mardi 5 avril 2016

الأصل الكيرلسى للصيغة الخلقيدونية "...فى طبيعيتن" الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين

                 

                     -الأصل الكيرلسى للصيغة الخلقيدونية "...فى طبيعيتن"
                                     «
έν δύο φύσεσιν»
البروفسور جيورجيوس مارتزيلوس استاذ العقائد بكلية اللاهوت –جامعة تسالونيكى-
اليونان

                                  تعريب الاب المتقدم فى الكهنة الاب الدكتور اثناسيوس حنين

                                                                مطرانية بيرية للروم الارثوذكس

مقدمة المترجم

تم القاء هذه المحاضرة فى اللقاء العالمى الرابع لاساتذة العقيدة الروم الارثوذكس والذى انعقد فى الفترة من 22-25 سبتمبر عام 2013 بمدينة صوفيا ببلغاريا .دار اللقاء حول موضوع "العقيدة بين الجوهر اللاهوتى والمظهر اللغوى فى التراث الارثوذكسى".ولقد تمت اعادة نشر تلك الدراسة والمفصلية فى فهم قضية الخرستولوجيا ومسيرة الحوار اللاهوتى وخاصة أن البروفسور مارتزيلوس من اللاهوتيين المتعاطفين مع الكنائس الشرقية الغير الخلقيدونية ولا يمكن اتهامه بالتعصب .نكرر لقد تم نشر هذه الدراسة فى الدورية اللاهوتية الذائعة الصيت
Θελογία
Τόμος 85 . Τεύχος 1 .Ιανουάριος –Μάρτιος 2014.σελ.27 -41.
وكنا قد قررنا عدم الكتابة فى هذه القضية أولا لصعوبتها التاريخية واللاهوتية وثانيا لان اثارتها لا يلاقى رد فعل علمى لاهوتى رصين بل اوجاع وردود أفعال وعناد . ما دفعنا الى تغيير موقفنا هو أولا أن هذه الدراسة للاهوتى كبير واستاذ فى العقائد وعضو اساسى فى لجنة الحوار بين الكنائس الخلقيدونية والغير الخلقيدونية ولقد بذل البروفسور مارتزيلوس جهدا مشكورا لتوثيق رؤيته وهذا يعنى أن الفكر اللاهوتى , عند المستينيرين والمتألهى العقول , ليس جمودا ولا تكرار مملا لمقولات غير مدروسة بل هو بحث دائم واستنارة مستمرة وعلاقة حب وتنازل ووحدة بين اللفظ والمعنى وبين اللغة والعقيدة وبين التاريخ والواقع .ثانيا احتراما منا وحبنا لقلة من المتحمسين للسعى للوحدة وربما يعوزهم الوثائق والابحاث الموثوق بها.نؤكد للقارئ الغير المعتاد على هذا النوع من الابحاث ان هذا هو طريق الخلاص والقداسة والفهم والاستنارة وهذؤه هى ابسط الطرق وبدونها ينعبد مسيح رخيص و يتيم بلا تاريخ ولا عقيدة ورهن كل ريح تعليم . نطلب الصلاة ونحن نكما بعضنا البعص والروح يوزع المواهب على جسد المسيح وليس مطلوب ان نكون كلنا محترفين اللاهوت كالبروفسور مارتزيلوس ولكن يجب ان يكون لدينا كلنا الاستعداد لقبول نعمة الرب العاملة فى تاريخ الناس وتقدير اى جهد يبذل لشرح الايمان .جل قصدنا ان نؤكد ان اللاهوت خبرة وخبر وليس لغوا وجدل عقيم لهذا اتمنى قرأة هذه البحث بروح الصلاةوبعقل مفتوح لانها خطوة هامة جدا اتية من استاذ فى العقيدة وعضو عامل فى الحوارات اللاهوتية وهى مبادرة فى منتهى الايجابية فى طريق الحوار اللاهوتى.بالمناسبة البروفسور مارتزيلوس صديق شخصى للكثيرين من دارسين اللاهوت المصريين فى اليونان خلال القرن الماضى.اللاهوت حادة خلاصية والانسان حسب جوهر رؤية الاباء هوكائن لاهوتى .
تحديد المجمع الخلقيدونى الرابع عام 451 م
"واذ نتتبع الاباء القديسين نعلم براى واحد ان الابن (ابن الله), ربنا يسوع المسيح,يجب الاعتراف به أنه هو نفسه واحد, اى تام فى اللاهوت وتام فى الناسوت, اله حق وانسان حق, ذونفس عاقلة وجسد, مساو للأب فى اللاهوت ومساو لنا فى الناسوت, وهو مثلنا فى كل شئ ما خلا الخطيئة, مولود من أبيه قبل كل الدهور بحسب اللاهوت , ولكنه فى الايام الأخيرة- لاجلنا نحن البشر ولاجل خلاصنا- ولد من العذراء مريم والدة الاله بحسب الناسوت. فهذا الاقنوم الواحد نفسه يسوع المسيح الابن الوحيد (لله) يجب الاعتراف به انه فى طبيعتين
(
έν δύο φύσεσιν)
متحدتين بلا اختلاط ولا تحول ولا انقسام ولا انفصال. وهذا الاتحاد لم يلغ التمييز بين الطبيعتين بل ان الطبيعتين مع حفظ كل منهما خصائصها قد اتحدا فى شخص واحد غير منقسم أو منفصل الى شخصين او اقنومين ولكنه هو واحد نفسه الابن الوحيد, الله الكلمة ربنا يسوع المسيح كما اعلن الانبياء قديما فى ما يختص به وكما علمنا يسوع المسيح نفسه وكما سلمنا دستور ايمان الاباء".راجع:مجموعة الشرع الكنسى أو قوانين الكنيسة المسيحية الجامعة
جمع وترجمة وتنسيق الارشمندريت
حنانيا الياس كساب
منشورات النور-بيروت- 1980 ص 396 -397 .

تمهيد

لقد صارت صيغة خلقدونية ("واحد هو نفسه المسيح...فى طبيعتين...معترف به"),والتى شكلت أهم تعبيراته وعقائده , نقول صارت هذه الصيغة , وبعد المجمع المسكونى الرابع ,صارت , نقول , موضع خلاف بين المؤيدين للمجمع وبين المعارضين لخلقيدونية.أن ظاهرة الخلاف هذه ليست مستعصية على الفهم , لأن هذه الصيغة بدت ولاول وهلة أنها لا علاقة لها بفكر ولاهوت كيرلس الاسكندرى والذى أعتبره المعارضون لخلقيدونية كالمرجع الوحيد والأصيل لحل المعضلة الخرستولوجية(والذين حصروا الخرستولوجيا الكيرلسية فى صيغة طبيعة واحدة للكلمة المتجسد), هذا من ناحية , ومن الناحية الأخرى كان هناك تشابه كبير بين الصيغة الخلقيدونية وبعض التعبيرات الذيوفيزيتية التى سبق واستخدمها نسطور.
الحقيقة التى سوف نسعى لاظهارها هى أن المصدر الاساسى لهذه الصيغة الخاصة بالطبيعتين , ليس هو نسطور ولا أية ميول نسطورية , ولكن , وكما اثبت البحث العلمى اللاهوتى المعاصر, ان هذه الصيغة (فى طبيعتين ان ذيو فيزيسيسين ) هى صيغة ارثوذكسية بالدرجة الاولى , بل وهى كيرولسية الجوهر والمصدر والطابع .
الصيغة هى الاعتراف بالايمان الذى حدده المجمع المحلى المنعقد عام 448 م . قام باسيليوس الصيفقيلى والذى استخرج هذه الصيغة من رسالة كيرلس الى يوحنا الانطاكى. وتعبير أخر فأن هذه الصيغة والتى استعملها باسيليوس الصيفيقلى وأباء مجمع خلقيدونية بمعناها الارثوذكسى وفحواها الكيرلسى , كان قد سبق استخدامها وفهمها على يد نسطور نفسه ولكن بمعنى خرستولوجى انفصالى اى يفصل ويقسم المسيح الواحد.
Με άλλα λόγια ή φόρμουλα αύτή πρίν χρσιμοποιηθεί άπό τον το Βασίλειο Σελευκείας καί άπό τους πατέρες της Χαλκηδόνας με τήν όρθόδοξη , και μαλίστα κυρίλλεια σημασία της, είχε κατανοηθεί και χρησιμοποιηθεί άπό τον ίδιο το Νεστόριο μέ διαιρετική χριστολογική σημασία.
لنبدأ بدراسة المعنى الذى أعطاه نسطور وتلاميذه للصيغة الذيوفيزيتية , ونقابلها بالمعنى الذى استخدم به الصيغة نفسها باسيليوس والتى وضعها الأباء المجتمعين فى خلقيدونية فى تحديد المجمع المسكونى الرابع:
أولا: معنى الصيغة الذيوفيزيتية "مسيح واحد" أو "ابن واحد فى طبيعتين...معترف به " عند نسطور وعند باسيليوس الصفقلى.
من المعروف والثابت أن الصيغة الذيوفيزيتية وتحديد مجمع خلقيدونية "مسيح واحد" "ابن واحد فى طبيعيتن ...معترف به" قد تم نحتها لاول مرة ارثوذكسيا على يد باسيليوس الصفقلى فى الاعتراف بالايمان الذى سنه المجمع المحلى عام 448 . ولكن هناك حقيقة اخرى لا يرقى اليها الشك , وهى أنه وقبل ان يستخدم هذا التعبير باسيليوس واباء خلقيدونية بمعناه المستقيم الرأى , كان قد استخدمه نسطور وان لم يكن بنفس اللفظ ولا نفس النية اللاهوتية المستقيمة.
يظهر نسطور من خلال عظتين له أنه ولابد أن يكون هو شخصيا مهندس وواضع أساس التعابير الذيوفيزيتى فى التراث اللاهوت الانطاكى مثل تعابير "ابن واحد ...فى طبيعتين ...نعترف به ".ففى أحد فقرات عظة له , حيث يشير الى ميلاد المسيح ,يكتب وبشكل واضح : "نحن نعترف بانسانية الطفل والوهيته (نعترف بالتباين بين الطبائع),اما البنوة فنحن نتمسك بفرادتها فى الطبيعة لاهوتا وناسوتا". وفى فقرة ثانية وردت فى عظة لنسطور عن الايمان ووصلت الينا فى ترجمة باللغة السريانية يشير الى :"...نحن نراه واحدا فى طبيعة مخلوق وغير مخلوقة ...ونعترف به "كمسيح واحد فى طبيعتين الهية وانسانية مرئية وغير مرئية ....ابن واحد فى طبيعتين". ان الربط بين هذه التعبير والفعل (نعترف به) تشكل عامل مشترك بين عظات نسطور من ناحية وصيغة باسليوس الذيوفيزيتية من ناحية أخرى . ربما هذا يشرح السبب وراء ما حدث حينما قام باسيليوس بتقديم هذه الصيغة الذيوفيزيتية فى خلقيدونية , قام الاساقفة المصريون وأخرون بالصراخ " هذا هو اعتقاد نسطور ...هذا هو صوت نسطور ".
«
Τούτα Νεστόριος έφρόνει .τάυτα Νεστόριος έβόα»
ليس هناك ما يمنع من الظن أن باسيليوس الذى كان يعرف جيدا كما اظهرنا فى دراسة أخرى لنا عظات وتعاليم نسطور , وأ، يكون قد أخذ التعابير "مسيح واحد" أو "ابن واحد فى بيعتين...نعترف..." والاحتمال الأخر أن يكون قد استقاها من التراث الخرستولوجى الانطاكى حيث كانت هذه التعبيرات منتشرة ومعروفة كما سبق وذكرنا انها وردت فى الاعتراف الذى تم عمله فى المجمع المحلى عام 448 م.وهنا يظهر الدور الابداعى والاصيل الذى قام به باسيليوس لتضييق الهوة بين الخرستولوجيا الانطاكية والمسيحيانية الاسكندرانية. ظهر ابداع باسيليوس اللاهوتى فى أنه لم يكتف فقط باقتباس تعبيرات نسطور الذى كان يسميه "الفاسد العقل «Φρένοβλαβή»
ولكن ظهر ابداعه وحسه اللاهوتى بالاكثر حينما ربط بين ولادة وأصل هذه التعبيرات فى جوهرها ومضمونها اللاهوتى بفكرولاهوت وخرستولوجية القديس كيرلس الاسكندرى معتبرا كيرلس مصدر تعليمه المسيحيانى.
بالاضافة الى ما سبق نجد باسيليوس فى اعتراف الايمان"الاومولوجيا" لا يقف فقط و بعنف ضد هرطقة نسطور بل يعرض وبحماس شديد وبحراراة لتعاليم كيرلس الخرستولوجية ومضمونها. ان نسطور بتعاليمه الغير التقية والكافرة يقسم " السيد الواحد , سيدنا والهنا ومخلصنا المسيح " الى " شخصين أقنومين" , نجد كيرلس يثبت ويظهر:" نحن نعترف فى الاقنوم الواحد والابن الواحد والرب الواحد وسيد الخليقة , نعترف باللاهوت الكامل والناسوت الكامل". وفى هذه النقطة , يقوم باسيليوس بتقديم التفسير الذى قام به كيرلس بخصوص " الكمال المزدوج " (اله كامل وانسان كامل) بشكل فريد ومبدع وجديد وخلاق . نلفت النظر الى أن تعبيرات كيرلس هذه قد وردت فى وثقة المصالحة الايمانية والعقائدية (443 ) كما وردت فى رسالة كيرلس الى يوحنا الانطاكى (" كامل ...فى اللاهوت وكامل هو نفسه فى الانسانية ") . باسيليوس هنا يوجز وبشكل جوهرى خرستولوجية كيرلس بشكل يهمش ويعزل بشكل واضح ولا يقبل نقاش أى أثر للنسطورية .
لهذا السبب يظهر الفارق الكبير بخصوص القضية التى نتناقشها أى قضية صيغة الذيوفيزيتية,
نقول يوجد فارق جذرى وهوة عميقة بين نسطور وباسيليوس . بالنسبة لنسطور "المسيح الواحد والابن الواحد" الذى يتحدث عنه ليس هو ابن الله وكلمته كما يراه باسيليوس ولكنه الشخص الاعتبارى – الاخلاقى والذى نتج من اتحاد الطبيعتين. ومن ناحية اخرى فان التعبيرات "المسيح" و"الابن" عند نسطور لا يدلون بشكل قاطع على ابن وكلمة الله , ولكن يدل ايضا على كبيعيته والتى هى رسائل الطبيعيتن ....العكس عند باسيليوس , "المسيح الواحد" يعرف من خلال الطبيعتين , أى يعترف به ويتم التعرف عليه "فى طبيعيتن " كما يظهر من اعتراف ايمانه وكما قال فى خلقيدونية فنا المسيح الاحد " هو ابن الله الوحيد وكلمته " بشكل قاطع , الامر الذى لا يمكن أن يقبله نسطور انطلاقا من تعاليمه وقناعاته.
الشئ الأهم هو أن باسليوس يؤكد وبشكل قاطع على أن هذه الصيغة الذيوفيزيتية التى يتمسك بها ,
ليس فقط ضد النسطورية , بل هى تأتى وتنبع ومسقط رأسها هو خرستولوجية كيرلس وهى مرتبطة بها رباط وثيق.العلاقة بين الصيغة الذيوفيزيتية الباسيلية فى اعترافه بالايمان الذى قدمه فى خلقيدونية والخرستولوجيا الذيوفيزيتية الكيرليسية كما تبدو من تعابير رسالة المصالحة مع يوحنا الانطاكى لا تحتمل مجالا للشك العلمى والتاريخى لأنها تعطى نفس الحقيقة العقائدية بتعابير متعددة.فى الصيغة الذيوفيزيتية "ربنا واحد يسوع المسيح " يعترف به فى "فى طبيعتين", بينما فى الصياغة التى يقدمها لتفسير تعابير كيرلس "الطبيعتين الكاملتين" والواردة فى نص المصالحة وهو أن الاهوت الكامل والناسوت الكامل يتعرف عليهم فى "شخص واقنوم الابن الوحيد والرب وسيد الخليقة"يوجد مشترك كبير بين باسليوس وكيرلس وهو التأكيد على "رب واحد" و"الاقنوم الواحد" واستعمال الفعل "يتم التعرف عليه". يصير الامر اوضح حينما نعرف ما قاله باسيليوس لتفسير اعترافه بالايمان المستقيم على اساس ايمان الاباء وخرستولوجية كيرلس قال :" أنا أعنى أنه يوجد طبيعتان يتم التعرف عليهما بعد الاتحاد , وهما اللاهوت والانسانية الكاملين". هذا الاعتراف يدل على وبوضوح على أن الطبيعتين فى الصيغة الذيوفيزيتية لاعتراف باسيليوس بالايمان هما بالتحديد اللاهوت الكامل والانسانية الكاملة والتى يتكلم عنها فى تفسيره وشرحه وتبسيطه للصيغة الكيرليسية التى تفسر (الطبيعتان الكاملتان) والواردة فى رسالة المصالحة الشهيرة.
ثانيا: مصدر الصيغة الباسيلية الذيوفيزيتية
هذه الشواهد السابقة تقودنا الى التعرف والبحث عن المصدر الذى استقى منه باسيليوس الصقيلى صيغته الذيوفيزتية , هذا المصدر لا يمكن الا أن يكون العابرة الواردفى رسالة كيرلس الى يوحنا الانطاكى فى وثيقة المصالحة . فى الحقيقة لا يشير كيرلس فقط الى الصفة الثنائية للكمال فى الاقنوم الواحد "فى اللاهوت ....والانسانية" ولكنه يسمى علنا اللاهوت والناسوت بالطبيعيتن (باترولوجيا جريكا 77 )وهذا التصريح لم يفت على باسيليوس .ولقد قام باسيليوس بعرض رؤيته لهذه القضية بالتفصيل وبوضوح فى المجمع المحلى عام 448 . نفهم مدى عمق فهم باسيليوس لهذه العبارة "فى طبيعيتن" من السؤال الذى وجهه الى أفتيخوس (اوطاخى) فى المجمع المحلى :" هل تقول(هل تقبل) أنه يجب الاعتراف بالطبيعتين فى الرب اى اللاهوت والناسوت؟".
ان التعبير الذى يصف اللاهوت والانسانية فى المسيح الواحد على أنها "طبيعيتن" , وليس
فقط طبيعتان بشكل غامض بل طبيعتان متمايزتين ومختلفتين , هذا التعبير .\نقول , لا يرد فقط فى رسالة كيرلس الى يوحنا الانطاكى بل يرد أيضا فى رسالة كيرلس الثانية الى نسطوريوس .الشئ الجديد والمميز فى تعبير كيرلس هو أن وصف اللاهوت والناسوت فى المسيح "طبائع" يرتبط بالكمال المزدوج الذى للخشص الواحد للمسيح نفسه وهذا هو ما استفاد منه باسيليوس بشكل لاهوتى مبدع.ولهذا كان من السهل عليه أن يستخرج من عبارة كيرلس " رب واحد يسوع المسيح ...كامل....فى اللاهوت ...وكامل فى الانسانية " نقول كان من السهل على باسيليوس ان يستخرج عبارة " يسوع المسيح فى طبيعيتن" الصيغة الذيوفيزيتية.
يرى بعض الباحثون أن باسيليوس قد تأثر بفكر بروكلوس القنسطنطينى , ربما أن حقيقة ان بروكلوس قد أشار الى "الطبيتعين فى الاقنوم الواحد" مميزا بين التعبيرات "طبيعة" و " اقنوم" قد شكل لباسيليوس سابقة مشجعة لكى ما يرى اللاهوت طبيعة والناسوت طبيعة فى المسيح الواحد. والحقيقة أنه وكما ظهر فى المجمع المحلى فقد ظهر أن فكر بروكلوس لا يمكن تجاهله.
نحن لسنا بحاجة الى اللجوء الى بروكلوس لنبحث عن مصدر فكر باسيليوس الخرستولوجى بخصوص عبارة"فى الطبيعتين" لان باسيليوس لشدد على ان مصدره هو كيرلس ولكن لأن كيرلس نفسه يسمى لاهوت وناسوت الرب بالطبائع.(فيزيس).
ونكرر أن العبارة التى ذكرها كيرلس فى رسالته الى يوحنا الانطاكى والتى شرح بطريقته الخاصة "الاثنان الكاملان" هيأت الظروف اللاهوتية المواتية لكى يقدر باسيليوس برؤيته الثاقبة وبقوة فكره وحيويته أن يخرج من عبارة كامل فى اللاهوت وكامل فى الانسانية عبارة "واحد.....فى طبيعتين" أى صيغة الذويفيزيتية الشهيرة.
ان باساسيليوس يلخص بهذه العبارة وبشكل جوهرى وباستنتجاج ذكى الكمال الثنائى " فى اللاهوت ...وفى الناسوت..." فى شخص المسيح الواحد مما يتفق مع عبارة كيرلس الى يوحنا الانطاكى.
ان اتحاد الاقنوم لا يزيل اختلاف ولا يلغى تمايزها فى هذا الاتحاد السرى , وكذلك ان ادراك الفارق بين الطبائع لا يقسم الاقنوم الواحد ولا يفصله ..أقنوم الابن الكلمة المتأنسن ....الى طبيعتين او شخصين لان ىالطبائع لا تتمايز بينها الا "حسب الثيؤريا فقط" .
نفهم موقف باسليوس باكثر وضوح من رده على الاعتراضات التى وجهت اليه فى المجمع الخلقيدونى 451 وهى:

1 –حينما قام الاساقفة المصريون وغيرهم من المونوفيزيتيين على الصيغة الذيوفيزيتية الباسيلية وصرخوا " لا يجب ان يقسم احد الغير المنقسم ....لا يجب ان يقول احد على الابن الواحد أنه اثنين " , اتفق معهم باسيليوس تماما مسجلا معارضته الشديدة للمونوفيزيتية بالتصريح التالى " ليكن محروما كل من يقسم الطبيعتين بعد الاتحاد ..كما ليكن محروما بنفس الدرجة كل من لا يعترف بخصوصيات الطبائع فى وحدتها ".

2 –حينما غضب افستاسيوس اسقف بيروت من الصيغة الذيوفيزويتية وعبر عن خوفه من أن يقول البعض انه تم قبول عقيدة انقسام وانفصال الطبيعتين بعد الاتحاد , هنا قاطعه باسليوس بعنف وبدون اذن ليوضح الفارق الجوهرى بين العقيدة الخرستولوجية الارثوذكسية وبين النسطورية والمونوفيزيتية وقدم هذا التوضيح :" نحن نعترف بالطبائع ولا نقسمها ولا نعلم لا بانفصالها ولا بامتزاجها وذوبان الواحدة فى الاخرى".
لايقدم باسليوس امام الفصل النسطورى بين الطبيعتين والدمج والخلط المونوفيزيتى الا مبدأ "المعرفة أو الرؤية" نحن لا نقسمك ولا نخلط بل نرئ الطبيعتين فى الشخص الواحد بالجدس الروحى والبصيرة
Κατά μόνην την θεωρίαν
نوضح أن كلمة ثيوريا فى اللاهوت لا تترجم ثيورى أى بشكل نظرى الانجليزية بل هى البصيرة والحدس اللاهوتى المستنير بالروح .
تعبير أننا نعرف وندرك الطبائع اى ندرك بالبصيرة الروحية مزاياها فى شخص الابن الوحيد وهى تلتقى مع عبارة كيرلس ( يجب ان لا نجهل الفارق .بين الطبيعيتن..) فى رسالته الى يوحنا الانطاكى حيث يفسر (الاثنان الكاملين) التى وردت فى وثيقة المصالحة.
هناك بكل تأكيد عبارات أخرى استخدمها كيرلس فى رسائله بعد المصالحة والتى يعرفها باسليوس لانها استخدمها فى المجمع المحلى 448 وفى المجمع اللصوصى 449 واثبت انه دارس جيد لفكر كيرلس الخرستولوجى.
نخلص الى أنه وبالرغم من التشابه اللفظى والشكلى بين تعبيرات باسليوس الذويوفيتية وبين عبارات استخدمها نسطور , الا أننا نقدرأن نشدد على أن نشدد وبكل ثقة ان هذه العبارات فى جوهرها الخرستولوجى تأتى من فكر القديس كيرلس. وعلى هذه الاساس الكيرلسى فقط يفهم باسليوس الصيغة الذيوفيزيتية والتى يجب أن تفهم بالاتفاق مع تعليم كيرلس والتى يميز فيها بين الطبيعتين للكلمة المتجسد بعد الاتحاد بدون ان يوجد خطر تمزيق شخص المسيح الواحد. ولهذا شعر باسيليوس بالحاجة أن يشدد على (بغير امتزاج ) و (بغير انفصال) فى حديثه عن اتحاد الطبيعتين وذلك باستعماله تعبيرات مثل (نعترف ونميز بين فرادة الطبائع) والتى ترتبط بصيغته الذيوفيزيتية القى قدمها فى اعترافه بالايمان.(الامولوجيا).
ونحن نعرف أنه ومن وقت المجمع المحلى 448 يشدد باسيليوس على اتحاد الطبيعتين فى الصيغة الذيوفيزيتية وبذلك يقطع الطريق على النسطورية وعلى المونوفيزيتية . وهو فى صراعه ضد هذين الانحرافين الخرستولوجيين المتناقضين حوهريا والمتطرفين , جأئت صيغته الذيوفيزيتة لشتكل أهم سلاح فعال يحمله فى يحمله فى يده اسقف ارثوذكسى والذى اسسه على أساس رسالة كيرلس الى يوحنا الانطاكى.(من اجل رسالة كيرلس الى يوحنا الانطاكى باللغة العربية راجع :مجموعة الشرع الكنسى –منشورات النور 1985 ص 380 -383 ).

ثالثا: التشديد على صيغة باسيليوس الكيرلسية الذيوفيزيتية فى تحديد ايمان خلقيدونية .
لقد فهم الاباء المجتمعون فى خلقديونية القيمة الحقيقية لاسهام الصيغة الذيوفيزيتية التى لباسيليوس اللاهوتى الخرستولوجى الكبير والتى أسسها على أساس خرستولوجية القديس كيرلس فى مواجهة خطر النسطورية من ناحية والمونوفيزيتية من ناحية أخرى. لم يكن الامر يتعلق بالفاظ او مجرد الفاظ بل بخلاص الانسان وتقديسه وامكانية اتحاده باللاهوت وتألهه من خلال اتحاده بطبيعة المسيح الناسوتية المتحدة باللاهوت فى شخص الابن الكلمة .يمكننا القول بأن طبيعتنا البشرية قد تألهت فى طبيعة المسيح المتحدة باللاهوت .لهذا ضم اعتراف خلقيدونية بالايمان هذه التعبيرات وضحوا اليها ما تم من المناقشات والتوضيحات فى اثناء انعقاد المجمع.وهكذا فى الجلسة الخامسة من جلسات المجمع المسكونى الرابع تم طرح فكرة تبديل الصيغة (من طبيعتين) والتى كانت فى النص الاول بعبارة اخرى من طومس لاون والتى كانت ذات بعد ذيوفيزيتى واضح ولكن قامت اللجنة التى شكلت لفحص القضية فصلت صيغة باسيليوس الشاملة والمانعة ورفضت صيغة ليون والتى كان قد أيدها مندوبو الامبراطور . السبب ان الصيغة الذيوفيزيتية لباسيليوس تحمل سمات وأنات خرستولوجية كيرلس وتتناسب مع الصيغة الكيرلسية التى يحملها النص الاول للمجمع.
بهذا الشكل نجد أن قبول المجمع للصيغة الذيوفيزيتية الباسيلية هى لون من الانحياز الى فكر كيرلس الاسكندرى واتجاه جديد وجرء للمصالحة بين الانطاكيين والاسكندرانيين بمشاركة اساقفة القنسطنطينية ووروما .هذه الصيغة سبق وطرحها الاباء وخاصة باسليوس فى المجمع المحلى 448 .\وبتعبير أخر فان صيغة خلقيدونية الذيوفيزيتية (المسيح الواحد وهو نفسه ...نعرفه ونعترف به فى طبيعتين ) لا تعنى لاباء المجمع شيئا اخر سوى كمال شخص الكلمة المتجسد ( فى اللاهوت وفى الانسانية) بشكل يهمش ويعزل اى اثر للتقسيم النسطورية لشخص المسيح من قريب او من بعيد هذا من ناحية ومن الناحية الاخرى يقاوم ويدحض الخلط المونوفيزيتى بين الطبيعتين فى المسيح الواحد .وهذا ما يؤكده الاربع الاحوال (بلا اختلاط ولا تحول ولا انقسام ولا انفصال )
(
άσυγχύτως , άτρεπτώς , άδιαιρέτως , άχωρίστως)
والتى تضمنها العتراف الخلقيدونى بالايمان .لا يقتصر فهم هذه الصيغة الذيوفيزيتية وقبولها على اباء المجمع المسكونى الرابع بل يتعداها الى المجمع المسكونى الخامس (553 ) والذين شددوا على أهمية الصيغة فى مواجهة النسطورية والمونو فيزيتية وكرروا حرمان من حرمهم المجمع المسكونى الرابع ممن يقسمون المسيح الواحد ولا يعترفون بالطبيعتين فى المسيح الواحد واتحادها فى تمايزها وتمايزها فى اتحادها.(راجع الشرع الكنسى ص 485 -466 ).هطذا يتفق كل من اباء المجمع الرابع السمونى 451 والخامس المسكونى 553 على الاصل الكيرلسى للصيغة الذيوفيزيتية وهكذا نثبت انه لا يوجد على الاطلاق اية تباين او خلاف عقائدى بين المجمع المسكونى الرابع والمجمع المسكونى الخامس كما ذهب بعض الباحثين الغربيين مثل هارناك وجليماير وغيرهم.

الخاتمة
ينتج مما سبق أن الصيغة الذيوفيتية التى تبناها المجمع المسكونى الرابع فى خلقيدونية عام 451 , والتى سبق واستخدمها نسطور بشكل انفصالى , قد صارت على يد باسيليوس الصفقلى ومن الناحية الانطاكية وبما بذله من جهد لاهوتى لاعادتها مسقط رأسها ومحل ولادتها فى خرستولوجية القديس الاسكندرى كيرلس والتى استعملها اباء المجمع بلا تحفظات فى الاعتراف بالايمان الاخير , ولقد استعملوها بشكل مضاد ليس فقط للمنوفيزيتية بل ايضا للنسطورية. وبمعنى أخر فان اباء المجمع الخلقيدونيين لم يترددوا فى أحرج اللحظات اللاهوتية للاعتراف الاخير بالايمان المستقيم (الاوروس), أن يتمسكوا بالصيغة الذيوفيزيتية من أجل التعبير الضريح والصحيح عن الخرستولوجية الارثوذكسية . لقد تجرأو ولم يترددوا عن استخدام تعبيرات سبق واستخدمها عدو الله نسطور , بعد أن أعطوها فحوى كيرلسى مستقيم الرأى, وبهذا نجحوا فى ترميم الهوة بين التعبيرات اللاهوتية والخرستولوجية الانطاكية والتعبيرات الاسكندرانية.
هذا الذى حدث فى خلقيدونية وان لم يشكل الاستثناء فى تاريخ التراث الابائى الارثوذكسى , الا أنه يؤمد القاعدة التى تسود كل تاريخ لاهوت اباء الكنيسة وهذه القاعدة هى أنه ومن أجل تقنين العقيدة المستقيمة , ليس التعبيرات فى ذاتها أو مصدرها هى القصد والهدف ولكنها اى الالفاذ والتعبيرات تستمد أهميتها وقوامها من قدرتها على تجسيد العقيدة الصحيحة.

من هذه النظرة الابائية والرؤية الشاملة و نكرر ونشدد على أن الصيغة الذيوفيزيتية لقانون ايمان خلقيدونية تشكل فى الواقع واحدة من اهم الامثلة فى تاريخ الكنيسة على العلاقة الجدلية والتكاملية والاتحادية بين اللفظ والفحوى , بين لاهوت النص وناسوت النص , بين اللغة والعقيدة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire