعيد ا لاننا
 به  نحيا  ونتحرك  ونوجد   كما  قال  بعض  شعرائكم  ايضا    لاننا   ايضا ذريته   فاذ  نحن  ذرية  الله   لا  ينبغى   ان  نظن  ان  اللاهوت  شبيه بذهب  او  بفضة  او  حجر  نقش  صناعة  واختراع  انسان  فالله   الان  يأمر  جميع  الناس  فى  كل  مكان  ان  يتوبوا  متغاضيا   عن  ازمنة  الجهل  لانه  اقام  يوما  هو  فيه  مزمع  ان  يدين  المسكونة  بالعدل  برجل  قد  عينه  مقدما    للجميع   ايمانا  اذ   اقامه  من  الاموات )اع 17 : 22  _31.
ويرى  بعض  المفسرين المعاصرين  ان  هذا  النص  البولسى  قد  تأثر بشخصية  ناقله   القديس  لوقا   وذلك  لان  هناك  فلسفة  كلامية  كبيرة  قد  لا  تكون  مشابهة  لكلام  بولس  فى  مواضع  اخرى   حيث  يقول  ( وانا  لما  اتيت اليكم   ايها  الاخوة  اتيت  ليس  بسمو  الكلام   او  الحكمة  مناديا  لكم   بشهادة  الله   لانى  لم  ازمع  ان  اعرف  شيئا  بينكم   الا  يسوع  المسيح  واياه  مصلوبا  وانا   كنت  عندكم  فى  ضعف   وخوف  ورعدة  كثيرة   وكلامى  وكرازتى لم  يكونا   بكلام  الحكمة  ( الانسانية المقنع  ) بل  ببرهان  الروح  والقوة  لكى لا يكون  ايمانكم   بحكمة   الناس   بل  بقوة  الله ) 1كو  2  : 1_5 ولكن  هناك  تفسيرا  واقعيا   يناقض  ما  يريد  ان   يذهب  اليه  النقاد   المحدثون  وهذا  التفسير هو ان  القديس بولس  قد  حاول  بالفلسفة  فى الاريوس باغوس  كسب  الوثنيين  للمسيح  ولما  فشل  فى اثينا  قرر  وهو  فى  طريقه  الى  كورنثوس  ان  لا  يتحدث  مرة  اخرى  بالفلسفة  وحكمة  الكلام  بل  بقوة الصليب .  ولاشك ان  اقتباس  الرسول  من  شعراء  اليونان   وخاصة الشاعر اراتوس  تعود  اشعاره  الى القرن  الثالث  قبل  الميلاد  قال (لاننا  نحن  ذريته  ) قد  سبق  للرسول  بولس  وسمع  هذا  الشعر  فى  شوارع  طرسوس بل  ومن  المؤكد ان هذه  الاشعار  كانت  تشكل  جزاء  من  المناهج  الدراسية  فى  مدارس  طرسوس  الوثنية   ونلاحظ  ان  الرسول   يكلم  كل  شعب  حسب  خلفيته  الثقافية  فحينما  تكلم  مع  اليهود  فى   انطاكية  بيسيدية    وضع   الرسول  خططك  الله  فى  اطار  تاريخ  الانبياء  اليهود  ونبواتهم  عن  ويححد  علماء  الاثار  مكان  اجتماع  ق بولي  المسيح  وحينما  تكلم  مع  الوثنيين  فى  ليسترا    تكلم  عن  الله  الذى يعلن  نفسه  فى  الطبيعة  وحينما  تكلم مع  الاثينيين  المفذلكين   استعمل  تعبيرات  ممناسبة  للمستوى الثقافى  للمستمعين  .
ولقد  استمر  تأثير  حديث  القديس  بولس  فى  الكنيسة  على  مر  الاجيال  تتغذى  به  وتأخذ  منه  القدوة  على  مخاطبة  الذين  هم  من  خارج  وقد  حفظت  لنا   الوثائق  الكنسية  مقتطفات من عظة تعود   للقرن  الثانى  عشر وفيها  نقراء  :
(لقد  وجدت  ان  الرسول  بولس  وهو  يبشر   الاثينيين  قد   رسم  امامهم  المسيح  واياه  مصلوبا لانه  لا  يستطيع  احد  ان يحرر    اليهود  والوثنيين الا  ابن  الله   وشدد  على  جهالة  الصليب  لكى  يخزى  جهالة  الوثنيين   فلقد  غلب  القائم من الاموات كل  فلسفة  الفلاسفة  ).
ويحدد  علماء  الاثار  مكان  اجتمهع  الرسول  بولس  بالوثنيين  على  قمة  الاكروبوليس   ويجد  الزائر  اليوم  فى هذا  المكان  لوحة  مكتوب  عليها   وهناك  رأى  أخر  يرى  ان  الاجتماع  تم  فى   فى  المكان  الذى  توجد  فيه  كنيسة  القديس  ديونيسيوس  الاريوباغى  ومن  ناحية  اخرى  فأن  ديموستينيس  الكاتب  اليونانى  (325 قبل  الميلاد)  يخبرنا  بأن المجلس  الذى وعظ  فيه  ق  بولس   يقع  على  يمين  الاغورا   وهناك  تقليد  يعود الى  القرن  السابع  عشر  وحتى  القرن  التاسع  عشر   يؤكد  ان الرسول  بولس   قد  هرب  من  غضب  الاثينيين  بعد  ان  قام  بتبشير  وتعميد  القاضى  الكبير  ديونيسيوس  الاريوباغى    وقد  قام  بالاختفاء  فى  بير   لمدة  يومين  ويقع  البئر على  بعد  خطوات من    كنيسة  القديس  ديونيسيوس  فى  اسفل  الاريوس باغوس  .

نتائج   البشارة فى  الاريوس باغوس :

(ولما   سمعوا   بالقيامة من  الاموات  كان  البعض يستهزئون والبعض يقولون سنسمع   منك   عن   هذا  ايضا   وهكذا  خرج بولس  من  وسطهم  ولكن  أناسا  التصقوا به  وامنوا  منهم  ديونيسيوس  الاريوباغى  وامرأة  اسمها   دامرس   واخرون   معهما  )  اع  17  :  32  _34 .
 يعتبر   الكثير  من  المفسرين  بان   رحلة  الرسول  بولس   الى  اثينا  على الاقل من  وجهة  نظر  بشرية  تعتبر  فاشلة  لانه  لم  يستطيع   ان  يؤسس  كنيسة  فى  اثينا  مثل  باقى  المدن  التى  كرز  بها   ولكن   الواقع  يقول  ان   البعض  من  الاثينيين  الذين  سمعوه  قد  ابدوا  اهتماما  كبيرا  والبعض  قبل  الايمان  وتغير  الى  الايمان  بالمسيح  مثل  ديونيسيوس الاريوباغى واحد  النساء  اليونانيات وتدعى  دامرس   وللاسف   نحن  لا  نعرف  شيئا  كثيرا  عن   هذه  المراة  دامرس  والاحتمال  انها  من  الطبقة  الارستقراطية  ولهذا  السبب  فلقد  ذكرها  الرسول   لوقا فى  سفر  الاعمال  كما  فعل فى  تسالونيكى  وبيرية    واما   ديونيسيوس  فلقد  صار  اسقفا   لاثينا   ولقد  مات  شهيدا   فى  اثناء  الاضطهادات  التى  شنها  الامبراطور  دوماتيانوس  فى   اواخر  القرن  الاول  الميلادى  وبعد  رحيل   القديس  بولس  من  اثينا  لا  نعرف  اى  شئ   عن  المسيحية  فى  المدينة  لاجيال  عديدة   وكل  من  نعرفه  ان  كنيسة  مسيحية  صغيرة  قد  تأسست  فى  اثينا   رغم  ازدهار  الوثنية  فى  المدينة .
 ومن  ما  نعرفه  عن  اثينا  ان  احد  العلماء  اكتشف عام  1889  فى  دير  القديسة  كاترين  بسيناء  نصا  باللغة  السريانية  لدفاع  ارستيديس الفيلسوف  الاثينى  والذى  كتبه فى  نهاية  القرن  الثانى  وهو  من  اكابر  المسيحيين  فى  اثينا  وقد  كرس  حياته  للرب   لقد  اشتهر  ارستيديس  بدفاعه الذى  وجهه   للامبراطور  هارديان  وهو  فى  هذا الدفاع  يقد  الايمان  المسيحى  بشكل  منطقى  يناسب   المثقفين  الاثينيين ويدعوا  الاثينيين  الى  قبول  الايمان   بالرب  يسوع  المسيح   ولقد  وجد  العلماء  تشابها  كبيرا  بين  اسلوب  ارستيديس  وبلاغة  الرسول  بولس  فى  حديثه  فى  اثينا لا  وفى  الحقيقة  فلقد  تمت  صياغة  الفاع  الارستيدى  على  نمط  العظة  البولسية  الاريوباغية  كما  ان  هناك  فيلسوفا  اخر  كتب  دفاعا   يدافع  عن  المسيحية وهو اثيناغوراس   وذلك فى  دفاعه  الموجه  الى  الامبراطور  ماركوس  اوريليوس     ولقد  درس   الاديب  الاثينى  ليبانيوس   فى مدارس اثينا للفلسفة  وهو  الذى  تتلمذ  على  يديه  القديسان  يوحنا  ذهبى  الفم  وباسيليوس  الكبير وكذلك  نعرف  ان  القديس  اغريغوريوس  اللاهوتى(329 _ 388 ) احد  اكبر  الاهوتيين فى  الكنيسة  الشرقية   قد  درس  فى  اثينا  وكذلك  القديس  باسيليوس الكبير  ولقد  ظلت  اثينا  من  اهم  المراكز  الفلسفية اليونانية  حتى عام  529   حين  أمر  الامبراطور يوستينيانوس بأغلاق  المدارس  الفلسفية  فى  اثينا .
  ولما  جأ  عهد  الامبراطور  ثيؤدوسيوس الثانى  وكانت  زوجته  افذوكسيا  اثينية  تم  تحويل  الكثير من  المعابد  الوثنية  الى  كنائس   وتم  على  سبيل  المثال  تحويل  معبد اسكليبيوس الذى  يقع  اسفل  الاكروبول الى  كنيسة بأسم القديسن  انارجيرى اى  القديسين    الفقراء  (بدون  فلوس ) وهم  القديسن  كوزمان  ودميان(القرن  الثالث  )  الطبيبان  وكانوا  يعالجون  الناس  بدون  مقابل  واثناء  حكم  يوستينيانوس ( 527 _565 ميلادية )   تم  تحويل  معبد  البارثينون  الى  كنيسة  وكرست  باسم  (اجيا  صوفيا  )  اى  الحكمة  المقدسة  ومن  ثم  كنيسة  السيدة  العذراء .
وفى  القرن  الثانى عشر تم  بناء  كنيسة  كبيرة   فى  منطقة  الاكروبول حيث  كان  البحر  يمر  من  هناك وهذه  الكنيسة  تم  تكريسها  على  اسم  القديس  بولس .
ولقد  اعتادت  الكنيسة  اليونانية   فى  يوم  29  يونية  على  الاحتفال  بعيد  القديسين بطرس  وبولس  احتفالا  كبيرا  فى  عشية  يوم  العيد  وذلك  فوق  صخرة  الاكروبول  حيث  تم  اقامة  صليب  ضخم  من  الخشب  ومعه  ايقونة  ضخمة  للقديس  بولس ويقوم  رئيس  اساقفة  اثينا   وسائر اليونان بالاحتفال  بهذه  المناسبة  وبحضور  المطارنة  ورئيس  الجمهورية  اليونانية ورئيس  الحكومة  وممثلى  الطوائف  الاجنبيةولقد  كان  للمعرب شرف  حضور  احدى  هذه  الاحتفالات  ممثلا  لصاحب  القداسة  البابا  شنودة  الثالث ادام  الرب  حياته  .
ورغم  ان  الرسول  بولس  هو  اول  من  بشر  فى  اثينا  الا  ان  الكنيسة  اليونانية  تعتبر  ان  ديونيسيوس  الاريوباغى  هو  شفيع  وحامى  مدينة  اثينا  والكنيسة  الوحيدة  التى تحمل  اسم  القديس  بولس  فى  اثينا  هى  كنيسة التى  تقع  فى  شارع  بصارون  بالقرب  من  محطة    سكك  حديد  لاريسا  ولقد  قام  مطران  اثينا  ثيؤكوتوس  عام 1910 بتدشين  الكنيسة  وهى  مغطاة من  الداخل  بالايقونات التى  تصور  مرحلة  تغير  حياة  القديس  بولس  وحضوره  فى  اثينا  ويتم  تكريم  القديس  بولس  فى  كنيسة  القديس  ديونيسيوس  الاريوباغى   بشارع  سكوفا  فى  ميدان  كولوناكى  وفيها  يوجد  صورة  من  الموزاييك   للقديس  بولس  فى  اثينا  وفى الاريوس  باغوس  ويوجد  كنيسة  للانجليكان على  اسم  القديس  بولس  قام  بتصميمها  مهندس  يونانى  فى  شارع  فيليلينون عام  (  1838 __1843  ) وفى  منطقة  كيفيسياس(  4  شارع  كوكيناكى  )    توجد  كنيسة  كاثوليكية  على  اسم  القديس  بولس  وهناك  فى  الكنيسة  الالمانية  الانجيلية (66 شارع  سينا  )  سورة  من  الزجاج  للقديس  بولس  امام  البانثيون.


بولس  الرسول  فى  كورنثوس

الوصول  :

(وبعد  هذا  مضى بولس  من  اثينا وجاء  الى   كورنثوس فوجد   يهوديا   اسمه اكيلا  بنطى  الجنس   كان  قد  جاء  حديثا  من  ايطالية  وبريسكلا  امرأته لان  كلوديوس  كان  قد   امر  ان  يمضى  جميع  اليهود من رومية   فجاء  اليهما   ولكونه من صناعتهما اقام عندهما وكان  يعمل لانهما  فى  صناعتهما  كانا خياميين  )اع  18  : 1  __3  .
 ليس  هناك  دليل  تاريخى او  كتابى  يشير  الى  ان  الرسول  بولس  قد  خرج  من  اثينا  مهانا  او  مطرودا سواء   من  الجموع  التى  احتشدت فى  الاريوس  باغوس او  من  سلطات  المدينة  فلقد  ترك  بولس المدينة  بهدوء  وذهب  الى  كورنثوس والتى  كانت  تعد  فى  ذلك  الزمان  عاصمة مقاطعة  اخائية المقاطعة  الرومانية فى  اليونان وكانت  كورنثوس تحتل  موقعا  هاما  على  طريق  المواصلات بين  روما   والغرب ولهذا  شكلت  موقعا  استراتيجيا    لانتشار  الانجيل ولقد  شكل  وجود  جالية  يهودية  كبيرة  فى  كورنثوس  سببا  اخر  وراء  ذهاب  القديس  بولس  الى كورنثوس   وحسب  شهادة  فيلون  الاسكندرى كان  اليهود  فى كل  انحاء  مقاطعة  اخائية ولكنهم كانوا  الاكثر حضورا وعددا  فى كورنثوس  ولقد  بلغ  عدد  اليهود  فى  كورنثوس  حوالى  العشرين  الف نفس  ويعود  سبب  هذا  العدد  الكبير  لليهود  فى كورنثوس  الى  الصعوبات  الكبيرة التى واجهوها  فى  روما  على  يد الامبراطور كلوديوس  (41 __54  .بعد  الميلاد  ) .
ونحن  لا  نعرف  على  وجه  التحديد  كيف  انتقل الرسول  بولس من  اثينا  الى كورنثوس   فهناك  الطريق  البرى  الذى  هو (الاوتوروت ) الحالى  الذى  يربط  اثينا  بكورنثوس  وير  بالفسينا  وميجارا   الى ان  يصل  الى خليج  كورنثوس  ولقد كان طريقا صعبا  ولكنه  كان  مطروقا  من  المسافرين  وهناك  احتمال  الرحلة  بالبحر  وهى الاسهل  فلقد  رحل من بيريه  ومر  بين  جزيرتى  سالامينا  وايجينا  الى  ميناء  سينشير  والذى  يبعد   عن  مدينة  كورنثوس  9  كيلو  ولقد  سارها  الرسول  على  الاقدام  واستغرقت  ساعتين او ثلاث  وامامه كان  ينتصب جبل  كورنثوس علىبعد 571  متر  وفى  اسفله  مدينة كورنثوس  ولقد دخل  القديس بولس  المدينة  من  باب  سينشيريا  ولقد  اجتاز  منطقة الكرانيون  التى يوجد بها  جيمنازيوم  وهياكل وثنية    ولعل ذلك  احضر الى ذاكرة  الرسول   الجلجثة  فى  المدينة  المقدسة اورشليم  حيث  صلب  سيده   (يو  19 :  17 )
لقد كانت كورنثوس  فى ايام  الرسول بولس  تختلف  كثيرا  عن  اثينا   فلم  تكن  مجرد  مدينة  يونانية  فى  الضواحى بل كانت  عاصمة  المقاطعة  الرومانية ومركز تجارى متميز  وذلك بسبب موقعها  الجغرافى  المتميز  ولقدم  تعرضت المدينة  للهدم  على يد لوسيويس موميوس  عام  146   قبل  الميلاد  وقام  يوليوس  قيصر   باعادة  بنائها  عام  44  بعد  الميلاد     ودعى  اسمها  ( لاوس  جوليا  كورنثيانسيس )  وبينما  احتفظت  اثينا   بطابعها  الهلينى  نجد  فى  كورنثوس  تعدد  ثقافى  واختلاط   شعوب  من  اليونانيين  واليهود  واناس  من  الشرق  وهذا  الى جانب  جيوش  الرومان .
يعتبر  الجغرافى  اليونانى  سترابون الذى  عاش فى  القرن  الاول  قبل  الميلاد  وهو من بنطس   اول  كاتب  يترك  لنا  وصفا دقيقا  لمدينة  كورنثوس   ويصف  ميدنة كورنصوس  فى  النص  التالى :

(اشتهرت  كورنثوس   غنية  بالتجارة  المزدهرة   وذلك  لانها  تقع  على  قناة  كورنثوس   وهى  تتحكم  فى    مينائين   ويقع  المينا ء  الاول  قرب  اسيا  والثانى  قرب  ايطاليا  اى  اوروبا   وكانت  تتم  احتفالات رياضية  كبيرة  بالقرب من  قناة  كورنثوس  مما  يجلب  زوار  كثيرين   ولقد  اشتهر  معبد  افروديت  فى  المدينة  شهرة  كبيرة  بغناه  وثرواته   وكان  يوجد  بالمعبد  حوالى  الالف   عبد  لخدمة  معبد  الالهة  افروديت  وكان  البحارة  يقضون   راحتهم فى المدينة    وينفقون  اموالهم  حتى  صار  المثل   (  محظوظ  من  يذهب الى  كورنثوس ).
وحينما  جاء   المستعمرون  الى  كورنثوس   فى  عام  44  قبل  الميلاد  اعادوا  احياء  عبادة  الالهة   ووانتصب  فى  وسط  المدينة   معبد   أبولون  والذى  صار  فى  ايام  دخول  القديس  بولس  المدينة من  أهم  معالم  المدينة  وكان  هناك  ايضا  معبد   الالهة  أثيناس  شالينيتيس   ووسط  سوق  المدينة   كان  هناك  معبد  اخر   وينبوع  ماء   مخصصة  لبوسيدون  .

سبق  وقلنا انه  بمجرد حضور  المستعمرين   فى  عام  44  قبل الميلاد    قاموا  باعادة  عبادة  الالهة  القديمة  ففى  مركز  المدينة     كان  هناك  معبد  ابولون   القديم   والذى  كان  فى  ايام  زيارة  الرسول بولس  للمدينة من اهم معالم  كورنثوس   وكان  يوجد ايضا   معبد اثيناس   غالينيتيس     وكان  هناك  عدة  معابد  مخصصة  للالهة هيراكلاس  وبيسوديون   وابوللو  وهرمس ولقد  اقام  المستعمرون    معبدا    للالهة  فينوس  فورتينا   وبجانبه معبد  مخصص  لجميع   الالهة ويسمى  البانثيون   ويقع  فى  الجانب  الغربى  من  الاغورا .  وقبل  قدوم  القديس بولس  الى  المدينة  بزمن  قصير  كان  الاغورا  ينقسم الى مستويين   وكانوا  يستخدمون  الجزء  الاسفل  فى  التجارة  وتبادل  السلع  والجزء  الاعلى  استخدموه فى   الشئون   الدينية  والادارية   والسياسية
 ويقع   بعيدا  عن  الاغورا  فى الناحية  المالية    للمدينة  القديمة     معبد  شهير    مخصص   لاسكليبيوس   اله  الشفاء   ولابنته  هيجييا   ولقد  اعتاد  الكثير  من  المرضى  من  كل  حدب  وصوب  المجئ  الى   كورنثوس  للعلاج .  ولعله  من  اهم  المعابد  قاطبة  فى  مدينة  كورنثوس  نجد  معبد  أفروديت  الهة  الجمال  ويقع  فى  اعلى  منطقة فى  المدينة   ووكان  يخدم  فى  هذا  المعبد  كاهنات  من  النساء  وهذا  هو  السبب  وراء  السمعة    السيئة  التى  أشتهرت  بها  مدينة  كورنثوس  والتى  اشار  اليها  كثيرا  القديس  بولس  (أم  لستم  تعلمون ان  الظالمين  لا  يرثون  ملكوت  السماوات   للا  تضلوا  لا  زناة    ولا  عبدة  اوثان  ولا  فاسقون  ولا  مأبونون   ولا  مضاجعو  ذكور    ولا سارقون ولا  طماعون   ولا  سكيرون  ولا  شتامون   ولا  خاطفون  يرثون  ملكوت  السماوات   وهكذا  كان  اناس  منكم   لكن  اغتسلتم  بل  تقدستم   بل  تبررتم   باسم  الرب  يسوع   وبروح  الهنا  ) 1 كو 6 : 9  _20 و  2كو 12  :   20  _12.
وحسب    بوسونيوس  فان  الالهة  أفروديت   لها  صورة   كالهة  مسلحة     وحولها  صور  للشمس   وصور  للحب    ويعود  معبد  افروديت  الذى  وجده  القديس  بولس  عند  زيارته  لكورنثوس   الى  القرن  الرابع  او  الخامس  قبل  الميلاد   وهو  معبد  صغير   حجمه  حوالى  من  عشرة  الى  ستة  عشر  متر  ولم يبقى  منه  اليوم  سوى  اثر  بعد  عين  .
تتحكم  مدينة  كورنثوس   فى  الطريق   البرى  الذى   يمر  فوق   قناة  كورنثوس ويربط   شمال  اليونان  مع  وسطها  وكان  ميناء  ليشيون    على  خليج  كورنثوس يقدم  تسهيلات  بحرية  مع  الغرب   كما  كان  ميناء  سينشير   على  بحر  ايجة  مع  الشرق  .وفى  ايام  الرسول  بولس  كانت  السفن   التى  تعبر  قناة  كورنثوس  يتم  سحبها  او  تحميلها  على  مركبات  .
 ورغم  ان فكرة  حفر  القناة  تعود  الى  ايام  الاسكندر  الاكبر   ويوليوس  قيصر  وكاليجولا  وقد  بداء  فعلا  عدد  من  المهندسين  بتكليف  من  نيرون  الامبراطور  فى  الحفر  ولكنهم  توقفوا   ولم  يتم  فتح  القناة  الا   فى  نهاية  القرن  التاسع  عشر   .
ونحن  سعداء  لاننا  نملك  من  معلومات كافية  عن  خدمة  القديس  بولس  فى  كورنثوس وهذه  المعلومات توجد  فى  الكتاب  المقدس  ففى  سفر  اعمال  الرسل  نقراء  انه  عندما  جاء  القديس  بولس  الى  كورنثوس   التقى  بيهودى  اسمه  أكيلا   من  بنطس    ومعه  زوجته  بريسكيلا  والذين  وصلا   توا  من  روما  ووهناك  احتمال  ان  يكون  القديس  بولس  قد  وصل الى  كورنثوس فى  نفس  وقت  وصول  اكيلا  وبريسكلا  وكان  قد  سبق  وصدر  قرار  كللوديوس  بطرد  اليهود  من  روما  ولم  تكن  تلك  المرة  الاولى  التى  اتخذ  فيها الرومان  موقفا  صعبا  من  اليهود  الساكنين  العاصمة  روما  فلقد  سبق  واجبر  طيباريوس (14 _37 بعد  الميلاد  ) اليهود  القادرين  جسديا  على الرحيل الى  ساردينيا  وامر  الباقين ان  يغادروا المدينة   ونحن نعرف انه فى  حكم  كلوديوس  تمتع  اليهود   بقدر  كبير  من الحرية  ولكن  بعد  فترة  من الزمن  وجد  كلوديوس  انه من  الافضل  طرد اليهود مرة اخرى من روما  .ولقد  كتب  المؤرخ  الرومانى   ذلك فى  كتابه    عن  (حياة  كلوديوس  ) وقال  ( ان اليهود  الذين  يثيرون  المتاعب  بسبب  شخص  اسمه  المسيح  يجب  ان  يغادروا  المدينة  )ووحسب  المؤرخ الاسبانى  بول  اوروس  فى القرن الخامس  الميلادى   فأن طرد  اليهود من روما تم فى السنة التاسعة لحكم كلوديوس وهذه  السنة التاسعة تقع بين 25  يناير   عام  49 ميلادية و24  يناير  عام  50   وفى  هذه الفترة  وصل  اكيلا  وزوجته  بريسكيلا  الى  كورنثوس .
وهناك  تاريخ  اخر  مرتبط   باقامة القديس بولس فى كورنثوس  ونحن نعرفه من لوحة  تم  العثور عليها فى مدينة دلفوس  اليونانية  فى نهاية القرن الماضى   ويشير  هذا  النص  الى  القنصل  غاليون  فى  اخائية (اع 18 : 12  )  وغاليون  هو  اخو  الفيلسوف  الرومانى سينيكا   وكان  قنصلا  اثناء جزء من  اقامة  الرسول بولس فى كورنثوس  .
يخبرنا القديس لوقا بان  القديس  بولس  قد  اقام فى كورنثوس   مدة  ثمانية عشر  شهرا  علم  فيها  كلمة  الله .وبعد  ذلك  واثناء    فترة  وجود  القنصل  غاليون  فى اخائية   حاول  اليهود  مهاجمة  الرسول بولس  وجروه  امام  المحكمة    ويقول  النص  الذى  تم  العثور عليه فى دلفى  :
(من  طيباريوس  قيصر    اوغسطس  جيرمانيكوس الحبر  الاعظم  واثناء   السنة  الثانية  عشر من  حكمه والذص  صار  امبراطورا للمرة السادسة والعشرين   يرسل  التحيات   الى مدينة  دلفى   وفيما يخص  الاساعات التى تجرى   والمشاكل التى يسببها  بعض  المواطنين   فان  هناك  تقريرا  اعده  صديقى  لوسيانوس  جونيوس  غاليو  قنصل اخائية)  
ورغم ان هذه الوثيقة  تمثل اهمية تاريخية  منقطعة النظير  الا  انه   ليس  من  الملائم  ترك  الموضوع الاساسى وهو المدة  التى  قضاها  القنصل غاليون فى اخائية   ولقد  امتدت    السلطة القضائية  للامبراطور  من   25  يناير   عام 52   الى  24    يناير  53   ونحن نعرف  من مصادر  معاصرة   بان الامبراطور قد تم  اعلانه   امبراطورا   للمرة  الثالثة والعشرين   والسابع والعشرين بين  عام 51  و52  ولقد  ارتبطت  هذه الاعلانات الامبراطورية  بانتصارات  الامبراطور او احد  قادته . وهناك  اسباب كثيرة  تجعلنا نعتقد ان  هذه  الاعلانات الامبراطورية  حدثت  اثناء  النصف الاول  من عام  52   وهذا  هو  التاريخ الذى وجه فيه  كلوديوس  رسالته الى  مدينة دلفى   والنص  الذى  ذكرناه انفا  يذكر  ان  غاليون   قد  مكث  مدة من الزمن   فى اغائية .  وهذا معناه ان تعيين غاليون كقنصل  فى اخائية  قد  تم  على  اكثر  تقدير  فى  خريف  عام 52   والقديس  لوقا   يؤكد  ان خدمة  القديس بولس قد  استغرقت  18  شهرا   واول  ظهور  للقديس بولس امام  القنصل غاليون   تم فى خريف  عام 51  ولهذا   فالقديس بولس  وصل  الى كورنثوس فى الايام  الاولى  من عام  50 .

ولقد  التقى  القديس بولس  ببريسكيلا  واكيلا  اللاجئين  من  روما  والذى  شاركهما فى نفس  المهنة   وهذه  المهنة هى صنع الخيام وهذا دليل  على  ان  الطلب كان  متزايدا على  الخيام  وكان نسيج  هذه  الخيام  يأتى من  وبر  الماعز   وكانت  تعرف  تحت  مسميات   (سيسيليوم )   وذلك فى  مقاطعة  ثقلية   مسقط راس  الرسول بولس .ونحن لا نعرف  اذا  كان  اكيلا وبريسكلا  قد  اعتنقا الايمان المسيحى قبل  لقائهم الرسول بولس  وربما  قد   سبق  وتغيرت  حياتهم  للمسيحية  فى روما   ولا نعرف  موقع  المحل الذى  افتتحه  اكيلا  والذى كان  يعمل  فيه  بولس  حسب  ما  ذكر  فى  رسالته ( 1كو 4  : 12 )  وكنه لم يكن  بعيدا عن  مكان  الاغورا  لان  الباحثون وجدوا اثار  اوتاد خيام فى هذا المكان   وهذا  يوحى ان بولس  واصدقائه  قد  قاموا بصنع الخيام التى  تستخدم  فى  نفس  المكان . 

  البشارة  فى كورنثوس :

(وكان يحاج فى المجمع كل سبت  ويقنع  يهودا  ويونانيين   ولما  انحدر  سيلا  وثيمويأوس من  مكدونية  كان بولس  منحصرا بالروح  وهو يشهد  لليهود بالمسيح يسوع  واذ كانوا يقاومون  ويجدفون  نفض  ثيابه وقال لهم دمكم على روؤسكم انا برئ من ة الان اذهب الى الامم )  اع 18 : 4 __6
 استفاد  اغلرسول بولس  من  عطلة يوم السبت  لكى  يذهب  الى المجمع    المحلى   ليحدث اليهود   واليونانيين    وليشرح  لهم ان  يسوع المسيح  هو كمال نبوات  العهد القديم   وكانت  الفكرة الاساسية للكرازة المسيحية هى ان  يسوع  هو المسيح  (ولما انحدر سيلا وتيموثأوس من مكدونية كان بولس  منحصرا بالروح يشهد لليهود  بالمسيح  يسوع  ) اع 18 : 5
ان  مجئ  التلميذان سيلاس   وتيموثاؤس  من  مكودنية يمثل   محطة  ذات  معنى  كبير  فى  خدمة  القديس  بولس  فى  كورنثوس وهذه  المحطة  هى  هى الاخبار  التى  حملها التلميذان عن  المسيحيين  فى تسالونيكى  والتى جعلت  الرسول يكتب  ما  سيصير اول نص موحى به فى العهد الجديد  وهذا  النص  هو  الرسالة الاولى الى  اهل  تسالونيكى   وسيظهر  فى  هذه  الرسالة الصعوبات الكبيرة التى واجهها فى  خدمة  تسالونيك  والاعتراضات التى واجهها من القسم  اليهودى من سكان  المدينة (الذين  قتلوا  الرب يسوع  وانبياءهم  واضطهدونا  نحن  وهم  غير مرضيين لله  واضداد  لجميع الناس  يمنعونا ان نكلم الامم  لكى  يخلصوا  حتى يتتمموا خطاياهم  كل  حين  ولكن  قد  ادركهم الغضب  الى النهاية  ) 1تس 2 :  15 __16  .
ولا  نعرف  على وجه التحديد  كم  من  الزمن  استغرقت كرازة  بولس  الرسول فى  مجمع  اليهود  فى كورنثوس   وليس  لدينا اى دليل ارخيولوجى   على  موقع  المجمع اليهودى فى المدينة  وان  كان  هناك  لوحة تم العثور عليها   فى  احد  اسواق  المدينة     يشير الى ان المجمع  اليهودى  يقع  على  باب المدينة المؤدى الى الاغورا  على طريق ليشيون .  ونجد  قطعة من الصخر  مكتوب  فوقها    باليونانية (   ΣΥΝΑΓΩΓΗ ΕΒΡΑΙΩΝمجمع اليهود  )   واسلوب  كتابة هذه العبارة  تجلعنا  نشعر  الى  تاريخ  متأخر نسبيا  وهو القرن  الخامس .
ولقد  اكتشف  العلماء الامريكيين  اثناء  الحفريات التى قاموا بها فى  كورنثوس  لوحا من المرمر  ووفوقه  محفور  ثلاث  شمعدانات  من  الطقس  اليهودى  ولقد  تم  اكتشاف هذه  الشمعدانات فى  ناحية مسرح المدينة . ومع كل  هذا  فليس  عندنا  دليل  كاف  نكتشف به  موقع  المجمع اليهودى  فى كورنثوس .  ودعونا  نتابع  زيارة  الرسول  بولس  الى  المدينة  ففى خروجه  ( فانتقل  من  هناك  وجاء  الى بيت رجل اسمه يوستس كان متعبدا لله  وكان بيته  ملاصقا للمجمع  وكريسبس رئيس المجمع امن   بالرب مع جميع بيته  وكثيرون من الكورنثيين اذ  سمعوا امنوا واعتمدوا  فقال الرب  لبولس  برؤيا فى الليل  لا تخف   بل  تكلم  ولا تسكت   لانى  انا معك   ولا يقع بك احد ليؤذيك   لان لى شعبا  كثيرا فى هذه المدينة  فاقام  سنة وستة اشهر يعلم بينهم بكلمة الله  ) اع  18  : 7 __11
 بعد  ان  طردوه  من  المجمع  اتجه  القديس بولس من  جديد  كمعلمه  الاى  الامميين  وليست  هذه  المرة الاولى التى يحدث  فيها ذلك  ففى  كل  مدينة وموضع  ذهب  اليه  كان  يكرز  (لاقربائه  واحبائه  حسب  الجسد )  ومن  عناية الرب  به  قام  تيتوس   يوستوس   وهو  متحول من اليهودية للمسيحية  بتقديم  بيته الى  الرسول  وهذا البيت مجاور  للمجمع    ولقد  صار  هذا البيت فيما بعد  كنيسة كورنثوس .
 وتعتبر  كنيسة  كورنثوس  من  اكثر  الكنائس  فى  العصر  الرسولى التى لدينا  عنها  معلومات كافية   فلدينا اسماء  افراد  واسماء  عائلات   وهذه  الاسماء  موجودة  سواء  فى  اعمال  الرسل  او  فى  مراسلات الرسول  بولس    وليست  من  قبيل  المبالغة ان  نسمع  ان  (كثيرون من  الكورنثيين  اذ  سمعوا  امنوا  )  بل  هى  حقيقة ملموسة  ولقد  كان افراد عائلة  استفانوس من  اول  المتحولين  للايمان   وهناك  غايس    والذى  سكن  عنده  الرسول  بولس  فيما بعد   والرائع  ان  الرسول  بولس  يضع الاساس  الكنسى  والروحى  لضيافة  رجال  الله  فمن   يستضيف  خادم  المسيح فهو  يستصيف  الكنيسة  كلها   (1 كو 1   :14  __رو16  :23   )  وهناك  ( اهل خلوى  ) وكوارتوس  وفورتيناتوس  وترتيوس .  والى  جانب  هذه  الاعمدة الرومانية  كان هناك  يهود  تحولوا للايمان بانجيل يسوع  المسيح  وهم  لوسيوس  وجاسون وسوسيباتير  والملاحظ  ان  الكثيرين من المتحولين  الى الايمان بانجيل المسيح فى كورنثوس جأوا من الطبقة  البسيطة  والمتواضعة   فلم يكونوا  من الفلاسفة  او او من الطبقة  الراقية او  الاغنياء ذو السلطان  ولكنهم جأوا من بسطاء هذا العالم  واختارهم الرب لكى يخزى الحكماء    والرسول يفتخر بذلك  فى رسالته  (فانظروا  دعوتكم ايها الاخوة ان ليس كثيرون حكماء حسب ليس كثيرون اقوياء   ليس كثيرون شرفاء  بل اختار الله جهال العالم ليخزى  الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الاقوياء واختار  الله ادنياء  العالم  والمزدرى   وغير الموجود  ليبطل  الموجود  لكى لا يفتخر  كل ذى جسد امامه )1كو 1 :26 .
 هذا لا يمنع ان لكل  قاعدة  استثناتها   فمن بين الاكتشافات فى مدينة كورنثوس نجد  لوحة محفور عليها اسم  اراستوس الذى قام  بترميم  رصيف المدينة على نفقته الخاصة وتم ذلك اثناء  مجئ  الرسول الى المدينة ويشير  الرسول  الى  هذا  الشخص  فى  رسالته الى اهل رومية  (يسلم  عليكم اراستوس  خازن المدينة  ) رو 16 : 23  وخازن  المدينة  هو  صراف  المدينة  او  مدير  بنك  المدينة  . والكلمة  اليونانية الاصلية  (ΟΙΚΟΝΟΜΟΣ  )   والايكونوموس  فى  العالم الرومانى  وفى مدينة  مثل  كورنثوس   هو  انسان   ذو  نفوذ  واسع وغنى  كبير   وهنا  نستطيع  الخروج  بنتيجة هامة وهى ان   الكنيسة  المسيحية  ضمت بين اعضائها  بعص  الصفوة من  الطبقة الرومانية الراقية  .
ومما  سبق  نستنتج   ان  رسالة  الانجيل  قد  لاقت  قبولا  بين  الامميين اكثر من  اليهود  ولكننا  نجد  بين  اليهود  اناس من الطبقة  الراقية  مثل كريسبوس  رئيس المجمع  وعائلته  من بين  اعضاء  الكنيسة المؤسسة  حديثا ونحن  نعتقد ان  تحول  كريسبوس  قد  سبب  اثرا  كبيرا   على  الجماعة اليهودية   والتى  ازداد  غضبها  وارتباكها  بسبب النمو السريع  للكنيسة  المسيحية .

 غاليون   قنصل اخائية  :

(ولما كان  غاليون يتولى  اخائية  قام  اليهود بنفس واحدة  على بولس وأتوا به  الى كرسى الولاية  قائلين ان  هذا يستميل الناس ان يعبدوا الله بخلاف الناموس واذ  كان بولس  مزمعا ان  يفتح فاه  قال غاليون  لليهود لو كان ظلما  او خبثا رديا  ايها اليهود لكنت بالحق قد احتملتكم  ولكن ان  كان مسئلة  عن كلمة  واسماء  وناموسكم فتبصرون انتم  لانى لست اشاء ان اكون قاضيا لهذه الامور   فطردهم من الكرسى فاخذ جميع اليونانيين  سوستانيس  رئيس  المجمع  وضربوه قدام الكرسى ولم  يهم   غاليون شئ من ذلك  ) اع 18  : 12  __17  .
كما سبق  وذكرنا  فان  قنصل اخائية غاليون هو الاخ بالجسد للفيلسوف  الرومانى الشهير سينيكا  ولقد  كان  سينيكا  معلما  لنيرون الامبراطور   ولقد  تبناه  صديق  لوالده يوليوس  غاليون الخطيب  الذائع الصيت   والذى  اعطاه اسمه   ولقد  كان  سينيكا  يحمل تقديرا  و مودة كبيرة  لاخيه  غاليون  وفى كتاباته  يبرز  الفيلسوف  الطبيعة  الهادئة  واللطيفة  التى يتحلى  بها  غاليون   ولقد  اهدى له  كتابين  من كتبه   ونحن  نتأكد  من هذه  الخصال الحميدة فى شخصية غاليون من  الطريقة  الحكيمة والموضوعية التى واجه بها ثورة اليهود فى كورنثوس على بولس   فتجنبه ان  يدخل فى  مشادة  لا تخص  الدولة  بل  تخص  الدين  يؤكد  تمتعه بحكمة  ادارية رفيعة المستوى  ويخبرنا  بلينى  المؤرخ بان مرضا  عضالا  قد  اصاب  غاليون بعد  اعتزاله العمل وانه  قد  قام  برحلة  فى البحر طلبا للشفاء .
 ولقد  قام  سوستينيس   رئيس المجمع  بدور  المتحدث  الرسمى  باسم اليهود  فى  مقاومتهم لبولس  والذى  خلف  غريسبوس  او  ربما كان  رئيس  لمجمع اخر  وسوستانيس هذا ليس  هو  سوستانيس الاخ   المذكور فى (!كو 1  :1 )  ولكن  تدخل العناية الالهية فى شخص  غاليون  اعفت الرسول بولس من الدفاع عن نفسه فلقد  انهى غاليون الموضوع  بحكمة  ولخص كل  مشكلة اليهود فى انهم يخلقون مشاكل حول كلمات من الناموس وليست قضايا موضوعية ذات شأن وهكذا كما رأينا قام غاليون بطرد اليهود واما  سوستانيس فقد  قام اليونانيون بضربه امام المحكمة  ومن الان فصاعدا لن  يصايق  اليهود بولس فقد  استمر فى  التبشير بالانجيل   بين الكورنثيين   وتحقق  الوعد الالهى الذى سمعه فى الرؤيا (لا تخف    بل تكلم ولا تسكت   لانى انا معك ولا يقع بك احد ليؤذيك  لان لى شعبا كثيرا فى هذه المدينة  ) 1 كو 18 : 9 
وهناك  تقليد  محلى  فى  كورنثوس  وقد  اكده العلماء  ويرى ان  الرسول قد   ترأى  امام غاليون  فى  منطقة  (الفيما )  وهى  المكان  كان يجتمع فيه الناس  للمناقشات  العلنية  ووقت  الرول كان هذا  (المنبر  )  مكان  ذو  شأن عظيم    وتم  بناء  كنيسة  فى هذا  المكان  علىىىاثار  كنيسة  قديمة    وقد  تم  بناء  مدافن  للمسيحين  فى  هذا  المكان  .
للاسف  لا  يوجد  كنيسة  على  اسم  القديس  بولس  فى  كورنثوس  القديمة   ولكن  تم بناء  كاتدرائية  كبيرة  على اسمه فى  كورنثوس  الجديدة   وتم  وضع  اول  حجر  فيها  عام  1934   بيد  المطران  دامسكينوس    والذى  صار  فيما بعد  رئيس  اساقفة  اثينا   وكل  اليونان   وفى يوم   29  يونية من كل عام   يقوم  مطران  كورنثوس  بعمل  صلاة  عشية احتفالية  فى  مكان  ( الفيما  )  النقليدى  وسط حطام مدينة كورنثوس  القديمة واثناء  هذا الاحتفال  يقوم احد الاساقفة او اساتذة كليات اللاهوت بالقاء  كلمة  عن  القديس  بولس   وفى   13  فبراير   يتم  الاحتفال بتلاميذ  القديس  بولس  اكيلا  وبيسكلا   بنفس  طقس  العشية  الاحتفالى  ويتمنى  مطران  كورنثوس  الحالى  بنتليمون  بناء   كنيسة  اخرى  على  اسم  القديس  بولس   وبيت  خلوة   ويوجد  فى  شارع  القديس  بولس   والواقع  امام  كاتدرائية  القديس  بولس    يوجد  متحف   كنسى  يضم    مجموعة  غنية من الايقونات التى تعود الى القرنين   السابع  عشر  والثامن عشر   كما يوجد  بعض  الادوات  التى  تستخدم  فى  الليتورجيات .
وهناك  اعتقاد  ان  الرسول بولس قد  اسس  كنائس اخرى فى  اثناء  اقامته فى كورنثوس  وهذا  واضح من  رسالته  الثانية الى اهل كورنثوس  حيث  يوجه  رسالته الى  (مع  القديسين اجمعين  الذين  فى  اخائية  )  2كو  1  : 1  وليس  هناك ذكر  لا فى الرسائل ولا  فى  سفر الاعمال  لاى  اماكن  اخرى  قد زارها الرسول  وهناك احتمال ان الرسول بولس  قد  قام بزيارة  الى  المجامع  اليهودية  فى  ديلوس   وايجينا  حيث  يوجد  مجامع  لليهود .

 الالعاب   الرياضية  فى منطقة  قناة كورنثوس 

 هناك بعض االاراء  ترى ان الرسول بولس  قد توجه  الى كورنثوس خصيصا  من اجل  الالعاب  الرياضية  والتى  يحتشد  فيها جمع  كبير من  الشعوب  وهى  فرصة  ذهبية  للكرازة  ومن ناحية  اخر للجارة  حيث  يحتاج  الزوار الى الخيام  للاقامة  والتى  كانت  تمثل  مهنة  الرسول بولس  وهناك  من  يرى  انه  اكثشف  وجودها اثناء  زيارته  للمدينة   واى كان  السبب   فالالعاب الرياضية  والصور  الرياضية  واضحة  فى رسائل  القديس  بولس  ومن  اهمها  ( الستم تعلمون   ان  الذين  يركضون فى  الميدان  جميعهم  يركضون  ولكن واحد منهم يأخذ  الجعالة   هكذا اركضوا لكى  تنالوا  وكل من  يجاهد  يضبط  نفسه  فى  كل  شئ  اما  اولئك فلكى ياخذوا اكليلا يفنى  واما  نحن  فاكليل لا يفنى  اذ  انا  اركض  هكذا  كأنه  ليس   عن  غير يقين  هكذا  أضارب  كأنى  لا  اضرب الهواء بل  اقمع  جسدى  واستعبده  حتى  بعد  ما   كرزت  للاخرين  لا  اصير  انا  نفسى مرقوضا    ) 1كو  9   :24    _27  .
ولقد  كن من المعتاد ان يقام هذا الحفل الرياضى  مرة  كل  عامين   فى ذكرى  بوسيديون  اله  البحر   وباليمون البطل   ويجمع مشاركين ومشجعين من كل ارجاء  اليونان  وكذلك تجار  ولاعبين   لقد  وصل  الرسول الى المنطقة فى ابريل  او مايو  51   ومعه  تيموتاؤس  وسيلاس  وبريسكيلا   واكيلا  وكان معه بعض  المتحولين حديثا  الى  الايمان  مثل كريسبس  واستيفانوس . ولقد  امضوا فى  هذه  الرحلة  يوما  كاملا  والاكيل  الذى  يتكلم عنه الرسول كان هو  الجائزة الكبرى فى الالعاب  وكان  يصنع من مادة  هشة  لا  تدوم  كثيرا  ومن  هنا  تكلم الرسول عن  (اكليل  يفنى  ).
الرحيل  من   سانشير     :
( واما بولس  فلبث  اياما كثيرة  ثم  ودع   الاخوة وسافر الى البحر  الى  سورية   ومعه   بريسكلا  واكيلا  بعد ما  حلق رأسه  فى  كنخريا  لانه  كان  عليه  نذر     )  اع  18   :18  .
لقد  جأت اللحظة  لكى  يرحل  الرسول  بولس  من  كورنثوس  ولقد  كان  هذا الرحيل  مؤثرا  جدا  لان  الرسول   نجح  فى  كسب  الكثيرين  للمسيح  وكون  صداقات  روحية  عميقة  وكما  سنرى  فيما  بعد  فأن  الرسول  بولس  سوف  يستمر  فى  السهر  على  كورنثو س  والكورنثيين    وفى  رحيله من المدينة  اضطر  للسير  على الاقدام  بضع اميال   فى  الوادى  حتى  الوصول  الى  ميناء  سينشيريش  الشرقى   حيث  اخذ  المركب الى افسس  . وهذا  الميناء  الشرقى  لمدينة  كورنثوس   لم  يكن   ميناء  صغير بل  كان  مدينة  كبيرة    ويخبرنا   بوسانياس  عن  هذه  الميناء  :
( كان  يوجد   معبد   لافروديت    وبجانب  المعبد  كان  يوجد   تمثال   لبيسوديون   من  البرونز   وعلى الجانب الاخر من الميناء  كان  يوجد   معابد   لايزيس واسكيولاب ) ويصف  الفيلسوف   الافلاطونى   ابويلوا   وذلك فى القرن الثانى بعد الميلاد  هذه المدينه على انها   من  اكثر مدن كورنثوس   شهرة  وهى تقع على بحر ايجة  وسارونيكى   ويؤكد ان الميناء  هام  وترسى  فيه  السفن   من  بلاد  وامم  مختلفة  .
الاشارة  الى  النذر وحلق  الشعر  من  الممكن  حسب  قواعد  اللغة  ان  تعود  على  اكيلا  ولكن  ليس  من  المنطقى  ان  يهتم  القديس  لوقا  بهذه الحادثة ان لم  تخص  الرسول بولس  الذى  نذر  نفسه للرب  حسب  ما  جاء  فى  سفر  العدد  6 : 5 ( كل ايام  نذر  افترازه   لا  يمر   موس  على  راسه  الى  كمال الايام التى انتذر  فيها  للرب  يكون  مقدسا   ويربى  خصل  شعر رأسه  )حسب   الناموس   فان  حلق  الشعر   وحرقه   (عدد  6 : 8 )  يمثل  الجانب  الطقسى  للنذر  ولقد  قام الرسول بهذا  النذر  قبل  ذهابه الى فلسطين   وهذا يؤكد  على ان القديس بولس  ورغم  انه كثيرا  ما  ينتقد   اليهود  الا  انه  حافظ على  بعض  عادات  الناموس  (اع   21  : 26  ).
القديس  بولس  يكتب  للكورنثيين     :
 مرت  سنتان   والرسول   يبدوا انه  قد  استقر  فى افسس  الى  جأته اخبار   من  اناس  خلوى   والذين  اتوا  لتوهم من كورنثوس  . فلقد  حدث  نوع  من الانقسامات  والاضطرابات  فى  كنيسة كورنثوس   والتحزبات  ( ذكو  1  _10  و4  :21  )  ولقد  وصل  البعض  من  اهل  كورنثوس  الى اعتبار ان الرسول بولس   اقل  من  الرسول  بطرس  لان  الاخير قد  رأى المسيح  بينما  بولس  لن  يراه  ولم  تقتصر  الشاكل  على  الانقسامات  بل  وصلت الى  الانحلال  الخلقى  فلقد  تزوج  احد  الكورنثيين من  زوجة  ابيه  كما ان  هناك  مشاكل  تحدث  اثناء  عشاء  الرب  (  فحين  تجتمعون معا ليس  هو  لاكل  عشاء  الرب   لان  كل  واحد يسبق   فياخذ  عشاء  نفسه  فى الاكل  فالواحد   يجوع  والاخر  يسكر   فاليس  لكم بيوت  لتاكلوا فيها وتشربوا  ام  تستهينون بكنيسة الله  وتخجلون  اللذين ليس  لهم    ماذا اقول  لكم  على  هذا  لست  امدحكم  )  1 كو  11  :  20__22  .  كما  كان  هناك  مشكلة  مع  الاكل  اليومى  فلقد  كانت  انواع  اللحوم  فى  كورنثوس  تباع  فى    الاسواق  التى  تتعامل  مع  المعابد  الوثنية   فمن  اين  يشترى  المسيحيون  اللحم  وهل  من  المناسب  للمسيحيين  ان  يأكلوا من  اللحم  الذى  سبق  وذبح  للاوثان  ؟  وانقسم  المؤمنون  فى  كورنثوس  فالبعض  لا  يرى  اى غضاضة  فى  الاكل  مما  ذبح  للاوثان  والبعض الاخر  يخاف  ان  يؤدى  ذلك  الى ان  يصبح  المسيحين شركاء  فى  الذبح   للاوثان  وبالتالى  فى الطقوس  الوثنية .
ولقد  اكتشف   الباحثون  من  سنوات مكان  هذه  الملحمة  والتى  عثروا  فيها  على  33   محل