-خواطر من دبى وابو ظبى .. الاب الدكتور أثناسيوس
حنين ـ مطرانية بيرية
خطفنى صديق صدوق وصادق بدعوة كريمة
وسخية لزيارة دبى بعد أن شاهد بوادر حزنى واكتئابى على شئون البلاد واحوال العباد.
. سافرت من أثينا الى دبى مرورا بالغالية استانبول (وهى ذات كلمة القنسطنطينية)
.الخطوط الجوية التركية شهادة على ان الانسان التركى ’ اذا نسينا سياسات حكامه
العثمانية ’ هو انسان اوروبى رائع.
تبهرك هذه البلاد بمجرد أن تطأ
ارجلك مطار دبى الدولى حتى وان كنت قد سافرت الى بلاد كثيرة وكبيرة مثلى . لمحنى
ضابط الجوازات الخليجى بلباسه الابيض الوطنى وعقاله الجميل ’ لمحنى بثيابى
الكهنوتية اليونانية وصليبى البيزنطى الضخم اللامع على صدرى وأنا أقف فى الصف(مثلى
مثل الناس) ’ استدعانى وأخرجنى من الصف ودعانى بحضرة القسيس وختم جوازى قبل الجميع
وبابتسامة عريضة وراحة نفسية بادية على محياه . هذه البلاد احتفلت بثلاثة واربعين
عاما فقط على تأسيسها . بلد له من العمر سنينا قليلة صنع معجزة لم يصنعها غيره من
الشعوب التى تحمل أوزار تاريخ الاف من السنين ’ سألت نفسى وأنا أتجول فى برج خليفة
الذى هو اعجاز معمارى ومنارة ثقافية وحضارية ’ هذه الشعوب ليس لها تاريخ وصنعت
حضارة وأسست بنية تحتية على أحدث طراز: هل فقدان الذاكرة التاريخية هو المدخل الى
الابداع خاصة اذا كان التاريخ سجنا كبيرا ان لم نشتره ابداعا ونمطره بوابل من
الاسئلة المصيرية ؟..
.زرنا مسجد الشيخ زايد بن سلطان ال
نهيان فى ابو ظبى, تحفة معمارية ولولا تناسيت لحيظات القبلة الاسلامية ’ ستشعر أنك
فى بهو كنيسة بيزنطية ’ الاعمدة والثريات والرسومات . الفن الاسلامى والعمارة
والموسيقى فى اصوات المؤذنين هذه كلها ولدت فى احضان الثقافة البيزنطية. فى هذا
الأثر الكبير , حيث يوجد قبر الرجل الذى سن قانونا لسياسة الدولة كما يسوس الراعى
والاب عائلته ’ سمعنا عن بلاد يدعى فيها الحاكم أنه أب وشعبه يتامى وبلده ملجأ
أيتام كبير. كان الحكم وما يزال بابوة حانية وبكرم كبير وجزالة وفيرة. الدولة تعطى
الناس بيوتا والتعليم والاستشفاء والامان . تشعر أن الحاكم محبوب بسبب من عدالته
ونزاهته ’ عشت فى مدينة دبى فعلا ما سمعته لفظا من أن النظافة من الايمان. أمن هذا
الشعب أن النظافة هى الحل كما همس لى صديقى . لم أشاهد مبنى قبيحا او شارعا ضيقا
أو ورقة ملقاة على الطريق. مترو دبى الصغير أنظف وأكثر تقنية من مترو باريس
العملاق . تحس ’ هنا ’ أن المواطنين مقتنعون بالقانون وتقاليد العائلة حتى الحب.
تذهلك الرؤية حتى الصدمة . أأنت فى صحراء العرب وجردائها أم أنك قفزت الى عالم
جديد يظهر حسن استثمار بركات البترول.
الصدمة والانبهار يقودانك حتما الى
المقارنة وأحصرها فى بلادى . كيف ما استطاع المصريون فى حقل من الحقول أن يبلغوا
هذا المستوى من الحسن والنظام والابداع والنظافة والأمان ؟ هل أفسدتهم حضارة الاف
السنين ؟ هل فى هذه الحالة ينفع التغنى بغنى التراث وقيمة الامجاد والواقع مهترئ
ومهلهل ؟ العل سبب نجاح الخليجى الباهر هو أن تحرر من صرعة التاريخ وتشنجاته ! شعب
له من العمر بضعة سنوات استصلح الصحراء وحولها الى جنات وأبراج بحرمة القانون
والرغبة فى الرقى والسعى الدؤوب بينما شعوب عريقة جرفت الاراضى الزراعية وبورتها
بالتحايل على القانون .
وسائل اعلامهم المرئية والمقرؤة غير
مشغولة بشئ سوى البناء والتعمير والتقدم والرياضة والموسيقى والازدهاروالسلام بين
الناس . هذا التعايش العجيب والسلمى بين أناس من كل الامم ومن كل الشعوب ومن كل
القبائل . ترى الحجاب جنبا الى جنب مع الشورت الساخن والملابس الاوربية الفضفاضة
والشفافة مع الزى الوطنى الذى لا يظهر غير عيون الخليجيات الرائعة فى السواد
والحسن والجمال ’ وكأن النساء الخليجيات الرشيقات قد قررن أن لا يظهرن للناس غير
عيونهن السوداء الجميلات وعليها النظارات من أرقى الماركات العالمية . تتجول فى
مولات دوبى لترى كل كبريات محلات الموضة والاطعمة من كل العالم .
أراد صديقى أن يجول بى فى المولات
الانيقة وخاصة مول الشيح خليفة وبرجه الأعلى من برج أيفل ’ فرجوته أن يقودنى الى
حبى الاول والاخير الى المكتبة ويتركنى . دخلت المكتبة واذا بها غنية وغناء الكتب
كثيرة وفى كافة المجالات ’ تفهم سر تفوق هذه البلاد من كتبهم ’ معظمها عن الابداع
والتفكير والاستئمار وعالم المال والبيزنيس . اللغات السائدة على عالم الكتب هنا
هى الانجليزية والعربية الفصحى . ركن الكتب الاسلامية غنى جدا وباسعار معقولة جدا
.
القسم العربى تدخله وأمامك لافتة
كبيرة مكتوب عليها " أقرأ بأسم ربك ..أقرأ وربك ألأكرم الذى علم بالقلم
" . هذا الاله جدير بالاحترام بغض النظر عن معتقدك . وترى كتب التراث
والاسلام كما هو وكما يريد أن يقول نفسه بدون دفاعيات وعنتريات بلاغية . وقعت على
كتب فى السياسة وفى التاريخ وفى الادب العربى والمترجم .
لمحت " اللاهوت العربى "
للصديق يوسف زيدان وقصة الثورة –دار الشروق 2013 . ما لفتنى فى "قصة الثورة
" هو الفصل الخاص بوقائع (انهيار مكتبة الاسكندرية) ظننته يتحدث عن المكتبة
قديما ولكنه يتحدث عن المكتبة الحديثة وكيف انه تم تجميع المليارات من التبرعات
للصرف على المكتبة ! ذكرتنى هموم الاستاذ يوسف بلقائى مع الاستاذ الدكتور اسماعيل
سراج الدين مدير المكتبة فى السفارة المصرية فى أثينا . كان الرجل فى صحبة السيدة
الاولى وقتها سوزان هانم مبارك . كنت فى شرف استقبال السيدة الاولى وقد جاءت لجمع
التأييد والتبرعات لمكتبة الاسكندرية ’ ولقد تبرع اليونانيون بسخاء ظنا منهم أنها
ستعيد أمجاد مكتبة الاسكندرية القديمة. عرضت على الدكتور اسماعيل خدماتى ولم اتلق
ردا . الحس الدراسى والعلمى النقدى لتاريخ الاسلام وهاجس أنسنة الفكر الاسلامى لم
يغب عن المكتبة ’ وجدت كتاب المفكر العربى الفرنسى محمد أركون كنت قد رأيته باللغة
الفرنسية Islam et Humanism
(الأنسنة والاسلام .مدخل تاريخى نقدى ) دار الطليعة بيروت 2006 ..
شدنى عنوان لكتاب ضخم (وعاظ
السلاطين ) للدكتور على الوردى – بيروت 2013 . يصلح هذا الكتاب للتدريس فى معاهد
اللاهوت لأنه ينتقد نقدا علميا وعاظ السلاطين الذين يفصلون الكلام الالهى العملاق
على مقاس الاقزام من الحكام الجهلاء . يرى الدكتور الوردى أن الوعظ السلطانى
والسلاطينى والمتسلطن (الصفتان الاخيرتان هما من عندياتى) ’ يسبب ’ بما يحوى من
تناقض بين القول والفعل ’ الصراع النفسى وازدواج الشخصية ولا يصلح أحوال الأمة
والمجتمع . الدكتور هاشم صالح يكتب عن (الاسلام والانسداد اللاهوتى) دار الطليعة
2010 وايضا (الانسداد التاريخى –لماذا فشل مشروع التنوير فى العالم العربى –دار
االساقى بيروت 2010. أجمل ما قرأت هو كتاب (سلطان بيزنطة ) وهو كتاب يمدح فى
الحضارة البيزنطية ودورها فى النهضة العربية والاسلامية بشكل روائى . الى هنا
والخبر عادى ’ غير العادى أن الكتاب صدر اصلا باللغة التركية Buzans Sultani الشعوب الراقية وحدها
تعترف بفضل الأخرين عليها.
قطع صديقى الذى كان يبحث عنى لاهثا
فى ارجاء المكتبة بعد ساعات لم أحصيها وخطفنى بالقوة وقصدنا مطعا للفول والطعمية
مصرى ( الوطن قتال) ’ اسمه الأمير ’ وهنا نقول ان المصرى خاصة والعربى عامة انسان
مبدع وخلاق ’ اذا ما توفرت له البيئة الطيبة والقيادة الصالحة ’ فقد خلق الأمير من
الفول والطعمية مطعما اوربى خليجى النظافة مع خليط جميل من الموسيقى والاغانى
المصرية والخليجية.
رحلة أخذت منها الكثير والكثير .
لعلنى بهذه الأنوار التى رأيتها مرتسمة على وجوه الناس والأحبة ’ أستطيع أن أستقبل
بحب العام الجديد وميلاد الحياة . وكل عام والضفتان وقراءها الأعزاء والأذكياء
بالخير والحب والمعرفة والى مزيد من الابداع .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire