الافخارستيا
بين الهراطقة والحكام!
الافخارستيا بين الهراطقة والحكام!
البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس اسحق حنين –مطرانية بيرية-اليونان
يقول المؤرخ أرنولد توينبى "ان دراسة التاريخ البشرى تزعج
الفاشية وكل حركات القهر وكل أنظمة الاستبداد لأنها تقدم صور متعددة عن الحياة
الانسانية وهو ما يخشاه الاستبداد والقمع لأن التاريخ يغرس فى الانسان القدرة على
البحث والرغبة فى التساؤل".
هذا ينطبق على التاريخ الدنيوى كما ينطبق على التاريخ الدينى.هذا
معناه أن الكذب يحل محل الحقيقة ’والبروباجاندا محل البحث وأمن النظام ’ محل حرية
الناس وكرامتهم والرأى السائد أن الناس قصر لا يفهمون فى السياسة او اللاهوت.
والحقيقة أنهم’ أى الناس ’ اذا ما بلغوا النضج فهم يستطيعوا ان يفهموا ان الكبار
يكذبون ’وأننا كلنا فلول ’حسب قول احد الصحافيين المصريين’ هذا يذكرنا بالنكتة
التى كانت متفشية فى الاتحاد السوفيتى ’أيام القمع الشيوعى ’كان عند النظام
صحيفتان رسميتان البرافدا أى "الحقيقة" والايزفستيا أى
"الاخبار" ’كان الروس يتهامسون أن جريدة الاخبار ليس فيها حقيقة وجريدة
الحقيقة ليس بها اخبار !
الناس لا يوحدهم نظام ’ تجمعهم الحقيقة التى يصلون اليها بالخبرة
والوعى التاريخى .أن غياب او تغييب الوعى التاريخى هو مؤامرة شيطانية لتحويل الشعب
الى جهلاء ومتسولين حتى على باب الله!يلفت نظر الباحث فى تاريخ المسيحية الناشئة
أو المسيحية الاولى امر دقيق وهام ’وسنكتفى فى هذه العجالة بلفت الانظار اليه ’على
أن نتعاون جميعا ’ مستقبلا’لكى نبحث فى جذوره ونوثق لنشأئه .هذا الأمر هو التحالف
الكبير او اتفاق الامزجة الذى كان يتم بين الكثير من الحكام’المستبدين والفاشيين ’
وبين عدد غير قليل من الهراطقة المنحرفين’الذين كانوا فى الغالب من قيادات الكنيسة
الواعدة. الهدف من هذا التحالف شكلا هو احقاق الحق وضمنا هو اسكات صوت اللاهوت
المسيحى الحق أى صوت المسيح وتهميش اثارتجسده الخلاصية على الضمير والتاريخ
والواقع الاجتماعى الانسانى . هذا اللاهوت الذى صار عقيدة وعروة وثقى اجتمع حولها
المسيحيون الارثوذكس أى اصحاب الرأى المستقيم والطريق القويم ’والذى ينادى بأن
الانسان ’ بعد ’ تأنس الله فى المسيح يسوع ’ صارشريكا لله ’لا بالجوهر ’ولكن
بالنعمة.المسيحية هى "المواعيد العظمى والثمينة التى بها نصير شركاء الطبيعة
الالهية"بطرس1 :4 .هكذا صار الانسان معيارا لكل شئ اى أن التجسد جعل الانسان
هو الحل كما سبق وجعلت الخطية والتعدى من الانسان الاشكال الاساسى .هذا المفهوم
المسيحى ليس هو افكار مجردة او كلام مرسل بل هو واقع لاهوتى وروحى وتاريخى
وليتورجى ’وما كنيسة العهد الجديد فى سفر الاعمال الا واقعا حقيقيا"اع 2 :43
"’ ’ نجح فى تغيير صورة المجتمع الانسانى من عشائر الى عائلة وشركة فى كنيسة
الله.ما من هرطوقى يهوى الانقسامات وما من حاكم يحب التسلط ’ يقبل هذه الجماعة
الحرة والديمقراطية والسماوية’ الانسان مدعو أن يصير ابنا لله وشبيها بالله وشريكا
لله فى المجد يسوع المسيح فى الروح القدس ’صار يسوع بكرا بين اخوة كثيرين كما تقول
الرسالة الى العبرانيين ’ وحسب العظيم اثناسيوس تأنس الله لكى يتأله الانسان .صار
الانسان فى المسيح مرفوع الرأس ’لا يعلو رأسه الا عرش الله .الحاكم الفاسد
والاكليريكى الهرطوقى مهما علت رتبته’لا يقبل هذا الشأن الانسانى الرفيع ! ما هو
الطريق او الوسائل العملية لتحقيق هذه الوعود العظيمة ولاختبار هذه العطايا
؟الطريق الواضح والوسيلة العملية لهذا التحول الجذرى فى حياة الانسان هو
الافخارستيا التى هى عطية الله الاب للبشرية فى شخص ابنه الوحيد يسوع بالروح القدس
.الافخارستيا ليست أمرا نظريا او خيالا بل هى هى الكنيسة ’كنيسة العهد الجديد’
التى هى جسد المسيح الحقيقى والواقعى حسب لاهوت بولس الرسول(1كو 12 ) وليس الخيالى
والرمزى كما يعلم الهراطقة.لقد اتفق الحكام والهراطقة على محاربة المسيح وعمله
الخلاصى الهادف الى تحرير وتقديس الانسان وضمان مصيره الزمنى والابدى’وفى هذا
السياق نفهم اضطراب هيرودس الحاكم حينما على بميلاد يسوع ملك اليهود !"متى 2
:3 ومن هنا بدأ كذب الكبار"ومنذ اللحظة الاولى بدأ الحاكم يخطط للقضاء على
يسوع تحت ستار عبادته ’ كان هذا الحاكم اول نموذج لحاكم يؤمن بالبحث التاريخى فقط
من اجل قتل امل الشعوب"ابحثوا بالتدقيق عن الصبى ومتى وجدمتوه فاخبرونى لكى
اتى انا ايضا واسجد له" البحث والسجود فى خدمة الفاشية والقتل والاستفراد
بالسلطة وبالكراسى!على نفس موجة الحكام سار الهراطقة وبينهم علماء وبطاركة واساقفة
ورهبان ذوى نفوذ وحظوة ’رفضوا رفضا تاما ملكوت المسيح على الناس وقاوموا عطية الله
للانسان واكثر ما ازعجهم هو عقيدة تأله الانسان وشركته فى الطبيعة الالهية
بالاسرار الكنسية وخاصة سر الميلاد الجديد فى المعمودية وسكنى الروح القدس فى
المسحة وشركة اللاهوت المتحد بالناسوت فى الافخارستياوالعطايا الالهية فى
الليتورجيا.
الليتورجيا هى دعوة الانسان للشركة فى الرحلة السماوية التى
تبدأحسب ليتورجية القديس يوحنا الذهبى الفم باسم الثالوث (مباركة هى مملكة الاب
والابن والروح القدس ’الأن وكل أوان والى دهرالداهرين).الافخارستيا ’ حسب كل
الاباء اللاهوتيين ’ هى دخول فعلى وواقعى واختبارى فى معية الثالوث القدوس ’وهذا
يفسر كم الرؤى والاعلانات والعجائب والتى يحكيها لنا التاريخ والسنكسارات والتى
حدثت ومازالت تحدث فى القداسات ونتيجة لها وعدم الفساد الذى نراه فى الكثير من
اجساد القديسين قديما وحديثا’لدليل على فعالية سر الافخارستيا وأثره فى النفوس
والاجساد المستعدة والتائبة والناسكة والمجاهدة.الافخارستيا هى العنصرة الجديدة
التى صنعت الكنيسة.الافخارستيا هى اساس الشركة والديمقراطية واحترام المواهب
والرتب ودور الشعب وجمال الملابس الكهنوتية وابداعات الموسيقى البيزنطية
’.الافخارستيا هى سر رجولة الشهداء وبلاغة اللاهوتيين وحذق الاباءوعفة الشهيدات
واستنارة العلماء ونزاهة وعفة المسيحيين ’وجرأة الكهنة’وكرامة وتحرر الشعوب
الارثوذكسية مثل نهضة الروس ودول شرق أوروبا الارثوذكسيين تحت وبالرغم من الحكم الشيوعى
وثبات اليونانيين على الايمان تحت الاحتلال التركى الذى بذل الجهد الجهيد لاسكات
الصوت الارثوذكسى اليونانى لغة ولاهوتا !’الافخارستيا هى دواء الخلود وعدم الفساد
’ قالها الاسقف اغناطيوس وهو فى طريقه الى روما لتأكله الاسود فى القرن الثانى
المسيحى ’الافخارستيا هى سر شجاعة المسيحى وينبوع حريته ’نحن نخرج من الافخارستيا
كالاسود ’ يقول الذهبى الفم الافخارستيا هى اعادة تسليم الحياة التى سلبها الشيطان
والعالم الذى أفسده الجبن والنفاق والخنوع الى الله ليعود الينا مؤلها كريما عزيزا
وحرا ’هذا هو سر الصرخة الكبرى التى يطلقها الكاهن والشعب فى القداس الالهى (مما
لك نقدم لك على كل حال ومن اجل كل حال )لقد اخذ الانسان الكون من يد الله مملوئا
من البركات الالهية ويريد الانسان ان يعبر عن امتنانه وشكره لله على عطاياه ’
فيقدم له الكون مرة اخرى فى سر الشكر من ثمار الارض القمح والخمر’نحن نقدم لله
العطايا التى اعطانا أى ناسوت وناسوتنا الكون لكى نأخذها من جديد وقد اتحدت بنار
اللاهوت نار الروح فى استدعاء الروح القدس (أيضا نقرب لك هذه العبادة الناطقة وغير
الدموية ونطلب ونضرع ونسأل ’فأرسل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين الحاضرة.....لكى
يكون للمتناولين لنباهة النفس ’ومغفرة الخطايا’وشركة روحك القدوس ’وكمال ملكوت
السماوات والدالة لديك)أذا كان الله فى العهد القديم قد قدم للانسان الكون عطية ’
ففى العهد الجديد يقدم له نفسه أى جسده ودم ابنه’الله اظهر محبته للانسان فى البدء
بأن خلقه من التراب والان يعطيه جسده ودمه حسب نيقولا كابسيلاس الوحيد الذى وحسب
الذهبى الفم. (اقبلنى اليوم شريكا لعشائك السرى يا ابن الله’لأنى لست أقول سرك
لاعدائك’ولا اقبلك قبلة غاشة مثل يهوذا ’ولكنى اعترف لك كاللص :اذكرنى يارب اذا
أتيت فى ملكوتك .أرتعد ايها الانسان عند نظرك الدم المؤله’فانه جمر يحرق غير
المستحقين.ان جسد الاله يؤلهنى ويغذينى .يؤله الروح ويغذى العقل بشكل
عجيب).الافخارستيا هى بشارة جديدة ’لأن الكنيسة أخذت مكان العذراء وصارت العذاراء
الام ويأتى البارقليط عليها وعلى عطاياهاوتحبل الكنيسة من جديد بكلمة الله بالروح
القدس وتلد المسيح فى الخبز والخمر من اجل حياة العالم.الافخارستيا هى استمرار
ليوم العنصرة الجديدة .الكنيسة تقبل ما قيل لها من قبل الرب (هذا هو جسدى....هذا
هو دمى ...).ان الراعى الصالح يغذى خرافه باعضاء جسده ولا يسلموهم الى مربيات
غرباء .الافخارستيا هى الفصح الحقيقى .من هنا، نستطيع ان ندرك سبب رفض الهراطقة
لسر الافخارستيا من البدء الى اليوم لأن هذا السر يصنع من الانسان انسانا جديدا
حرا ذو رأى وعقيدة وعزيمة وشكيمة ولا يحنى رأسه الا أمام العرش الالهى ’من ناحية
أخرى الحكام الفاسدون والظلمة لا يريدون شعبا حرا مبررا ولا يريدون امة مقدسة ولا
يريدون كهنوتا ملوكيا ’وهم يلتقون مع الهراطقة فى خندق المصالح الفاسدة الواحدة
فالشعب الجاهل اسلس قيادة !!!لهذا حينما ادرك الاباء ان هدف الهرطقات الاول سواء
اريوس او نسطور هو ضرب خلاص الانسان ومحاربة تألههه بمحاربة سواء لاهوت الابن
كأريوس او حقيقة الاتحاد الاقنومى بين الناسوت واللاهوت وانكار دوام بتولية
العذراء كنسطور’ وقفوا فى وجه الهراطقة ’ كانت حججهم اللاهوتية الكبرى هى
الافخارستية وواقعيتها وحقيقتها واثرها على الانسان .فى الحقيقة الاباء لم يكتبوا
لاهوتيات بل انسانيات وهكذا فضح اثناسيوس اريوس ’ الغارق فى الفذلكات اليونانية
الافلاطونية الميتافيزيقية ’بتأكيد لاهوت المسيح انطلاقا من اثره على الانسانية
فاذا لم يكون المسيح هو الله الظاهر بالجسد’فلا يمكن للانسان ان يصير شريكا لله ’
اذا لم يتأنس الله ’لا يمكن أن يتأله الانسان’ وهذا معناه أن الانسان سيظل كما
مهملا يستجدى الرحمة من الله كعبد وليس كأبن .وفضح كيرلس الكبير نسطورالبطريرك
الهرطوقى وحاربه على ارض الافخارستية وأنسانية الانسان ’لابد من ان يكون الاتحاد
بين الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية اتحادا اقنوميا حقيقيا حتى يستطيع الانسان أن يتحد
بالله فى الافخارستيا اتحادا حقيقيا. لا الهراطقة الذين يؤهلون ذواتهم ويعبدهم
الناس والمعجبين ولا الحكام الفاسدين الذين يريدون عبيدا يسجدون له ’يقبلون
مواطنين يسيرون على الارض وهم يسكنون السماء و يؤمنون بكرامة الانسان ونسبه لله
ولا يهابون الموت ولا يشكون من الاضطهاد ولا يتزلفون للحكام ’ بل يعيشون على الارض
وسيرتهم فى السموات ويطلبون ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين العظمة فى الاعالى.
الافخارستيا هى سر الانسان الذى صار الها بالنعمة ولا يرفض هذه العطايا الا هرطوقى
يؤله ذاته ويرفض الخضوع لتراث الاباء واشواق الناس او مستبد لا يريد للناس حرية
ولا كرامة ويحكى لنا التاريخ أن فالانس الامبراطور الاريوسى ذهب مرة الى الكنيسة
للتناول ’وكانت الكنيسة احتراما للحكام الارثوذكس’ تسمح لهم بدخول الهيكل الجانبى
انتظارا للشركة فى الافخارستيا ’وكان يتقدم الصلاة الاسقف باسيليوس الكبير"الذى
تعيد له الكنيسة اليونانية اول يناير" ’الذى عانى كثيرا من الاريوسيين ومن
فلولهم الناكرة للاهوت الروح القدس ’فوقف للامبراطور ومنعه من الدخول لأنه اريوسى
الفكر ويرفض لاهوت المسيح فكيف يتناول الها ناقصا وناسوتا ميتا وهنا قال له الحاكم
بحدة :ان غيرك من الاساقفة يسمح لى بالشركة ! فقال له باسيليوس قولا صار خالدا
:انت لم يسبق لك ان رأيت اساقفة ! اى انهم اساقفة هراطقة وجبناء وعملاء السلطة لا
يؤمنون بحقيقة التجسد وواقعية الافخارستية وكرامة الانسان’اساقفة يؤلهونك ويحتقرون
الانسان يعملقونك ويقزمون ذواتهم وشعب الله !اساقفة جهلة واذا درسوا فشفيعهم
هيردوس الذى يدرس ويبحث ليقتل البرائة ويطارد العلماء.ولذلك يرفضون لاهوت المسيح
وتأله الانسان وواقعية الافخارستية.ان احقر تحالف فى التاريخ هو تحالف السياسة
العفنة و الدين الساقط’ هو تحالف الفاشيين مع الهراطقة’ هو تحالف هيرودس الحاكم
الفاشى مع علماء الدين المنحرفين أى رجال دين السلطة وكل سلطة والتسلط وكل
متسلط.علماء دين الخطاب التبريرى لكل حاكم فاسد وليس لاهوت التبريربالنعمة
والايمان لكل ساجد بالروح والحق.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire