PART 1 بين خلود
النفس وقيامة الاموات Oscar
Cullman,Immortality of the Soul or Resurrection of the Dead? الاب اثناسيوس اسحق حنين
بين خلود النفس وقيامة الاموات
Oscar Cullman,Immortality of the Soul or
Resurrection of the Dead?
Αθανασία της ψυχής ή Ανάσταση έκ Νεκρών
شهادة العهد الجديد والكنيسة الاولى
لاوسكار كولمان
تمهيد
صدرت الطبعة الاولى من كتاب العالم اللاهوتى استاذ العهد الجديد
بالانجليزية عام 1953 وتم ترجمتها للمرة الاولى للغة اليونانية عام 1993 وصدرت
الطبعة الثانية عام 2004 من مؤسسة خبز الحياة(أرتوس زؤيس) اللاهوتية تحت اشراف
البروفسور سافاس اغوريدس استاذ العهد الجديد بكلية اللاهوت جامعة أثينا ورئيس
المؤسسة وقام بترجمتها الارشمندريت استاذ اللاهوت كومانديوس
وقد شعرنا انه من الافضل الترجمة من الترجمة اليونانية لانها ادق
لاهوتيا من الاصل الانجليزى ولان الدراسة هى مقارنة بين المفهوم اليونانى الفلسفى
فى خلود النفس والايمان المسيحى بقيامة الاموات جسدا ونفسا وهى حافلة بالتعبيرات
اليونانية وقد قام باعداد الترجمة الحالية من النص اليونانى
الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين
(ولكن ان كان المسيح يكرزبه أنه قام من الأموات فكيف يقول قوم
بينكم ان ليس قيامة أموات فأن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام وان لم
المسيح قد قام فباطلة بشارتنا وباطل أيضا أيمانكم)1كو 15 : 12 -14
( Εί δέ Χριστός κηρύσσται
ότι έκ νεκρών έγήερται πώς λέγουσιν έν ύμίν τινες ότι άνάστασις νεκρών ούκ
έστιν . ούδε Χριστός έγήγερται εί δέ Χρσιτός ούκ έγηγερται,κενόν άρα καί τό
κήρυμα ήμών ,κενή καί ή πίστις ύμών)
فهرس المحتويات
1– مقدمة المترجم اليونانى
2 –مقدمة المؤلف
3 –تمهيد
4–الفصل الاول
العدو الاخير هو الموت
5–الفصل الثانى
نتائج الخطية هى الموت
6 –الفصل الثالث
البكر من بين الأموات
7–الفصل الرابع
الراقدون
8–الخلاصة
9–قائمة بالشواهد الكتابية
مقدمة للمترجم اليونانى
لا تهدف هذه العجالة ان تعطى فقط معلومات عن حياة وفكر وخدمة
العالم أوسكار كولمان ولكنها تهدف هذه الى تقديم التكريم للبروفسور كولمان من أجل
مساهمته الجليلة فى مجال اللاهوت الكتابى بل والبنيان الكنسى لانه مع أن البروفسور
كولمان ينتمى الى البروتستانتية كهويته الا أنه أرثوذكسى فى فكره وأسانيده البحثية
والبنيان اللاهوتى الرصين
والنتائج التى وصل اليها كولمان من وجهة النظر الكتابية تتطابق مع
تلك النتائج التى وصل اليها الاب جورج فلوروفسكى من وجهة النظر الابائية كما سنرى
لاحقا
ولد البروفسوركولمان فى من نوفمبرعام 1902 وكبر ودرس فى مدينة
ستراسبورج بمنطقة الالساس ودرس الدراسات العليا فى باريس والتى درس فيها فيما بعد
كأستاذ ولقد درس على ايدى البرت شفايزر فى استراسبورج وعلى يد موريس جويجل فى
باريس وخلفه على كرسى الاستاذية ولقد صار كولمان وسيطا للقضايا اللاهوتية الكبرى
التى شغلت عصره ولقد واجه نظريات كثيرة وكبيرة فى ايامه واهمها نظرية الابوميثفسيس
اى ان لغة العهد الجدديد هى لغة اساطير و وثنية ولابد من اعادة تفسيرها على ضوء
التقدم العلمى والنضوج الذى حققه الانسان اليوم لعالم الكتاب المقدس الالمانى
بولتمان وقدم رؤيته الفريدة والواقعية فى تاريخ الخلاص فى كتابه المسيح والزمن (تم
ترجمته لليونانية عام 1997)ومن ثم كتاب خرستولوجية العهد الجديد(1956 ) والخلاص فى
التاريخ(لندن 1967 ) وفى هذه الرسالة يعالج قضية العلاقة بين خلود النفس والقيامة
من الاموات اى قيامة كل انسان وكل الانسان وقيامة الراقدين وهو يتفق مع الرؤية
الارثوذكسية لحقائق الموت والقيامة من الاموات ولقد واجه ردود افعال عنيفة من
الجانبين البروتستانتى والكاثوليكى بسبب ارائه اللاهوتية ويسعى كولمان ان يكتشف
عمق الحق الكتابى وهو الايمان بقيامة الاموات وهو الرجاء ولانها تشكل ايماننا
الارثوذكسى الذى هو قوام رجائنا وقدرتنا على فحص الامور التى لا ترى كما تقول
الاية فى النص الاصلى
(ελπιζομένων
ύπόστασις ,πραγμάτων έλγχος ού βλεπομένων)
مقدمة المؤلف
أن البحث الحالى هو ترجمة لدراسة سبق وظهرت فى دوريات علمية باللغة
الانجليزية
و دعونا نسأل اى مسيحى اليوم سواء كان ارثوذكسيا او كاثوليكيا او
بروتستانتيا عن ماذا يفهم من تعليم العهد الجديد والتى تشير الى حالة الانسان بعد
الموت ومع بعض الاستثنأأت سوف نحصل علا الاجابة الاتية(ان العهد الجديد يعلم بخلود
النفس ) ومع ذلك فان هذا الراى الواسع الانتشار هو من اكثر الاراء تحريفا وتفسيرا
مغلوطا للايمان المسيحى كما ورد فى العهد الجديد فكرا ولاهوتا وكما عاشته الكنيسة
الرسولية الاولى يقينا وشهادة ولا يوجد اى سبب يدفعنا لان نخفى هذه الحقيقة ولا
حتى نحاول اخفاء هذا الرأى بالتفسير المغلوط للايمان المسيحى وهذا امر يجب ان
نناقشه بمنتهى الوضوح والدراسة المسئولة فان معنى الموت والقيامة متجذر فى حقيقة
شخص المسيح وفى كيان كل مسيحى كما سيظهر من الصفحات القادمة ولهذا فهى على النقيض
من الفكر اليونانى الميتافيزيقى والفلسفى فى خلود النفس فالايمان المسيحى مؤسس على
تاريخية الخلاص وخلاص التاريخ فى قيامة الاجساد
Heilgeschichte
ولهذا فهذا الايمان المسيحى يحدث نقاشا وخصومات فى الفكر المعاصر
(ننذكر بان الكتاب صدر فى الخمسينات من القرن الماضى) ومجرد التفكير فى اهمال هذا
الفكر او محاولة تهميشه او اعادة تفسيره لمصالح دينية نفسانية كفيل بان يفرغ العهد
الجديد من جوهره
ولم يسبق ان سببت اى دراسة سابقة قدرا من ردود الافعال الصعبة
والمعادية مثل ما سببته هذه الدراسة ومما سبب انزعاج ليس فقط علماء فاهمين بل
مسيحيين اتقياء هو توضحينا من العهد الجديد بالفارق الكبير بين الرجاء المسيحى الاول
فى قيامة الاموات وبين المفهوم الفلسفى اليونانى بخصوص خلود النفس ولكن الى الان
لم يقم ايا من الناقدين بتقديم اعتراضاتهم وحججهم بشكل علمى على اسس هرمونوطيقية
سليمة(يبدوا ان هذه هى مأساة المعارضين بلا ادلة علمية فى كل مكان) ونحن نرى انه
من الخطأ الفادح ان ننسب للمسيحية الاولى تبنيها للمفهوم الفلسفى القائم على خلود
النفس ومن الاعتراضات التى وصلتنى من يقول ( أنا اقبل واثبت خلود النفس ولا اقبل
قيامة الجسد) وايضا( انا لا استطيع قبول ان احبائنا هم فى حالة نوم او رقاد لفترة
زمنية غير محددة ولا اقبل اننى انا شخصيا حينما اموت فسوف اوجد ببساطة فى حالة
رقاد وسانتظر القيامة) ونحن فى حاجة اليوم ان نذكر كل انسان عاقل سواء كان مسيحيا
ام لا بانه يوجد فارق جذرى بين هذا المفهوم السوقراطى لخلود النفس وبين رجاء
المسيحية الاولى فى قيامة الاجساد والتى نحن جميعا مدعوون للمشاركة فيها ويجب ان
نبحث بجدية علمية عن رأى كل من أفلاطون والرسول بولس حول القضية وبعد هذا نستطيع
ان نتقدم فى ابحاثنا ونحن بالطبع سوف نبدى حبنا واحترمنا للمفكرين العظيمين
وبالذات اذا كانت ارائهم ترتبط بحياة وموت الذين يخاطبهم افلاطون وبولس ومع ذلك
ليس ذلك سببا فى ان ننكر الفارق الجوهرى بين الرجاء المسيحى فى قيامة الاموات وبين
اليقين اليونانى فى خلود النفس وحتى لو وجد القارئ البسيط بعض النقاط المتشابهة
لفظيا الا ان البحث العلمى الموثق يؤكد جذرية الخلاف ونحن لا ننكر ان الفكر
المسيحى اللاحق اى منذ عصر الاباء والى العصور الوسطى والحديثة قد حاولت بناء جسور
بين الفكرين الا اننا لا نقدر ان نصمت امام هذا الخلط المأساوى وفى الحقيقة ان ما
قام به بعض اللاهوتيين من محاولة الربط بين الفكر اليونانى الفلسفى بخصوص خلود
النفس والرجاء المسيحى فى قيامة الاموات ليست بالمرة محاولة للربط او التوفيق بل
هى الغاء لفكر الواحدعلى اساس التمسك بالثانى اى بين نص فيدونوس لافلاطون والاصحاح
الخامس عشر من رسالة بولس الرسول الى الكورنثيين وهنا يتم التضحية ببولس على مذبح
الوثنى افلاطون ولقد ظهرت هذه الاراء فى شكل النظر لقيامة الجسد على انها لون من
الوان الاساطير او اللغة الاسطورية كما رأى العالم الالمانى بولتمان بينما الشئ
الاكيد والملموس هو خلود النفس بينما الايمان المسيحى الاول ميز بين الرؤية
المسيحية والايمان الوثنى وحتى لو راى الدارس ان هذا المفهوم اىقيامة الجسد ليس هو
الاسا س الا انه ليس من حق الباحث ان ينكر ان هذا هو ايمان كتاب الكلمة الالهية
الذى يقوم بدراستهم وشرحهم ولقد انطلقت فى قرارى هذا بنشر هذا الكتاب من منطلق ان
العثرات اللاهوتية وليست مجرد العثرات الاخلاقية او الروحية لان الثانية نتيجة
للاولى التى نجدها فى الطريق انما هى مصدر خلاص وأثراء للبحث العلمى وللايمان
المسيحى كما رأينا فى لاهوت المجامع امام الهراطقة
أن السؤال الذى نطرحه هو سؤال هرمنوطيقى بالدرجة الاولى وان
الناقدين بدون دراسة لهذه الاراء انما يقدمون خدمة لاعداء المسيحية الذين يقولون
ان ايمان المسيحيين لا يتعدى ان يكون اسقاط لرغباتهم الخاصة بدون موضوعية وفى
الواقع فليس من عظمة المسيحية فى شئ ان نقول ارائنا الخاصة وانما ان نؤسس قيامتنا
على الفداء الكونى والخليقة الجديدة وخلاص الكون كله
اننا لا ننكر ان الموضوع صعب بمكان وان الايمان به يشكل تحديا
كبيرا وانه ليس من السهل ان يقف الانسان امام قبر لكى يقدم بحثا اكاديميا بدون ان
تكتنفه الاوجاع وتخيفه الذات وتخرسه رعبة الموت عدو الله والحل ليس فى الكلام
الفلسفى المفذلك بل هو ان نسعى بكل قوتنا ان نكتشف تعليم ورجاء كتاب العهد الجديد
فى مواجهة الموت وبهذا الشكل نكتشف الاساس المتين لهذا الرجاء وان نتخلى عما نحب
من مفاهيم فلسفية تعطى مجرد راحة نفسية فى سبيل ما يضمن لنا رجاء ابديا انا احيا
مع الجماعة المسيحية الاولى فى ايمانها بالحالة المتوسطة التى يعيشها الذين رقدوا
وسيرقدون فى المسيح قبل النهاية تلك الحالة التى يصفها الكتاب المسيحيين فى القرن
الاول بانها مرحلة (الراقدون) وهذا يفسر يقين بولس حينما يؤكد انه حتى الموت لن
يفصله عن المسيح وانه ان متنا وان عشنا فنحن للمسيح(رو14 :7-9 ) لان الاموات فى
المسيح يجدون انفسهم فى رقادهم فى المسيح
Έν Χριστώ
لانهم ينتظرون قيامة اجسادهم الحقيقة وهى انه طبقا للمسيحيين فان
حياة القيامة الحقيقية والمليانة حياة لا تكتمل بدون الجسد الجديد اى (جسد
روحانى)والتى فيها سوف يلبس الراقدون جسدا روحانيا والتى ستظهر فيه سماء جديدة
وارض جديدة
الفصل الاول
العدو الاخير هو الموت
بين سقراط ويسوع
لا يوجد حقيقة ساطعة بان الرؤية الكتابية للموت مؤسسة على مبدأ
التاريخ الخلاصى وكيف ان هناك هوة عميقة بين الكتاب المقدس مثل المقارنة بين موت
سقراط الفيلسوف اليونانى وموت يسوع فالتناقض واضح وساطع وهذا التناقض تم التعاطى
معه لاسباب مختلفة حتى من اعداء الكنيسة الاوائل
يقدم لنا أفلاطون حادثة موت سقراط وهى تعد من أهم الحجج التى ظهرت
فى تاريخ الفكر والمؤيدة لخلود النفس وخاصة انه قد تم تقديم هذه الرؤية بشكل علمى
وفلسفى على درجة عالية من التقنية ويحوى نص افلاطون قدرا من الابداع العلمى
والجاذبية التعليمية ونحن نعرف الحجج التى يسوقها النص الفلسفى بخصوص خلود النفس
فجسدنا البشرى هو عبارة عن رداء خارجى وكلمنا تقدمنا فى الحياة كلما تدخل هذا
الرداء ليعطل النفس من ان تتحرك بحرية ومن ان تعيش فى الانسجام مع جوهرها الابدى
ويقوم الجسد بفرض ناموس على النفس لا يتناسب مع اصلها ومع ان النفس محبوسة فى داخل
الجسد الا انها تتبع عالم الابدية وكلما تقدمنا فى الحياة كلما تأكدنا اننا نعيش
فى السجن اى داخل جسد هو غريب تماما عن النفس ويأتى هنا الموت حسب هذه النظرية
ليؤكد انه هو المحرر الذى يحل قيود النفس ويقودها خارج السجن الذى هو الجسد وذلك
لان الجسد والنفس هما عنصران ينتميان الى عالمين مختلفين ولذلك فان انهيار الجسد
لا يمكن ان يعنى انهيار النفس وذلك بنفس القدر الذى لا يمكن فيه ان يموت لحن
موسيقى خالد لمجرد ان الالة الموسيقية التى عزفته قد تحطمت ولكن الباحثون يرون ان
الدلائل على خلود النفس عند سقراط نفسه لا ترقى الى درجة اليقين الرياضى ولكن
اصحاب هذه النظرية يسعون بكل جهدهم لكى يثبتوا حقيقة النظرية حتى ينجحوا فى جعل
هذه النظرية فرصة جوهرية لبقاء الانسان وحينما قدم العظيم سقراط حججه على خلود
النفس فى خطابه الشهير امام تلاميذه فى يوم موته فانه لم يعلمهم فقط هذه العقيدة
نظريا لانه فى هذه اللحظة لم يكن يعلم عقيدة نظرية بل صار هو العقيدة يحياها فى
موته وقد اظهر لهم النهج الذى من خلاله تحيا النفس فى الحرية وهذا يحدث فى الحياة
الحاضرة وذلك يتم اذا ما انشغلنا وبشكل مصيرى بحقائق الفلسفة الابدية ولانه من
داخل الفلسفة نقدر ان ندخل الى داخل عالم المثل الابدى والذى هو عالم انتماء النفس
وبهذا الشكل نحرر النفس من سجن الجسد وما الموت الا كمال هذا التحرر ويقدم لنا
أفلاطون سقراط وهو يتقدم الى الموت فى سلام تام وضبط للنفس وذلك لان موت سقراط
انما هو موت جميل ولا نجد فى موت سقراط اى من الامور التى تشكل الرعب والخوف
الطبيعى امام الموت وذلك لان سقراط لا يمكن ان يخاف الموت مادام الموت يحررنا
بالفعل من سجن الجسد واى انسان يخاف الموت يؤكد انه يحب عالم الجسد وانه مربوط
بالكلية فى عالم الحواس فالموت فى الحقيقة هو صديق النفس اللصيق وهكذا علم وهكذا
وفى انسجام تام مع ما علمه مات هذا الانسان الذى يعد تجسيد للعالم الفلسفى
اليونانى الوثنى فى ارقى صوره
والان دعونا نرى كيف مات يسوع حسب شهادة العهد الجديد ففى بستان
جثيمانى كان يسوع مدركا ان الموت ينتظره تماما مثلما كان سقراط ينتظر موته فى اخر
ايام حياته ويتفق البشيرون الازائيون(متى ومرقس ولوقا) بشكل عام فى تقديم صورة
متكاملة لموت يسوع وفيه نرى ان يسوع كان قد بدأ يجاهد ويتعب بل ويكتئب(ثم اخذ معه
بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يدهش ويكتئب) مر 14 :33 كما كتب مرقس (فقال لهم نفسى
حزينة جدا حتى الموت أمكثوا هنا وأسهروا )مر 14 :34 فيسوع انسان كامل بكل معانى
كلمة انسان ولهذا يشارك ويذوق الخوف الطبيعى امام الموت فيسوع يخشى الموت ليس
بالشكل الذى يعيشه انسان جبان امام الذين يريدون قتله ولا هو يخاف من الالام
والمعاناة التى تسبق الموت فهو يخاف امام شخص الموت بعينه لان الموت عند يسوع ليس
هو امرا الهيا بل هو امر ماساوى ومرعب ودخل الى العالم بحسد ابليس ولا يريد يسوع
ان يكون وحده فى هذه اللحظة وهو يعلم بالطبع ان الاب يقف بجانبه ولهذا فهو يتجه
الى الاب فى هذه اللحظة الفاصلة كما كان يفعل فى كل حياته على الارض فهو يتجه الى
الاب حاملا كل الخوف الانسانى الطبيعى امام الموت الذى هو العدو الاكبر اى الموت
فهو كانسان يخشى الموت ولا حاجة لنا فى الاستفاضة فى وصف خوف يسوع امام الموت حسب
وصف الانجيليين
ولقد قام محاربوا المسيحية بمقارنة موت يسوع بموت سقراط وقام بالرد
عليهم المدافعون عن المسيحية فيسوع كان فعلا مضطربا ومرعوبا امام الموت ولا يجب
على المسيحيين ان ينكروا ذلك كلون من عزة النفس والدفاع عن كرامة يسوع لان يسوع
نفسه اختار الموت من اجلنا ومن اجل خلاصنا وهنا لا نجد محاولات ضبط النفس التى
نراها فى موت سقراط والذى قبل الموت بسلام كصديق ولقد كان يسوع عالما بالمهمة التى
القيت عليه ليتممهها اى ليجوز الموت ولقد عبر عن نفسه فى هذا الشأن (ولى صبغة
أصطبغها وكيف أنحصر حتى تكمل)لو12 : 50 ولان الموت هو عدو الله لانه خدع الانسان
فيسوع ينادى الله الاب الذى هو الكلى القدرة (وقال يا أبا الاب كل شئ مستطاع لك
فأجز عنى هذه الكأس ولكن ليكن لا ما اريد انا بل ما تريد انت )مر 14 : 36 ولا تعنى
هذه الاية ان يسوع يعتبر كسقراط ان الموت صديق ومحرر بل على النقيض من الفيلسوف
اليونانى ولكن يعبر عن قلقه ويقول للاب (لو كان هذا الموت الرعب الاكبر لو كانت
هناك حاجة ماسة ان ياتى على حسب ارادتك وقتها ساقبل هذا الرعب من يديك ) فيسوع
يعلم ان الموت هو فناء تام لان الموت هو عدو الله ولهذا فهو يصرخ الى الهه لانه
امام الموت عدو الله لا ينبغى ان يكون يسوع وحده ففى هذه اللحظة لا يطلب يسوع
مساعدة فقط من الله ولكن يطلب ايضا صلاة تلاميذه ولاحظنا كيف انه قطع صلاته فى
البستان مرات لكى يذهب لتلاميذه الذين كانوا يحاولون طرد النعاس من اجفانهم لكى
يكونوا متقيظين حينما سيأتى الجنود للقبض على معلمهم ومع ذلك فشلوا فى البقاء
يقظين وكان على يسوع ان يقوم بايقاظهم مرات عدة فلماذا يريدهم صاحين ؟ لانه لا
يريد ان يكون وحده فى تلك اللحظة فهو لا يريد حينما ياتى الموت الفظيع ان يكون
متروكا حتى من تلاميذه وهو يعلم تمام العلم ضعف طبيعة التلاميذ البشرية(ثم جاء
فوجدهم نياما فقال لبطرس يا سمعان أنت نائم ! أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة )مر 14
: 37 فهل نريد ادلة اكثر من هذه على التناقض الكبير بين سقراط ويسوع ولقد كان يسوع
مثل سقراط محاط بتلاميذه يوم موته وبينما كان سقراط يجادل تلاميذه بكل سلام ولا
مبالاة عن خلود النفس كان يسوع يخاطب الاب ويترجى تلاميذه بل ويعاتبهم ان لا
يتركونه وحده ولقد قدم مؤلف الرسالة الى العبرانيين والذى يؤكد على لاهوت يسوع
اكثر من اى كاتب اخر فى العهد الجديد ولكن يؤكد ايضا على ناسوته ويتقدم على
الانجيليين فى وصف خوف يسوع امام الموت قيكتب قائلا (الذى فى ايام جسده اذ قدم بصراخ
ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من اجل تقواه)عب 5 :7 وهكذا
وحسب الرسالة الى العبرانيين فقد صرخ يسوع وبكى امام مشهد الموت فمن ناحية نجد
سقراط يتكلم بهدوء واسترخاء وضبط للذات عن خلود النفس ومن الناحية الاخرى نجد يسوع
يبكى ويتضرع ويكتئب
ثم ياتى منظر الموت نفسه فسقراط يشرب السم بسلام ميتافيزيقى بينما
يسوع حسب مرقس يصرخ (الهى الهى لماذا تركتنى وصرخ بصوت عظيم واسلم الروح )مر 15 :
37 وهذه الحالة لا تقدم لنا باى حال الموت على انه صديق بل الموت فى كل رعبه
فالموت هو فى الواقع عدو الله الاخير وهكذا يسميه بولس فى رسالته الاولى الى
الكورنثيين(1كو 15 :26 ) وياتى كاتب سفر الرؤيا وبكلمات اخرى ليؤكد نفس الحقيقة
حينما سيطرح الموت فى بحيرة النار (رؤ 20 :14 ) ولان الموت هو عدو الله فهو يفصلنا
عن الله مصدر وخالق كل الحياة ويسوع الذى تربطه بالله ولان يسوع يرتبط بالله الاب
اكثر من اى انسان اخر على الارض لانه ابن الله وابن الانسان فقد شكل موته تجربة
كبيرة من اكثر التجارب البشرية مرارة واذا وجدنا يسوع الغالى على الاب فى قبضة
الموت فهذا معناه للعين المجردة ان الله قد تركه وتخلى عنه ولهذا كان يسوع مدعوا
ان يحيا هذا الانفصال عن الله او هذا التخلى الالهى بمرارة ولهذا صرخ الى الله
(الهى الهى لماذا تركتنى)متى 27 : 46 وهذا يؤكد ان يسوع الان بشعر بيقين انسانى
انه فى قبضة اكبر عدو لله وهو الموت
ونحن يجب علينا ان نكون عارفون بجميل وفضل الانجيليين لانهم لم
يتركوا تفاصيل هذا الموقف تفوتهم ولم يخفوا شيئا وسيأتى وقت وبالتحديد فى القرن
الثانى اناس مسيحيون ذو خلفية ثقافية يونانية ليشككوا فى الايمان المسيحى بسبب
الضعف الظاهرى ليسوع امام الموت ولانه ليس على مستوى لامبالاة زعيمهم الاصلى سقراط
لان هؤلاء ليسوا اولاد ابراهيم واسحق ويعقوب بل اولاد افلاطون وسقراط وابيقوريوس
وهؤلاء الناس هم الذين اطلق عليهم التاريخ المسيحى (الغنوسيون) ونلاحظ ان هماك
ديانات كبيرة فى العالم انكرت رسميا موت المسيح على الصليب وظنوا ان ذلك تكريما له
حاولت فى عجالة ان اقارن بين موت سقراط وبين موت يسوع لان فى هذه
المقارنة فقط سيظهر الفارق الجذرى بين المفهوم الفلسفى اليونانى فى خلود النفس
واللاهوت المسيحى فى قيامة الاجساد وذلك لان يسوع قد واجه الموت بكل واقعيته وليس
فقط بجسده ولكن بنفسه ايضا ( الهى الهى لماذا تركتنى) ولان المسيحيون الاوائل
امنوا بالمسيح على انه الوسيط وسيط الخلاص فلهذا يجب ان يكون الول والوحيد الذى
بموته هزم الموت ولا يمكن ان يهزم يسوع الموت اذا ما ظلت نفسه خالدة او استمر فى
الحياة بنفس خالدة بدون ان يذوق الموت فهو يقدر ان يهزم الموت بموته الحقيقى
ودخوله فى مجال الموت الذى هدم الحياة اى فى مجال العدم والتخلى الالهى فاذا اراد
احد ان يتخطى احد فلابد ان يدخل فى نفس المجال الذى يريد ان يتخطاه ويهزمه والذى
يريد ان يغلب الموت كليا ان يموت بالكلية لابد ان يتوقف عن الحياة وليس مجرد ان
يعيش بنفس خالدة بل لابد ان يضيع حياته التى هى اجمل هدية حبانا بها الله ولهذا
فالانجيليون وهم قد وضعوا امامهم الهدف النهائى وهو ان يقدموا لنا يسوع كأبن الله
لم يحاولوا ان يخفوا شيئا او يجملوا فى شئ فظاعة موت المسيح الانسان واذا ما
تقدمنا فى الفكر اللاهوتى فى العهد الجديد فاذا كانت الحياة ستجوز فى موت اصيل مثل
موت يسوع ففى هذه الحالة لابد من تدخل الهى كبير يليق بهذا الموت وهذا التدخل
الالهى سيعيد الى الحياة ليس فقط جزء من الانسان ولكن كل الانسان الذى خلقه الله
ككل جسدا ونفسا وهدمه الموت كله وبالنسبة لسقراط وافلاطون ليس هناك حاجة الى تدخل
الهى ففى الواقع الجسد هو شر ولا يستطيع ان يستمر فى الحياة واما الجزء من النفس
الذى هو مدعو الى الحياة والاستمرار فهو النفس التى لا يمكن ان تموت فى اى حال من
الاحوال
واذا ما اردنا سبرغور الايمان المسيحى بخصوص عقيدة القيامة فنحن
مدعوون بان نترك جانبا وننسى تماما الفكر اليونانى الذى يؤكد على ان المادة او
الجسد واى شئئ مادى او جسدى هو شر ولابد من ان يدمر وينتهى وبهذا لن يكون هدم او
موت الجسد باى حال هو هدم للحياة الحقيقة فالنسبة للفكر اليهودى والمسيحى فان موت
الجسد هو فى نفس الوقت هدم لهبة الحياة فلا يوجد فى الفهم اليهودى والمسيحى اى
تفريق بين حياة الجسد وحياة النفس وحتى حياة الجسد فهى حياة حقيقية والموت هو هدم
للحياة التى خلقها الله وبالتالى فالموت وليس الجسد هو الذى يجب ان يغلب من
القيامة وهكذا فكل من يعى مع المسيحيين الاوائل رعبة الموت فسيعى معهم بهجة
القيامة وقوتها التى عاشتها الجماعة المسيحية الاولى وهكذا يعيش ويفهم الفكر
الشامل فى العهد الجديد والذى يقوم على الايمان بالقيامة بينما الايمان بخلود
النفس ليس هو ايمان بحقيقة ثوريةمثل الايمان بالقيامة فخلود النفس كواقع هى
تاكيدسلبى على الحياة فالنفس لا تموت ولكنها تبقى بينما القيامة هى بقاء ايجابى فالانسان
بكامله الذى مات هو هو بكامله مدعو الى فعل خلق الهى جديد فهنا شئ جديد يحدث انها
معجزة اعادة الخلق وهذا العمل يتناسب مع انه قد سبق الموت وحطم الحياة المخلوقة
بالله فالموت ليس شئ جميل وحتى لو كان موت يسوع فالموت قبل القيامة هو التحلل
والعفونة فالذى لم يذق رعبة الموت لا يستطيع ان يضم صوته الى صوت بولس فى صرخة
النصر (لان الموت قد ابتلع فاين شوكتك يا موت واين غلبتك يا هاوية)1كو 15 : وبدون
القيامة لا يقدر المبشر ان يتحدى الموت (انى بافتخاركم الذى لى فى يسوع المسيح
ربنا اموت كل يوم ان كنت كانسان حاربت وحوشا فى افسس فما المنفعة لى ؟ ان كان
الاموات لا يقومون فلنأكل ونشرب لاننا غدا نموت )1كو15 : 31 -32
الفصل الثانى
نتائج الخطية هى الموت
وبالرغم من كل ذلك فنحن نعود لنؤكد على الحقيقة الثابتة من العهد
الجديد والكنيسة الاولى وهى الفارق الكبير والجذرى بين الفكر اليونانى فى خلود
النفس وبين الايمان المسيحى بالقيامة فالايمان بالقيامة يفترض المفهوم اليهودى
الاساسى وهو الرابطة بين الخطية والموت فالموت ليس ابدا امرا طبيعيا وليس هو شئ
اراده الله كما يظهر ذلك من فكر الفلاسفةاليونانين فالموت شئ غير طبيعى وغير مقبول
وهو ضد الله وارادة الله وهو العدو (اخر عدو يبطل هو الموت)1كو 15 :26 وقصة سفر
التكوين تظهر وتعلم بان الموت قد دخل الى العالم فقط بخطية الانسان وغواية الحية
كما تؤكد النصوص الليتورجية فالموت هو لعنة وكل الخليقة دخلت تحت اللعنة
فخطية الانسان ادت الى ظهور سلسلة متتابعة من الاحداث يصفها الكتاب
المقدس ونحن نسميها (تاريخ الفداء او تاريخ الخلاص) فلا يمكن هزيمة الموت الا اذا
تم هزيمة الخطية لان نتيجة الخطية هى الموت وهذه القضية لا نعلمها فقط من رواية
سفر التكوين بل ان المغبوط بولس يتكلم عن نفس الامر وبالتفصيل فى رسائله وهو نظرية
كل ما يتعلق بالموت والتى كانت الجماعة المسيحية الاولى تعيها تماما فما دام انه
من الطبيعى ان تكون الخطية امرا يتناقض وصلاح الله فبالتالى الموت الذى هو نتيجة
الخطية والذى هو التطور الطبيعى والنتيجة الطبيعية للموت وحتى لا يظن احد ان
الخطية والموت اكبر من الله نقول لا فالله قادر ان يستخدم كل شئ للخير خير الانسان
لماذا نعتبر الموت عدوا لله ؟ ببساطة لان الله هو هو الحياة وهو
خالق الحياة فالمرض والتعب والعرق والانحدار ورعبة الموت وما يتبعها من اخطأ
اخلاقية كالكذب والسرقة والقتل والغش وعدم احقاق الحق واهدار كرامة الانسان وهضم
حقوقه والاتهامات بدون دلائل وغيرها من الخطايا التى تسود حياة البشر ليست هى
انجازات ارادة الله فكل هذه الحالات والعاهات اتية وناتجة ونابعة حسب التقليد
اليهودى والمسيحى من الخطية الانسانية ولهذا فكل تدخل عجائبى او عمل شفاء يقوم به
يسوع ليس هو مجرد خلاص مؤقت من سلطان الموت ولكنها هجمة كبيرة للنعمة على معاقل
الخطية والموت ولهذا السبب كان يسوع يقول اثناء اعمال(الانيرجيا) الشفاء(مغفورة لك
خطاياك) وهذا لا يعنى بالضرورة انه كان يوجد خطية محددة فى كل حالة شفاء بل بالعكس
فان حضور الموت كما هو معلن فى الامراض ما هو الا نتيجة حتمية لحالة البشرية
الساقطة بكليتها فكل معجزة شفاء هى قيامة صغيرة وهى فى ذات الوقت انتصار صغير
للحياة على الموت انتظارا للانتصار الكبير والنهائى وهذه هى وجهة النظر المسيحية
فى هذه القضية بينما العكس تماما يحدث فى التفسير اليونانى الفلسفى الذى يرى ان كل
مرض جسدى انما هو نتيجة لحقيقة ان الجسد فى حد ذاته هو شر ومصيره الهلاك وانه
بالتعبير البلدى يستاهل اللى يجرى له! فالنسبة للمسيحى فان توقع وانتظار القيامة
من الممكن ان يصير ملموسا ومرئيا من خلال الجسد الانسانى وفى الجسد الانسانى من
الان (راجع كلمة الان ومعناها اللاهوتى عند الانجيلى يوحنا)وهذا يقودنا الى
النتيجة الاساسية فى بحثنا وهى ان الجسد ليس شرا فى ذاته فلقد صار فى المسيحية
هيكلا للروح القدس (راجع ايات الجسد فى فهرس الكتاب ص104 ) ولكنه مثله مثل النفس
تماما هو عطية من الخالق خالقنا ولهذا وحسب بولس فاننا علينا التزامات تجاه الجسد
اى تجاه اجسادنا لان الله هو خالق كل شئ فالعقيدة اليونانية بخصوص خلود النفس
والرجاء المسيحى فى القيامة اى قيامة الانسان كله نفسا وجسدا يختلفون فيما بينهم
اختلافا جذريا وذلك لان الفكر اليونانى يقدم رؤية مختلفة تماما للخليقة والخلق
فالفكر اليهودى والمسيحى يرفض تماما الثنائية اليونانية والتضاد بين الجسد والنفس
لان التفسير اليهودى المسيحى للخليقة يرى ان المرئ والجسدى(السوما) واللحم
والدم(الساركا) هما خليقة الله مثل الغير المرئى والروحانى فالله هو جابل الجسد
والجسد فى هذه الحالة ليس هو سجن النفس بل هو هيكلها كما يقول بولس ان الجسد هو
هيكل الروح القدس (1كو 6 :19 ) وهنا يظهر الفارق الجوهرى فالجسد والنفس فى اللاهوت
المسيحى ليسا عنصران فى تضاد وصراع فالله رأى الخليقة المادية والجسدية (حسن جدا
)حسب شهادة سفر التكوين وشهادة سفر التكوين هى خير شاهد على موضوعنا فمن ناحية نرى
ان الخطية تشمل كل الانسان وليس فقط جزء من الانسان اى ليس مجرد الجسد ولكن النفس
ايضا ونتج عن الخطية الموت الذى ملك على كل الخليقة ولقد شكل الموت امرا مرعبا لان
الخليقة المرئية اى خليقة الله انما هى شئ رائع وهذه الخليقة تشمل ايضا الجسد اى
جسدنا الذى هو كيان مذهل فى جماله ولقد احتفظ بشئ من جماله الاول حتى بعد دخول
الفساد الى العالم بالخطية والموت والانجيل لا يجرم الجسد بل اعمال الجسد وكان
دائما الانسان والانسانية ترى من وراء التفسيرالمتشائم للموت الرؤية المتفائلة للخليقة
بينما فى الرؤية الافلاطونية الموت هو تحرر من الجسد ذاك السجن الشرير اى ان هذه
الرؤية لا ترى العالم والمادة كخليقة الله وهذا لا يلغى ما فى النظرية الافلاطونية
من بعض المحاولات والجمالات ولكنها كانت ترى رؤية ايجابية الى حد ما للجسد
الانسانى ولكن هذه الرؤية و الجمال والصلاح عند افلاطون لم يكن قائما على الصلح مع
الجسد بل هى رؤية ضد الجسد والعنصر الجسدى ليس هو الواقعى والابدى والالهى بل هو
ببساطة الوسيلة التى يظهر من خلالها الواقع الاسمى للنفس اى عالم المثل الافلاطونى
بينما الفكر اللاهوتى اليهودى المسيحى يرى شيئا ابعد من ذلك اى ابعد من مجرد
الاكتفاء بالعنصر الجسدى او النفسى لان الخليقة كلها قد دخلها العطب والفساد بسبب
الخطية والموت فالخليقة لم تعد على الحال التى خلقها الله عليه او ارادها الله
ونفس الشئ ينطبق على الجسد الذى نلبسه فالموت ملك على كل شئ وهذا الامر واضح
للعيان ان الموت قد القى بظلاله على كل شئ وهنا ولمرة اخرى يرى افلاطون وراء
الحضور الجسدى اى وراء الجسد والمادة يرى اللاجسدى والهيولى والنظرية الافلاطونية
فى عالم المثل بينما المسيحية ترى وراء الخليقة الفاسدة حاليا الخليقة الجديدة
المفدية فى القيامة كما ارادها الله منذ البدء ولهذا فالتناقض الواقع امام جهاد
المسيحى ليس هو بين الجسد والنفس اى ليس بين الشكل الخارجى اى عالم المادة وعالم
المثل ولكن وبالدرجة الاولى بين الخليقة التى اسلمت بسسبب السقوط والخطية الى
الموت وبين الخليقة الجديدة اى بين الفساد والجسد الجسدانى وببين الجسد القائم
العديم الفساد
وهذا يقودنا الى نقطة هامة وهى الرؤية المسيحية للانسان
فالانثروبولوجيا فى العهد الجديد ليست هى يونانية فلسفية بل هى يهودية مسيحية
فالعهد الجديد يستخدم نفس الكلمات الفلسفية مثل جسد(سوما) ولحم ودم
(ساركا)وروح(أبنيفما) ونفس (ابسيخى) ولكنها فى العهد الجديد تحمل مضمون مختلف
تماما وهناك خطر جسيم يؤدى الى سوء تفسير العهد الجديد اذا استعملنا هذه التعبيرات
بنفس معانيها ولا يمكن فى هذه العجالة ان نقدم دراسة لعلم الانسان ولهذه التعبيرات
فى العهد الجديد ولكن سنكتفى بالاشارة الى نقاط هامة تخص موضوعنا وفى محاولتنا هذه
سنلجأ الى بولس وهو يقدم لنا ملء الانثروبولوجيا المسيحية ولقد عمد بولس التعبيرات
اليونانية فى القيامة والخليقة الجديدة والعهد الجديد يعترف بالفارق بين الجسد
والنفس وبمعنى ادق بين الانسان الباطنى والانسان الخارجى(لكى يعطيكم بحسب غناه فى
المجد ان تتأيدوا بالقوة بروحه فى الانسان الباطن ليحل المسيح بالايمان فى
قلوبكم)أفسس 3 :16 وهذا الفارق لا يعنى اى لون من الوان الصراع او التضاد كما لو
ان احد هذه العناصر شر والعنصر الثانى خير فالعنصران يحيان معا وهما خليقة الله
فالانسان الداخلى لا يفهم بدون الانسان الخارجى فالنفس تطلب الجسد والجسد لا يحيا
من غير النفس ويمكن للنفس ان تشكل حضورا فى الظل من غير الجسد مثل الاموات فى
الهاوية حسب العهد القديم فحسب العهد الجديد فان الانسان الباطنى للنفس يستعلن فى
الجسد وهنا نتكلم عن الجسد بمعنى (السوما ) اى الكيان كله مع النفس ولقد ادى ترجمة
الكلمتين (السوما) و(الساركا) فى اللغة العربية بكلمة واحدة هى الجسد الى عدم وضوح
الفارق بين التعبيرين فى مواقف هامة فى لاهوت العهد الجديد فالساركا هى اللحم
والدم والروح هى القوة الاتية من فوق فالساركا تشكل قوة الخطية وسلطان الموت فهى
التى تحاصر وتستولى على الانسان الباطن(لحما ودما لا يرثون ملكوت الله ) بمعنى
الخاضع لسلطان الخطية بدون قيامة وخليقة جديدة فى المسيح بينما الروح (الابنفما)
فهو خصم الساركا وهو قوة الخليقة الجديدة وهو ايضا يحاصر ويستولى على الانسان
الباطن والظاهرفالساركا والابنفيما هما انيرجييس اى افعال خلاقة ومبدعة وهما
يعملون فى داخلنا فالساركا بمعنى قوة الخطية وحضور الموت حدثت فى ساركة ادم بعد
الخطية والسقوط وهى فى الواقع استولت وسيطرت على كل الانسان الداخلى والخارجى
الباطنى والظاهر (اعمال الجسد ظاهرة) وهو فى سيطرته على الانسان الباطن والانسان
الظاهر ارتبطت ارتباطا كبيرا بالسوما والانسان الباطن يجد نفسه فى حالة اقل
ارتباطا بالساركا وان كان بسبب هذا الارتباط بقوة الموت يجد نفسه متورطا بين
السوما والساركا بينما الروح(الابنيفما) من الناحية الاخرى هو قوة الحياة العظمى
وهو عنصر القيامة وهو الطاقة الالهية التى اودعها الله الانسان فى الخلق لكى يبدع
بها وفيها اى ليعمل الارض ويفلحها ويحفظها(هذا هو راى كيرلس الكبير ان النفخة التى
نفخها الله فى التكوين كانت هى الروح القدس) وهذا الروح القدس بعد مأساة السقوط بدأ
يعمل من وقت لاخر فى الانبياء ولكن منذ الايام الاخيرة التى نعيش فيها الان اى منذ
ان حطم المسيح قوة الموت من خلا موته وقيامته فان قوة الحياة تعمل فى كل اعضاء
الجماعة المسيحية)اع 2 :17 ) وكما قلنا فا لساركا والابنفما يسيطران على الانسان
الباطن والانسان الظاهر ورغم ان الساركا فى هذا الدهر تسعى للسيطرة على الانسان
الباطن الا ان يقظة قوة الروح القدس وانحياز الانسان تستولى على الانسان الباطن
بشكل حاسم وقاطع حتى يتجدد الانسان الباطن يوما فيوما حسب قول بولس(2كو 4 : 16 )
ويوحنا فى مجمل لاهوته يؤكد على هذه االحقيقة فنحن نوجد فى مجال وحالة القيامة
والحياة الابدية وليس خلود النفس فالعهد الجديد قد بدا والجسد اى السوما يوجد
بدوره تحت سلطان الروح القدس وحيث يعمل الروح القدس تتقهقر قوة الموت وسلطانه وهذا
يشكل مذاقة العربون اى عربون الاخرويات وهذا يتحقق ايضا فى مجال السوما وهذا تؤكده
الاعمال الشفائية المعجزية للمرضى فى العهد الجديد والى اليوم والوضع فى الايات
الشفائية هو ان السوما الخاضع للموت يتقهقر امام قوة الحياة فى هذا الدهر ولكنه اى
السوما لا يتجلى من جسد الموت الى جسد القيامة الا جزئيا والدليل ان من اقامهم
يسوع من الموت ماتوا مرة اخرى لانهم لم يلبسوا بعد السوما القيامية فتحول السوما
الى سوما روحانى لا يتم بشكل نهائى الا فى الاسخاتولوجيا اى المجئ الثانى الذى
سيغير فيه جسد تواضعنا الى شبه جسد مجده اى جسد القيامة ووقتها فقط سيتحول السوما
بقوة القيامة التى للروح القدس وسوف يستولى الروح القدس بشكل نهائى على كل السوما
وسيتحول السوما بنفس الطريقة التى تحول بها الانسان الباطن وهنا نجد الفارق الجذرى
بين الانثروبولوجيا المسيحية والرؤية اليونانية للانسان والمسيحية ترى ان النفس
والجسد هما صالحان منذ البدء وطبيعتهما صالحة لانهما خليقة الله والاثنان معا
يصيران شرا حينما يسيطر الموت عليهما معا اى قوة الساركا الحاملة الخطية والموت
ولكنهما يستطيعان التحرر بفعل قوة الروح القدس العاملة فيهما وحينما نقول التحرر
لا نقصد مطلقا تحرر السوما من الابسيخى اى الجسد من النفس ولكن خلاص الاثنين من قبضة
الساركا فنحن لا نتحرر من السوما بل السوما نفسه يصير حرا وهذه الحقيقة ساطعة فى
رسائل بولس وليس ذلك فقط بل تشكل كل رؤية وتفسير العهد الجديد ولا حاجة لنا بعمل
سياحة فى العهد الجديد للتأكد من ذلك ولكن كلام يسوع نفسه حينما يقول (لا تخافوا
ممن يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها بل خافوا بالحرى من الذى يقدر
ان يهلك النفس والجسد كليهما فى جهنم )متى10 :28 وهنا لا يتكلم يسوع من خلفية
الفكر اليونانى وربما يفهم البعض ان النفس لا حاجة لها الى الجسد ولكن سياق الايات
يؤكد عكس ذلك تماما حينما يقول (بل خافوا من الذى يقدر ان يهلك النفس والجسد
كليهما فى جهنم) اى انكم يجب ان تخافوا من الله القادر على ان يسلمكم بالكلية الى
الموت اى ان ينساكم ويتخلى عنكم ولن يقيمكم للحياة وهذا لا يمنع من ان النفس هى
بداية حركة القيامة لان النفس حينما يمتلكها الروح القدس فانه يمتلكها بشكل غير
ملكيته على الجسد فالروح القدس يعمل من الان ويعيش فى الانسان الباطن(فالذى اقام
المسيح من الاموات سيحيى اجسادكم المائتة ايضا بروحه الساكن فيكم)رو8 :11 فالله
سيقيم ايضا اجسادنا المائتة ولهذا فلا نخاف ممن يقتلون الجسد لان الجسد سيقوم من
الاموات والاكثر من ذلك فالجسد لابد وان يقوم لان النفس لايمكن ان تظل وحدها بدون
الجسد ومن ناحية اخرى نجد يسوع يقول ان النفس يمكن ان تموت(يهلك النفس والجسد
كليهما) وهذا معناه ان النفس ليست خالدة بل يمكن ان تموت مع الجسد وذلك لانه من
وقت السقوط اصاب الفساد كل من الجسد والنفس والشئ الهام هو ان الانسان الباطن
وبفعل عمل قوة الروح القدس يمكن ان يتحول ويذوق القيامة من الان بفضل التجديد
اليومى ولكن الساركا اى رغبات اللحم والدم مازالت تسيطر على السوما اى ان عرشها اى
عرش الساركا هو السوما وان تجلى السوما بشكل كامل لا يتم قبل الايام الاخيرة حينما
تتجدد كل الخليقة بفعل عمل الروح القدس وحينما سيتوقف سلطان الموت والفساد فقيامة
الجسد اى السوما التى لن يكون الساركا هو قوامها الاساسى بل قوامها الاساسى هو
الروح القدس وستشكل جزء من كل الخليقة الجديدة لاننا ننتظر سماء جديدة وارض جديدة
يسكن فيه البرحسب رسالة بطرس الثانية(2بط 3 :13 ) فالرجاء المسيحى ليس هو الحظ
الشخصى ولا القدر التاريخى ولكنه يتعلق بكل الخليقة لان الخطية قد سببت سقوط كل
الخليقة فى براثن الموت وهذا لا نعرفه فقط من سفر التكوين بل من رسالة بولس الى
اهل رومية(رو8 :22 ) لان كل الخليقة تئن وتتمخض معا الى الان وليس هكذا فقط بل نحن
الذين لنا باكورة الروح نحن انفسنا ايضا نئن فى انفسنا متوقعين التبنى فداء
اجسادنا) وهذا التحرير سيتم حينما ستحول قوة الروح القدس كل المادة اى حينما سيقوم
الله فى مبادرة اعادة خلق جديدة سيحرر المادة من سلطان اللحم والدم اى الساركا ومن
الفساد ووقتها لن تظهر مثل ومبادئ ولكن ستحدث قيامة محددة فى الاجساد من خلال عمل
الروح القدس المحيى ومن هذه الاشياء سيكون جسدنا والقيامة فى هذه الحالة لن تكون
مجرد قيامة فردية بل اعادة خلق شاملة لكل شئ اى كل الخليقة وستكمل فى الاسخاتا اى
الاخرويات وهذا التحول ليس هو تحول الى عالم اخر عالم المثل مثل رؤية افلاطون التى
ترى تحرر الجسد من النفس بل هى انتقال من الدهر الانى الى الدهر الاتى وهذا يرتبط
ارتباطا وثيقا بمسيرة الخلاص بكل تاريخ الفداء وما دامت الخطية مازالت تعمل فلابد
من البدء فى رحلة الفداء فى هذا الدهرلان الخطية هى مصدر سيطرة الموت على خليقة
الله ولهذا لابد من القضاء على الموت والخطية معا وهنا الروح القدس الذى هو قوة
الحياة الوحيدة سيقوم حينما ندعوه الى ان يربح كل المخلوقات الى الحياة فى رحلة
مستمرة وهكذا فالرؤية المسيحية للقيامة متجذرة فى المسيرة الالهية التى تسطر عملية
التحررفلابد من غلبة الخطية والموت ونحن البشر لا نقدر ان نقوم بهذا العمل لابد ان
يقوم بهذا العمل انسانا اخر لاجلنا انسانا اخر مشابها لنا فى كل شئ ما خلا الخطية
وكان لابد ان يسلم نفسه لسلطان الموت اى ان نفس الانسان الاله يموت ويميت الخطية
والموت والايمان المسيحى يرى ان يسوع قد قام بهذه العمل ويموت ويقوم بالجسد والنفس
ولقد حقق الله وبشكل شامل معجزة الخليقة الجديدة والتى نترجاها فى الدهر الاتى اى
اعادة خلق للحياة مع الله ولقد تتمم الله هذا العمل فى شخص محدد دخل التاريخ البشرى
وسار بنا ومعنا فى طريق الحياة الغالبة ومات وقام وجاء الروح القدس ليسيطر على
الانسان الباطن وايضا سيقيم الجسد الذى هو خليقة المادة الجديدة اى مادة بلا فساد
ولن نجد فى العالم اجمع ولا فى اى مكان اخر هذه الروحانية المادية اى الروحانية فى
الجسد والجسد الروحانى الا فى المسيح يسوع
PART 2 بين خلود النفس وقيامة الاموات Oscar Cullman,Immortality of the Soul or Resurrection of the Dead? الاب اثناسيوس اسحق حنين
PART 2 بين خلود النفس وقيامة الاموات Oscar Cullman,Immortality of the Soul or Resurrection of the Dead? الاب اثناسيوس اسحق حنين
بين خلود النفس وقيامة الاموات
Oscar Cullman,Immortality of the Soul or
Resurrection of the Dead?
Αθανασία της ψυχής ή Ανάσταση έκ Νεκρών
شهادة العهد الجديد والكنيسة الاولى
لاوسكار كولمان
الفصل الثالث
البكر من بين الاموت
بين قيامة المسيح وسحق سلطان الموت
يجب ان نفكر بعمق فيما يقصد المسيحيون حينما يهتفون ويحيون بعضهم البعض بالعبارة المباركة (أخرستوس أنستى) ويجب ان نفكر فيما يعنى الموت لهؤلاء المسيحيين ولا يجب ان يجرنا الاغراء البشرى الى ان نفكر فى خلود النفس عند اليونانيين وبذلك نفرغ (المسيح قام ) من مضمونها اللاهوتى فالحقيقة أننا انتقلنا بالقيامة الى عصر جديد تم فيه هزيمة الموت والفساد لم يعد فيما بعد وهذا حدث ولو وجد فقط جسد واحد روحانى وليس نفس خالدة بل جسد روحانى يلبس جسدا فللوقت نعرف انه تم غلبة قوة الموت فالمؤمنون حسب ايمان المسيحيين الاوائل يجب ان لا يموتوا وفى الحقيقة كان هذا رجائهم فى العصر الاول وربما شعروا بمشكلة ما حينما اكتشفوا ان المسيحيين يموتون ولكن حتى لو كان الناس يموتون فالموت لم يعد له نفس المعنى والاهمية بعد موت المسيح وقيامته فلقد تم تعرية الموت من اهميته السابقة فالموت لم يعد يعبر عن سلطان وسيادة الموت بل هى محاولة منه اخيرة ويائسة لكى يستعيد سلطانه فالموت لم يعد يقدر ان يلغى حقيقة ان هناك ولو حتى جسد واحد غلبه وما علينا الا ان نفهم ماذا كان المسيحيون الاوائل يفهمون حينما يقولون (البكر من بين الاموات) فالعهد الجديد هو سفر مختوم سبعة اختام الا ذا فهمنا ان وراء كل اية نجد هذه الاية ان الموت قد ابتلع والقيامة الان تسود ونكرر ان الموت قد هزم وليس الجسد والقيامة والخليقة الجديدة تسود الان وليس خلود النفس وان عصر القيامة قد دشن بقيامة المسيح ومع ذلك فلقد استمر المسيحيون يذوقون الموت وتلاميذ المسيح ماتوا وهذا طرح عليهم اسئلة مصيرية ولقد كتب بولس الى الكورنثيين (من اجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون)1كو 11 :30 اى ان المرض والخطية استمرا ولكن الروح القدس من ناحية اخرى يعمل فى العالم والخليقة الجديدة وهو كان يعمل فى الكنيسة الاولى عن طريق المواهب والظهورات الروحانية والايات وكان هناك توترا خلاقا بين ما تم وما يجب ان يكون وهذا التوتر بين الان والاتى هو سمة هامة من سمات العهد الجديد فملكوت الله حاضر بقوة الروح القدس الذى يقوم بغلبة الموت بمعجزات القيامة والمرض بايات الشفاء والخطية بالغفران والنصرة(متى 12 :28 ولوقا 10 : 18 ) ولقد غلب المسيح فى المعركة مع الموت والفساد واما يوم النصرة النهائى فسيتحقق فاذا كانت القيامة هى حياة وكيان وقوام الكنيسة فوقتها نحن نعيش فى مرحلة وسطى بين الانى والاتى ولقد فهم المسيحيون الاوائل الزمان الحالى من خلال جسد المسيح الواقعى فلو كان المسيح هو البكر من بين الاموات فهذا معناه ان مسافة زمنية تفصل بين الاول اى البكر وبين بقية البشر والذين لم يولدوا بعد من الموت وهذا معناه اننا نعيش فى مرحلة متوسطة بين موت يسوع والذى تم فعلا وبين قيامتنا التى لا تتم الا فى الاخرويات ولكن هذا يعنى ايضا ان قوة الروح القدس الفاعلة تعمل فينا وبيننا ولهذا يصف بولس الروح القدس على انه (عربون) والذى يدل على يسوع وهو يعطينا عربون مذاقة القيامة وهذا له معنيان الاول ان انساننا الداخلى يتجدد يوما فيوما بالروح القدس (2كو 6 :4 وافسس 3 :16 ولكن جسدنا السوما صار ملكا للروح القدس بالرغم من ان الساركا ما يزال يمارس عمله فى الزمان الحاضر ومن هنا تاخذ صرخة بولس معناها (من ينقذنى من جسد هذا الموت)رو 7 والجواب هو الروح القدس ومذاق الاخرويات الذى يتحقق بالروح القدس يظهر بوضوح فى حياة المسيحيين الاوائل الليتورجية فى طقس كسر الخبز وهناك نرى عجائب الروح الواضحة وهناك يخترق الروح الحدود الضيقة للغة البشر التى هى تعبير عن السوما ولكن يمكن ان تنحرف وتصير اداة شر فى يد الساركا ويعطيهم ان يتكلموا بلغات جديدة وهناك انوجدت الجماعة المسيحية الاولى والكنيسة الاولى فى صلة مباشرة مع المسيح القائم ليس فقط القائم بنفسه بل القائم بجسده ولهذا نسمع بولس يقول للكورنثيين (كأس البركة التى نباركها أليست هى شركة دم المسيح ؟ الخبز الذى نكسره اليس هو شركة جسد المسيح ؟)1كو 10 :16 ولهذا كلما اشتدت شركتنا مع الاخوة كلما ازداد اقترابنا من جسد المسيح القائم والعكس صحيح ولهذا فالكنيسة المسيحية تعتبر هى جسد المسيح لانها لمسته واقتربت منه وهنا ففى البصخة الاولى وعلى المائدة الاولى رأى التلاميذ الجسد القائم جسد المسيح اى جسده الروحانى ومع ذلك يظل جسدنا عرضة للامراض وللموت وهذا لانه ينتظر التجديد النهائى للخليقة كلها وهنا ولاول مرة سوف لا يوجد الا الروح وقوة الحياة ووقتها فقط سنتهى سلطة الموت وسيموت الموت ووقتها سيظهر الجوهر الروحى لكل شئ مرئئ وبدلا من المادة الفاسدة سيظهر عديم الفساد وهنا سيصير الروح هو جوهر المرئى وغير المرئى وهذا لا علاقة له بالمرة مع عالم المثل اليونانى المثل الخالدة فالرجاء المسيحى ينتظر سماء جديدة وارض جديدة وستقوم اجسادنا من بين الاموات وهى لن تقوم كاجساد من لحم ودم (ساركيكا سوماتا ) بل اجساد روحانية (بنيفماتيكا سوماتا) وهنا فالعبارة الواردة فى قانون الايمان النيقاوى (أؤمن يقيامة الجسد) هى عبارة كتابية مائة بالمائة وبولس يؤمن ايضا بقيامة السوما وليس الساركا لان لحما ودما لا يرثان ملكوت السموات ولكن الجسد سيقوم فى اليوم الاخير حينما تعمل قوة الروح لكى تجدد كل شئ كل شئ بدون استثناء والسؤال ماذا نعنى بجسد غير فاسد ؟ او لنطرح السؤال بشكل اخر هل فهم المسيحيون الاوائل معنى الجسد الغير الفاسد؟ لقد قال بولس فى رسالته الى الفيليبيين انه فى الايام الاخيرة فان المسيح سيحول جسد تواضعنا الى شبه جسد مجده (فيليبى 3 :21 ) وفى الرسالة الى الكورنثيين يؤكد انه (ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرأة نتغير الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد كما من الرب الروح )2كو 3 : 18 وهذا المجد عاينه المسيحيون الاوائل كحضور خفيف لطيف ومنير ولكنها لا تشكل الا مقارنات بسيطة لا تقاس بالمجد العتيد ولساننا عاجز عن ان يصف هذا المجد ويسبر غور محتواه وفحواه
الفصل الرابع
الراقدون
الروح القدس وعمله فى حالة الراقدين المتوسطة
وهنا علينا ان نطرح السؤال الخير وهو متى سيحدث هذا التحول فى الجسد ؟وهذا سؤال هام وحيوى والعهد الجديد فى مجمله يجيب (فى الايام الاخيرة ايس تا اسخاتا) ويجب ان نفهم هذه الاجابة حرفيا اى زمنيا اى فى اخر الازمنة ولكن هذه الاجابة تطرح قضية هامة وهى قضية الحالة المتوسطة التى ينوجد فيها الاموات الان ونحن نعلم ان الموت قد ابطل حسب رسالة بولس الى تيموثاؤس (وانما اظهرت الان بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى ابطل الموت وانار الحياة والخلود بواسطة الانجيل) 2 تيمو1 :10 وهنا الامر الاساسى وهو ان الموت قد ابطل فعلا داخل المؤمنين المتججدين بالروح والمعمودية والافخارستيا ولكن البطلان النهائى لن يتم قبل ان يبطل العدو الاخير ونلاحط ان الفعل (يبطل كاتارجيو) باليونانية يستعمل لوصف النصر الجزئى الذى تم والنصر الشامل الذى سيتم فى الايام الاخيرة ويصف يوحنا فى الرؤيا هذا النصر الاخير اى سحق الموت حينما يقول (وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون ايضا فيما بعد ولا لايكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد لان الامور الاولى قد مضت )رؤ 21 : 4 وهذا يعنى ان كل موت فردى لا يشكل قيامة فردية بشكل اوتوماتيكى وهنا وللمرة العاشرة نؤكد انه لابد من استبعاد الفكر الفلسفى اليونانى الخاص بخلود النفس لكى نفهم عقيدة العهد الجديد وحسب العهد الجديد فالراقدون لا يزالون تابعين وخاضعين للزمان الحاضر ومن هنا زيارة المقابر للتبرك من اجساد القديسين
وهذا يؤكده القضية التى اثارها اهل تسالونيكى (ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكى لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم ايضامعه فاننا نقول لكم هذا بكلمة الرب اننا نحن الاحياء الباقين الى مجئ الرب لا نسبق الراقدين لان الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف نزل من السماء والاموات فى المسيح سيقومون اولا ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعا معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام )1 تس 4 : 13 -18 وهذا يؤكد ان الراقدين فى المسيح ينتظرون ويترجون (وصرخوا بصوت عظيم حتى متى......)رؤ 6 : 10 وفالشهداء الراقدون تحت مذبح رؤيا يوحنا وحتى الكلمة التى قيلت على الصليب (اليوم تكون معى فى الفردوس ) لو 23 : 43 وايضا مثال الغنى ولعازر الذى ذهب الى احضان ابراهيم(لوقا 16 : 22 )
وكلام بولس انه محصور بين اثنين ان ينطلق ويكون مع المسيح ) فيل 1 : 23 وقد تعنى هذه الايات كما ذهب البعض فى تفسيرها الى ان القيامة تتم مباشرة بعد موت كل فرد ولكننا لا نجد فى هذه النصوص كلمة واحدة تعبر عن القيامة الفورية للجسد ولكن وعود مطمئنة بالقرب من المسيح ولكن هذه النصوص المختلفة تظهر الحالة التى عليها الراقدين وهى الحالة المتوسطة وهى الحالة التى نوجد فيها نحن الاحياء وحينما نرقد وهذه النصوص تعبر عن القرب والالفة مع المسيح والتى يوجد فيها كل الذين يموتون فى المسيح فهم فى المسيح او فى الفردوس او فى احضان ابراهيم او حسب الرؤيا تحت المذبح فهى تعبر عن حالات قرب لله ولكن الصورة الاكثر وضوحا هى الصورة التى يقدمها بولس (للراقدين) فالراقدون فى المسيح يشاركون فى حالة الانتظار اى ان الراقدين يعيشون فى حالة انتظار وهذا يعنى انه بالنسبة لهؤلاء فقيامة المسيح تعنى للراقدين شيئا هاما قد حدث فى صالحهم وحسب الرسالة الى اهل كورنثوس الثانية فاننا نعلم ان الاموات بالرغم من انهم لم يحصلوا بعد على جسد القيامة ويعيشون فى حالة رقاد فهم على اى حال ينوجدون فى حالة دالة كبيرة مع المسيح وهو يتكلم عن الانين الطبيعى الذى يسبق الموت فهو يخشى حالة العرى اى ان الانسان الباطنى يوجد من غير جسد قيامة وهذا الخوف الطبيعى من الموت لم يختفى ويتمنى بولس ان يلبس جسدا روحانيا ويتسعمل كلمة (نلبس فوقها) وهو يعيش بين الاحياء ولم يذوق الموت وهو يترجى ان يكون فى ارض الاحياء فى لحظة الظهور الثانى للمسيح(لانه ان نقض بيت خيمتنا الارضى فلنا فى المساوات بناء من الله غير مصنوع بيد ابدى فاننا فى هذه ايضا نئن مشتاقين الى ان نلبس فوقها مسكننا الذى من السماء وان كنا لابسين لا نوجد عراة ف5اننا نحن الذين فى الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكى يبتلع المائئت من الحياة ولكن الذى صنعنا لهذا عينه وهو الله الذى اعطانا عربون الروح فاننا واثقون كل حين وعالمون اننا ونحن مستوطنون فى الجسد(السوما) فنحن متغربون عن الله لاننا بالايمان نسلك لا بالعيان فنثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد( السوما ) ونستوطن عند الرب لذلك نحرص ايضا مستوطنين كنا او متغربين ان نكون مرضيين عنده لانه لابد ان نظهر جميعا امام عرش المسيح للننال كل واحد منا ما كان بالجسد ما صنع خيرا كان ام شرا )2كو 5 :1-10 وهنا يظهر ان الرسول يشتاق ان يتغرب عن الجسد اى ان ينتقل وليس ان يقتل الجدسد ويحتقره لسمو الروح وهذا يخالف النسك المسيحى بالروح وقمع الجسد بالروح وليس بالحيل النفسانية التى غالبا ما ترتد على صاحبها وبالا ويتغرب عن الجسد لكى يسكن عند الرب وفى رسالته الى الفيليبيين (فيل 1 :23 )يشتاق بولس ان ينطلق ويكون مع المسيح لان ذاك افضل جدا فهنا جمال يسوع هو الذى يجذب وليس قرف وشر الجسد ولهذا فالراقدون هم اقرباء للمسيح لانهم لابسون الروح القدس روح المسيح والجسد بمعنى الساركا والتى هى مرتبطة ومتجذرة فى جسدنا الارضى (اى السوما ) هى المعطل الاول فى اثناء حياتنا على الارض فى عملية امتلائنا الدائم بالروح القدس والموت يحررنا من هذا المعطل الساركى وليس السوماتى ولكن حتى الموت هو عملية خلاص مؤقته لاننا لم نلبس بعد سوما القيامة ولن نجد اوضح من هذه الايات لنفهم بالتفصيل كيف اننا نحيا فى حالة متوسطة نكون فيها عرايا من الجسد اللحمى والدمىاى السوما الساركيكو ورغم انه لا يسكن بعد بالكامل فى الجسد الجديد الا انه فى شركة مع الروح القدس وينتظر القيامة ولهذا نسميهم الراقدين والرسول بولس يكتفى بان يقدم لنا هذه الحالة الوسطية للراقدين متوقعين التبنى الكامل فداء اجسادهم مادمنا قد قبلنا الروح السماوى ورأينا النور كما تقول ليتورجية القديس ذهبى الفم بعد انتهاء شركة الجسد والدم وهذا الروح وهذه الشركة تجعلنا اقرب من قيامتنا الاخيرة وحتى ونحن فى هذه الحالة نواجه الخوف من الحالة المتوسطة ولكننا على يقين انه حتى فى هذه الحالة الانتظارية للوعد الاخير بقيامة الجسد لا لاشئ يفصلنا عن محبة الله التى فى المسيح بالروح القدس ولا حتى القوات المعادية فى الموت (فانى متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنل عن محبة الله التى فىت المسيح يسوع ربنا )رو 8 :38 وهذا الخوف وخذا اليقين يرتبطان وينسجمان مع بعضهما البعض فى فى الرسالة الثانية الى اهل كورنثوس الاصحاح الخامس وهذا يدل على ان الاموات يشاركون فى حالة الانتظار الحالية داخل الزمان الحاضر ويسود فى هذه الحالة الايمان واليقين هما الامور السائدة لان الموت قد هزم وهنا فالجسد لا يحيا فى الظلال اى ظل الموت التى كان يحيا فيها اليهود قديما والتى لا تمت بصلة للحياةوذلك لان الجسد فى خلال وجوده على الارض قد ذاق عربون التحول بالروح القدس فى الاسرار وبدأ فى الوجود تحت سلطان القيامة وهذا هو ما كان يذوقه المؤمنون فى الليتورجيا فى الكنيسة الاولىوحتى لو كان الراقد فى المسيح ينتظر قيامة الجسد الا انه يوجد فى المسيح بالروح القدس وحتى فى هذه المرحلة يفقدج الموت سلطانه (راجع حياة الاباء الشيوخ والاتقياء المؤمنين فى لقائهم بالموت ) وهكذا فالراقدون فى الرب هم مطوبون منذالان وهذا هو معنى تعبير الان عند يوحنا فهو يعنى من الان فصاعداوخاصة فى سفر الرؤيا حيث يقول (طوبى للاموات الذين يموتون فى الرب منذ الان نعم يقول الروح لكى يستريحوا من اتعابهم واعمالهم تتبعهم )رؤ 14 : 13 والذى يعلنه بولس فى الرسالة الى الكورنثيين يشير الى الراقدين وذلك حينما يقول (ابتلع الموت الى غلبة
اين شوكتك يا موت ؟ اين غلبتك يا هاوية؟ )1كو 15 : وبنفس اللهجة المنتصرة يكتب الى اهل رومية (لاننا ان عشنا للرب نعيش وان متنا فللرب نموت فان عشنا وان متنا فللرب نحن لانه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكى يسود على الاحياء والاموات)رو 14 : وهنا لا يمكن اعتبار الموت كعبور طبيعى للنفس بينما الجسد سيذهب الى الفناء فالعهد الجديد لا يفترض فترة زمنية بعد القيامة اى استمرارية للانسان الباطن حتى بعد الموت ويوحنا يؤكد ان النفوس الراقدة توجد فى المسيح ( الذى يؤمن بالابن له حياة ابدية والذى لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله )يو 3 :36 ة4 : 14 و6 :54 فالموت فى العهد الجديد هو رغم كل ذلك هو العدو ولكنه عدو مهزوم ويجب ان يهزم نهائيا ولكن الراقدون يوجدون فى المسيح ولا يعيشون فى حالة خلود النفس بل هى فى حالة روحية اتية من عمل الروح القدس والذى يقوم باحياء الانسان الباطن حسب قوته وفى هذا يقول بولس (وان كان روح الذى اقام يسوع من الاموات ساكنا فيكم فالذى اقام المسيح من الاموات سيحيى اجسادكم المائتة ايضا بروحه الساكن فيكم )رو8 :11 وايضا يكتب الى اهل فيليبى (فان سيرتنا (اى مدينتنا وجنسيتنا واقامتنا) نحن هى فى السماوات التى منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح الذى سيغير جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته ان يخضع لنفسه شئ )فيليبى 3 :20-21 وفى العهد الجديد لا يوجد اشارة تفصيلية الى حالة الراقدين بعد الموت وقبل القيامة العامة ويخبرنا الانجيل فقط انهم قريبون من الله ونحن الاحياء ننتظر والراقدون ينتظرون وبالطبع فان نبض الزمن يكون مختلفا عند الاحياء وعند الراقدين فالراقدون لا يشعرون بالزمن مثلنا ولكن هذا لا يعنى انهم ليسوا معنا فى انتظار الاتى اى القيامة وهنا نتأكد لمرة اخرى من الخلاف الجذرى
بين المفهوم الفلسفى اليونانى بخصوص خلود النفس وبين الرجاء المسيحى فى قيامة الاموات لاننا لا نقول فى قانون الايمان (وننتظر خلود النفس وهلاك الجسد ) بل نقول (وننتظر قيامة الاموات وحياة الدهر الاتى امين)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire