vendredi 1 avril 2016

سته ايام الخليقة بين لاهوت الكرازة الاولى وقضايا الانسان المعاصر وحوار الحضارات الأ ب اثناسيوس اسحق حنين



سته ايام الخليقة بين لاهوت الكرازة الاولى وقضايا الانسان المعاصر وحوار       الحضارات                                                                          
الأ ب  اثناسيوس اسحق حنين                          
               
مقدمة                                                                                                                 

المسيحية فى انطلاقاتها الاولى هى رسالة مصالحة وبحث دائم عن القواسم المشتركة بين بنى البشر فى كل مكان وفى كل زمان ولم تكن لتفتخر ابدا انها ديانة خلاص العالم لو لم تكن واعية برسالتها ( ان الله كان فى المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة θέμενος έν ήμίν τόν λόγον τής καταλαγής5:16والتعبير اليونانى καταλαγής يعنى فى لغة العهد الجديد (being put into friendship with God , leading
others to be put into friendship with God 9
(2كو 5 :16 –21 ) هذه المصالحة أسسها الرب وسلمها لتلاميذه مع روحه القدوس لكى يسعوا بها فى الارض كسفراء المصالحة(πρεσβεύομεν )                                                 
واذا كان الله قد خلق العالم باللوغوس وفداه باللوغوس المتجسد فتكون رسالة المصالحة مع المؤمنين هى الشركة فى لوغوس الفداء اى فى الخرستولوجيا وعمل المسيح الخلاصى كما يحدث اليوم بين كنيستنا القبطية الارثوذكسية والكنائس الارثوذكسية التى نعبر عن سعادتنا بعودتها الى حرية الكلمة والشهادة على يد ابائها وعلمائها الاوائل والمعاصرين لكى تأخذ دورها اللائق فى العائلة الارثوذكسية وتكون رائدة فى دفع عجلات الحوار ليس فقط من اجل التقارب والوحدة بين المسيحيين بل التقارب بين الحضارات والحوار بين الثقافات والحوار مع غير المؤمنين او الذين ( هم من خارج ) حسب التعبير الابائى¨Εξωθέν) ) يمكن تأسيس الحوار انطلاقا من لاهوت الخليقة الاولى وجمال الخليقة الاولى فالمسيحية الاولى شبعانة بالرؤية الكونية التى يشترك فيه كل البشر والتى يمكن ان نجد فيها الاساس اللاهوتى والانثروبولوجى للحوار حول قضايا الانسان والبيئة وثقافة قبول الاخر والتهديد النووى والبطالة بين الشباب وغيرها من القضايا التى تشغل العالم المعاصر فى زمان صار فيه العالم قرية صغيرة بما يعرف بظاهرة Globalisation والتى سنتناولها بالتفصيل لاحقا وثم الكرازة التى تركز على التكامل فى المسيح والدور الهام الذى يمكن ان تلعبه على المستوى اللاهوتى قضية جمع كل شئ فى المسيح والتى شغلت الفكر الابائى فى الكنسة الاولى (Ανακεφαλιώσισ ) وعلى انه بالنعمة والحق يعود الانسان الى رتبته الاولى حتى يكمل خلاصهم وينضموا لجسد لوغوس الخليقة الجديدة كما نصلى فى القداس القبطى للقديس باسيليوس(غير المؤمنين ردهم لتنقضى افتراقات البيعة او الكنيسة )                                 
.
واستلم الاباء الاوائل هذه الخدمة التى للمصالحة فأبدعوا فى لغة الحوار والتواصل مع كل الثقافات وغرسوا رسالة الانجيل فى تربة كل الحضارات حتى ان احد اباء الكنيسة الاولى المؤسسيين للكرازة الاولى ورسول الحب الاول لم يكتفى ان يرى هذه المصالحة بين الامم والشعوب فى المسيح هنا على الارض بل راها معلنة فى السماء (من كل الامم من كل الشعوب من كل القبائل ) رؤ7 :9 وبالتأكيد فان هذه الشعوب لن تأتى فارغة امام العرش بل ستحمل معها اعمالها وتراثها وثقافاتها وتاريخها التى عمدتها بدم الحمل ودموع التوبة والجهاد .                                                
ما هو السبب فى ان الاباء الاوائل يتوجهون بهذا القدر الكبير من التفاؤل والثقة الى كل الامم وكل القبائل ؟ هل من اساس لاهوتى ؟ كيف نجح علماء الكنيسة الاولى فى تجاوز ما يسمونه اليوم (صدام الحضارات ) واستطاعوا التواصل والحوار مع الحضارتين العبرانية والهلينية وان يقيموا حوارا مع اعتى المدارس الفلسفية والحكام الفلاسفة مثل ماركوس اوريليوس وغيره(رسائل يوستينوس الشهيد الى الامبراطور يصف له فى قالب لاهوتى روحى ولغوى رائع ادق تفاصيل حياة المسيحيين الاوائل ) والتعاطى الفكرى والدينى مع المؤسسات الدينية الراسخة فى البيروقراطية مثل السنهدريم ومجمع علماء اليهود رؤساء الكهنة( الحوار بين يوستينوس العالم المسيحى وتريفون العالم اليهودى ) وحرفية الكتبة وتعصب وانغلاق ذهن الفريسيين للديانة اليهودية بدون ان ننسى حوارات العلماء المسيحيين مع الفلاسفة وهنا يبرز حوار العلامة اوريجينوس مع الفيلسوف الوثنى كلسوس ولعلنا نحتاج الى التمعن فى ما يسمى فى تاريخ الكنيسة بظاهرة (الاباء المدافعيين ) الذين تصدوا للحوار مع فلاسفة واباطرة العالم المثقفين مما جعل رسالة الخلاص تتغلغل فى شعوب لم يكن لها ماضى مع الله بل مع الاوثان ولم تكن ابدا من (خاصته ) يو1:11 على هذه الاسئلة تحاول هذه الدراسة المتواضعة تقديم بعض الافكار للحوار                                                                      
                                                                    
1-منهج الكنيسة الاولى فى الكرازة :                                                                          
                                                                      
ان اباء المسيحية وعلمائها اتبعوا المنهج اللاهوتى الذى اتبعه الله فى التعامل مع البشرية والذى اسسه لاهوتى الكنيسة الاول بولس ( الله بعد ما كلم الاباءبالانبياء قديما                             
Πάλαι بطرق وانواع كثيرة كلمنا فى هذه الايام الاخيرةΕπί έσχάτου τών ήμερών فى ابنه (λάλησεν ημίν έν υίώ عب 1 :1بين قديما والايام الاخيرة بين كلم الاباء وكلمنا بين بالانبياء وفى ابنه وجد المسيحيون الاوائل مؤمنين وعلماء الفرصة لتنوع لاهوتى من اجل الرعاية فلم يوجهوا نفس الخطاب اللاهوتى Το Κυρήγμαلليهود والوثنيين والعلماء والعامة فهنات اختلافات لاهوتية كبيرة بين خطاب بطرس يوم الخمسين لليهود(اع 3 ) وخطاب بولس لليونانيين فى الاريوس باغوس فى اثينا (اع 17 ) والذى فرض هذ التعدد والتنوع وليس الاختلاف او التناقض فى الخطاب اللاهوتى هو الاحتياجات الرعوية والرغبة فى التواصل والحوار مع اليهود انطلاقا من التراث اللاهوتى والروحى المشترك وهو النبوات واحداث العهد القديم الكبيرة كالخروج من مصر ( اع 2 -14 )ومع الامم انطلاقا من التراث الروحى والثقافى المشترك وهو روحانية الدم الواحد وشهادة الشعراء ونظام الخليقة كما اكد ذلك بولس فى الاريوس باغوس (اع 17 -22-رو1 :20)
هذا التعدد الحضارى والثقافى والروحى فى الكيريجما اى فى الخطاب اللاهوتى الواحد يعود الى ان الاباء قد وازنوا بين لاهوت السقوط والفداء الذى هو اساس لاهوت العهد الجديد                   
وبين لاهوت الخليقة الذى هو اساس الخليقة التى سيفديها الله بدمه الخاص حسب تعبير الاباء فلاهوت الخليقة الاولى هو روحانية لحظات الحب الاول بين الله والبشر هو العودة بالروح الى ستة ايام الخليقة الاولى حيث خلق الله كل شئ ورأى انه (حسنκαί είδεν ό Θεός ότι καλόν ( وحينما خلق ادم وصنع له نظيرا ومعينا فى اول عقد زواج فى التاريخ المقدس رأى ذلك انه حسن جدا καλά λίαν ) وقد تعلمنا فى فصول مدارس الاحد حقيقة لاهوتية كبيرة وهى ان هذه الايام ليست اياما كايامنا اى اربعة وعشرين ساعة بل هى حقبات من الزمن طويلة واذا كا ن العلماء يرون ان عمر الكون هو 20 مليار سنة وظهور الانسان على الارض عمره 4 مليار سنة فيكون العالم قد عاش فى النعمة الاولى للخليقة حوالى 19 مليار سنة                                                     
وهنا تأتى الضرورة اللاهوتية والانسانية وراء التأمل فى هذه الايام الاولى لنشأة العالم حتى نجد قواسم مشتركة مع الخليقة كلها والانسانية جمعاء مما يساعد على افراز لاهوتى كرازى وحوارى جديد يقوم على فهم ابائى للابعاد الكونية للتجسد ليرد الانسان والانسانية والخليقة والطبيعة الى رتبتها الاول بعد ان نقض الحاجز المتوسط وهدم العدواة القديمة بين الامم                             
ولعلنا نجد فى هذه الابعاد اللاهوتية والانسانية للخلقة الاولى الاساس العلمى لاقامة حوار رصين مع حضارات وثقافات العالم .                                                                                 
ان الانقطاع الطويل عن التراث الابائى المؤسس على الكتاب المقدس فى الحوار مع الثقافات والافكار والاديان والسياسيين قد ادى الى التركيز المغالى فيه منذ العصور الوسطى المسيحية على لاهوت وروحانية السقوط والفداء -رغم انها العقيدة الاساسية فى المسيحية - مما قد ادى الى عزل وتهميش اكثر من ثلثى الكرة الارضية الذين لا يجدون انفسهم ولا تراثاتهم فى روحانية السقوط والفداء والذين يحتاجون الى جهد رعائى و تفسيرى خاص لكى يجدوا لهم مكانا على صدر الرب

2 -الخليقة الاولى كمادة لاهوتية للكرازة والحوار                                                      
                                               
القصد من وراء تعبير الخليقة الاولى هو خلق العالم والانسان وايام النعمة الاولى فى حضرة الله قبل السقوط وجمال الخليقة الاولى ومشاركة ادم لله فى الاشراف على الطبيعة وتسمية الكائنات وهذه القضايا شكلت عند كتاب العهد الجديد والاباء الرسوليين والاباء المدافعين مادة للحوار تصدى له المسيحيون الاوائل بشجاعة واقدام وابداع وجرأة لاهوتية وانسانية لانهم مثلهم مثل سيدهم كان الانسان وخلاصه هو قصدهم لانهم كسيدهم (عرفوا ما فى الانسان )يو 2 : 25 ما فى الانسان من خير وتراث طيب وما فى الانسان من صورة الله وان تشوهت بالسقوط والدليل هو الاخوة الاوائل قايين وهابيل منهم الشرير ومنهم الخير وابراهيم تبرر بالايمان قبل الناموس اى ان السقوط شوه ايقونة الله فى الانسان ولم يمحو حرية الارادة وفى هذا رد على بعض الانتقادات المعاصرة حول ما هو ذنب الانسان ان يرث خطية لم يفعلها والاباء يرون انه لم يرث ارادة الشر فهو حر ان يصنع الخير او الشر بل ورث حالة من الاحباط والغربة عن بيت الله ولعل التمعن والتأمل فى حلاوة العشرة الاولى بين الانسان والله والطبيعة يجعلنا نتسال اذا كنا فى ادم وحواء قد شاركنا فى نعم وعطايا وبركات الخليقة الاولى فهل نتركهم فى محنتهم ولا نشارك ابوينا الاولين فى محنتهم التى هى محنتنا جميعا وهذه المحنة سماها التقليد الخطية الجدية الا انها لم تمحى من الانسان صورة الله حسب التقليد الارثوذكسى وهذ يعد مبداء انثروبولوجى هام جدا عند الاباء ومن الامثلة القديس اثناسيوس الذى مهد لكتابه عن تجسد الابن الوحيد واعادة الانسان الى (صورته ) الاولى بكتاب فتح فيه الحوار مع المثقفين اليونانيين وهذه الرؤية اللاهوتية للايام الستة الاولى للخليقة وضعت الاساس للاباء لكى يبشروا الانسانية كلها ببشارة الخليقة الجديدة فى المسيح مما يفتح افاقا كبيرة للحوار بين المسيحيين انفسهم على تعدد ثقافاتهم وبين المسيحيين والذين هم من خارج على اساس ثقافى وحضارى                                                                                                  
الاباءرأوا احيانا كسيدهم فى الامم ايمانا اعظم من بنى اسرائيل لقد اسسوا لاهوت الكرازة للامم وساهموا فى حل المعضلات الفلسفية والازمات الانسانية والوجودية التى التى عاشها الناس فى اواخر امجاد وازمات امبراطوريات العالم القديم .                                                     
                                                   
3 -بولس الرسول لاهوتى الخليقة الاولى :                                                                    
                                                              
بالرغم من ان رسول الامم هو اكثر من تكلم عن ان المسيحية بعهدها الجديد هى الحل النهائئ لكارثة السقوط وانها قسمت التاريخ الى عهد النعمة وعهد الناموس وان المسيح هو الكل فى الكل(رسالة رومية وغلاطية وافسس ) الا انه فى تعامله مع غير المؤمنين من مثقفى عصره ينهج منهجا اخر وهذا النهج استمر عند الاباء الرسوليين والاباء الكبار الى ان انقطعت اوصال هذا اللاهوت الوفاقى الكرازى مع العصور الوسطى وظهور اللاهوت السكولاستيكى الدفاعى الذى اعتمد فلسفة ارسطو اكثر من تراث الاباء وما القطيعة بين اللاهوت الغربى فى العصور الوسطى وبين العلم وقضايا الانسان الحيوية الا دليل على الفصام الذى حدث بين لاهوت الخليقة الاولى وبين الانسان فى العصر الوسيط وربما هذا القطيعة تفسر العودة المبالغ فيها الى احتضان العلوم الانسانية والثقافات فى الغرب المسيحى بصفة عامة وفى المجمع الفاتيكان الثانى(1963) بصفة خاصة والتى لم تخلو من تجاوزات كما سبق وذكرنا وهناك مثل فلسفى قد ينطبق فى هذا الصدد Celui qui est trop marrie avec un age devient veuf l,autre age )) وهو يعنى ان الذى (يتزوج ) عصرا ما اكثر من اللازم سوف يصير (ارمل )فى العصر التالى !                                     
الرسول بولس اسس المنهج الحوارى مع الثقافات والحضارات ففى قلب اثينا عاصمة الفكر والفلسفة فى العالم القديم يؤسس الرسول ارقى حوارات الحضارات بين الايمان المسيحى الناشى واليونانيين المثقفين الذين كانوايبحثون عن كل امر جديد فقد اسس الحوار على اساس لاهوت الخليقة الاولى اى رجع بنا الى لحظات تأسيس العالم الاولى والتى من حق كل انسان ان يفتخر بها لقد عاد بنا الى لاهوت الخليقة الاولى الى (الاله الذى خلق ό Θεός ό ποιήσας τόν κόσμον καί πάντα έν αύτώ
العالم وكل ما فيه اذ هو رب السماء والارض لا يسكن فى هياكل مصنوعة بالايادى ) اع 17 : 24
وهذا الاله هو مصدر الحياة (اذ هو يعطى الجميع حياة ونفسا وكل شئ διδούς πάσι ζωήν καί πνοήν καί τά πάντα ) ثم يأتى الى الاساس الانثرويولوجى بعد ان ذكر الاساس اللاهوتىوهو الخليقة وهذا الاساس الانثروبولوجى للحوار مع الوثنيين المثقفين هو (وصنع من دم واحد كل امة يسكنون على الارض εποιήσεν εξ ενός αίματός πάν έθνος ανθρώπων

4 -الخليقة الاول كوسيلة للكرازة فى الكنيسة الاولى :                                                
                                               
تعتبر عظات القديس باسيليوس حول (ايام الخليقة الست الهيكساميرون ) من اهم النصوص اللاهوتية التى تعد مصدرا هاما لكل حديث لاهوتى وانثروبولوجى فى الخليقة الاولى وهى عبارة عن تسعة وعشرين عظة وقد كتب امبروسيوس عن ايام الخليقة الاولى ولم يأتى بجديد لانه اعتمد على باسيليوس وكما وحد باسيليوس فى حياته بين نسك البرية القبطية وبين علوم اثينا اللاهوتية والخياة والخبرة الليتورجية فهو واضع القداس الذى يحمل اسمه والذى تصلى به الكنيسة القبطية معظم ايام السنة العام فقد وحد فى شرحه لايام الخليقة الاولى الستة (الهيكساميرون ) بين ا لسجود الخاشع والليتورجى امام سر جمال الخليقة الاولى ووعظمة الخالق وبين تأمل العقل الساجد والناسك فى اسرار وجمالات الايام الخليقة الاولى وبين الرجوع لعلوم عصره فى الفلك وعلوم الطبيعة واراء الفلاسفة فى الخلق ودحضدها على اساس الرؤية اللاهوتية ويقول عن الخليقة (فى البدء خلق الله الطبيعة الطوباوية والصلاح النقى والجمال الذى يشتاق اليه محبى الحكمة وينبوع الحياة ونور الصلاة العقلية ) ويتسأل عن كلمة البدء Εν αρχή وسبب استعمالها فى النص فيقول حتى لا يقولون عن الله انه بلا بداية Ανάρχος وعن الدور التربوى والروحانى للخليقة يقول (ان هذا العالم بما فيه من مخلوقات مرئية وغير مرئية يقوم بدور الديداسكاليون والبيديفتيريون للنفوس البشرية اى المدرسة والمعهد التربوى Τον Κοσμον μεν διδασκαλέιον καί παιδευτήριον τών ανθτωπίνων ψυχών)
ولعلنا نجد هنا الاساس الابائى لما يعرف فى العصر الحديث باللاهوت الطبيعى او لاهوت الطبيعة Natural Theology والذى انحرف عن النهج الابائى والكتابى وصار يعبد العالم المخلوق والطبيعة دون الخالق(رو1 :23 ) ويذهب باسيليوس ابعد من مجرد ان العالم او الكوزموس مدرسة ومربى للنفوس الى ان يقول ان الخليقة الاولى هى وسيلة لمعرفة الله وهو هنا يلتقى مع الرسول بولس فى رومية 1 : 19 فالعالم كما خرج من يد الله هو مدرسة النفوس المفكرة ومعهد تربية معرفة الله Τον κόσμον ψυχών λογικών διδασκαλείον και θεογνωσίας έστί παιδευτήριον)
وهنا لا يمكن ان ننسى الناسك القبطى ابو الرهبنة شرقا وغربا انطونيوس الكبير الذى حينما سأله الفلاسفة اليونانيون عن ماذا يقرأء فى هذه البرية القاحلة وعن كيف يتثقف فقال لهم ( ان الطبيعة هى كتابى (Η φύσις εστίν το βιβλίον μου ) ويتأمل القديس باسيليوس فى لماذا لم يذكر الكتاب تفاصيل خلق السموات والارض ويرى باسيليوس ان هناك تفاصيل كثيرة لم يتكلم عنها الوحى مثل الماء والنار والهواء وما ينتج عنها من ظواهر ولقد اغفلت قصة الخلق هذه الظواهر لكى يدرب الانسان عقله على التمعن فى بقية اسرار الخليقة                                                            
Παρέλιπε δέ η ιστορία , τόν ήμέτερον νούν γυμνάζουσα πρός εντέχειαν ,έξ όλίγων άφορμών παρερχομένη έπιλογίζεζσθαι τά λειπόμενα )
والقديس باسيليوس يسير على نهج القديس بولس فى وضع الخليقة الاولى فى مكانها اللاهوتى الذى جعلها عند بولس موضوع الكرازة الاول للامم كما نرى فى الاصحاح الاول من الرسالة الى اهل رومية حيث يعتبر بولس ان الخليقة الاولىبما فيها من جمالات وابداعات كافيةلمعرفة الله (لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر τά γάρ άόρατα αύτού άπό κτίσεως κόσμου τοίς ποίμασιν νοούμενα κατοθοράται ,ή τε άίδιος αύτου δύναμις καί αθειότης , είς τό είναι αύτους αναπολογήτους ) ) رو1 -20 ويعبر الرسول مع باسيليوس ان التمعن فى الخليقة الاولى كمرحلة اولى فى الكرازة كفيله بمعرفة الله لان معرفة الله ظاهرة فيهم (το γνώστόν του θεού φανερόν έστιν εν αυτόίς ο Οεός γάρ αυτοίς εφανέρωσεν ) ولابد ان تؤدى بالنفوس الصادقة الى التمجيد والشكر وهنا تتحول الخليقة الى ليتورجيا كونية كما يرى اللاهوتى الروسى الراحل الكسندر شميمان فى مؤلفه المعروف For The Life of The World)) والذى جاء فى اواخر ايامه الى بلادنا مصر وجال على اديرة البرية القبطية والتقى ابو الرهبنة المعاصرة وباعث النهضة القبطية المعاصرة قداسة البابا شنودة الثالث وذلك فى عام 1977 .                               
ولكن فى حالة هؤلاء لم تتحول معرفة الله عن طريق خلائقه الى التمجيد والشكر بل الى الحمق والغباء وظلمة القلب (διότι γνόντες τόν Θεόν ούχ ώς Θεόν έδόξασαν ή εύχαρίστησαν , αλλ΄ έματαιώθησαν έν τοίς διαλγισμοίς αυτών καί έσκοτίσθη ή άσύνετος άυτων καρδία ( ويلاحظ القارئ ان تعبير (εύχαρίστια ) وتعبير (δόξα ) هى تعبيرات لاهوتية دخلت فى الحياة الليتورجية للكنيسة
وتتميز النظرة الابائية للخليقة الاولى بقدر كبير من التفاؤل والايجابية ويتضح ذلك من رؤية القديس باسيليوس لسبب ظهور الظلمة على وجه الارض ( وعلى وجه الغمر ظلمة καί σκότος έπάνω τής άβύσσου ) فيرى ان الظلمة ليست فى جوهر الخليقة الاولى لان الله خلق كل شئ حسن وحسن جدا ولكنه جزء من الخواء بسبب طبيعى لم يصله النور                                        
.واما عن ان روح الله الذى يرف على وجه المياه فهو الروح القدس الذى للثالوث الطوباوى الالهى Πνεύμα Οεού ή τό άγιον το της Θείας καί μακαρίας Τραάδος συμπληωτικόν όνομάζεσθαι) ويرف عند باسيليوس اى يمارس دوره الابداعى فى تشكيل الارض اى ليعطيها حياة وهو يرف عليها حتى لا ينقص الارض شئ من فعل الروح الخلاق (ζωγονίαν τήν τού ύδατος φύσιν παρασκευάζοντος ώστε ίκαώς έκ τούτου τό παρά τινών έπιζητούμενον δείκνυαθαι , ότι ούδέ τής δημιουργηκής ένεργείας τό Πνεύματος τό άγιον άπολείπεται )
.
ويشارك القديس كيراس الكبير فى الحوار حول الخليقة الاولى فيخصص فصلا فى كتابه (العبادة بالروح والحق ) للحديث عن الظلال والرموز اللاهوتية فى خلق العالم والانسان                  
.

5 –لاهوت الخليقة الاولى ومشاكل الانسان المعاصر :                                                  
                                              
يجمع علماء الانثربولوجى وعلم الاجتماع بل والسياسيين ورجال المال والاقتصاد على ان ازمات الانسان المعاصر كبيرة ولعل هذه الازمات تظهر بشكل قوى فى العالم الغربى حيث مساحة الحوار كبيرة والقدرة على الحياة فى ثقافة الاختلاف صارت تربية يومية فالانسان المعاصر يجد نفسه وحده فى مواجهة ازمات الوجود ولم يعد الخطاب الدينى التقليدى يشبع جوعه الى الله بل وصار الدين والخطاب الدينى المتشنج والغاضب سببا من اسباب الصدام بين الحضارات ويرى المحللون ان الصراع الدائم اليوم بين الغرب وايران على السلاح النووى انما فى اعماقه صراعا يخفى تشنجا دينيا فالرئيس الامريكى يرى انه مرسل من الله لتغيير مجرى التاريخ والرئيس الايرانى يرى نفس الشئ والصراع فى العراق بين السنة والشيعة والحرب بين الصرب والكروات ووظهور الارهاب الدولى الذى يعانى منه العالم ونعتقد ان الشعوب الارثوذكسية التى ليس لها ماضى استعمارى كالاقباط والروس واليونانيين والسريان والانطاكيين والارمن وشعوب افريقيا والتى اعطت الخد الاخر للاخر الدينى(مذابح الارمن على يد الاتراك واليونانيين فى اسيا الصغرى حيث قتل الاتراك مليون ونصف وهجروا مثلهم وخربوا كل البلاد التى اسس الرسل فيها كنائس العهد الجديد ) وسارت الميل الثانى مع الاخر الثقافى بما لها من رصيد لاهوتى وروحى تستطيع ان تساهم فى تقديم رؤية جديدة للمصالحة والاقباط بما لهم من رصيد روحى هائل فى التعايش مع الثقافات والاديان وانظمة الحكم وامزجة الحكام وبما قدموه للعالم من رؤية لاهوتية وروحية يستطيعون تقديم تجربتهم اللاهوتية فى كيفية تطويع تراث مصر القديم والوثنى للمسيح وهذا يحتاج الى بحث منفرد والان نعود الى التعرف على اهم معالم او لنقل ازمات الانسان المعاصر :
اولا :ازمة البيئة Ecological Crisis                                                                
فهناك خطران يهددان عالمنا اليوم وترعب الانسان كل انسان بغض النظر عن لونه او جنسه او ديانته او عمره او وضعه الاجتماعى واولهما (ازمة البيئة ) فالعلماء اليوم يرون ان الانسان يحصد بالشح من الطبيعة ما سبق وزرعه بالشح من تلويث للبيئة وهذا التلوث يؤثر على قدرات الانسان وطاقاته ويرى عالم الجيولوجيا توماس بيرى ان الانسان بما القاه فى الطبيعة من منتجات كيمياوية لم يعد محتاجا لحرب نووية لافساد الارض ويقول عالم الفيزياء اينشتاين ( اننا بقدرتنا على تفتيت الذرة استطعنا تغيير كل شئ الا طريقتنا فى التفكير )                                                     
والبشرية تسير نحو كارثة كونية ولابد من تغيير طريقة التفكير بشكل جذرى ويرى الباحث الاب فوكس ان العودة الى التراث الكتابى والابائى للخليقة الاولى يمكن ان يشجع العلماء والفنانين واللاهوتيين على العمل من اجل عالم افضل بدون حروب .                                             
فنشر ثقافة ان هذا العالم هو من صنع المهندس الاعظم سيضع اساس لاهوتى كبير للحفاظ على البيئة وحب الجمال                                                                                           
ثانيا : قضية البطالة فى العالم :                                                                          
الازمة الثانية التى يتعرض لها العالم المعاصر هى قضية البطالة فبلاد العالم الاول لديها اليوم 54 مليون عاطل عن العمل اغلبهم من الشباب بينما دول العالم الثالث لديه يملك 150 مليون عاطل عن العمل وهل ينكر احد اثر البطالة على الاوضاع الاجتماعية اليومية ومن المعروف ان الكثير من العاطلين الشباب ينخرطون فى اعمال عنف وارهاب لكى يعولوا اسرهم فقد اعترف بعض الشباب القادمين من العراق اثناء الحرب مع ايران انهم كانوا يعملون فى الجيش نظير مرتب كبير ! وفى دراسة حديثة تمت فى 1982 اظهرت ان كل مليار دولار تنفق على التسلح يقابلها خسارة 81 الف فرصة عمل                                                                                                        
ولقد اظهرت احصائية اخرى ان احتياجات كل سكان الارض من الغذاء والماء والتعليم والتأمين الصحى والسكن لا تتعدى 16 مليار دولار سنويا وهذا المبلغ يتم صرفه على التسلح فى اسبوعين ولقد ان االاوان ليحمل اللاهوتيون نير الانسان المعاصر ويعتبروا ان مشاكله اليومية هى مشاكل لاهوتية بالدرجة الاولى ونحن نكلمه عن الخبز السماوى لابد ان نجاهد معه لتأمين الخبز الارضى حتى يكون لكلامنا مصداقية .                                                                                
ثالثا :النهضة العلمية بدون الله                                                                                 
من اكبر ازمات الانسان المعاصر انه ظن انه بالعلم وحده سيحيا ولقد كتب احد علماء الفيزياء يقول (ان اكبر امراض عصرنا هو هذا الفصام المريع بين الحكمة اللاهوتية وبين المعارف العلمية ) وهنا نجد ان التراث الروحى الكبير للاباء مثل الهيكساميرون لباسيليوس وغيره يمكن ان يساهم فى اذابة الفجوات والمصالحة الابائية بين العلوم الوضعية والروحيات السماوية بين الفلسفة واللاهوت اى بين فكر الانسان وفكر الله وبين اللوغوس الاسبرماتيكوس الكامن والناطق فى الفلاسفة الوثنيين ( اكليمنضس الاسكندرى - الاستروماتا والمربى ) و فى الخليقة وبين اللوغوس المخلص للعالم والناطق فى الانبياء بالروح القدس (يو 1 :14 ) وما عقيدة التجسد ذاتها الا دعوة الى حب الارض التى مشى عليها المخلص واحترامها والفرح بها لانه لا يوجد (كما فى السماء ) بدون (كذلك على الارض ) كما تعلمنا الصلاة الربانية وكنيستنا القبطية تخصص تسابيح طويلة فى صلواتها اليومية تدعو فيها الكون والطبيعة والكائنات الى تمجيد الرب                                                      
ليتورجية القديس اغريغوريوس الثيؤلوغوس تفيض فى تسبيح الرب لانه (اقام السماء لى سقفا وثبت لى الارض لامشى عليها ......لم تدعنى معوزا شيئا من اعمال كرامتك ) وكل هذا يؤكد الدور التربوى الكبير الذى للاهوت الخليقة الاولى .                                                               
رابعا :البحث عن العدالة والحرية :                                                                          
منذ البدء والانسان يحقد على اخيه الانسان والانسان يبحث عن العدالة ولقد كتب الاباء ووقفوا امام الظلم الاجتماعى واسسوا المؤسسات الخيرية لرعاية المحرومين ولقد ترك القديس انطونيوس الناسك المتوحد عزلته فى القرن الرابع ليدافع عن اخوة له امام ظلم الحكام فى الاسكندرية مما دفع القاضى باصدار قرار يمنع الرهبان من النزول الى المدينة ولقد ترك بطريرك الاقباط فى القرن العشرين البابا شنودة الثالث عرشه وذهب للاعتكاف فى نفس البرية احتجاجا على نفس ظلم الحكام !!! ولا ننسى باسيليوس ووقوفه امام الامبراطور فالانس الظالم ومنعه من دخول الكنيسة وحينما تحداه الامبراطور ان لم يحدث ان اسقف قبله منعه من دخول الكنيسة قال له باسيليوس قولا خالدا (انت لم يسبق لك ان رايت اساقفة ) ولقد حملت الكنيسة القبطية نير الحوار اللاهوتى مع الكنائس الشقيقة لان كنستنا كسيدها (جرحت فى بيت احبائها ) والحوار الحضارى مع الاخر الدينى والثقافى الصامت مرة والصارخ مرات وحدها امام الظلم السياسى والاجتماعى والتفرقة العنصرية الواضحة بدون قيادة سياسية ولا سلطة تحميها                                                                         

واحبت الانسان الى المنتهى كسيدها ونزلت بلاهوتها وطقوسها الى الانسان كل انسان وكل الانسان وصارت اكبر كنيسة شعبية فى العالم وصار القبطى يشعر بفخر عظيم انه لا عرش يعلو رأسه الا عرش الله ولا هدف له فى الحياة الا البحث عن الحرية بكل معانيها وابعادها ونحن قد يكون لنا تحفظات لاهوتية وثقافية واجتماعية على ما يسمى (بلاهوت التحريرTheology of Liberation) ولكننا نتمسك بحرية كل شعب ان يستمتع بحرية مجد اولاد الله على ان لا نصير الحرية فرصة للجسد وطغيانه(1بط 2 :6 ) وعلى اللاهوتيون اليوم فى العالم كله ان يتركوا الصالونات والقاعات المكيفة و يقفوا مع المظلوم والمقهور والمسجون والجائع الى كلام الله(مت 25 : 31 --40 ) والذين ليس لهم احد يذكرهم لان الانسان هو صورة الله والعالم هو خليقة الله التى فداها بدم ابنه الوحيد (يو 3 :16 ) الى ان يأتى ملء الزمان الاسخاتولوجى ونرى البشرية الجديدة و الارض الجديدة حيث يسكن العدل(Δικουσύνη ) لان السماء والارض الاولى قد مضتا ووقتها سيمسح الله بيديه الحانيتين كل دمعة من عيون اولاده الغالبين وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت الثانى (رؤ 21 :1-8 ).                                                         

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire