samedi 9 avril 2016

هل الكهف فى باريس الاب د. اثناسيوس حنين *

أهل الكهف فى باريس الاب د. اثناسيوس حنين *
أهل الكهف فى باريس الاب الدكتور البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين *
(484 عدد القراءات)
الأب/الدكتور اثناسيوس حنين

أنا ،وأعوذ بالله من كلمة أنا . أنا ممن يولدون من جديد ، فى السفر. لعلها بذار المدى اللا متناهى التى ألقتها عناية السماء فى القلوب . أنا أسافر فى الوجوه كما يقول معلمى مطران الفكر العربى جورج خضر . ألعلها الرغبة الكامنة فى كل منا لتكسير القيود . العلها صرخة الشاعر فينا أن :"أعطنى حريتى أطلق يدىّ...أننى أعطيت ما أستبقيت شيئا " .

الانسان ، عند أمثالى من المهاجرين ، هو كائن مسافر، كائن مهاجر ! هو كائن لا منتمى الا لحقيقة الانسان ،بالمعنى الوجودى للكلمة ، يبحث عن الانسان - الوجه - البروسوبون، فى كل مكان .

أذكر أننى حينما بدأت أيادى تداعب القلم لأكتب ، كتبت كتابا عن "سر الانطلاق" وتم طبعه فى عاصمة الثقافة العربية بيروت فى الثمانينيات من القرن الماضى ولاقى ترحابا كبيرا من الشعب اللبنانى الرحالة والعريق والذواق .

كان لابد لى من باريس، الاسبوع الماضى، فى رحلة رعائية سريعة (من 16 الى 19 مارس 2015) لكى أكتشف تحفة الأدب العربى "أهل الكهف" للاستاذ توفيق الحكيم (دار الشروق 2014)،عثرت عليها بين كتب ابنتى وصديقتى سارة التى تدرس العلوم الانسانية فى جامعة رينيه ديكارت الباريسية. وأنا أقدم اعتذارا للحكيم على جهلى بهذا العمل الادبى. ربما لأننى ظننت ، وهنا كل الظن أثم وليس بعضه !، كما ظن معى ، حسب ظنى ، الكثيرون من ابناء جيلى الساكنون كهوف "حارة النصارى" ، أن هذا الكتاب "اسلامى" لانه يشير ، فى أول صفحاته ،الى الآية "فضربنا على أذانهم فى الكهف سنين عددا (11) ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " (الكهف 11’ 22).. لعلها المرة الاولى فى تاريخ الفكر العربى الذى ينطلق فيه الكاتب من اية قرآنية ليقرأ بها وفيها ومن خلالها تاريخ وواقع ومستقبل مملكة الروم المسيحية فى الشرق الاوسط وجنوب اوروبا .

العبرة الكبرى التى خرجت بها من هذا العمل هو أنه يعالج المرض الذى أصاب الشرق والعرب ، ألا وهو "فقدان الذاكرة" الثقافى والغيبوبة الحضارية . هذا يفسر الصدمة الحضارية التى تصيب كل من تسول له نفسه ، من الشرقيين،على تعاطى الفكر وأدمان الثقافة الكونية والتى عاصمتها باريس . نعم لقد مورس علينا ، كما سبق وأشرت فى محاضرة لى فى فيينا حول حقوق الانسان الشرقى ، مورس علينا لون من ألوان "التطهير الثقافى" بعد أن تم ،وما يزال يتم، أنجاز التطهير العرقى .

بماذا نفسر هذا الصمت الكونى المخزى أمام هدم أقدم آثار يملكها العالم فى سورية والعراق وأفغانستان والدور على مصر !. لقد قرر الحكام ـ اباطرة العالم ، أحفاد دقيانوس ، الذي هرب منه الأبطال الثلاثة الى الكهف، هربا من الذبح ،ومكثوا فى الكهف ثلاثمائة عاما وظنوها ثلاثة أيام ، قرر أحفاد الملك الكافر بكل ما هو حضارى! أن يقتلوا ذاكرة الحجر بعد أن قتلوا ذاكرة البشر . وكنا نأمل مع المسيح (يذكر كتاب الحكيم اسم المسيح أكثر من مرة) " أنه وأن صمت هؤلاء فالحجارة ستنطق".

ربما الاستثناء ، فى دنيا العرب، هو الشعب الفلسطينى الذى ، بعد أن خسر أرضه ،حافظ على ذاكرته وثقافته وهويته وتماسك أطيافه توثبا للعودة بعد غربة طالت ، صارت ثقافته هى أرضه وعرضه. أشعر أن الحكيم يتعاطى اللاهوت ويبحث فى أعماق الانسان حينما يضع على لسان بطلة مسرحيته : " ما دمنا فى عالم القلب فلا نرى الا نورا ....وكان ينبغى ان نتذكر الجسد المادى لننزل الى عالم العقل فنرى الفظاعة والهول والشقاء الآدمى الذى ينتظرنا . لقد فات زماننا ونحن الان ملك التاريخ ...

لقد فات زماننا ونحن الان ملك التاريخ ...ولقد رأينا العودة الى الزمن ولكن التاريخ ينتقم.

هنا تكمن مأساة المثقفين الذين يستيقظون وينزلون من عالم القلب والسذاجة والغيبوبة ليواجهوا غضب التاريخ وهيجان بحر الثقافة واسئلة الناس المصيرية ! كان توفيق الحكيم وطه حسين وغيرهما من هذا الجيل الصدامى مع جهل أهالى الكهوف ’ جيل "الحنين الحضارى" .

العلها صرخة بولس المثقف اليهودى والذى بعد تحوله الى المسيح حاملا ميراث أمته اليهودية المتعصبة صرخ بأنه على استعداد أن "أكمل نقائص شدائد المسيح فى جسدى " أى أنه شعر بتنكر عشيرته للواقع الجديد وقرر أن يركب هو الصعاب ويعوض ما نقص من رؤية وتاريخ فى جسده أى شحصه فى المجتمع الجديد الذى هو الكنيسة الخارجة من كهوف التاريخ . لا لتدين أهل الكهف بل لتجدد ذاكرتهم وتحفظ هويتهم لتشكل بهم ومعهم تاريخ البشرية الجديد وذاكرتها ’ فالكنيسة ان لم تكن هى جسد تاريخ الكلمة وتاريخ جسد الكلمة تكون قد خابت عن قصدها وسوف تهرب خوفا من مواجهة تاريخ البشرية الى الكهف لتعاشر أهل الكهف !!! لكن التاريخ سينتقم لنفسه ولحقوق أهل الكهف فى رؤية النور !!!. كأن بولس اليهود العابر الى رحاب الثقافة الهيللينية –المسيحية-الكونية ’ من الكهوف اليهودية الدينية المنغلقة والمتطرفة ’ قرر أن يواجه فى ذاته شدائد "انتقام التاريح" !!!’ وهل للصليب من معنى أخر غير أن المسيح –الكلمة – اللوغوس قد قبل انتقام التاريخ من البشر فى شخصه التاريخى أى فى ناسوته وحوله الى خير بتوحيده باللاهوت !!!. العل الخوف من انتقام التاريخ هو السبب وراء صرخة ابطال المسرحية الثلاثة حينما خرجوا الى الزمن وواجهوا الفجوة الزمنية والهوة الثقافية التى تفصلهم عن العالم فقالوا معترفين" ماذ الذى يخيفك من هؤلاء الناس يل ميليخا ؟ أليسوا بشرا ؟ أليسوا من الروم ؟

كلا أنهم ناس لا يمكن أن نفهم من هم ! ولا يمكن أن يفهموا من نحن .... حسنا تجنبهم وامكث بين اهلك ..وان كان لى أهل فهل تحسبنى واجدهم بعد ثلثمائة سنة؟

أجل أنا أشقياء ...أشقياء...نحن ثلاثتنا وقطمير معنا"الكلب" .لا أمل لنا الأن فى الحياة الا فى الكهف ..فلنعد الى الكهف ...الكهف هو الحلقة التى تصلنا بعالمنا المفقود! ". الهروب الى الكهف أو العودة الى الكهف هو الحل أمام الاسئلة المصيرية التى يطرحها علينا التاريخ والزمن والوجود ولا نجد لها اجابة ’ بل لا نرغب فى البحث عن الاجابات ’ والويل كل الويل لكل من تسول له نفسه البحث عن اجابات حقيقية لمأساة هوية أهل الكهف وأسئلتهم المصيرية .ربما يكمن بداية الحل فى العودة الى العقل لنفهم مرارة الاخرين "أيتها السموات أعطنى العقل الذى به أستطيع به تصور ما يقول هذا الممرور" (ص 49-51)

الرائع هو ايجابية اهل الكهف واستهانتهم بالفوارق الزمنية بينهم وبين التاريخ وايمانهم بأن العقل بالمعنى الفلسفى والانسانى الشامل هو الحل . أعمال العقل الناقد والفاحص ، العقل المنسكب فى القلب حبا هو الحل !!!"لماذا لا تنظر الى الحياة والى الاشياء كما ننظر اليها نحن؟ أترهبك كلمة ثلثمائة سنة؟ فليكن مبلغها ما يكون .اننا فى الحياة قبل كل شئ .اننا نعيش ونحس ونشعر...اننا نحس ونشعر ونعقل. وليس لدينا العقل الذى يصدق أن ليلة أهل الكهف قد تمخضت وولدت ثلثمائة عام ...ألسنا فى الحياة ...نحمل قلوبا وأمالا ؟".

ما يزيد العمل الفنى "أهل الكهف " روعة وابداعا هو ما نشر عن هذا العمل . كتبت أهل الكهف سنة 1929 ونشرت لاول مرة سنة 1933 . أدعو القارئ أن يغلق عينيه و يطلق العنان لخياله ويفكر فى أول من نشر أول مقال عن كتاب "أهل الكهف"......تصوروا أنه فضيلة الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر (السابق وقتها) ولنقرأ ما قاله الشيخ الأديب(جريدة السياسة الاسبوعية - ملحق العدد 3107 -8 مايو 1933) :

"فى رواية أهل الكهف أشخاص تستشف من حوارهم طبائع نفوسهم وخبايا ضمائرهم وأسرار خلائقهم . وفى أهل الكهف ما يريك الدين ايمانا يملأ الصدر’وما يريكه موهنا تلينه عواطف اليأس وتدافعه زينة الحياة وشهواتها , وفى أسلوبها أحيانا ثوب من السخرية يرمى فى لطف الى مرمى بعيد "ص 120

ويمضى شيخنا الجليل متحدثا عن الحب فى الرواية ، نعم عن الحب ، فيقول "وفيها ـ أى فى الرواية ـ حب اذ كان لابد للناس من حب وان لبثوا فى كهفهم ثلثمائة سنين وأزدادوا تسعا ..كان مشلينيا يحب بريسكا متبناة الملك دقيانوس قبل أن يرقد فى الكهف قرونا .فلما أحياه الله وذهب الى القصر وجد بريسكا أخرى هى بنت صاحب القصر فحسبها حبيبته .أمر مشلينيا وبريسكا من أقوى حوادث الرواية ,اروعها وأدلها على مهارة الكاتب فى تصوير مواقف الحب تصويرا يكشف بعض المعانى ايماء رقيقا بليغا.

يذهب هذا الحب القوى الشقى الى أسمى مراتب الحب وينتهى الى أنبل نهاياته من الجود بالنفس فى سبيله عن سكينة ورضى".

**
تبقى باريس هى المحجة ’ هى معبد الثقافة ومحراب الحضارة ’ ومطرح الجمال والفن والابداع ’ باريس يهرب اليها كل من أصابه الملل وطارده الضجر ’ مثلى’ من قباحة هذا الدهر وضحالة هذا الفكر هذه الايام. باريس كلها منزلة من منازل الذوق أولى وأول المدائن ’ تشعر أن من بنى هذه المدينة ’ قد استعار ذوق السمائيين ’ وكأن السماء قد تنازلت عن جزء من بهائهها لهذه المدينة . التناسق والجمال والبنايات ’ لعل حب أمثالى لهذه المدينة يكمن فى أنها تمتد فى اللانهائى بمبانيها وانهارها وتاريخها وطوجاتها وتحديها للزمان وجديدها فى كل صباح . بلد اسنتقبلت الالاف من المهاجرين ووضعتم فى "خلاطها " الجضارى والثقافى والقت عليهم من ملح تاريخها الطويل ومن زيت الالهيات النازلة عليها ومن عطر حضارتها وأناقة لغتها ’ وضربت الجميع فى الخلاط ’ فخرجوا علينا متفرنسين بلا تنكر لجذورهم ’ فرنسا رالرغم من كل الصعوبات والمستحيلات ستظل أفضل النمتاذج فى استيعاب المهاجرين الجدد ’ اذا ما قرروا الاندماج الحضارى والالتزام الثقافىأة الخروج من الكهوف والجحور والجيتوهات ! . لقد تمنى الفر نسيون وهم ينجحون ’ بالرغم من شارلى ابدوا ’ نقول نجحوا فى عمل اسلام فرنسى ’ الاسلام الذى استعصى على كل محاولات الدمج او الانصهار ’ صار فى باريس ’ اسلاما فرنسيا ’ خرج من الكهف .هذا لا يلغى تأكيد أحد المسئولين الفرنسييين فى البر لمان الفرنسى وقد رفع تقريرا الى الرئيس الفرنسى بخصوص التعليم العام والانتماء الى الأمة الفرنسية ويحذر فيها من أن طاقة فرنسا على استيعاب مهاجرين جدد قد نفذت !( حسب جريدة القفيجاروا 19 مارس 2015.مستقبل ).

التقيت فى الطائرة بالشاب اليونانى زاخارياس يغنى للدنيويات ويرتل للاخرويات ’ لقد خرج من الكهف ’ زاخارياس يرتل فى كبرى الكنائس الاثينية ويغنى ضمن فرقة موسيقية يرعاها المغنى والموسيقار اليونانى الكبير ميكيس ثيؤدوراكيس . لا يوجد فجوة بين أشجان الناس والحان السماء ’ الموسيقى مطرح من مطارح سجودنا ’ سواء أنشد أو غنى . لا يكفر أحد الأخر . أصابتنى الدهشة يوما حينما طلب منى مطران يونانى كبير فى السن والمقام ’ كان قد عاش فى مصر سنوات طويلة ’ طلب منى ’ بمنتهى الجدية ’ كاست لأغانى أم كلثوم . كل هؤلاء قرروا الخروج من الكهف والالتحاف بالنور وما عرفوا دينا الا دين الحب وقرروا هدم الكهوف كل الكهوف ! . ونحن نقترب من الفصح ، نرجوه فصحا كريما ومجيدا على الجميع وعلى الاصدقاء الساكنين على الضفتين ولحبيبى منصور شاشاتى.


• مطرانية ـ بيرية ـ اليونان

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire