لاهوت اللغة ولغة
اللاهوت : رؤيه ابائية
الاب اثناسيوس اسحق حنين
مقدمة :
اللاهوت θεολογια) ) هو تعبير يونانى يتكون كمعظم
الكلمات اليونانية من مقطعين الاول (Θεος ) ويعنى الله والثانى (λογος
)
اى الكلام او الحديث فيصير المعنى الكلام فى الله او الحديث فى الالهيات ويخبرنا
الاباء علماء اللغة بأن الثيؤلوجيا هى التعليم عن اللاهوت والخليقة وعن اقوال
الانبياء وعن الثالوث[1] . بينما اللغة هى اداة التواصل
بين البشر ونحن نعلم ان اللاهوت واحد لا يتغيرولا يتطورولا ينحصر فى لغة بشرية[2] بينما اللغة تتغير وتتطور وتنحصر
فى حدود جغرافية معينة.
1 - برج بابل و العنصرة والعلاقة بين الله واللغة :
ا ول قصة لعلاقة الله باللغة التاريخ يقدمها لنا الكتاب
المقدس فى صورة رمزية ولغوية رائعة فى قصة برج بابل حينما يقول الوحى الالهى
(وكانت الارض كلها لسانا واحدا ولغة واحدة)[3] تك 11 :1 وحسب نص الترجمة
السبعينية وهى النص الذى اعتمد عليه اباء وعلماء الكنيسة فى خطابهم اللاهوتى (Και
ην η γη χειλος εν , και φωνη μια πασιν ) .
وحينما قرروا اى اولاد نوح وسلالات اولاده لان حسب شهادة
الكتاب المقدس (من هؤلاء تفرقت الامم فى الارض بعد الطوفان ) تك 10 : 32 حينما
قرروا ان يستغلوا اللغة الواحدة لاغراض مضادة لمقاصد الله من وراء عطية اللغة
الواحدة لان الخبرة العملية تؤكد ان البشر كثيرا ما يتكلمون لغة واحدة وبينهم وبين
البعض مسافات روحية كبيرة وعدم تفاهم مطلق ! فرأئ الله بسبب من سابق علمه ان اللغة
الواحدة لن تكون وسيلة لنشر ملكوته وانهم سيستخدموها لخدمة اغراض خاصة لم يفصح
عنها كاتب سفر التكوين ولكنها لاشك لا ترضى الله (تك 11 :6 ) فقام الله لاول مرة
فى التاريخ بالتدخل لتغييير مسار لغة البشر ببلبلة السنتهم وفى الترجمة السبعينية
البلبلة تعنى اثارة الاضطراب واللخبطة والارتباك الذهنى والتشويش النفسى .
كما ان الله تدخل بعد ذلك فى العنصرة لتصحيح مسار
البلبلة اللغوية وتحويلها الى سيمفونية تمجيد لعظائم الله ففى العنصرة كانت السماء
تبارك على التعددية الثقافية واللغوية والسبب ان البشرية قبلت هذه التعددية وجأت
بقرابينها الروحية والثقافية واللغوية والقتها تحت اقدام الروح القدس فى العنصرة
فاعادها اليهم الروح وحدة وانسجام((συμφωνια وتمجيد وكرازة ومما ساعد على تجاوز صراع الثقافات يوم الخمسين ان
الجميع وكانوا يمثلون اقطار العالم فى ذاك الزمان (كانوا معا بنفس واحدة ) اع 2
:1-13 .. , [4]
ومن بعد حادثة برج بابل بدأنا نسمع عن لغات قومية
بالمعنى المعاصر للجلوسولوجيااى علم اللغة (فىذلك اليوم يكون فى ارض مصر خمس مدن
تتكلم لغة كنعان وتحلف لرب الجنود λαλουσαι τη γλωσσα τη
Χαναανιτιδι) )اش 19 : 18 . [5] وبدأت اللغة تأخذ طريقها الطبيعى فنجد انها فى بعض الاحيان غامضة
عن الادراك ويؤنب الوحى الشعب انهم وان تكلموا لغة واحدة وحظوا بعناية الله الا
انهم (الشعب الشرس الذى لا ترى- الشعب الغامض اللغة عن الادراك الغبى بلسان لا
يفهم ) اش 33 :19 . والرسول بولس يتكلم عن قوة اللغة (1كو14 :11 ) وحينما قالت
الجارية ومن معها لبطرس (ان لغتك تظهرك ) مت 26 :73 لم تكن تعنى فقط لغته الروحية
السماوية وكلامه الوديع بل تعنى لغته الام الفعلية اى العبرانية.[6]
2 -اللاهوت واللغة فى
العهد الجديد و عند الاباء :
التيارات البروتستانتية المعاصرة انطلقت من ارضية ان
الكلمة تكشف جوهر اللاهوت وان مركز الاهتمام هو العظة وليس الافخارستيا وانه ليس
من مسافة انطولوجيةكيانية بين الله والبشر وهذا لون من (البانثيسموس ) اى ان الله
والكون شئ واحد لا فارق بينهما وعلى هذا الاساس فلغة الكتاب تتطبق مع الاعلان
الالهى اى يتم تأليه اللغة وتكون العظة والتحليلات اللفظية لمعانيها هى هى الاعلان
الالهى وهذا يؤدى الى نسف الاساس الكنسى والافخارستى للكلمة ويؤدى الى تأليه اللغة
ويسود فى العالم الغربى ومن يتأثرون به فى الشرق المنهج التحليلى والتفسيرى للكلمة
ولاشك ان هذا المنهج اللغوى فى التحليل قد استثمره كبار الوعاظ فى كافة الطوائف
ومن اهم اثاره انه يحدث انبهار نفسى عند العامة والبسطاء ويتركهم اسرى الالفاظ
وتأويلاتها .[7]
3 –الاساس الفلسفى لعلاقة
اللاهوت الغربى باللغة :
يحتاج اللاهوتى الشرقى ان يقف قليلا ليتأمل الاسباب
الجوهرية وراء تركيز الغرب على التحليل اللغوى والتفسير الكتابى فهذا يتعلق
بخلفيات ثقافية وفلسفية خاصة بمسيرة الانسان الغربى وتاريخه فالحركة البروتستانتية
مع كل احترامنا ولكننا نتكلم علميا لم تظهر فى الشرق وليس لها جذور شرقية وان كانت
تحاول بدون لاهوت يسندها ان تتشرقن ! البروتستانتية ظاهرة احتجاج كتابية غربية على
تجاوزات كنسية غربية ودخل فيه الشرق المسيحى بدون ان يكون له فيها لا ناقة ولا جمل
فالفكر الفلسفى الغربى منذ العصور الوسطى مرورا بتوما الاكوينى هو الابن البكر
للفلسفة الوضعية الارسطوطالية وحديثا اهتمت الفلسفة فى الغرب باللغة ومعناها
ودورها فى الفكر الفلسفى وهذه اللغة بالطبع هى اللغة نفسها التى يستخدمها
اللاهوتيون ومنذ بداية القرن الماضى ظهر مفكرون امثال بريتراند راسل ووجهوا نظر
الفلاسفة الى التحليل اللغوى .[8] ومن هنا ونتيجة للمناخ الثقافى الذى كان قد ابتعد عن المناخ
الشرقى الصوفى بعد الانقسامات تأثر المفسرون البروتستانت بالمنهج التحليلى اللغوى
وساد فى الغرب التحليل اللغوى والبراهين الفلسفية على وجود الله ووصل فى اللاهوت
الكاثوليكى الى طرح السؤال عما يحدث فى الافخارستيا وعن ماهية التحول بينما ساد
الشرق اللاهوت النسكى الاختبارى العابد الصامت صمت العذراء امام البشارة واذا اضطر
للكلام فلكى يعظم مع ام النور الرب ويبتهج بالله مخلصه (لو 1 ).
فى الكنيسة وفى اللاهوت الارثوذكسى الكلمة هى البشارة
السارة (ευαγγελειον ) لخلاص الخطاة فى شخص
المسيح له المجد والرسول بطرس يفتخر بانه بانه لم يأت للسامعين بمجرد لغةاو كلمات
ولكن بقوة المسيح وحضوره (2بط 1 J16 ) فكلمات الانجيل هى وصف حقيقى
لحقيقة التجسد وعمل والام وقيامة ابن الله فى زمان تاريخى (على عهد بيلاطس البنطى
) ولكن مهما كان الوصف ومهما علا شأن اللغة (فليس شئ من النطق يستطيع ان يحد لجة
محبتك للبشر ).[9] فالمسيحية ليست مجرد عظة لغوية بديعة بل اتحاد بالمسيح وتغيير
للحياة وتجلى الواقع ,والدليل ان الرب يسوه اعطى ذاته للبشرية لتحيا به (مت 26 )
فاللغة مهما على شأنها هى الدعوة للذهاب الى العرس بينما الدخول الى العرس هو شركة
تفوق الكلام فالانسان يستلم الدعوة للعرس فى اى وضع بينما اذا قرر الذهاب الى
العرس فعليه ان يلبس لباس العرس ومثال العرس هو مثال معبر عن العلاقة بين الدعوة
للعرس اى الصوت الداخلى والكشف الالهى والتى يتلقاها المؤمن فى اى مكان وباى شكل
فالروح يهب حيث يشاء وبين لباس العرس الذى يجب ان يخضع لمعليير خبراء الملابس
والذوق الاجتماعى السائد وثقافى العصر فى اللبس (مت 22 :1-14 ) ولقد عبر الاباء
الاقباط عن هذا الفارق بين اللاهوت واللغة اعمق تعبير فى الصلوات الليتورجية (وليس
شئ من النطق يستطيع ان يحد لجة محبتك للبشر )[10] . فاللغة فى الكنيسة الاولى كانت وسيلة للدعوة للشركة مع المسيح
والحياة فى المسيح والمسيح فينا وبولس الرسول خير شاهد على ذلك (1كو 7 :40 –غلا 2
:20 ) فاللغة –بشهادة فيلسوف المسيحية - لا تفيد شيئا اذا غابت الشركة الحقيقية مع
الاله المتجسد يسوع المسيح وثمارها العملية (1كو 13 :1 ) .والرسول بولس استخدم
تعبير (الاله المجهول ) استخدم نفس التعبير للكلام عن اله مختلف تماما اى (الاله
المعلوم ) ويوحنا الجبيب استخدم نفس التعبير الفلسفى (اللوغوس ) لكى يقول ان (
اللوغوس صار جسدا وحل بيننا ) يو 1:14 فالكلمة لها ماضى كبير فى اللغة من قبل
المسيحية ولكن ماضى الكلمة الوثنى وتاريخها المفذلك لا يمنع تلاميذ المسيح من
استعمالها قى سياق جديد تماما لان الاعلان الالهى وان كان يعبر عى نفسه فى الالفاظ
الا انه فوق الالفاظ ولا ينحبس فيها وما ظاهرة الهذيذ فى الحياة النسكية الا شركة
صامتة تفوق الالفاظ .[11]فاللاهوت النسكى
والابائى يلفت النظر الى ان العمق اللاهوتى اكبر من قدرة الالفاظ ولهذا فاللاهوتى
خادم الكلمة فى الكنيسة من اجل حياة العالم يجاهد دائما لانتقاء الكلمات المناسبة
لمستوى السامعين وهو لا يتمسك بالفاظ صعبة من شأنها جرح الضمير الكنسى واحداث
بلبلة وسط شعب الله والمثال ما حدث مع القديس كيرلس الكبير الذى سعى للصلح مع
الانطاكيين مضحيا ومتنازلا عن اجمل العبارات الخرستولوجية العزيزة عنده والتى لم
يفهمها الانطاكيون .
فالمصريون حينما قبلوا المسيح ادانوا ماضيهم واخذوا اجمل
اصوات اللغة الفرعونية مع حروف يونانية وكونوا اللغة القبطية فى سابقة لغوية وما
اروع ان تنقذ لغة تموت بحروف لغة حية فاللاهوت اعطى النعمة والمصريون ابدعوا اللغة
ورغم ان الله نزل على الارض وسكن بيننا الا ان القبطى لم ينظر الى لغته التى
ابدعها بالدموع على انها (لغة منزلة ) وهكذا اليونانيون الذين استطاعوا بنعمة الله
ان يروضوا لغتهم الجامحة والعنيدة والمتكبرة بفلسفتها لنعمة الانجيل نفس الشئ مع
السريان والارمن والاحباش وفى اكبر الحوارات اللاهوتية يتكلمون الانجليزية ولا
يتكام احد بلغته الام رغم انه يدافع عن لاهوت كنيسته . فاللغة فى خدمة اللاهوت
والحرف فى خدمة الروح والتاريخ مكان خدمة عمل الله فالثيؤلوجيا واهبة العطايا
والفيلولوجيا فى خدمة الاكليسيولوجيا والاكليسيولوجيا تشهد للخرستولوجيا وتنتظر
بصبر الاسخاتولوجيا.
فالله يعلن عن نفسه بالروح وتستقبله النفوس المستعده
التى يختارها ليتحول الاعلان فيهم الى لغة لاهوت فاللغة ليست موضوع الاعلان الالهى
بل الحب فالله هو خالق كل الاشياء ومعلن الحق وليس خالق للالفاظ لان الالفاظ
يصيغها الانسان من اجل الانسان والله لا يحتاج لها كما يقول القديس اغريغوريوس
النيسى ضد افنوميوس (نحن لا نصنع جوهر الاشياء بل نعطيها اسماء )[12] والقديس انطونيوس اذهل الفلاسفة حينما سألهم ايهما اسبق العلم ام
الايمان اجابوه الايمان فقال من له الايمان لا حاجه له للعلم وكان اميا اى لا يعرف
اليونانية لغة المثقفين ولكن يعرف القبطية لغة البسطاء . فكل اللغات تقدر ان تعبر
عن اعلان الله ولكن لا واحدة منها تقدر ان تتدعى احتكارها للحقيقة .
والقديس اغناطيوس الانطاكى يقدم لنا فى رسائله ان لاهوته
وفكره الكنسى الرائع الذى كتبه فى رسائله من رؤية لاهوتية ومن حلول افخارستيا
لقضايا ومشاكل الكبرياء والتعالى وعدم احترام التنظيمات الكنسية انما قدمه حينما
(كرز الروح το πνευμα εκηρυσσεν) داخله وانه سيكتب مرة اخرى
للافسسيين فقط اذا اراد الرب (وكشف له امرا جديدا جديداεαν
ο Κυριος μοι αποκαλυπτη τι ) والامر الجديد بالطبع ليس اعلانا جديدا بل استنارة جديدة والقاء
للنور على نقاط لم يتناولها احد غيره ويحتاجها المؤمنين والكنيسة فى جهادها ضد
اباطرة وفلسفات هذا الدهر ولا تتناقض مع المسلم مرة للقديسينΤη
απαξ παραδοθειση τοις αγιοις πιστει) (يهو 3 )[13]
وحينما كتب اغناطيوس ورغم انه لا يفصله واخر كتابات العهد الجديد سوى عشر اعوام
الا انه جاء باشياء جديدة فهو اول من سمى نصوص العهد الجديد (بالايفانجيليون ) وقد
قام عليه عبدة الحرف واحتجوا بان ما يقوله لم يرد فى الكتاب المقدس(εαν
(μη εν τοις αρχειοις ευρω ,εν τω Ευαγγελιω ου πιστευω .)[14]فرد عليهم الشهيد
اغناطيوس بان الانجيل بالنسبة له τα Αρχεια ليس كلمات محدودة او مجرد نصوص
فقط بل هو شخص المسيح (الانجيل بالنسبة لى هو المسيح وهو الصليب وموت السيد عليه
والقيامة والايمان بالرب )[15] فاغناطيوس نظر الى لغة الانجيل
كدعوة الى الدخول فى سر المسيح والكنيسة فكتب لنا تراثا لاهوتيا وكنسيا ليست
موجودة حرفيا فى الانجيل الا انها تتفق مع جوهره وقصده .ولقد تبنت الكنبسة رؤيته
اللاهوتية وضمتها لتراثها اللاهوتى والابائى وهو اول اب من اباء الكنيسة يستعمل
تعبير (ايفانجيليون ).[16]
4 -الخبرة اللاهوتية
واللغة بين اللاهوتى اثناسيوس والمبتدع اريوس :
الخبرة الروحية والبصيرة اللاهوتية هى البركات والعطايا
الاتية من دموع التوبة والصوم والمطانيات والقرأة والسهر وفوق ذلك كله وكنتيجة له
فعل الروح القدس فى داخل النفس. [17] وهناك فارق كبير بين اللغة والبصيرة اللاهوتية وبين كلام الحكمة
المقنع وسمو الكلام وبين برهان الروح والقوة (1كو2 : 1 والدليل على المسافة
الكبيرة بين اللاهوت كاعلان لمقاصد الله وتدابيره وبين اللغة كوسيلة التعبير
والتفسير لهذه المقاصد ظاهرة فى علاقة الرب بتلاميذه فقد كان السيد يكلمهم بلغتهم
الام وفى كثير من الاحيان لم يفهموا كلامه عن ملكوت الله وعن شخصه المبارك وبعضهم
قال ان هذا الكلام ( اللغة )صعب وبعضهم رجعوا الى الوراء ولم يعودوا يمشوا معه (يو
6 :60--66 ) .استعملوا نفس اللغة وغاب التفاهم فاللغة اذا مهما كشفت ومهما شرحت لا
تكفى لكى يقبل الانسان الحقيقة يحتاج الانسان فى الوقت الذى يستمع فيه الى كلمة
الله الى نور خاص يفتح عيون ذهنه (لو24 :13-35 ) لكى يقبل حقائق الايمان التى تعبر
عنها كلمات الرب وعمل الاستنارة يقوم به الروح القدس فى عمل مشترك (συνεργια ) مع الانسان نفسه ولهذا فالرب لم
يكتفى بالكلمات واللغة بل قدم جسده فى الافخارستيا ولم تكتف الكنيسة بترديد كلمات
التاسيس فقط (مت 26 :26 -مر 14 :22 –لو 22 :19 -1كو 11 :23 ) بل تستدعى الروح
القدس( لان قوة الله الحقيقية لا تقتصر على الحروف بل على الحضور ) . [18] ورغم ان الر ب يسوع اعطى بنفسه كلمات التأسيس للافخارستيا ولم
يحدد شكلها النهائى الا ان الكنيسة رأت بروح الرب ان تستدعى الروح القدس لكى يقوم
بتحويل كلمات الرب نفسه الى فعل وسر وحضور وبهاء ليتورجى بل هناك احتياج كبير لان
يقوم الكاهن البسيط باستدعاء الروح القدس الاقنوم الثالث (επικληση) لكى يحول بنفس كلمات الرب
التأسيسية الخبز والخمر الى جسد ودم المسيح ولكى يتم السر الان وهنا فى اعظم مدن
الحضارات والثقافة وفى ابسط القرى والنجوع ومادام الرب وسطنا فلنطلب منه كل شئ
وظهرت الليتورجيات باشكالها واحجامها المختلفة ومن يرفض الليتورجيات ويمتنع عن
التأمل فيها يحرم نفسه اولا من خبز الله على حد تعبير الخرستوفوروس اغناطيوس و من
ناحية لا يستمتع بالتأمل بالمعنى الابائى (الثيؤرياθεωρια ) بعمل الروح فى لغات وموسيقى
وثقافات وتراثات البشرية ولهذ ا فمن نافل القول ان نؤكد ان من اهم فروع الدراسات
اللاهوتية اليوم فى العالم فرع (اللاهوت الليتورجى ) الذى يدرس ويتمعن فى (هذا
السر العظيم الذى للتقوى ) وهكذا تصير الافخارستيا سر استعلان الثالوث . يالها من
سيمفونية سماوية وابداعات لاهوتية واكليسيولوجيا وهكذا يحق للمصلى فى القداس
القبطى ان يصرخ مع القديسين (نسبحك ونباركك ونمجدك و نشكرك يارب لاجل هذه النعم
العظيمة )[19] فاللاهوت فى كنيستنا يتحول الى
تسبيح وتمجيد وشكر ولم يكن ابدا لغطا وتشويشا وترفا فكريا وشغل مكاتب لان الاباء
اعطوا دما فاخذوا روحا:
(δωσε αιμα , λαβε πνευμα ) .)
فاللغة ضرورية ولكنها ضعيفة فكنز الاختبارات اللاهوتية
موضوع بالضرورة وللضرورة فى اوانى انسانية ولغوية وحضارية خزفية( 2كو4 :7) [20] ولقد ظهرت هذه القضية بوضوح فى
القرن الرابع الميلادىفى العصر الذهبى للاباء الكبار فاريوس الذى درس الكتب المقدس
كثيرا وفسرها يعلم ان الابن الاقنوم الثانى فى الثالوث القدوس هو مخلوق (κτισμα) وليس اله حق من اله حق (αυτοΘεος
αληθινος και πραγματικος Θεος ) بينما القديس اثناسيوس الذى يعرف
اللغة التى يستخدمها اريوس فهى نفس اللغة اليونانية اظهر بطرق عديدة ان الابن له
ذات طبيعة الاب فهو الله الحقيقى وحسب الطبيعة(αληθινος
και φυσει Θεος ) [21] والشئ المذهل ان اثناسيوس واريوس
قرأا نفس الايات الكتابية وكلمات الرب (انا والاب واحد(يو 10 :30 )
εγω
και ο Πατηρ εν εσμεν ) . وايضا (من رأنى فقد رأى الاب(ο εωρακως εμε εωρακε τον Πατερα يو
14 :9 . ولكن فهمهم للايات وجد على طرفى نقيض فاثناسيوس عاش وذاق كل مسيرة التدبير
الالهى اى كل روح وفكر الكنيسة ولدية اختبار عميق للحقائق الالهية ولقد نجح فى
تعميد اللوغوس اليونانى فى دموع اباء البرية وكان على علاقة خاصة برهبان مصر
وبالقديس انطونيوس بينما ترك اريوس نفسه للفلسفات اليونانية وخاصة ارسطو !فهناك من
اللاهوتيين المعاصرين من اتخذ ابراهيم واسحق ويعقوب اباء ومن اتخذ افلاطون وارسطو
وافلوطين مرشدين ![22] ولهذا اثناسيوس احدث صلحا عظيما
بين الثقافة اليونانيةوالبرية القبطية وصار مرجعية كبيرة وهو يؤمن ويعلم ان الابن
من طبيعة الاب لان بنوة المسيح لله بالنسبة للكميسة ليست مجرد قضية لاهوت نظرى بل
هى قضية مصير الانسان ! ولم يستطيع اثناسيوس بالرغم من استعماله لايات كثيرة ان
يقنع اريوس[23] والسبب ان اريوس رغم انه يعرف لغة
وكلمات وتركيبات الاسفار المقدسة اللغوية الا انه لم يحصل على خبرة اللاهوت
الحقيقة التى تكمن فى لغة وكلمات وتركيبات الاسفار المقدسة كما عرفها وذاقها
واختبرها اثناسيوس فاللاهوت والتفكير اللاهوتى ليس ترفا او تسلية او وجع راس بل هو
هو تعب ودراسة ونسك وبحث فى امهات المراجع اللاهوتية وافراز و بنيان الكنيسة
وكيانها واختبار هذا الاعلان وذوق عمقه سيؤدى الى الفكر اللاهوتى فالخبرة الالهية
تتحول فى داخل النفوس المستعدة الى لاهوت يلتزم باللغة ولا ينحبس فيها بل يعطيه
الروح جددا وعتقاء فاللغة تأتى بعد الاستنارة بالروح ويتفق القديس باسيليوس مع
القديس اثناسيوس فى ان طبيعه الاشياء تأتى اولا ثم بعد ذلك نجد الكلمات لنعبر عنها
ونشرحها فالمعيار والسبب وراء اللغة والتعبيرات اللاهوتية التى كثيرا ما تدخل
الكنيسة فى متاهات لغوية لا تناسب رسالتها نقول المعيار هو الحقيقة التى يعبر عنها
اللفظ وعلى اساس (النعمة والحق ) تتشكل الكلمات والنعوت والاسماء وليس العكس ابدا
. وعلى هذا الاساس فكل تعبير لاهوتى يجب ان يكون فى انسجام وتوافق مع ما يعلمه
تقليد الكنيسة( Παραδοση της Εκκλησιας ) منذ بداياتها من ناحية ومن ناحية
اخرى ان يتوافق مع المناخ الثقافى واللغوى المعاصر .
السؤال الان هو هل معنى كل ما سبق عن العلاقة الحوارية
بين اللاهوت واللغة والاعلان والتفسير وبين اللاهوت والتفسير تعنى من قريب او من
بعيد ان الاعلان الاهى يتطور وينمو وهل وجود مجامع مسكونية ووضعها لعقائد جديدة
يعنى تغييرا وتحولا فى جوهر الاعلان الالهى ام شانا تدبيريا يخص احتياجات واسئلة
جديدة للناس لم تثار من قبل والا فما معنى (جددا وعتقاء ) وهل الرسل والاباء
والكنيسة من بعدهم قد حولوا حقيقة الانجيل كما يدعى بعض الهراطقة المعاصرين . لقد
عكف العلماء واللاهوتيين على دراسة هذا الامر واجابوا بالنفى القاطع فالكنيسة بما
فيها من تراث وحق وتراث وتسليم وتعليم هو اصيل وهو لا يخضع باى حال لعملية التطوير
او التحسين لان كل هذا هو ثمرة عمل الروح القدس فى الكنيسة والرسل ما دامت هى
كلمات وتعاليم الرب يسوع وتلاميذه واللاهوت الاباءى هو مستودع خبرات الكنيسة فالحق
الالهى لا يزيد ولا ينقص ( رؤ 22 : 18-19 ) والذى يحدث وحدث فى تاريخ الكنيسة ان
كلما تواضع الانسان وتجرد من الاهواء تزداد درجة رؤيته واختباره للحقائق اللاهوتية
ويقدم رؤية لجانب من جوانب التدبير الالهى لم يسبقه اليها احد فكل لاهوتى خادم لسر
المسيح فى الكنيسة والتاريخ يقدم مشاركته ومساهمته المتواضعة فى شركة الحب والخضوع
انطلاقا من مبدأ الشركة فى المواهب والاعضاء المتمايزة وايست المتناقضة فى الجسد
الواحد وان الاعضاء التى قد نظن انها قبيحة لها كرامة افضل (1كو 2 1 ) فاللاهوت
الابائى كان احاديا فيما يخص الله واعلانه عن نفسه وكان حواريا الى اقصى درجة
الحوار فيما يخص خلاص الانسان والتواصل الثقافى والحضارى مع الشعوب التى قبلت
الاعلان والبحث عن اليات ووسائل للتواصل مع هموم وشجون الانسان فى كل عصر .
ولقد اشار الى ذلك القديس ايرينئوس والقديس باسيليوس فى
المحاور التالية :
1 – لا يضيف احد فى الكنيسة حقائق جديدة ولكن الذى يحدث
هو ازدياد مساحة فهمنا نتيجة نمونا فى فى النعمة واذا وجد زيادة فهى لتكميل
التعليم نتيجة اسئلة جديدة وليس تغيير فى الحقائق اللاهوتية .
2 – الاضافات اللاهوتية الجديدة تأتى موازية فى نطاق
المعرفة والتى يعطيها الروح القدس للاهوتى الكنيسة فالزيادة حسب باسيليوس هى فى
فروع الشجرة بينما الجذع واحد .[24]
[4] الاباء يرون فى العنصرة تصحيحا لمسيرة البشرية بعد برج
بابل راجع قاموس لامبى الابا مقال (البنتكوستى Pentecost ص
!1060 .
[6] البروفسور ترميلاس يرى ان لغة بطرس هى لهجته المخلية
التى تميز قومه انظر العهد الجديد مع تفسير مختصر اصدار حركة التكريس سوتير عامى
1986 .
[7] وام يقتصر اثر المنهج التحليلى اللغوى على المسيحيين بل
تهداه الى الخطابة الاسلامية مثل الشيخ الشعراوى وخالد محمد خالد وغيرهم . ونلاحظ
انه لم يحدث فى تاريخ الاديان ان اعتبر اتباع اى دين ان لغتهم منزلة من عند الله
وان الطريق الوحديد لمعرفة الله هو الرجوع الى لغة واحدة الا فى الاسلام ووهذا يضع
المثقفين الملمين والمهاجرين المسلمين اما اشكالية قفقهية كبيرة .
[10] الخولاجى
المقدس طبعة دير البرموس العامر ص 330 و انظر المعجم القبطى للعالم كروم Coptic Dictionnary ,
Oxford p. 548 للتعرف على مهنى كلمة (يحد )
[13] من المعروف ان لفظ (قديسين ) فى الكتابات المسيحية
الاولى لم يكن يعنى شريخة معينة من الناس بل كل المسيحيين انظر ترمبلايس : العهد الجديد
مع تفسير لغوى مختصر اصدار جماهة التكريس سوتير اثينا 1986 ص 970 .
[15] نفس المرجع السابق وانظر ايضا مقالات نيافة الانبا بيشوى
فى مجلة الكرازة عن (المسيح فى سفر اشعياء ) وايضا (المسيح فى جميع الكتب ) تأاليف
م ,أ هودجكين اعداد ميخائيل مكسى اصدار مكتية المحبة 2003 .
[20] ان فضية التكلم باللغات او الالسنة فى الكنيسة الاولى فى
كورنثوس هى دليل ساطع على الصراع الذى قاده الرسول بولس بين المحبة والمواهب
الروحية واللاهوتية وبين اللغات ولقد اصر بولس على ان اللغة وسيلة لبنيان المؤمنين
فى لاهوت الشركة والوحدة وتعدد المواهب اى فى لاعوت الحب وحب اللاهوت (احمد الله
انى اتكلم بلغات اكثر ......ولكنى فى الكنيسة افضل ان اقول خمس كلمات مفهومة اعلم
بها الاخرين 1كو 14 :19 وهذه رسالة مسجلة للساعين وراء الالسنة واللغات من اجل
تفتيت الكنيسة ووسوسوسة المؤمنين وتشكيك الخدام واستعراض العضلات اللغوية بلا
بصيرة لاهوتية . وهنا لا يملك المرء الا ان تعجب من اولئك الذين لا يملكون ناصية
اللغة التى يبشرون بها ولا يتعبون حتى فى السؤال عن المعانى الاصلية .ويتعصبون
للالفاظ .!!!
[22] يجب الاشارة هنا الى الخلافات اللاهوتية والخرستولوجية
بين الكنائس الارثوذكسية وقد اتفق المتخاورون ان الخلاف لفظى ولغوى وفى الحقيقة
اللفظ واللغة تكشف عن ثقافات ولاهوت وعمق الخلاف هو بين الفكر القبطى المصرى
الوحدوى والثقافة العلينية الاذدواجية اى بين ثقافة القلب وثقافة العقل ولابد من
القيام بابحاث معمقة فى هذا الاتجاه حتى نستطيع مجاوبة كل من يسأالنا عن الرجاء
اللاهوتى والخرستولوجى الذى فينا . .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire