dimanche 27 mars 2016

الكتاب المقدس فى حياة الا باء شيوخ البرية


الكتاب المقدس فى حياة الا باء شيوخ البرية

الاب  اثناسيوس اسحق حنين

يلاحظ الدارسون بان هناك اهتمام كبير فى كنيستنا فى هذه الايام بالكتاب المقدس وقد ظهر ذلك جليا فى مؤتمر تثبيت العقيدة الاخير فى دير العزب بالفيوم حيث قدمت الابحاث العديدة حول الكتاب المقدس وعصمته واصالته وشموخه عبر التاريخ ودوره الاساسى والكبير والحاسم فى بنيان الكنيسة واسرارها وعقائدها بل ودور الكتاب المقدس فى حياة المؤمنين وقام الاباء بالرد على حملات التشكيك فى كتابنا المقدس كما قدمت ابحاث عن طرق تفسير الكتاب المقدس ومدارس التفسير عند الاباء وهذه العودة الى الاصول الكتابية للايمان احدثت نهضة روحية وعلمية .

ولكن يلاحظ الدارس لمدارس التفسير المختلفة فى الكنيسة قلة او ندرة الدراسات التى تسلط الضوء على كيفية تعامل الاباء الرهبان فى البرية مع الكتاب المقدس ولقد شهد لهم الدانى والقاصى انهم احبوا الكلمة فأحبتهم الكلمة وكشفت لهم اسرارها وحملتهم الى قلب الرب الكلمة المتجسد .

الاباء الشيوخ هم صمام الامان لفهم الكلمة الالهية وهم الذين يرشدوننا الى الفهم وهم يقتدون فى تعاملهم مع الكلمة بيوحنا الحبيب الذى اتكاء على صدر الكلمة المتجسد الرب يسوع المسيح له كل المجد نقول يوحنا الحبيب يقدم لنا المثل والقدوة وهو فى حيرة من امره امام السفر المختوم وبعد ان سكب دموعا غزيرة وهو واقف امام السفر المختوم( اى العهد القديم حسب رأى البروفسور سافاس اغوريدس فى تفسير سفر الرؤيا الصادر فى تسالونيكى عام 1994 ) وماذا فعل الحبيب يوحنا (وصرت انا ابكى كثيرا لانه لم يوجد احد مستحق ان يفتح السفر (ويقرأه ) ولا ان ينظر اليه فقال لى واحد من الشيوخ لا تبك هوذا قد غلب الاسد الذى من سبط يهوذا اصل داود ليفتح السفر ( يفك ) ختومه السبعة ) رؤ 5 : 5 فالدموع وارشاد الاباء الشيوخ هم الوسيلتين اللتين استخدمهما المسحيون الاوائل لفهم الكتاب المقدس .

لقد اعتاد علماء تفسير الكتاب المقدس على تناول مدارس التفسير المختلفة بالبحث من مدرسة التفسير الرمزى الى مدرسة التفسير الحرفى والتاريخى ومرورا بالتفسير التيبولوجى وفى هذا بذلوا جهدا كبيرا ومشكورا ولكنهم لم يعطوا للتفسير الابائى فى البرية حقه الواجب وربما يكمن سبب هذا الموقف فى ان علماء التفسير اعتبروا ان علاقة الاباء فى البرية بالكتاب المقدس هى علاقة روحية بسيطة وهى بالفعل كذلك ولكنها لا ترقى الى مستوى مدارس التفسير الكبيرة والمعروفة فى تاريخ الكنيسة وربما يعود ذلك الى علاقة العلماء بشكل عام مع الرهبنة فالبعض لجاء الى دراسة الرهبنة القبطية للتعرف على بعض ملامح تاريخ الطقوس والعبادات وقد قل من يعتبر الاباء الرهبان كمفسرين للكلمة وذلك بحجة انهم لا يستعملون الطرق العلمية التفسيرية المعاصرة اى انهم لا يطبقون النهج العلمى واللغوى على دراسة النصوص وهذا مجافى للواقع التاريخى والمعاصر .

لقد ظهر من بين العلماء المعاصرين من يرد الاعتبار الى علاقة الاباء شيوخ البرية بالكتاب المقدس ومن اهم المراجع المعاصرة الكتاب الهام فى تاريخ علم التفسير الذى الفه الباحث الامريكى دوجلاس بيرتون كريستى ويحمل اسم (Douglas Burton –Christie The Word in The Desert, Scripture and The Quest for Holiness in The Early Christian Monasticism , Oxford University Press 1993

ويرى الباحث انه قد ان الاوان لاعادة الاعتبار العلمى للمنهج التفسيرى عند الاباء شيوخ البرية والذى ظهر فى البرية القبطية فى القرنين الرابع والخامس الميلاديين ويرى ان ثقافة هؤلاء الاباء هى ثقافة كتابية بالدرجة الاولى وتكمن فرادة هؤلاء الاباء فى علاقتهم التفسيرية بالكتاب المقدس فى انهم لم يضعوا النصوص الكتابية امامهم كوضوع بحث فيلولوجى اى لغوى جاف وان كان هذا البحث اللغوى هام جدا فى قضية التفسير وهم لم يتجاهلوه فقد كانوا يرأون الكتاب المقدس فى لغاته الاصلية سواء اليونانية او القبطية او السريانية اى انهم حققوا شرطا هاما من شروط التفسير السليم للكتاب المقدس وهو قرأة النص فى لغاته الاصلية للكتب المقدسة ! ولكنهم فوق ذلك وقبل كل شئ اعتبروا الكتاب المقدس سبب خلاصهم و مصدر وجودهم واساس قيامهم وقعودهم وينبوع توبتهم ومعيار علاقتهم ببعضهم البعض وبالكنيسة وبالناس وذلك على النهج اليوحنائى من خلال الصلاة بالدموع والانكسار امام رب الكتاب والتأمل الهادئ والسعى لاخذ بركة ومشورة الشيوخ .... ولقد سعى اباء البرية الى صياغة بل وأعادة صياغة عالمهم الذهنى والعاطفى والروحى فى نور الكلمة الالهية وجاهدوا حتى الدم فى ان لا يسبروا اغوار الكلمة فقط بل ان يتركوها بنعمة الروح القدس تسبر اغوار نفوسهم وتميز افكار قلوبهم ونياتهم حسب تعبير المحبوب بولس (عب 4 :12 ) لقد تثبتت الكلمة فى قلوبهم وشهد الله معهم بايات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب ارادته (عب 2 :1—4 ) ولهذا فقد نجح اباء البرية فى تاسيس ما يعتبره العلماء اليوم ( هيرمونيطيقا البرية ) نفس المرجع السابق ص 16 . ويرى هارناك العالم الالمانى المعروف بانه لم يحدث ان قامت نهضة روحية ولاهوتية كبيرة فى تاريخ الكنيسة الا وكان اباء البرية حاضرون فيها بفاعلية منقطعة النظير (A. Harnack , The Mission and Expansion of Christianity in The First Three Centuries . tran. Ed.Moffat ,2d .vol.2 New York 1908 , p. 160-161.)

لقد تعددت النظريات والابحاث فى سبب ظهور الرهبنة ولكن دوجلاس يرى ان فهم العمق الروحى واللاهوتى وراء ظهور الرهبنة سيصير اكثر عمقا اذا درسنا بعناية الرهبنة كمدرسة للتفسير الكتابى فالكلمة الالهية هى التى دفعتهم الى ترك العالم والسعى فى طلب القداسة هو الذى انار لياليهم الطويلة وولقد صاروا بهذا الالتصاق بالكلمة جديرين بلقب (Λογοφορευς اللوغوفوروس ) اى الحاملين الكلمة الالهية او بتعبير ادق المحمولين بالكلمة الالهية .

ويرى دوجلاس بان المصلحون البروتستانت مثل لوثر ووايكلف وغيرهم لم يكونوا على حق حينما اتهموا الحركة الرهبانية بانها غير مؤسسة على الكتاب المقدس ويرجع هذا الرأى الى ان المصلحين لم يدرسوا الرهبنة الاولى بل وجدوا امامهم فى الغرب واقعا رهبانيا يعود للعصور الوسطى و بعيد كل البعد عن الاصول الكتابية للرهبنة وهى نذر الفقر والطاعة والبساطة والعفة بل لقد تحول رهبان اعصور الوسطى الى اسياد (Lords of this World , most idle in God,s tavail )

\(انظر دوجلاس ص 13 ) ولقد اثر هذا الموقف على معظم الدراسات التاريخية اللاحقة عن الرهبنة ولكن جاء من العلماء من ينصف الحركة الرهبانية ويرى فيها اصولا كتابية عميقة فلقد اطاع الرهبان الاوائل نداء الرب فى الانجيل (اذهب وبع املاكك واعط للفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى ) مت 19 : 21 وهذا دليل قاطع على ان الرهبنة هى استجابة لدعوة الرب فى الكتاب المقدس ويذهب العلماء الى ابعد من ذلك فيؤكدون ان الكنيسة المسيحية الاولى فى سفر اعما ل الرسل انما كانت عبارة عن التاسيس العملى لبدايات مبداء ترك كل شئ وتبعية السيد اى بدايات الرهبنة المسيحية .(دوجلاس ص 14 ).

عند اباء البرية صارت الكلمة فعلا وحدثا (Word Events ) فهى احداث تعلن قوة الرب فلقد اخترقت الكلمة قلوبهم وصارت قوة محولة والمثال الواضح هذا التحول الذى حدث فى حياة الشاب انطونيوس فلقد كان القديس انطونيوس يفكر فى كيف ترك الرسل كل شئ وتبعوا المخلص (حياة القديس انطونيوس للانبا اثناسيوس) وكان مشغولا ابلبحث عن السبب وراء ان الببعض قد قرر ترك كل شئ ووضعوها تحت اقدام الرسل (اع 2 :42 –47 ) ودعونا نمعن النظر فى مدرسة التفسير الكتابى التى اسسها القديس انطونيوس .

القديس انطونيوس بين القرأة الشخصية للكلمة ومشورةالشيوخ :

الشئ اللافت فى مدرسة الاباء التفسيرية انهم على عكس الاجيال اللاحقة ميزوا وبمهارة روحية كبيرة بين العلاقة الشخصية بالكلمة والبعد الكنسى للكلمة وهذا التقليد الكتابى اسسه الانبا انطونيوس وسار عليه الاباء فيما بعد ونجد هذا التمييز الكبير بين العلاقة الشخصية بالانجيل ويحذر العلماء من خطورة القراء الخاصة للكتاب المقدس وخاصة فيما يتعلق ببعض النصوص الخاصة فالكتاب المقد س قد ولد فى الكنيسة وحينما نقراء الكلمة يجب ان تكون امتداد لخبرة الكنيسة الافخارستيا وليس معنى ذلك منع القراة الخاصة فالاباء يؤكدون على ان عادة قراة الكتاب المقدس فى البيوت كانت منتشرة فى القرون الاولى (انظر سافاس اغوريدس : تاريخ علم التفسير اثينا عام 2000 ) ولكنها كانت تحافظ على البعد الكنسى وهذا نجده فى بدايات السيرة الانطونية العطرة ا

فالقديس انطونيوس حينما دخل الكنيسة كعادته بانسكاب وحب وهو متفكر فى امور الكنيسة الاولى سمع قول الرب باللغة القبطية فى الكنيسة ( اسجى خيوور ايير اوتيليوس ماشيناك ما فايتنتاك ايفول ميتو انهيكى ) ان اردت ان تكون كاملا اذهب بع كل موجوداتك Τα Υπαρχοντα Σου واعطها للفقراء وتعال اتبعنى وسيكون لك كنز فى السموات (مت 19 :21 ) وهنا شعر انطونيوس بشعوريين قويين واسس لنا كيفية القرأة الشخصية للكلمة :

اولا : الكلمة وتذكار القديسين :

انه شعر ان تذكره حياة تلاميذ المسيح فى الكنيسة الاولى انما كان من الرب له شخصيا (Ο Δε Αντωνιος , ωσπερες Θεοθεν εσχηκως την των Αγιων μνημη )

الشركة مع القديسين عطية من الرب والشركة مع الكلمة الالهية فى حياة القديسين هى عطية من الرب Θεοθεν وكلمة (Μνημην ) كلمة ليتورجية بالدرجة الاولى فهى التى تستخدمها الكنيسة فى صلاة الافخارستيا (ففيما نحن نصنع ذكرى الامك المقدسة ........) اى ان القديس انطونيوس وضع اللبنات الاولى للقرأة الافخارستية للكتاب المقدس اى القرأة فى شركة القديسن سواء الذين كملوا فى الايمان او الذين يجاهدون بنعمة الكلمة فى طريق الكمال .

ثانيا : الكلمة بين الاختبار الشخصى والحس الكنسى :

والى جانب الشعور بان تذكار القديسين جاء من الرب ادرك انطونيوس امرا اخر او بعدا اخر من ابعاد الكلمة وهو (ان القرأة الانجيلية كانما قد ٌ صارت له وحده Και Ως Δι,αυτον γενομενου του Ανανωσματος ) اى ان الكلمة موجهة له هو ذاته حسب التعبير اليونانى وهذا البعد الشخصى يكمل شركة القديس انطونيوس مع القديسين لانه مهما قرأنا من السير التى اختبرت الكلمة ولم نختبرها نحن فستكون الخبرة الابائية لقرأة الكلمة ناقصة وغير كاملة ولم يكن هذا الامر نادرا فى الكنيسة الاولى فلقد ذكر لنا التاريخ الكنسى الكثير من الاختبارات الابائية فى قبول الكلمة برؤية شخصية (انظر La Vie de Saint Antoine ,Sources Chretiennes No 400 Paris 1994 page 133)

ويحكى لنا العلماء ان حادثة تغير حياة القديس انطونيوس بعد سماعه كلمة الرب كأنها له شخصيا قد اثرا تأثيرا كبيرا على حياة القديس اوغسطينوس فى مرحلة حرجة جدا فى حياته حينما كان اوغسطينوس يبحث عن الرب ( نفس المرحع السابق ) فاذا بعد الاختبار الكنسى جاء الاختبار الشخصى .

ثالثا : الكلمة وتقليد الشيوخ :

ذهب القديس انطونيوس ليحول الكلمة الى حدث عملى والطريق هو النسك والتعب والصلاة والعمل اليدوى وفى هذه كلها لم يتنبع انطونيوس اختباره الشخصى بل سأل الذين سبقوة وتتلمذ للشيوخ وتقول السيرة ان انطونيوس بدأء ببمارسة النسك بالقرب من منزله لانه لم تكن المناسك والاديرة معروفة فى ارض مصر وكان بالقرب من القرية شيخ يمارس النسك( حياة الوحدة ) منذ شبابه (Ην Τονυν εν τη Πλησιον Κωμη Τοτε Γερων Εκ Νεοτητος Τον Μονηρη Βιον Ασκησας )

ووجد القديس انطونيوس فى الشيخ معونة كما وجد يوحنا الحبيب فى الشيخ دليلا وحينما وجده انطونيوس ( اخذته الغيرة فى حياة الصلاح ِ Τουτον Ιδων Εζλωσεν εν Καλω )

وكلما وجد شيخا ذائع الصيت لا يكل ولا يمل حتى يذهب اليه كما النحلة الباحثة عن العسل )

معنى ذلك ان القديس انطونيوس حينما حينما سمع الكلمة فى الكنيسة شعر انها موجهة له شخصيا ولكن حينما خرج ليؤسس نظاما رهبانيا تفسيريا للكلمة ذهب الى الاباء الشيوخ اى الى تاريخ الاحداث التى سبقته او الى تاريخ قرأة الكلمة فى أزمنة النساك الذين سبقوه فهو شعر من ناحية انه حر بالروح فى قرأئته الشخصية للكلمة يقبلها ويعيشها ويختبرها بملئ حريته ولكن حينما خرج ليفسر الكلمة ويحولها الى نهج روحى عام ومنهج تفسيرى (الرهبنة فى اعماقها هى منهج تفسيرى عملى للكلمة الالهية ) نقول حينما اراد تأسيس نظاما نسكيا ذهب الى الاباء الشيوخ وهكذا وحد بن الحرية الشخصية فى قراة الكلمة والتقليد الذى اسسه الاباء الشيوخ اى كان لابد ان يتبع المنهج التاريخى اى ان يسأل بصدق وخضوع الذين سبقوه فى قرأة الكلمة وهذا هو العمق الروحى للانسجام بين الخاص والعام فى علم التفسير الابائى الرهبانى . وهذا يؤكده القول الابائى المشهور (اجلس فى قلايتك وقلايتك تعلمك ) فالراهب له الحرية فى قلايته الخاصة ان يناجى الرب ويتعزى ويتقوى ويتهلل ويحزن ويعاتب الرب ويشعر ان كل كلمة فى الانجيل انما قد كتبت خصيصا له وحده ولكن حينما يخرج من القلاية فهو يقدم الطاعة للاباء الشيوخ ولتقليد الكنيسة ويلتزم بقوانين المجمع ويقطع مشيئته الخاصة من اجل نمو الجماعة

اقوال الاباء الشيوخ ِαποφθεγματα πατερων της ερημου:

ونتابع بحثنا بالتامل فى مرحلة من اروع مراحل الروحانية الارثوذكسية وهى اقوال الاباء الشيوخ او الابوفثجماتا وهى تمثل اروع صور التلاحم بين كلام الله وانين الناس بين عمق الخبرة الروحية المنطوقة بكلمات قليلة من الكتاب المقدس فلقد حفظ هؤلاء الاباء الكلمة فحفظتهم الكلمة واسلموا انفسهم لها بلا تحفظ ولا تردد فرفعتهم وكرمتهم وانسابت على من شفاهم على السنتهم بلسما شافيا ودواء لكل من ركب الصعاب وذهب اليهم فى البرية يطلب كلمة منفعة .

لم يذهب هؤلاء الاباء الى الكلمة كمفسرين بل تركوا الكلمة (تفسر ) خبايا نفوسهم ولقد ارسوا مبدا تفسيريا هاما وهو اننا لا نذهب الى النص الكتابى فقط لنساله بل هو ايضا يسألنا ويستجوبنا عن مدى جديتنا فى طلب المنفعة (لان كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذو حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة افكار القلب ونياته ) عب 4 :12 .

والسؤال كم عدد الايات الكتابية التى اقتبسها الاباء الشيوخ فى اقوالهم ؟ ( والجدير بالذكر ان الاباء قد اقتبسوا من الذاكرة ولم يكن امامهم قاموسا للكتاب او فهرسا للايات ) ولقد وصلت اقوال الاباء الى حوالى ثلاث الاف قول صدر منها فى طبعة علمية نقدية حوالى الالف قول اصدرها العالم الفرنسى Cotelier واثبت ان هناك حوالى 150 اقتباسا كتابيا واضحا او تلميحات لايات كتابية بينما اكدت الباحثة والراهبة Benedecta Ward فى ترجمتها الانجليزية لاقوال الشيوخ عام 1975 بان هناك 93 اقتباسا منهم 45 من العهد القديم و48 من العهد الجديد وجاء الراهب والعالم والصديق الفرنسى الاب Lucien Regnault فى عام 1985 وفى ترجمة رنسية للاقوال وجد عددا اكبر من كل الباحثين السابقين فقد لاحظ وجود 224 اقتباسا من العهد القديم و563 اقتباسا من العهد الجديد وتفسير هذا الاختلافات يكمن فى منهجية الاباء الشيوخ فى اقتباس الايات فهم يقولونها من الذاكرة وهم فى حالة صلاة وعبادة ولا يهتمون بكتابة الشواهد فيحدث ان تختلط كلماتهم بكلمات التاب المقدس فى عفوية وانسياب يتعذر مهع على الذين ليست لهم الحواس مدربة فى سبر غور الكلمة يصعب عليهم التمييز بين كلمات الكتاب وكلمات الاباء واليكم مثلا معاصر فاحد ثمار النهضة الكتابية المعاصرة فى كنيستنا القبطية ان ظهر من بين الخدام والشباب واحيانا الاباء من كانوا يتراسون من وقت لاخر وحينما نفحص خطاباتهم يصعب علينا التمييز بين ايات الكتاب المقدس وسياق الحديث العادى .

ويلاحظ الباحثون ان الاباء الشيوخ يقبسون من العهد الجديد اكثر من العهد القديم واهم اسفار العه القديم التى يقتبسها الاباء الشيوخ هى المزامير والتكوين واشياء والخروج (لان الاباء الشيوخ يطابقون بين خروج الشعب من ارض مصر وخروج الراهب الى البرية ) وبالنسبة للعهد الجديد فاكثر الاقتباسات من الاناجيل الاربعة ويأتى انجيل متى فى المرتبة الاولى وبعده انجيلى لوقا ويوحنا .

الكتاب المقدس فى حياة اباء البرية بين المجمع والقلاية :

راى بعض العلماء ان قرأة الكتاب المقدس فى الاديرة قد اقتصرت على الاجتماع العام الذى كان يعقده الاباء كل اسبوع ويحكى الاب بولس البسيط تلميذ الانبا انطونيوس انه وهو خارج من القلاية وجد الاخوة يدخلون الكنيسة المقدسة ليقوموا بعمل السيناكس الكتابى حسب عادتهم (باترولوجيا 65 381 ( C ولكن واقع النصوص يكشف عن ان الاباء الشيوخ كانوا يدرسون الكلمة فى حياتهم الخاصة فى القلاية ويجب ان نعرف ان الراهب القبطى كان يخفى معرفته بالكتاب المقدس خوفا من المجد الباطل وحينما كان احد يسألهم كلمة منفعة كانوا يجيبون باية مقطع من الكتاب المقدس وقد قال احد الاباء (ان الجهل بالكتاب المقدس يؤدى الى ضياع كبير ) والانبا انطونيوس شدد على السائلين كلمة منفعة على كفاية الكتاب المقدس وحينما ساله اخ ماذا يفعل ليرضى الله اجاب ( حيثما تذهب ...أجعل الله امام عينيك وأيما عمل تعمل اجعل شهادة الكتب المقدسة أمامك) باترولوجيا جريكا 65 : 81 . ولقد شكل الكتاب المقدس مع اقوال الاباء الشيوخ مصادر التراث الروحى والنسكى فى البرية ويؤكد ذلك الاب بيمن فى تعليمه عن مكانة الدموع ( البكاء هو الطريق الذى سلمه لنا الكتاب المقدس والاباء ) وقد قال احد الشيوخ ( ان الله يريد نوعين من الطاعة من الرهبان طاعة الكتب المقدسة وطاعة الاباء الروحيين ) بل ووصلوا الى ان اطاعوا الكتاب طاعة عمياء ( دخل اخ الى قلاية اخ وحينما ساله اين كتابه المقدس قال له الم يقل لى بع كل مالك واعط للفقراء فقد بعته (يقصد الكتاب المقدس ) واعطيت ثمنه للفقراء ) وهناك وقعة اخرى تقول ان احد الاباء الشيخ دخل قلاية اخ وراى كتبا مقدسة ثمينة فقال له : لقد اخذت مال الفقير لتضعه على الرفوف ) ولهذا يتميز تفسير الاباء الشيوخ للكتاب المقدس سواء فى اعمالهم او فى اقوالهم بالواقعية وهذا يفسر انهم لا يلجأون الى التفسير الرمزى فالتفسير الرمزى استخدمه الاباء المعلمون فى الكنيسة لشرح الايمان للمبتدئين من الوثنييين وعن ماذا كان يقرا الاباء الشيوخ نجد ذلك فى اجابة الاب سيسوى على من سأله كلمة منفعة فى كيفية قرأة الكتاب المقدس وهل نبداء بالعهد الجديد او بالعهد القديم اجاب (أنا سأقول لك ! انا أقراء العهد الجديد ثم أتحول الى العهد القديم (باترولوجيا جريكا 65 -404 ) ولقد ادرك الاباء الشيوخ اان قرءة الكتب المقدسة تجلب لهم بركات كثيرة بل وهى وسيلتهم فى جذب النفوس للرب ولقد ربح الاب سيرابيون زانية للتوبة حين قراء عليها المزامير وبعض مقاطع من رسائل بولس (باترولوجيا جريكا 65 ) وكان الاباء المرضى فى قلاليهم يستمعون لاخ يقراء لهم فى القلاية وهكذا نرى اخا يقراء من سفر التكوين بجوار سرير الاب اغاثون اثناء مرضه (باترولوجيا جريكا 65 ).

الاباء الشيوخ والتأمل فى الكتاب المقدس :

التأمل هو ترجمة للكلمة اليونانية (Μελετη ) وهى الاسم من الفعل (Μελεταω) وحينما نعود الى المعجم المتخصصة نجد ان الفعل (ميليتاو ) يعنى الاهتمام الشديد والممارسة العملية والدراسة المتفحصة ولقد وردت الكلمة فى رسالة الرسول بولس الاولى الى تلميذه تيموثاؤس حنما اوصى الرسول تلميذه ان يعكف على القراءة والوعظ والتعليم ثم ناشده ان ( اهتم بهذا كن فيه لكى يكون تقدمك ظاهرا فى كل شئ ) اتيمو 4 :15 وفى النص اليونانى نقراء الاية كما يلى (Ταυτα Μελετα , εν Τουτοις Ισθι , ινα σου η προκοπη Φανερα η Πασιν ) ونلاحظ ان كلمة (اهتم ) هى ترجمة للفعل (ميليتاو ) فى صيغة الامر ومعناها ( فكر فى الامر مليا واستغرق فى التفكير اى تأمل الامر وادرسه ) وهذا هو التأمل فى حياة اباء البرية فى علاقتهم بالكتب المقدسة وقد رأى الاب بيمن ان التأمل هو التأمل هو احد اساسات حياة الوحدة ( حياة القلاية هى العمل اليدوى و الاكل مرة واحدة يوميا والصمت والتأمل )باترولوجيا جريكا 65 : 362 CD. والتأمل اذن عند الاباء الشيوخ هو قرأة نص او اية بروح الصلاة مع التركيز الذهنى والتكرار بدون تشتت حتى تصير الاية هى اقتنا ء لقوة داخلية وبصيرة روحية ( يحكى ان الاب اموس ذهب مع صديق لزيارة الاب أخيلاوس (سمعناه يتأمل فى هذا القول لا تخف يا يعقوب ان تذهب الى مصر (تك 46 :3 ) والنص اليونانى يقول (Ηκουσαμεν Αυτου Μελετωντας Τον Λογον Τουτον ) ويكمل الاب اموس ( وظل وقتا طويلا يتأمل فى هذه الاية ) باترولوجيا جريكا 65 : 125

تفسير الكتاب المقدس فى الكينونيا الباخومية :

لقد قام العالم الفرنسى ارماند فيلليو بدراسة المجتمعات الباخومية الرهبانية وتتبع بدقة علاقة الباخوميين بالقداس الالهى والكتاب المقدس وذلك فى مؤلفه الهام (Studia Anselmiana 57 , La Liturgie dans Le Cenobitisme Pachomien , au 4eme Siecle , par Armand Veilleux , Roma , 1968 p. 262 -275 )

أسس الاباء الباخوميون حياتهم الشخصية وعباداتهم ونسكهم وحياتهم الكنسية على اساس الكتاب المقدس ولنذكر بعض الامثلة :

الكتاب المقدس وحياة الراهب الشخصية :

يحكى ان الدقيس تادرس تلميذ الانبا باخوميوس حينما وصل الى الدير فى تابينسى بمنطقة اسنا بصعيد مصر طلب يوما من راهب فى الدير عن كيف يفسر الاية القائلة (من لا يبغض اباه وأمه ......................)لو 4 : 26 فأجاب الاخ والذى كان يحب ان يزور أهله ( ان الاسفار المقدسة تضع مبادئ عالية جدا ونحن نسعى لنحقق منها جزء صغير والا فكيف نقدر ان نبغض اهالينا ؟ ) فأجابه القديس تادرس ( هل هذا هو ما وصل اليه ايمان الرهبان الباخوميين ؟ الانجيل يأمر بذلك وان تفسر حسب مزاجك الشخصى وفى الحقيقة والرب شاهد على لو كان هذا هو ايمانكم لإانى سوف أعود من حيث أتيت الى ديرى الصغير لان الاباء الشيوخ الذين التقيتهم هناك لم يخطر على بالهم قط ان يستهينوا بالاناجيل او يمزحوا مع الايات ) المرجع السابق ويرى الباحثون ان التفسير الكتابى فى حياة الرهبان الباخوميين كان اكثر صفاء وهدوء ذهنى وبعيد عن التعب الفكرى الذى ساد اديرة الوجه البحرى بسبب انتشار الفلسفة والهرطقات .

وهذا لا يمنع ان الاية السابقة (لو 4 :26 ) قد سببت جدلا كبيرا وصعوبات تفسيرية فى القرون المسيحية الاولى ولقد حدثت مشكلة فعلية بسبب هذه الاية والتى بسببها قرر التلميذ تادرس ترك الدير وادى ذلك الى تدخل القديس باخوميوس وتعهد الراهب الذى اعتاد زيارة اهله بالتوقف عن هذه العادة الغير كتابية !

ولقد اسس رهبان الاديرة الباخومية حياتهم على اساس الكتاب المقدس ولقد وصل القديس باسيليوس الى درجة من التدقيق حتى انه حينما أعطاه الملاك رسالة ....كان اول شئ فعله هو التأكد من انها تتق مع الكتاب المقدس وكان يجمع الاخوة كل يوم ويتناقش معهم فى التعاليم المقدسة (المرجع السابق ص 264 ) ولقد انتشرت فى القرون الاولى كتب غير قانونية وأعتبرها بعض الهراطقة كتبا مقدسة ولهذا السبب كتب القديس اثناسيوس البطريرك الرسالة الفصحية عام 367 م والتى حدد فيها قانون الكتاب المقدس ولقد ارسل هذه الرسالة الى رهبان الكينونيا الباخومية ولقد كتب القديس تادرس معلقا ( لنفكر فى الضمانات الكبيرة التى أرسلها لنا القديس أبينا المغبوط القديس رئيس اساقفة الاسكندرية فى رسالته والتى يذكر فيها قانون الكتاب المقدس وعدد اسفاره )

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire