jeudi 31 mars 2016

أزمة اللاهوت المعاصر وأثارها على حياة الكنيسة اليومية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان


أزمة اللاهوت المعاصر وأثارها على حياة الكنيسة اليومية
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
نقدم للقارئ السيرة الذاتية للكاتب سيادة المطران فلاسيوس لكى يتعرف القارئ باللغة العربية على قامة عالية من قامات اللاهوت المعاصر فى الكنيسة الارثوذكسية الرومية
(ولدة سيادة المتروبوليت ايروثيؤس فلاسيوس فى يؤأنينا باليونان عام 1945 , حصل فى عام 1969 على شهادة اللاهوت من كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى . تمت رسامته شماسا انجيليا فى عام 1971 وبرسفيتيروس عام 1972
ومن ثم قام بالخدمة كواعظ فى مطرانية أديسا (1969 -1987 ) وكذلك فى مطرانية ثيفون وليفادياس (1987 )وبعدها قام بخدمة الشباب فى رئاسة اساقفة أثينا (1987 –1995 ) . قام بالتدريس فى كلية اللاهوت جامعة البلمند بلبنان . تم منحه الدكتوارة الفخرية من كلية اللاهوت جامعة أثينا قسم اللاهوت الاجتماعى . قام بتمثيل الكنيسة الكنيسة اليونانية فى الكثير من المناسبات العلمية والمحافل اللاهوتية ومنها المؤسسة القومية لعلاج مرضى الايدز والمؤسسة القومية للاعلام وعمل فى المؤسسة القومية لعلاج الادمان وكما مثل الكنيسة فى المجلس القومى للاصول الاخلاقية للممارسات الطبية . معروف عالميا يمؤلفاته اللاهوتية الرصينة والدقيقة . تمت سيمته مطرانا على نافبكاتوس فى 20 – 7 – 1995 .
ا صاحب الغبطة
السادة المطارنة رؤساء الكهنة الأجلاء
أولا أود أن أتقدم بالشكر الى صاحب الغبطة رئيس اساقفة أثينا وسائر اليونان كيريوس كيريوس أيرونيموس والى سائر اعضاء المجمع المقدس لكنيسة اليونان لسببين أساسيين ’ السبب الأول لاختيارهم لهذا الموضوع الهام والعاجل ليشغل اجتماعنا وعلى هذا المستوى الاكليريكى الرفيع والسبب الثانى هو أنهم قد أختارونى أنا الأخير بين الأخوة لمعالجة هذه القضية ذات الأهمية الملحة لرسالة الكنيسة الارثوذكسية اليوم ’ هذه الأهمية هى ألاهمية اللاهوتية ’ الكنسية ’ الرعائية ’ الثقافية والوطنية اليوم فى المجتمع المعاصر .
بادئ ذى بدء أود أن اعترف أمامكم علانية أن الموضوع جد خطير وهام وهو ينقسم الى شقين ’ الشق الاول هو "الأزمة اللاهوتية " ’ والشق الثانى هو " أثار الأزمة اللاهوتية على مسيرة الكنيسة وشهادتها فى الحياة اليومية". يبدوا من الوهلة الأولى أن الموضوع تنظيرى ونظرى الى حد كبير ’ ولكن هذا لا يمنع من أن للقضية تبعات وأثار عملية فى منتهى الأهمية والخطورة ’ هذا الى جانب أننا لا يمكننا أن نعزل النظرية والتنظير عن الممارسة والتطبيق فكل تنظير حقيقى لا يتم بمعزل عن أرض الواقع وكل تطبيق حقيقى لابد وأن يأتى من تنظير مستقيم .
يجرى الحديث فى السنين الأخيرة وبشكل دائم عن الأزمة الاقتصادية ’ ولقد أجتاح هذا الفكر عقولنا وشكل توجهاتنا وعملنا الرعوى بشكل كبير ’ بينما فى الحقيقة أننا نتجاهل أن الأزمة فى عمقها هى أزمة جيوبوليتيكية وحضارية – ثقافية وفى أعماقها هى "أزمة لاهوتية ". لقد أثبت ماكس فييبر أن العقلية والرؤية والممارسة الرأسمالية الارستقراطية للحياة هى بنت الاخلاقيات البروتستانتية وأنه وفى هذه المناطق التى سادت فيها الاخلاقيات الرسمالية البروتستنانتية نشأت المصانع وتعملقت البنوك وسيطر وتوحشن المال ’ لكن هذه ليست قضيتنا اليوم وسوف أقتصر على تناول الأزمة اللاهوتية فى الكنيسة وأثارها العلنية والجانبية .
أؤكد لكم منذ البداية أننى ’ وبالرغم من خطورة الموضوع وأهميته ’ سأحاول الاختصار مع العلم أننى أقوم الأن باعداد كتاب من 600 صفحة حول الموضوع ذاته ويشمل على بيبليوغرافيا شاملة.
سأختصر الحديث على نقاط ثلاثة وهى :
أولا : لاهوت الكنيسة الارثوذكسية
ثانيا : انحراف اللاهوت عن مساره الأول
ثالثا : تبعات ازمة اللاهوت على الحياة الكنسية اليومية
أولا : لاهوت الكنيسة الارثوذكسية :
اللاهوت –الثيؤلوجيا ’ كما نعلم هى اللوغوس عن الثيؤس أى الكلام فى الله وعن الله . هذا معناه أن الجميع يتكلمو ن عن الله مثل الفلاسفة واتباع مبدأ الثنائية الكونية والكفرة والملحدون ’ هؤلاء الذين يتكلمون عن الله لكى ينكروه ويحاربوا اتباعه ’ هذا يعنى أن هناك اكثر من لاهوت . لا يكفى أن يتكلم المرء عن اللاهوت ’ بل لابد من أن يوضح ويحدد معناه وفحواه. لقد كان للمخلوقات الاولى أى أدم وحواء ’قبل السقوط ’ شركة مع الله وحوار مباشر مع اللاهوت ’ ولكن بعد السقوط ’ أنقطع الحوار أو كاد ’ وقام أحفاد أدم وحواء بعمل لاهوت خاص بهم ’ لاهوت أقمصة الجلد ’ لاهوت على مقاسهم ’ لاهوت تأليه الذات ’ به ألهوا به أنفسهم وفكرهم ومشاعرهم ومن ثم قاموا بتأليه المادة ومن ثم لهوتة الأفكار . هكذا نشأت "عبادة الأوثان " والميتافيزيقية الكلاسيكية .
لقد قدم الله بظهوراته فى العهد القديم للأباء البطاركة وللأنبياء وللأبرار ’ المعرفة الحقيقية أى معرفته الحقيقية . لقد أظهر لهم الفارق بين المخلوقات الزائلة والسماويات الباقية وأعطاهم الشريعة لكى ما يقدروا أن يميزوا ويفهموا أن الفارق كبير بين اله الاعلان (الابوكاليبسيس )واله الفلسفة ( الفيلوسوفيا) ’ والديانات الميستيكية التصوفية القديمة والسحر والشياطين .
Ο Θεός της Αποκαλύψεως και Ο Θεός της Φιλοσοφίας
هنا ينطبق ما ها مكتوب فى رسالة بولس الرسول الى العبرانيين " الله بعد ما كلم الأباء بالانبياء ’ قديما ’ كلمنا نحن ’ فى الأيام الخيرة فى ابنه "(عبرانيين 1 :1 ).
ان تأنسن المسيح وظهوره للرسل وظهور واستعلان الثالوث فى نهر الاردن وعلى جبل ثابور ’ والقيامة وصعود المسيح وحلول الروح القدس فى يوم الخمسين ’ قد وهب لنا اللاهوت الحقيقى . لقد كتب القديس أغريغوريوس بالاماس أن ابن الله " الذى هو الكائن قبل الدهور ’ قد صار لاهوتيا من أجلنا "
صار المسيح لاهوتيا من أجلنا
Ο Υιός του Θεού « Θεός ών προαιώνιος δι,ήμας και θεολόγος έγεγόνει»
بالتالى يأتى السؤال من هم اللاهوتيون ؟ اللاهوتيون هم الذين عاينوا الله فى مجده "ذوكسا" أى الأنبياء والرسل والأباء والقديسين على اختلاف درجاتهم ومراكزهم ووضعهم الاجتماعى والمهنى . لقد بذل القديس اغريغوريوس اللاهوتى الجهد الكبير فى حواراته مع الأفنوميين لكى ما يوضح ويبين من هم اللاهوتيون الحقيقيون فى الكنيسة. قال أنه ليس من السهل أن ينشغل ايا من كان باللاهوت ’ بل لابد من نقاوة النفس والجسد لكى ما يقدر أن يعاين اللاهوت "الثيؤريا". اللاهوت معاناة ! وليس درسا ! اللاهوت بصخة النفس الساجدة بالروح والحق اى عبورها الدائم !
Η Θεολογία είναι Πάθημα , και όχι μάθημα !
ان اللاهوتى الأول هو المسيح وبعده يأتى أصدقائه اللاهوتيون ممن أظهر لهم الله نفسه من الأنبياء والاباء ومن بعدهم يأتى كل من يقبل فى داخله هذه الخبرات والخيرات والرؤى . لقد أظهر القديس أغريغوريوس بالاماس فى "الطومس الموجه للرهبان" وبوضوح من هم اللاهوتيون الحقيقيون المختبرون الثيؤريا والفاهمون الكتب والواقفون على مراصدهم يرقبون علامات الزمان الأتى فى الزمان الأنى والهاضمون للتاريخ والشاهدون للنعمة الدائمة والمتجردون عن كل مسعى من مساعى الدنيا الزائلة وكما أظهر من هم تلاميذ أولئك اللاهوتيين الحقيقيين .
لا أريد أن أطيل عليكم فى هذه النقطة ’ فقط أؤد أن أذكر بما نرتل فى (السينوديكون) فى يوم أحد الارثوذكسية المسى أحد مستقيمى الرأى وهو الأحد الأول من الصوم الكبير وهذا يؤكد لمرة اخرى ارتباط العبادة بالعقيدة واللاهوت بالتاريخ :
"اننا كما عاينت الانبياء ’ كما علمت الرسل ’ كما تسلمت الكنيسة ’ كما اعتقدت المعلمونوكما اتفقت اراء المسكونة كما أشرقت النعمة ’ كما اتضح الحق ’ كما انطرد الكذب ’ كما استعلنت الحكمة ’ كما جاد المسيح بالجوائز ...هكذا نعتقد هكذا نتكلم وهكذا نكرز منذرين بالمسيح الهنا الحقيقى ونكرم قديسيه بالاقوال والتأليفات والمعانى والضحايا والهيالكل والايقونات . فأما المسيح فنسجد له كسيد واله ونعبده واما القديسون فنكرمهم لاجل السيد لخدام له ".(راجع التريوديون الخشوعى – المنشورات الارثوذكسية – مكتبة السائح –طرابلس –لبنان 1996 صفحة 136 ).
لقد قلت ما هو معروف للجميع من الأحبار الأجلاء ’ فقط أريد أن أذكربكل احترام ومحبة أخوية ’ أن هذا اللاهوت الارثوذكسى لا يوجد فقط مكتوبا فى قرارات المجامع المسكونية وفى كتابات الأباء المختبرين ومؤلفات اللاهوتيين الثقاة من الاساتذة والاكاديميين ’ ولكنه وبالدرجة الاولى يوجد أمام أعيننا كل يوم معاشا فى العبادة الكنسية ومرسوما فى الايقونات ومسموعا فى الموسيقى الكنسية البيزنطية التى تحول الكنيسة الى سماء ثانية . ان العلاقة لوثيقة بين "قانون الايمان والعقيدة " وبين " قانون الصلاة والسجود "
(
Lex credenda---Lex orandi)
المثال الواضح على ما قلنا هو ما كتبه القديس يوحنا الدمشقى فى كتابه الشهير " عرض دقيق للايمان الارثوذكسى "
«
Εκδόσις άκριβής της όρθοδόξου πίστεως»’
ويدهشنى استعماله لتعبير "دقيق" ذلك أن اللاهوت الارثوذكسى له من الدقة الكثير وهو ليس كلمات والفاظ عشوائية وأوجاع نفسانية تلقى على عواهنها من أى عابر سبيل !’ هذا ويطلق القديس الدمشقى صفة اللاهوت (الدقيق) على مجمل لاهوت القرون الثمانية الاولى الشامل للمجامع المسكونية السبع وتراث الأباء وشروحاتهم . نخلص من هذا كله الى أن العلاقة وثيقة جدا بين العقيدة والعبادة ’ بين اللاهوت والصلاة وبين التاريخ واللاهوت أى بين المخدع والمذبح والمكتبة والمكتب . هذا معناه أيضا أنه اذا ما اراد أحدنا أن يدرس لاهوت موضوع ما وبدقة ’ لا يجب أن يكتفى بقرارات المجامع بل لابد من أن يفحص وبدقة نصوص العبادة والترانيم والطروباريات والقنداكات ونصوص صلوات الاسرار الكنسية ’ بل ونصو الجنازات والتذكارات الحافلة بروح التعزية والرجاء والقيامة والنصرة . لقد عرفت الكنيسة من هو المسيحى اللاهوتى فى صلوات سرى المعمودية والمسحة ’ كما حددت اساسات الاسرة الارثوذكسية لاهوتيا وانسانيا فى صلوات سر الزيجة وعن العائلة ككنيسة والكنيسة كعائلة افخارستية فى سر الافخارستيا وصلواته الرائعة من الميطاليبسيس (صلاة الاستعداد للمناولة وهى من أروع النصوص اللاهوتية والنسكية والانسانية والتى يقرأها أو يسمعها أبسط انسان يتقدم للتناول ) الى الانصراف بسلام (لنخرج بسلام..... من الرب نطلب ). مرة أخرى نؤكد على العروة الوثقى بين قرارات المجامع المسكونية والافخولوجيون والايمنوجرافيا أى بين العقيدة والتسبيح . لا يوجد فى الارثوذكسية لاهوتيون من منازلهم مدرسيون ودماغيون !
لابد هنا من الاشارة الى أن أباء الكنيسة وقد عاصروا تيارات ثقافية متعددة وفلسفات كثيرة ’ ومن ثم ولضرورات رعوية صرفة وليس حبا فى الفذلكة والتباهى اللفظى ’ فقد أستخدموا تعبيرات الثقافة السائدة للتعبير عن الرؤية اللاهوتية ’ بالطبع ’ بدون أن يؤثر ذلك على سلامة القصد وقوة اللاهوت وصدق الخبرة والنية . لقد أراد العالم الالمانى البروتستانتى أدولف هارناك أن يتهم اللاهوت الارثوذكسى بأنه قد تهللن !’ فقام العالم الروسى اللاهوتى جورج فلوروفسكى بالرد بأن العكس صحيح فقد تنصرت الهيللينية على يد الأباء (ي
«’
έξελλινισμός του Χριστιανισμού»’
ή «’έκχριστιανισμός του Ελληνισμού»’
(يذكرنى هذا الموقف بمقولة للسيادة المطران جوروج خضر وهو أنه على يد اللاهوتيين الروم العرب قد تنصرت اللغة العربية بعد أن مضى زمان كانت قد ابت اللغة العربية ألا تتنصر والملحوظة للمترجم )
.هذا يؤكد وجود لون من الوان الوحدة الوثيقة بين الخبرة واللاهوت عند ما عاشوها من الانبياء والرسل والأباء وان كان هناك فارق ما وتباين ’ فهذا التباين هو فى الاشكال والتعبيرات والامثال المعبرة عن الخبرة وليس فى ذات جوهر الخبرة . هذه مقدمة اساسية لكى ما ندخل فى موضوعنا الاساسى وهو أزمة اللاهوت . وللتسهيل على القراء الاصدقاء لكى ما يتمتعوا بهذا الفكراللاهوتى الرائع ’ سوف نقوم بتقسيم الموضوع الى حلقات نظرا لضخامته الكمية ودسامته النوعية والى الحلقة القادمة عن:
أنحرافات لاهوتية أو انحراف الفكر اللاهوتى
Η άλλοίωση της Θεολογίας
والى أن نلتقى فى حلقة القادمة ’ سوف نلتقى فى الصلاة .
أزمة اللاهوت المعاصر وأثارها على حياة الكنيسة اليومية
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
الحلقة الثانية.2
2-
Η άλλοίωση της Θεολογίας
انحراف اللاهوت عن مساره الأول
تشكل قضية التغييرات التى طرأت على مسيرة اللاهوت ’ كما سبق وذكرناه فى الحلقة الاولى ’ قضية معقدة جدا وصعبة بمكان ويمكن تناولها من عدة جوانب. سأفضل أن نتناول القضية من من الناحية التاريخية أى ان نلقى نظرة فاحصة على مسيرة اللاهوت فى الالفية الثانية لكى نفهم ما هو الجديد والغريب الذى دخل على لاهوت الالفية الاولى . سنفحص اللاهوت من خلال مسيرة حياة الكنيسة أو الحياة الكنسية من خلال دراسة العلاقة بين (الليكس كريديندى ) و( الليكس أوراندى). لقد جاهدت الكنيسة فى مسيرة الألفية الاولى وبالام واتعاب كثيرة وشركة الروح النارى فى الحفاظ على علاقة متوازنة بعمق وعميقة باتزان بين اللاهوت العقائدى وصلوات الافخولوجيون (الخولاجى) ’ أى بين الفكر والقلب ’ بين العقل المذبح والمكتبة والمكتب ’ بين الاعلان والتاريخ ’ بين اعلانات الله وهموم الناس وبشكل خرستولوجى أكثر وضوحا العلاقة بين اللاهوت والناسوت ’ بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية فى شخص الابن الواحد والوحيد يسوع المسيح بغير انقسام ولا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ..
لقد سبق وأكد اللاهوتى الكبير أندريا سوبكوا على أنه ’ وحسب التراث القديم - المتجدد ’ كان هناك علاقة حميمة بين العقيدة والصلاة كما يظهر من محاضر جلسات وقرارت المجامع المسكونية السبع ’ ومن خلال الكتاب المقدس والاسرار والعبادة . للأسف وبمرور الأيام وكثرة الألام ’ ظهر لون من الجفاء صغير مرة وكبير مرات ’ بل ونكاد أن هذا الجفاء قد وصل الى حد الانفصام والخصام والقطيعة ’ بين هذين العملاقين مما أصاب وحدتهم بجرح طال أمده خلال الألفية الثانية من عمر اللاهوت ولقد سبب هذا الجرح جرحا أكبر للمسيح فى بيت أحبائه !.
يظهر هذا بوضوح فى أن لغة العبادة وتعبيراتها وقصدها النهائى قد بقيت بلا تغيير يذكر ’ بينما ظهرت بين وقت وأخر بعض بعض التعبيرات العقائدية المختلفة من جانب بعض اللاهوتيين المختلفين .
يكمن السبب وراء هذه الظاهرة فى أن كتب العقيدة الارثوذكسية قد تأثرت بتيارات أخرى مثل السكولاستيكية أو اللاهوت المدرسى ’ بينما بقيت العبادة بلا تغيير ولقد تسبب تأثر مفكرين يونانيين فى دخول هذا التيار المدرسى العقلانى الغربى الى اللاهوت الارثوذكسى ونذكر على سبيل المثال الانتاج اللاهوتى لايفجينيوس فولجاريس (جيورجيوس باناغوبولوس). أدى هذا الى أن يتعلم طلاب اللاهوت الارثوذكس فى معاهدهم فكر عقائدى أخر مختلف عن ما يمارسونه ’ فى كنائسهم ’ من عبادة . هذه هى الحالة التى انوجد فيها القديس بأيسيوس فيلوتسكوفسكى والذى درس اللاهوت فى مدرسة اللاهوت بكييف وكانت النتيجة أنه ترك المدرسة وسلك درب الرهبنة ولكى يمارس "الهدوئية" فى جبل أثوس ومن ثم قام بنقل هذا التراث الهدوئى (الاسيخاستى) الى مولدافيا مما سبب فى تغيير وتحويل هذا المناخ الغير الارثوذكسى والذى كان قد ساد فى كل روسيا والمناطق المجاورة .
لكى ما يصير كلامنا مفهوما وأكثر تحديدا ولكى ما نرى التيارات اللاهوتية المختلفة والتى نمت وكبرت وترعرت فى الالفية الثانية ’ ولكى ما نفهم الفارق بين (الليكس كريديندى ) وبين ( الليكس اوراندى) ’ أود أن أقوم بسياحة روحية فى العلاقة بين اللاهوت المدرسى واللاهوت الكتابى من جهة وبين اللاهوت الروسى من الناحية الأخرى.
لقد صارعت الكنيسة خلال مسيرتها فى الألفية الاولى ’ لكى ما توثق التراث الاعلانى اللاهوتى فى قوالب فكرية وتعبيرات والفاظ بدون أن يضيع هذا التراث اللاهوتى الذى للاعلان الالهى فى متاهات الالفاظ ومحسنات الكلام . هكذا نجح أباء الكنيسة فى تأمين وتوثيق التراث المستقيم الرأى والعبادة وتمييزه عن تراثات أخرى لاهوتية مازالت قائمة حتى يومنا هذا ’ ونذكر على سبيل المثال التراثات الغير الخلقيدونية (المونوفيزيتيس والنساطرة ) وأصحاب عقيدة المشيئة الواحدة . يكمن الفارق بين هذه التراثات فى أن التراث الأبائى قد تأسس وتمحور على اساس خبرة الأنبياء والأباء والتى "استثمروها " من خلال نحت تعبيرات معاصرة ’ بينما قام لاهوت الفرق الأخرى على الفلسفة فقط أى على المحسنات اللفظية التى تدغدغ العقل بلا ركب منحنية فى العبادة والتى قد تصل الى العبودية للنصوص وليس للروح صانع النصوص .
ان ما نسميه انحراف اللاهوت عن مسيرته الاولى قد دخل الى اللاهوت الغربى من نهايات الألفية الأولى وأستمر خلال الألفية الثانية. لعل التيار اللاهوتى الكبير الذى نما وترعرع فى الغرب وشكل انحرافا واضحا عن التراث الأبائى أى تراث المجامع المسكونية السبع هو ما درج العلماء على تسميته بالسكولاستيكية أى اللاهوت المدرسى الدماغى ’ هذا اللاهوت الذى لا ينزل الى القلب الا نادرا وفى لحظات نفسانية وغير كيانية (أسمع كلامك أصدقك وأتبهر وأتحمس ...أشوف أعمالك أتعجب وأتعقد وأتصدم !!! المترجم ) .
نقصد بالسكولاستيكية ذلك التيار اللاهوتى الذى نشأ فى الغرب فى مرحلة ما قبل اللاهوت المدرسى أى منذ القرن التاسع والذى منه نما واستقر التيار المدرسى خلال القرون الحادى عشر والثالث عشر.
يأتى تعبير اللاهوت المدرسى – السكولاستيكى من كلمة الاسخولى
Σχολή
Σχολαστική Θεολογία
أى المدرسة حيث يدرس الطلاب وهذا الذى نسميه اليوم التعليم الجامعى ’ أطلق عليه القدماء التعليم المدرسى ’ وكان منهج الدراسة السائد هو المنهج المدرسى أى القائم على المنطق
اللوجيكى. كان لاهوت هذه المدارس يستند على المنطق أى التحليل المنطقى للمعانى والالفاظ ’ وهنا يظهر الفارق فبينما استند الأباء على قاعدة الخبرة وما ينتج عنها من فكر ساجد ’ كان السكولاستيكيون يلجأون فى الكلام عن الله الى المنطق الاستنتناجى والتذاكى الدماغى واللعب ليس فقط بالالفاظ بل وعلى الالفاظ (لا ننسى الوعاظ الذين يقومون بالوعظ من الكتاب المقدس بلغة عربية عامية ويلون عنق الايات ليا ويؤكدون على معنى الأيات بثقة منقطعة النظير وهم نجوم فى الفضائيات بدون أن يكلفوا خاطرهم بالبحث عن النص الأصلى أو استشارة أهل العلم ما داموا لا يعلمون !!! المترجم). من بين كبار اللاهوتيين السكولاستيكيين ’ نذكر أنسيليموس كانتربويرى ’ افيلاردوس واوجو من القديس فيكتور والبرتو الكبير وتوما الاكوينى والذى شكل قمة اللاهوت المدرسى ولقد تبع خطاهم أخرون فى المرحلة اللاحقة مثل يوأنس دونوس سكوتوس وويليام أوكام .
أن أهم ما يميز اللاهوتيين السكولاستيكيين هو أن البعض منهم قد أعتمدوا على فلسفة أرسطوا الواقعية ’ بينما لجأ البعض الأخر الى فكر أفلاطون الرومانسى . لم يكتف اللاهوتيون السكولاستيكيون بهذا الخلط الغريب عن التراث بين اللاهوت والفلسفة ’ بل سارعوا الى تأليف المجلدات الضخمة فى اللاهوت المدرسى وأشاعوا بين الناس أن هذه المؤلفات أكثر عمقا ومعاصرة من اللاهوت الأبائى فى الألف السنة الأولى.
وكما نعلم أنه لابد من أن لكل فعل رد فعل ’ من أين جاء رد الفعل اللاهوتى على تيار اللاهوت المدرسى ؟ جاء بالطبع من المصلحيين البروتستانت والذين لم يقدروا أن يقبلوا هذا النهج القاسى والواقع تحت سيطرة الدماغ فقط ’ وزاد على ذلك تأثرهم الشديد بالمبادئ الحرة ! التى سادت فى القرن السادس عشر والتى نبتت فى عصر النهضة الاوربية ’ من هنا قام المصلحون البروتستانت برفض اللاهوت المدرسى وزادوا على ذلك بأن قاموا بتأسيس اللاهوت الكتابى.
βιβλική Θεολογία
لقد قام طيب الذكر البروفسور ماركوس سيوتيس استاذ العهد الجديد بجامعة أثينا وعضو الأكاديمية العلمية الأثينية ’ نقول قام بتحليل مجمل هذا التيار المسمى باللاهوت الكتابى والذى كان محاولة بدأت فى القرن السابع عشر لتأسيس التعليم المسيحى على أساس الكتاب المقدس فى تغرب كامل عن العقيدة ’ ليس العقيدة الابائية فى الالفية الاولى ’ بل العقيدة التى أسسها اللاهوت المدرسى على مقاساته الدماغية . لقد كان رد الفعل فى الواقع ضد اللاهوت المدرسى. هكذا أعتمدوا بالدرجة الاولى على تفسير الكتاب المقدس فى غربة تامة عن التفسيرات الأبائية ’ بل وعن اللاهوت الكتابى المدرسى والذى سبق وأسسه اللاهوتيون السكولاستيكيون . أسمحوا لى أن أشير الى قول للبروفسور طيب الذكر سافاس أغوريديس والذى يعتبر من أهم اللاهوتيين الكتابيين فى اليونان ’ " تكمن أزمة اللاهوتيين البروتستانت فى أنهم لا يرون الوحدة والاستمرارية فى النصوص القديمة التاريخية والنبوية والتعليمية والتى تعبر عن الديانة فى العهد القديم ’ وبالتالى لا يرون علاقة ما بين نصوص العهد الجديد وبين التراث الكنسى اللاهوتى اللاحق والقائم على الكتاب "(يظهر هذا الانفصام فى القطيعة بين العهدين فى هذا المثال العملى ’ أذكر أخ بروتستانتى صديق كان يذهب للقرى للوعظ وويقول للناس يا ناس يا هو أفرحوا موسى مشى يسوع أجه !). لا ينكر باحث أنه ومن وجهة نظر النقد الكتابى المعاصر ’ يوجد مسافة وربما صدام بين الأنبياء والرسل وبين كتاب العهدين القديم والجديد لأن كل منهم قد تأثر بعصره والأفكار الدينية والثقافية السائدة ’ لأن العلم الكتابى ينشغل بالبحث فى النصوص وأماكن نشأتها وثقافات شعوبها ولغاتها الأصلية وترجماتها (يحتاج العقل المسيحى العربى الذى تربى فى ظل ثقافة التنزيل الى بذل المزيد من الجهد للحاق بهذا التوجه التاريخى الفاحص للنصوص لكل النصوص !) ولهذا يجرى الحديث عن لاهوت يوحنا وفكر بولس وتوجهات بطرس.
لقد ظهر فى وقت متأخر نسبيا أى فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفى روسيا خاصة لاهوتا أخر وتم تسميته باللاهوت الروسى. لقد تأثر اللاهوت الروسى باللاهوت الأبائى وايضا تأثر باللاهوت المدرسى ’ ذلك لأن اللاهوتيون المنتمون لهذه الحركة التجديدية قد قرروا أن يتخلصوا من سيطرة الفلسفة اليونانية ومن طغيان العقلية القانونية القضائية الغربية . يعد اليكسيوس كومياكوف من رواد حركة اللاهوت الروسى الثائر على سيطرة الفلسفة اليونانية وضد الروح القانونية الغربية على اللاهوت ولقد وصل كومياكوف الى النتيجة الهامة وهى أن اللاهوت المدرسى قد سبق اللاهوت الأبائى وأن اللاهوت الروسى قد تعدى اللاهوتيين السابقين .
لم يتوقف اللاهوت الروسى عند هذه المحطة ’ بل قام الاب جورج فلوروفسكى والذى يعد من أكبر لاهوتيين القرن العشرين الروس ’ قام بالوقوف فى وجه نظرية كومياكوف ’ والذى نادى بالنظرية الشهيرة "العودة الى الأباء" وكما قام بتطوير فكرة "الرؤية الأبائية الجديدة" بمعنى أن مسيرة الأباء لا تتوقف على الماضى وانه فى كل جيل يوجد أباء وعلماء وقديسين وأنبياء اى معلمون وأنه يجب البحث فى كتابات الأباء الجدد مثل سمعان اللاهوتى الجديد واغريغوريوس بالاماس واباء الفليلوكاليا . باختصار شديد وبمعنى أخر لقد حارب اللاهوتى الروسى فلورفسكى الرأى القائل بأن عصر الأباء قد توقف فى القرن الثامن ولم يتوقف عن التبشير بأن عصر الأباء مستمر وأننا لا يجب أن نقول "العودة الى الأباء " بل لابد أن ننادى بالسير "الى الأمام مع الأباء" ’ كما قاوم النظرية التى تنادى بأن عصر اللاهوتى السكولاستيكى الجديد قد أنهى عصر الأباء وأنم عصر اللاهوت الروسى الجديد قد أنهى العصرين . الحقيقة التى يجب أن نتوقف عندها طويلا ومليا هى أنه اليوم تسود هذه التيارات الاربعة الساحة اللاهوتية وهذه المدارس هى اللاهوت الأبائى واللاهوت المدرسى واللاهوت الكتابى واللاهوت الروسى . هذا يؤدى بالضرورة وكنتيجة حتمية وبشكل طبيعى الى أزمة اللاهوت . والى الحلقة القادمة
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
الحلقة الثالثة 3
انحراف التعبير اللاهوتى يؤدى بالضرورى الى انحراف العبادة والتعليم
يشكل ما سبق وقلنا "الحلقة الأولى والحلقة الثانية" ضرورة وحاجة شديدة لا غنى عنها فى ألية فهم و سبل مواجهة أثار الأزمة اللاهوتية فى حياة ومسيرة الكنيسة الارثوذكسية. سوف نشدد وبشكل خاص على كيف أن أية انحرفات فى التعبيرات اللاهوتية ’ ينتح عنها بالضرورة ممارسة وعبادة منحرفة عن مسارها ’ وينتج أن هذا الانحراف بين التعبيرات والممارسات يؤدى الى ظهور مناخ غير صحى فى الحياة الكنسية. لا نقدر أن نتفاخر بالخبرة الروحية ولا نعطى الأهمية الضرورية للكلمات حاملة المعنى فالكلمات ’ عند الأباء ’ هى الأوانى التى ينسكب فيها الروح ’كما يقول كيرلس العظيم فى شرحه لانجيل يوحنا . اذا هنا الأعمال الايمانية ليست فقط بالنيات ’ بل بالكلمات الصحيحة والتعبيرات المستقيمة والتعليم الصحيح لأن استقامة التعبير ’ عند الارثوذكس ’ تأتى من صحة ودقة اللفظ وشمول التعبيرات. اذا ما طبقنا هذا الكلام على واقعنا اللاهوتى ’ سنجد أن الجيل الذى سبقنا من اللاهوتيين (سيادة المطرن يقدم اعتراف علنى أمام المجمع ويمارس نقد ذاتى قاسى جدير بالاحترام – المترجم ) قد تأثر باللاهوتيين السكولاستيكيين والبروتستانت مثل توما الأكوينى وفالهاوزين وهارناك ’ بينمنا جيلنا نحن ( نستطيع القول بأن المبعوثين الاقباط الى اليونان الذين درسوا بين عام 1980 وما تلاها من سنوات قد شاركوا سيادة المطران فى نفس الأجواء التى يتكلم عنها ونغس الاساتذة ودرسوا نفس المناهج - المترجم ) فقد تأثر بنظرية كارل بارث وبرونر وبولتمان وتيليخ ’ وخاصة المثالية الالمانية ’ أما اللاهوتيون اللاحقون لجيلنا فقد تأثروا وكبروا وترعروا فى ظل اللاهوت الروسى واللاهوت الوجودى والكيانى مثل لاهوت أفدوكيموف ولوسكى ومايندورف وبردياييف وهيدجر والفلاسفة الوجوديين . يجب أن نلفت النظر الى حقيقة هامة حتى لا نسبب السجس ونثير سوء الفهم وهذه الحقيقة هى أن طلاب اللاهوت فى الكليات الارثوذكسية يدرسون كل هذه التيارات التى تميز العلوم اللاهوتية الغربية ’ على أن لا يتم هذا على حساب اللاهوت الأبائى . لابد أن يتعلم طلاب اللاهوت العلاقات والفوارق بين مبادئ اللاهوت الغربى واللاهوت الابائى على أن لا يسود الرأى الذى يرمى الى القول بأن اللاهوت السكولاسيتيكى واللاهوت الروسى قد سبقا اللاهوت الأبائى وأحتلوا مكانته . هذا غير مقبول .
أنه من المعروف أن كلية اللاهوت جامعة أثينا قد تأسست على أساس النموذج الألمانى وأنها منذ تاسيسها وهى واقعة تحت تأثير اللاهوت المدرسى واللاهوت البروتستانتى . قام الباحث الكاثوليكى أيدان نيقولاس بكتابة كتاب سماه نور من الشرق
Aidan Nichols
Light from the East
(
Φώς άπό την άνατολή)
وفى هذا الكتاب ’ يبذل جهدا لدراسة فكر بعض اللاهوتيين الارثوذكس لكى ما ينقل الى المسيحيين الغربيبن هذا الفكر على سبيل العلم بايمان المسيحيين الشرقيين . يصل الباحث الكاثوليكى نيقولاس الى بعض النتائج التى ’ فى رأينا ’ تظلم كليات اللاهوت الارثوذكسية وتقلل من قيمة ارثوذكسية التعليم بها ’ هذا لا يمنع أنه على حق فى الكثير من النقاط . يؤكد نيقولاس على أنه قد دخل الى كلية اللاهوت جامعة أثينا اللاهوت السيكولاستيكى ’ بينما تسرب الفكر الفلسفى واللاهوت الروسى الى كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى (بينما فى جيلنا وبعدنا نحن الدارسون فى اليونان كان يقال بأن أثينا هى اللاهوت المدرسى وتسالونيكى هى اللاهوت الأبائى- المترجم ).هذا لا يلغى أن كليات اللاهوت الأثينية والتسالونيكية قد ساهمتا بدرجة كبيرة وهامة فى مجال الدراسات التراثية الأبائية واللاهوت الكتابى والعبادة والحق الكنسى واللاهوت الرعائى والتاريخ الكنسى. ان مساهمات الكثيرين من اللاهوتيين الاحياء أو الذين رقدوا فى اليونان لهى مساهمات عظيمة ولكن هذا لا يلغى أن الكثير من الأفكار الغير الارثوذكسية قد دخلت خلسة الى ساحة اللاهوت الارثوذكسى . نحن نعتقد أنه وبالرغم من بعض المبالغة فى رأى الباحث الكاثوليكى نيقولاس ’ الا أنه يبدو أن اللاهوت اليونانى المعاصر قد تعرض بالفعل لبعض المؤثرات ليس فقط المؤثرات اللفظية ’ بل المؤثرات الموضوعية ’ من قبل الفكر اللاهوتى الغربى عامة واللاهوت الروسى خاصة . وسوف أقدم بعض الأمثلة لتوضيح هذا التأثير :
1 – محاولات ايجاد تناسب بين الثالوث القدوس والحياة الانسانية:
Συσχέτιση μεταξύ της Αγίας Τριάδος και των άνθρώπων
يقوم الكثيرون من اللاهوتيين ’ اليوم ’ بعمل علاقة تناسبية (انالوجيا)
,
αναλογία
ما بين الثالوث القدوس والمجتمع الانسانى ’ أى ما بين الله والانسان . يحاولون شرح أقانيم الثالوث القدوس عن طريق حياة الناس فى المجتمع المتعدد . وهكذا يتم تقديم وحدة الجوهر بين الأقانيم فى الثالوث على أنها نموذج للوحدة بين الاشخاص فى المجتمع البشرى المتعدد . يصل البعض الى تصوير الاتحاد بين اقانيم الثالوث على أنه مثل الاتحاد فى الزواج ويصل البعض الى عمل تناسب بين الوحدة المرجوة بين الكنائس والوحدة بين أقانيم الثالوث. لقد سبق وحاول اليكسيس كومياكوف تقديم هذه الصورة للتناسب – الأنالوجيا بين أقانيم الثالوث وبين المكونات الانسانية وقد قام بعض اللاهوتيون الروس بتطوير الفكرة . لقد كتب يوما كومياكوف عن " وحدة الشخصيات البشرية المتعددة فى داخل الطبيعة البشرية الوحيدة المتأنقمة والمنجمعة فى المسيح .ان الكنيسة ذات الطابع المطلق فى الثالوث القدوس تصير بهذه المعنى صورة قانونية للكنيسة ’ كنيسة البشرية الواحدة فى تعددها "صورة للمحبة الواحدة المتبادلة بين الناس المتعددين " وأيضا وبمعنى الكنيسة صورة الثالوث التى هى صورة عن الوحدة فى التعدد".
نحن نجد هذه العلاقة التناسبية بين الثالوث القدوس وبين الانسان ’ وبصفة عامة الببشرية كلها ’ نجدها قد وردت أولا عند اللاهوتيين المدرسيين. سأورد ما كتبه ريخارديوس القديس فيكتوروس عن المحبة " اللازمة و المفيدة " والمحبة " الغيرالواجبة" بين الاقانيم الثالوث القدوس وما كتبه أيضا عن "التناسق بين الكائنات" أى بين الله والانسان .
Analogia entis between God and Man
الأباء ونظرية الأنالوجيا :
ان اباء الكنيسة المستقيمة الرأى لا يقبلون بنظرية الأنالوجيا اى التناسب والتلاقى المتساوى بين الله والانسان لأنه وببساطة لا يوجد تشابه وتناسب كيانى ووجودى بين الغير المخلوق والمخلوق .
(
Δεν υπάρχει όμοιότητα μεταξύ ἀκτίστου και κτιστού)
يكتب القديس أغريغور يوس بالاماس بأن الأقانيم الثلاث يرتبطون بعضهم البعض ويتداخلون بعضهم فى بعض
(
Οι τρείς θείες ύποστάσεις συνδεόνται μεταξύ τους και περιχωρούν ή μία την άλλη φυσικώς , όλικώς , αιδίως , άμεταδότως , συγχρόνως δε και άμικτώς και άσυγχύτως , ώστε μία να είναι και ή ένέργεία τους « όπερ έπ, ούδενός αν τις εύροι των κτιστών»’»δηλαδή αύτή ή περιχώρηση πού συμβαίνει στον Τραιδικό Θεό δεν μπορεί να βερθή σε κανένα κτιστό).
بشكل طبيعى وكلى وأبدى وغير فابل للانتقال لكائنات أخرى ومتزامن وبلا اختلاط وبلا تداخل وهذا التواصل والتداخل والتنازل القائم فى داخل الثالوث يمثل طاقة واحدة أى انيرجيا واحدة للثالوث لا يمكن أن يوجد فى أى خليقة أخرى. السبب هو أن الانيرجيا فى البشر هى انيرجيا خاصة بكل انسان على حدة بينما الانيرجيا فى الثالوث هى انيريجيا مشتركة بين الأقانيم الثالثة فى الثالوث القدوس. هذا معناه ام كل انسان يتمتع بارادته الخاصة الحرة بينما فى الثالوث الارادة
η Βούληση مشتركة بين الأقانيم الثلاثة ’ نخلص الى أنه لا يمكن أن يوجد أنالوجيا بين الله والبشر.
(
Άρα δεν ύπάρχει άναλογία μεταξύ Θεού και άνθρώπου)
بالطبع يقابل القديس بالاماس (انالوجيا ) بين الله والانسان فى حالات أن الانسان كأيقونة الله يملك عقل ولوغوس وروح وفكر ولكن هذه كلها هى دلائل
Είκονικά Υποδείγματα
الايقونة الالهية فى الانسان والتى حسب ما نعرف لا يوجد بينها وبين الله انالوجيا مطلقة لأنه فى الله الثالوث العقل (الأب) واللوغوس والروح القدس هى أقانيم بينما هذه الدلائل الايقونية فى الانسان هى طاتقات النفس العاقلة
)ἐνέργιές της ψυχής (
نقدر أن نقول نفس الشئ على كلام المسيح فى صلاته الكهنوتية ".أيها الأب ..وأنا أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد ..." يوحنا 17 :22
(
Ινά πάντες έν ώσι Καθώς σὐ , Πάτερ, έν έμοί κάγώ έν σοί ,ίνα και αύτοί έν ήμίν έν ώσιν )
.ويتم استعمل هذه القول ’ فى غير محله ’ لكى يعبر عن الوحدة المرجوة بين الكنائس انطلاقا من نظرية الانالوجيا . بينما الحقيقة هى أن هذه الصلاة الكهنوتية قد تحققت تاريخيا فى يوم الخمسين حينما عاين الرسل مجد الله (ذوكسا ثيؤء) ووصلوا الى التأله (الثيؤسيس) وأتحدوا بعضهم ببعض ’ وبمعنى أخر أن هذه الأية اليوحنائية تشير الى الثيؤبتيا (المعاينة الالهية) وأنه فى كل مرة يصل أحدنا الى هذه البصيرة اللاهوتية يتحد أو يقتنى الوحدة الروحية واللاهوتية والعقائدية مع الرسل بل ةيصير امتدادا لهم كما نقول فى السينوديكون فى يوم احد الارثوذكسية
ومن ناحية أخرى فأن الرابط (كاثوس
Καθώς
) فى الأية اليوحنائية يجب أن نراه مع القديس كيرلس الاسكندرى كتيبوس
أى كنمط وصورة اى ايقونة للانسجام والوحدة والصداقة . الأية نفسها تتكلم عن الوحدة فى المجد كما صلى السيد ( اعطيتهم المجد الذوكسا الذى أعطيتنى ) وهذا المجد أى ذوكسا المسيح هى الثيؤبتيا أى الثيؤسيس التى صارت من مقتنيات التراث الأبائى المستقيم الرأى ولنقرأ التعبير الكيرلسى باللغة اليونانية القديمة
(
Καθώς ως είς είκόνα και τύπον της ἀδιασπάστου φιλίας τε και όμονίας και ένότητος )
الخلاصة من هذا كله أن اللاهوت الأبائى لا يعرف ولا يعترف بمبدا الانالوجيا والذى هو أساس اللاهوت المدرسى .
نكتفى بهذا القدر نظرا لصعوبة الموضوع لاهوتيا ولقد فضلنا وضع بعض العبارات باللغة اليونانية أى نفس لغة سيادة المتروبوليت مساهمة منا فى تشجيع من يشتاقون لتعلم اللاهوت من اللغة الاصلية والى أن نلتقى فى الحلقة القادمة أطلب بركات صلوات القراء من الأباء الأجلاء ودعوات الأخوة الاصدقاء والاخوات .
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
بتاريخ 8 – 10 – 2015
نقلها الى العربية الاب اثناسيوس حنين – بيرية – اليونان
الحلقة الرابعة 4
رأينا من أجل تسهيل المتابعة على الأصدقاء محبى اللاهوت الأبائى واللغة اليونانية اللاهوتية والابائية ’ أن نشير ’ فى كل حلقة جديدة ’ الى نهاية الحلقة السابقة’ ’ أى الثالثة ’ وخاصة أنه ترتبط بالتأثيرات اللاهوتية الغربية والروسية الحديثة على اللاهوت الأبائى .
نحن نعتقد أنه وبالرغم من بعض المبالغة فى رأى الباحث الكاثوليكى نيقولاس ’ الا أنه يبدو أن اللاهوت اليونانى المعاصر قد تعرض بالفعل لبعض المؤثرات ليس فقط المؤثرات اللفظية ’ بل المؤثرات الموضوعية ’ من قبل الفكر اللاهوتى الغربى عامة واللاهوت الروسى خاصة . وسوف أقدم بعض الأمثلة لتوضيح هذا التأثير:
المؤثر الثانى
2- الشخصية الانسانية – الانسان الوجه
Το άνθρώπινο πρόσωπο
يلاحظ المهمومون بالانسان والشخصية الانسانية اليوم كثرة التحليلات والدراسات حول الانسان ويصلوا الى درجة أن يحددوا ميزات هذه الشخصية الانسانية ويحصرونها فى الوعى بالذات والغيرية والفرادة والنشوة والعشق . لقد انطلق الرأى أن الانسان هو وجه وشخص وشاخص على يد اللاهوت الروسى فلاديمير لوسكى والذى يكتب بكل وضوح :" أما فيما يخصنى شخصيا ’ يجب أن أعترف بأننى الى اليوم لم أعثر فى اللاهوت الأبائى رؤية نظرية كاملة حول الانسان والتى تتوافق وتتواجد جنبا مع التعاليم الواضحة والجلية حول الاشخاص الالهيين أو الاقانيم " . ولا يكتفى لوسكى بهذا بل يستمر فى القول " أنا لا أعرض بحثا تاريخيا فى العقائد المسيحية ’ بل سوف أحاول أن أسبر غور بعض الأفكار اللاهوتية من أجل الاجابة على تساؤلات كثيرة وملء فراغات عديدة بخصوص المعنى والمكانة التى يجب أن يحتلها الشخص – الوجه – الشخصية الانسانية فى داخل سياق وبنيان العقيدة المسيحية ".
نحن نمدح صدق وصراحة فلاديمير لوسكى فى تأكيده أنه لم يجد عند الأباء رؤية نظرية أو تنظيرا فلسفيا ما حول الوجه- الشخص الانسانى ’ والذى يسير جنبا مع تعليم الأباء حول أقانيم الثالوث القدوس . فى الحقيقة لم يتناول الأباء ’ فى أثناء حديثهم عن الأقانيم الثلاثة فى الثالوث القدوس فى الله الواحد ’ لم يتناولوا قضية الانسان كشخص ’ والسبب هو أنه فى زمان الأباء ’ لم يكن يسود المناخ الثقافى واللاهوتى النظرية أو المبدأ الميتافيزيقى (الانالوجيا انتيس)
Analogia entis
لقد تكلم الأباء عن الانسان من منطلقات مختلفة تماما ’ كان منطلق الأباء فى رؤية الانسان منطلق كتابى ’ حسب القديس يوحنا الدمشقى ’ فقد استعمل الأباء ’ فى كلامهم عن الانسان ’ تعبيرات كتابية مثل (على صورتنا ) وهو يقابل الطاقة الذهنية والارادة الحرة و(كشبهنا) أى التأله الثيؤسيس .
Άλλά για τον άνθρώπο χρησιμοιούσαν , όπως γράφει ό άγιος Ιωάννης ό Δαμασκηνός , τους βιβλικοὐς όρους κατ,είκόνα (νοερό ᾱύτεξούσιο) και καθ,όμοίωση (Θέωση).
هذا لا يمنع اناا نجد هنا وهناك فى كتابات الأباء بعض التعبيرات التى تشير الى الانسان كأقنوم (هيبوستاسيس ) ويستمل الأباء هذه التعبيرات بمعنى وجودى لأن هذا التعبير يستخدم ايضا فى هذه الحالات للاشارة الى الكائنات الحية بصفة عامة .
الحقيقة هى أن الصفات التى تحدد الانسان وتحجيمه فى صفات مثل معرفة الذات والغيرية والنشوة والعشق ’ نقول ان هذه التحديدات للشخصية الانسانية لم تأت الينا من التراث الأبائى بل هى تعبيرات نشأت على يد الفليسوف الوجودى الالمانى ومن ثم تسللت الى اللاهوت الارثوذكسى . هاديجر ومن ثم تسللت الى
نذهب الى أبعد من ونقول أنه حتى التعبير (بيريخوريسيس) أى التداخل وتبادل الطاقات لا يستخدمه الأباء الا للاشارة الى العلاقة الداخلية بين أشخاص – أقانيم اللاهوت ’ وهذا التداخل بين اقانيم الثالوث لا يمكن أن يتم بنفس الطريقة بين البشر
والذين لا يملكون نفس الطاقات (الانيرجيس )
Ένέργιες ) التى للثالوث القدوس ولهذا لا يقدر المرء أن يفهم كيف يمكن أن يتم (بيريخوريسيس ) أى تداخل وتبادل طاقات بين البشر. أن الحب بين البشر لا يمكن أن يفسر على أساس التبادل والتداخل فى الطاقات ’ كما يحدث بين اقانيم الثالوث.
Η άγάπη μεταξύ των άνθρώπων δεν μπορεί να έρμηνεύεται με την άρχή της άλληλοπεριχωρήσεως , κατά τον τρόπ πού γίνεται στον Τριαδικό Θεό.
3 - المؤثر الثالث
الشخص والفرد
«
Πρόσωπο και άτομο»
يشدد الكثيرون من اللاهوتيين والمثقفين ’اليوم ’ على أنه هناك فارق بين الشخص (بروسوبو) والفرد ( أتومو) . يذهب أتباع هذا الرأى الى التأكيد شفهيا وكتابة على أن الشخص يملك وعيا بالذات وقدرة على التمايز ’ كما يتميز بالطاقة على الحب والحرية ’ بينما يرون الفرد من وجهة نظر بيولوجية وعددية (الفرد النمرة بلغة الجيش) .نحن نرى أن هذا التمييز له وجاهته المنطقية وهو مفيد فى النقاشات حول قضايا اجتماعية وثقافية ’ وأعترف أنا شخصيا (يقول سيادة الميتربوليت) أننى وقبل ثلاثين عاما قد تأثرت وأنبهرت بهذ التمييز بين الشخص والفرد ولقد ساعدنى كثيرا فى حواراتى مع كبار المثقفين وخاصة أثناء خدمتى مع الشباب ولكننى سرعان ما أدركت أن هذا التقسيم يختلف عن التراث الأبائى. ظهر التمييز بين الشخص وبين الفرد لأول مرة عند اللاهوت السكولاستيكى – المدرسى توما الأكوينى ومن ثم تم تطوير ونشره فى ايامنا على يد الفلاسفة الوجوديين وخاصة على يد بردياييف وأخرون. أستخدم هذا التمييز بين الشخص والفرد أيضا وحلله كثيرا وطويلا اللاهوتى الروسى فلاديمير لوسكى.
ومع هذا كله ’ لا يوجد فى الأدب والتنعليم الأبائى مجالا ولا ذكرا لمثل هذا التفريق بين الشخص والفرد. نذكر بأن الأباء قد طوروا وطبقوا تعبير الشخص والاقنوم فقط على اللاهوت وليس على الانسان. هكذا يكتب القديس يوحنا الدمشقى :" يجب أن نعرف أن الأباء القديسون قد أستعملوا التعبيرات شخص وفرد وأقنوم بنفس المعنى ولنفس الغرض"
«
Χρή δε γνώσκειν , ως οί άγιοι πατέρες ύόστασιν και πρόσωπον και άτομον το αύτό έκάαλεσαν»
ويكتب ايضا فى موقع أخر (الهيبوستاسيس هو هو الأتومون) ’ أى أن الشخص والفرد والأقنوم يتطابقون من حيث المعنى والفحوى. لقد كتب القديس يوحنا الدمشقى هذا الكلام وهو الضليع فى أصول اللغة اليونانية ويعرف أن كلمة (أتومون) تتكون من حرف الحذف (ألفا) ومن كلمة (تومى) أى الشئ أو الذرة أو الجزء والذى لا ينقسم يأتى منها الكلمة الانجليزية
Atomic
Α -- τομή
لقد أستخدم التعبير فى النزاعات الخرستولوجية لكى ما يتم التشديد على أن المسيح لم ينقسم الى جزيئات أى لم ينقسم الى طبيعتين ’ طبيعة لاهوتية وطبيعة ناسوتية ’ ولكن المسيح هو شخص وفرد واحد وكامل وفيه تتحد الطبيعتان ( بغير اختلاط ولا تغيير ولا انقسام ولا انفصال )
Όπότε ό Χριστός είναι ένα ένναίο πρόσωπο -΄ατομο , στο όποίο ένώνονται οί δύο φύσεις «΄ασυγχύτως , άτρέπτως,άδιαιρἐτως και άχωρίστως».
يستخدم ’ أيضا ’ القديس سمعان اللاهوتى الجديد التعبير (أتومون) للاشارة الى الله الثالوث بمعنى أن أقانيم وأشخاص وأفراد الثالوث القدوس لا ينقسمون ولا يتجزاؤن
«’Υιός έν Πατρί άεννάως όράται / γεγεννημένος / ,άλλά συνηνωμένος / και έν Υίώ γάρ ό Πατήρ καθράται/άδιαστάτως , άτόμως , άχωρίστώς»’
بينما نجد أن فلاديمير لوسكى يستخدم التعبيرين ( بروسبون وأتومون ) بشكل متميز ومختلف ويقول ويكتب :" ...نخلص من ذلك الى أنه فى اللغة اللاهوتية ’ فى الشرق كما فى الغرب ’ يتطابق التعبير (الشخص الانسانى) مع (الفرد الانسانى) . لكننا لا نقدر أن نتوقف بشكل نهائى عند هذه الرأى ’ لأنه ومما يبدوا فأن الانثروبولوجيا المسيحية لم تعطى فحوى ومعنى جديد للهيبوستاسيس الانسانى ’ لهذا دعونا نحاول أن نكتشف معنى جديد يتوافق مع تعبير أتومون" ’ هذا يدل على أن لوسكى لم يجد هذا التمييز بين الشخص والفرد عند الأباء ومن ثم قد قام بالتمييز بين الشخص والفرد وهو واقع تحت تأثير الفلسفة الوجودية.
يبدوا ’ فى النهاية ’ أن محاولات التمييز والتفريق و وزيادة على ذلك تقنين وتبنى الفارق بين الشخص والوجه الانسانى و بين الانسان - الفرد ’ هو من عمل اللاهوت المعاصر لأننا نعرف أن الأباء لم يقوموا بهذا التمييز ولم يقننوه على مستوى النثروبولوجيا ’ وان استخدموه على مستوى الثيؤلوجيا .
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام
مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
يوم 8 – 10 – 2015
الحلقة الخامسة (5 )
نقلها الى اللغة العربية الاب أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية- اليونان
نقدم للقارئ السيرة الذاتية للكاتب سيادة المطران فلاسيوس لكى يتعرف القارئ باللغة العربية على قامة عالية من قامات اللاهوت المعاصر فى الكنيسة الارثوذكسية الرومية
(ولدة سيادة المتروبوليت ايروثيؤس فلاسيوس فى يؤأنينا باليونان عام 1945 , حصل فى عام 1969 على شهادة اللاهوت من كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى . تمت رسامته شماسا انجيليا فى عام 1971 وبرسفيتيروس عام 1972
ومن ثم قام بالخدمة كواعظ فى مطرانية أديسا (1969 -1987 ) وكذلك فى مطرانية ثيفون وليفادياس (1987 )وبعدها قام بخدمة الشباب فى رئاسة اساقفة أثينا (1987 –1995 ) . قام بالتدريس فى كلية اللاهوت جامعة البلمند بلبنان . تم منحه الدكتوارة الفخرية من كلية اللاهوت جامعة أثينا قسم اللاهوت الاجتماعى . قام بتمثيل الكنيسة الكنيسة اليونانية فى الكثير من المناسبات العلمية والمحافل اللاهوتية ومنها المؤسسة القومية لعلاج مرضى الايدز والمؤسسة القومية للاعلام وعمل فى المؤسسة القومية لعلاج الادمان وكما مثل الكنيسة فى المجلس القومى للاصول الاخلاقية للممارسات الطبية . معروف عالميا يمؤلفاته اللاهوتية الرصينة والدقيقة . تمت سيمته مطرانا على نافبكاتوس فى 20 – 7 – 1995
هناك بعض المفاهيم الانثروبولوجية والاكليسيولوجية التى تسبب مشاكل رعوية وأزمات لاهوتية وصدام بين اللاهوت الأبائى والفكر المعاصر ومنها :
أولا : الانسان بين حقوقه الوضعية وكرامته اللاهوتية
حينما يتكلم المعاصرون عن الانسان ’ هم يقصدون كل انسان بغض النظر عن الدين واللون والانتماء ويسقطون ذلك على اللاهوت ’ بدون دراية فعلية ’ ليؤكدوا أن كل انسان هو شخص وهو على صورة الله مادام يملك الارادة والعقل.
(
Κάθε άνθρωπος είναι πρόσωπο ως κατ,εικόνα Θεού, διότι έχει το νοερό και το αύτοεξούσιο).
أتذكر(يقول سيادة المتروبوليت) حينما كتبت مرة عن أن شخص الانسان والانسان الشخص وصيروة الانسان شخصا حينما يقطع المسافة من (الشبه ) الى (المثال) أى الى القداسة والثيؤسيس حسب القديس صوفرونيوس زاخاروف ’ وقتها قامت على الدنيا ولم تقعد ولذلك لأنه وحسب اللاهوتيين المتفلسفين فأن كل انسان هو شخص مادان يملك الحرية والقدرة على الاختيار !.هنا تصطدم المفاهيم الحرة المعاصرة مع الرؤية الأبائية للانسان ’ على سبيل المثال يقول لنا اتباع حقوق الانسان أن المثلية (الشذوذ الجنسى) هى ضعف فى الطبيعة وليس فى الشخصية ’ هنا يتم خلق هوة بين الطبيعة والشخص فى الانسان ويصل اصحاب هذه النظرية الى أن شخص الانسان المثلى هو مقدس بينما طبيعته مريضة. أذكر مرة أنه قد كسب مسابقة الايروفيزيون شاب صار أمرأة ’ وعند تسليم الجائزة ’ تسأل الجميع من سندعوه ’ فخرج اصحاب نظرية حقوق الاننسان وقالوا أنهم يسمونه (بيرسونا شخص ). يقول الأب يوأنس رومانيدس أن الكنيسة ستواجه مشكلات كثيرة فى المستقبل القريب من وراء تيار (حقوق الانسان ) وأنه وبأسم حقوق الانسان ’ سوف يتم فرض أراء وتوجهات وممارسات مضادة لمقاصد الله الأصيلة فى الانسان .أن عمل الكنيسة ليس هو ابداء الأراء فى مشاكل خلقتها الطبيعة الساقطة للانسان ’ بل هو وبالدرجة الاولى عمل علاجى وشفائى ’ الكنيسة مدعوة الى أن تشفى الطاقات العقلانية والنفسية للانسان ومن خلال هذا الشفاء يتم التناسق والتوازن بين الاسنان ونفسه من ناحية والتعايش بين الانسان والمجتمع من الناحية الأخرى . هذا يدفعنا الى القول أن العبارات التى يستعملها أتباع مبادئ حقوق الانسان تحمل داخلها تناقضات وتسبب أزمة للاهوت المعاصر فى التعاطى معها .الأزمة هى بين حقوق الله (الثيؤلوجيا) وحقوق الانسان (الأنثروبولوجيا).
ثانيا : الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة :
«’
Στρατευομένη και θριαμβεύουσα Εκκλησία’»
كثيرا ما نتناول فى عظاتنا (نلاحظ أن سيادة المطران يتكلم أمام مجمع المطارنة الاساقفة فى الكنيسة اليونانية ’وهم كلهم لاهوتيون على مستوى رفيع وهذا درس لنا انه لا يوجد أحد لا يحتاج للتعلم اللاهوتى والمراجعة الانسانية وخاصة اذا كان يهتم بالانسان هذا المخلوق العظيم والرائع ) قضية الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة . ونقصد ’ فى الغالب ’ بالكنيسة المجاهدة ’ الكنيسة التى تعيش فى العالم وينتمى لها كل منا ’ نحن الذين نجاهد ضد الأهواء والشيطان والموت ’ بينما نقصد بالكنيسة المنتصرة القديسين الذين بعد موتهم عبروا الى نطاق زمنى أخر الى الى الزمان الأبدى والحياة الدائمة الابدية ’وينتظرون قيامة الاجساد. فى الحقيقة ’ نحن ننتمى جميعنا لكنيسة واحدة مجاهدة فى المسيح وهناك شهادات كتابية وابائية كثيرة على ذلك.أن انتصار المسيح على الصليب وتشهيره بالشيطان حسب تعبير بولس (كولوسى 2 :15 ) ينطبق على الاحياء وعلى الراقدين . نحن من خلال سرائر العمادة والمسحة والافخارستيا نشترك فعليا فى انتصار المسيح حسب القديس نقولا كابسيلاس فى كتابه "الحياة فى المسيح "
«’
Ἑν Χριστώ Ζωή»’
لا يمكننا أن نقسم الكنيسة الى قسمين لأن الكنيسة واحدة وغير منقسمة. نحن نعيش فى الكنيسة وفى الافخارستيا حقيقة أن الكنيسة هى مجمع السماء والارض
«’
Σύνοδος ουρανού και γής»’
أى الأحياء والراقدين والبشر والملائكة كما القديس يوحنا الذهبى الفم الذى يقول ونضع النص باليونانية بدون ترجمة ليستمتع محبو اللغة اليونانية بنص مباشر للذهبى الفم وهو نص أدبى ولغوى رفيع المستوى يشتهى أن يقرأئه أفلاطون نفسه وكبار اساطين اللغة والاداب الهيللينية فى العالم (ويستطيع القارئى باللغة العربية أن يذهب الى أى كنيسة روم ارثوذكس ويطلب نسخة من قداس الذهبى الفم باللغة العربية ويقرأ ويتمتع ) :
«’
Ανω στραταί δοξολογύσιν άγγέλων . κάτω έν έκκλησίαις χοροστατούντες άνθρωποι την αύτήν έκείνοις έκμιμούνται δοξολογίαν .Ανω τά Σεραφίμ τον τριάγιον ύμνον άναβοά . κάτω τον αύτόν ή των άνθρώπων άναπέμπει πληθύς . κοινή των έπουρανίων και έπιγείων συγκροτείται πανήγυρις μ μία ευχαριστία ,έν άγαλλίαμα , μία εύφρόσυνος χοροστασία»’.
نخلص من هذا الى أن تقسيم الكنيسة الى مجاهدة ومنتصرة ’ فى رأينا ’ يأتى من التقسيم الأخر والغير الارثوذكسى بين "المرئى " والغير "المرئى" .
Ορατό και Αοράτο
لقد ظهر هذا التعبير فى القرن التاسع عشر على يد "حركة أكسفورد" فى الكنيسة الانجليكانية والتى ترى أن الكنيسة الحقيقية هى الكنيسة الواحدة والغير المرئية وأن الكنائس الكثيرة فى العالم هى كنائس قانونية وهى تعبيرات مرئية عن الكنيسة الواحدة الغير المرئية وهى ذات كيان قانونى وتاريخى وحقوقى وبشرط أن تحافظ على الكنيسة الواحدة الغير المرئية وأن تتمتع بالتتابع الرسولى الاسقفى .هذا المفهوم يعود بنا الى اللاهوت الاكليسيولوجى المدرسى والذى يرى فارقا بين الكنيسة كجماعة قائمة فى التاريخ وبين الكنيسة الجسد السرى للمسيح وهنا يمكن أن يعطى الحق لجماعات صغيرة أن تصير كنائس قانونية وحتى لو لم تخضع لسلطة البابا . هذه التفريقات كلها تعود الى التميز الاساسى بين التاريخ وألاخرويات ’ أى بين الاستوريا والاسخاتولجيا
Η Ιστορία και Η Εσχατολογία
’ وهذا التقسيم غير ارثوذكسى لسبب بسيط وهو أن القديسون الذين غادروا عالمنا يحيون فى الكنيسة التاريخية برفاتهم واجسادهم وعجائبهم وكتاباتهم وظهوراتهم أحيانا كثيرة ’ هذا الى جانب أن الأخرويات فى الارثوذكسية ليست هى فقط الحياة بعد الموت وظهور المسيح الثانى بل هى تبدأ من هنا والأن .المسيح هو الأول والأخر "رؤيا 1 :17 "
«
Ο Χριστός είναι ο πρώτος και ό έσχάτος»
لقد تأنسن المسيح وتجسدن ودخل التاريخ ’ لهذا فالاخرويات فى المسيح هى هنا الأن فى الحاضر. لهذا فأن التمييز بين كنيسة مجاهدة وكنيسة منتصرة ’ كنيسة هنا وكنيسة هناك ! يشكل خطرا لاهوتيا ورعائيا كبيرا لأن الكنيسة هى عملة واحدة ذات وجهان ان جاز التعبير. يقول الاب جورج فلوروفسكى " أن الكنيسة المنتصرة هى هى الكنيسة العابدة والساجدة بالروح وووجودها وعملها هوالشركة فى عمل المسيح المعزى وفى حبه الفادى ".
ان العلاج الناجح لكل المشاكل الرعائية ’ يأتى من الفكر اللاهوتى النافذ .’
والى أن نلتقى فى الحلقة القادمة والأخيرة أطلب بركات الأباء القراء ودعوات الاصدقاء .
الحلقة السادسة والأخيرة
أثار وتبعات الأزمة اللاهوتية على حياة الكنيسة اليومية
Οί έπιπτώσεις της θεολογικής κρίσεως στην καθημερινότητα της έκκλησιαστικής ζωής
محاضرة القاها سيادة المتروبوليت أيروثيؤس مطران نافباكتوس أمام
مجمع المطارنة والاساقفة فى الكنيسة اليونانية
يوم 8 – 10 – 2015
الحلقة السادسة والأخيرة (6 )
نقلها الى اللغة العربية الاب أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية- اليونان
نقدم للقارئ السيرة الذاتية للكاتب سيادة المطران فلاسيوس لكى يتعرف القارئ باللغة العربية على قامة عالية من قامات اللاهوت المعاصر فى الكنيسة الارثوذكسية الرومية
(ولد سيادة المتروبوليت ايروثيؤس فلاسيوس فى يؤأنينا باليونان عام 1945 , حصل فى عام 1969 على شهادة اللاهوت من كلية اللاهوت جامعة تسالونيكى . تمت رسامته شماسا انجيليا فى عام 1971 وبرسفيتيروس عام 1972
ومن ثم قام بالخدمة كواعظ فى مطرانية أديسا (1969 -1987 ) وكذلك فى مطرانية ثيفون وليفادياس (1987 )وبعدها قام بخدمة الشباب فى رئاسة اساقفة أثينا (1987 –1995 ) . قام بالتدريس فى كلية اللاهوت جامعة البلمند بلبنان . تم منحه الدكتوارة الفخرية من كلية اللاهوت جامعة أثينا قسم اللاهوت الاجتماعى . قام بتمثيل الكنيسة الكنيسة اليونانية فى الكثير من المناسبات العلمية والمحافل اللاهوتية ومنها المؤسسة القومية لعلاج مرضى الايدز والمؤسسة القومية للاعلام وعمل فى المؤسسة القومية لعلاج الادمان وكما مثل الكنيسة فى المجلس القومى للاصول الاخلاقية للممارسات الطبية . معروف عالميا يمؤلفاته اللاهوتية الرصينة والدقيقة . تمت سيمته مطرانا على نافبكاتوس فى 20 – 7 – 1995
+ أستحقاقات المسيح النبوية والملوكية والكهنوتية
«
Προφητικό ,Βασιλικό και Αρχιερατικό άξίωμα του Χριστού»’
يوجد فى العهد القديم ثلاثة أنواع من المواهب التى أنعم بها الله على المؤهلين لقبول النعمة ’ وذلك لقيادة شعبه ’ وهؤؤلاء الحاملون للمواهب هم الأنبياء والملوك ورؤساء الكهنة . أما المسيح فقد حصل على ملء النعمة ’بتجسدنه وتأنسنه ’ كأبن الله فى الجسد ’ كما يؤكد الرسول بولس "لأن فيه ابتهج أن يحل ملء اللاهوت جسديا "(كولوسى 1 :19 ).
«
ότι έν αύτώ εύδόκησε κατοικεί πάν το πλήρωμα της Θεότητος σωματικώς »
ويقول أيضا "لأن فيه حل ملء اللاهوت جسديا " (كولوسى 2 :9).
أذن يكون المسيح نبيا بالوعظ وملكا بالقيادة ورئيس كهنة بالتقدمة (البروسفوروا) والذبيحة. هذا يعنى أنه فى المسيح قد أتحدت هذه الخواص - الصفات الثلاثة فيما بينها .
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم فى شرحه للمزمور "عظيم هو الرب وممجد جدا" يكتب " مادام هو الله العظيم ’ والرب العظيم ’ والملك العظيم والنبى العظيم والكاهن العظيم والنور العظيم ’ اذن هو عظيم فى كل شئ ". لقد أعطى المسيح حياته كلها بمواهبها وسلطانها للكنيسة ’ وهو الذى يعلم الشعب (كنبى) ’ ويقيم العبادة (كرئيس كهنة) ’ ويقود أعضاء جسده الى الهدف النهائى (ملك). الحقيقة هى أن المسيحيون كلهم يشاركون فى العمل الثالوثى ’ وذلك حسب الذهبى الفم يوحنا مخاطبا المسيحى :" هكذا صرت أنت ملك وكاهن ونبى ’ وذلك فى المعمودية ’فأنت ملك لأنك تطرح أرضا كل الأعمال الشريرة وتذبح كل الخطايا ’ وتصير كاهن لأنك تقدم ذاتك لله وتهب جسدك ذبيحة حية ’...وأما النبى ..فأنت تتعلم الأتيات وتصير بركة وخاتما للشعوب " .
من الواضح أن هذا الكلام الالهى يتعلق بحياة المؤمن الشخصية ’ المؤمن الذى بالعمادة والخريسما وبالجهاد الروحى لحفظ وصايا المسيح ’ يطهر ذاته بالنعمة ويرث ملكوت الله.
ولكن وبمعنى أخر ’ يتم منح هذه الخصوصيات والهبات للاكليريكيين ’وبصفة خاصة للأساقفة من أجل اقامة الأسرار المقدسة’ ويعلمون الشعب ويقودونه الى ميناء الخلاص.
كل هذا كلام لاهوتى رأئع ورؤية روحية واقعية وجميلة ’ ولكن ما يشغلنى ويقلقنى ويثير فى نفسى الهواجس هو التعبير "استحقاقات المسيح الثلاثة" أو " سلطات المسيح الثلاثة "
«
τρισσόν άξίωμα του Χριστού»
وأن رئيس الكهنة هو شريك فى هذه الاستحقاقات الثلاثة ! ما هو معنى "الاكسيوما " السلطة أو الموهبة ؟ وكيف نفهمها ؟ ما هو هذا الاستحقاق ؟ ما هو استحقاق المسيح ؟ لماذا لا نستعمل تعبير "خاريسما" أو أى كلمة أخرى وتستعمل كلمة "أكسيوما" ؟ حينما قمت بالبحث فى الموضوع ’ تثبت لى أن كلمة "أكسيوما" أو السلطة هى من أصل بروتستانتى وهى أتية من صديق للوثر ’واسمه أوكولامباديو وهو من أنصار الصلاح اللوثرى. ما يزعجنى أن هذه العبارة تتكرر فى الرسائل الدورية التى يصدرها المجمع المقدس لكنيستنا (اليونانية) والتى يتم ارسالها للرعية فى كل مطرانية عند رسامة رئيس كهنة جديد للمطرانية ’ ويتم قرأة الرسالة المجمعية فى طقس التنصيب . أنا أرى أنه من الأفضل أن يتم تغيير الكلمة ووضع تعبير أخر محلها يعبر عن نفس الواقع .
وأود أن الفت الانتباه ’ بالمناسبة ’ الى أن تعبير أن رئيس الكهنة هو "نمط ومكان المسيح "
«
ό Αρχιερεύς είναι τύπον και τόπον Χριστού»
والتى يزعم البعض أنه للقديس أغناطيوس الثيؤفوروس الأنطاكى ’ فقد أكتشفت أنه لا توجد عند القديس أغناطيوس لأنه وحسب القديس الثيؤفوروس فأن الاسقف هو "تيبوس " نمط الله الأب ’ بينما الدياكونوس هو نمط المسيح ’ وبصراحة لم أتمكن من معرفة من من الأباء قال هذه العبارة . هذا لا يلغى أنه يوجد نوع من التناسب بين الاسقف والمسيح ولكن لا يوجد عبارة "ايس تيبون كى توبون تو خرستو". أنا مازلت أبحث فى الموضوع .
الحقيقة هى أن الاسقف ليس هو ممثل الله أمام الشعب ’ ولا هو ممثل الشعب أمام الله ’ ولا يمارس سلطة أو سلطان باسم المسيح ’ ولا يقدم خدمات للشعب لكنه أى الاسقف هو "سر حضور المسيح المحسوس " ومن هذا الحضور الخرستولوجى تنسكب كل الخدمات .
« ¨
ο ¨Επίσκοπος είναι το μυστήριον της αίσθητής παρουσίας του Χριστού »
كيف يتم هذا الحضور المحسوس للمسيح من خلال الاسقف؟
يتم ذلك عن طريق الكهنوت أو رئاسة الكهنوت والتى من الأفضل أن تفسر على ضوء عنصرة الاسقف الشخصية وقت الرسامة.
+ رئاسة الكهنوت ويوم الخمسين
يلاحظ فى أثناء رسامة الاسقف يقال على لسان الذى يرسم أو المرسوم عبارة "يوم الخمسين الشخصى " أى أنه يتم شخصنة العنصرة وعمل تطابق بينها وبين الاسقف المرسوم.أو بكلام أخر يقال أن الاسقف يشارك سرا فى العنصرة.
«
οτονία ταυτίζουν την χειροτονία είς Επίσκοπον με την μέθεξη της Πεντηκοστής ».
لاشك فى أن الاساقفة هم خلفاء الرسل وهم " شعلة العنصرة المضيئة"
«
ή άναμμένη λαμπάδα της Πεντηκοστής »
الشعلة التى نقلت وتنقل نور يوم الخمسين ’ أى نعمة الله ’ الى الاسقفية أو المطرانية والتى تم اختياره لها وسيامته عليها حسب القديس أغريغوريوس بالاماس . هذا لا يعنى بأى حال تطابق مطلق بين خبرة العنصرة ونعمة رئاسة الكهنوت . يا ليتهما يتطابقان ’ ولكن فى الواقع هناك فارق .
يوم الخمسين هو اليوم الذى جاء فيه الروح القدس على والى التلاميذ ووحدهم بالمسيح وصاروا أعضاء جسد المسيح . قبل العنصرة ’ كان التلاميذ يسمعون ويرون المسيح ’ وحتى فى واقعة التجلى "أندهش التلاميذ وعاينوا مجده" ’ ومع ذلك كان جسد المسيح غريبا أو بعيدا عن التلاميذ . بينما فى يوم الخمسين ’ صار التلاميذ فى الروح القدس أعضاء جسد المسيح .
لقد حدثت العنصرة مرة واحدة فى التاريخ وعلى الذين قرروا السير على نفس الطريق ’أى طريق العنصرة ’ عليهم ’ حسب القديس مكسيموس المعترف ’ أن يسلكوا طريق الفلسفة العملية ’ أى طريق التطهر ’طريق "المعاينة الطبيعية" أى الثيؤريا والاستنارة عن طريق اللاهوت النسكى ’ أى التأله الثيؤسيس ’ هؤلاء يأتون الى قمة الخمسين ويشاركون فعلا فى خبرة العنصرة ’ وتصير خبرة العنصرة خبرة شخصية أى شخصنة العنصرة ووقعنة يوم الخمسين .هنا يظهر الفارق بين غفران الخطايا بفعل الروح القدس ’ والشركة مع الروح القدس والتى تتم بالثيؤريا . هناك فارق بين نعمة رئاسة الكهنوت والتى يتم منحها للانسان عن طريق الروح القدس ’ وبين عطية الثيؤسيس التى يذوقها الانسان فى رؤية الله ’ الرؤية التى هى يوم الخمسين.
المثال الواضح على ذلك هو الشهيد الأول الارشيدياكون اسطفانوس ’ والذى كان "ممتلئا من الايمان والروح القدس " ولهذا تم اختاره وسيامته دياكون(أعمال الرسل 6 :6 ).هنا يحلو الكلام عن شركة الروح القدس ’ أى شركة يوم الخمسين والعنصرة والتى خرجت من جسد الدياكون . اذا يقول ان المجتمعون قد رأؤا وجهه كوجه ملاك (أعمال 6 : 15 ). ثم وبعد قليل وحينما أنوجد فى ملء الروح القدس ونظر الى السماء فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله . فقال ها أنظر السموات مفتوجة وابن الانسان قائما عن يمين الله (أعمال الرسل 7 :55 -56 ). هذا الذى تم مع اسطفانوس ’ كان شيئا مختلفا تماما عن موهبة – نعمة – خدمة الدياكونية . يمكن لأحد العلمانيين أن او الرهبان او الاكليريكين أن يصل الى خبرة البنديكوستى المؤلهة ’ الى رؤية الله ’ فى شركة الروح القدس ’ كما يمكن ان يكون اكليريكيا بلا شركة فى خبرة العنصرة المؤلهة .أن الشركة مع نعمة الله تتم بأشكال وطرق مختلفة وتعتمد فى درجة كبيرة على حالة الانسان وكيفية قبوله هذه الشركة. وهكذا نستطيع أن نتكلم عن عدة طرق لاستعلان نعمة الله ’ هناك النعمة الحافظة والخلاقة ’ وهناك الطاقة الالهية المطهرة والمنييرة والمؤلهة ’ كما أنه يوجد طاقة الهية دياكونية وكهنوتية ورئاسة كهنوتية.وهذا واضح من الطروبارية التى ترتلها الكنيسة فى عيد الاقمار الثلاثة .
تعبر الطروبارية عن لاهوت الكنيسة اذ تقول أن الاسقف القديس هو خليفة كراسى الرسل وهو أيضا شريك لنهج الرسل . ان نهج الرسل هو العمل والثيؤريا ’ مما يعنى أن الرؤية أو الثيؤريا أو اللاهوت النظرى يجب أن يكون مؤسسا على ومنطلقا من الخبرة والعمل والتطبيق ’ هكذا يصير الاسقف ملهما بالروح ويعترف بالحق ويشهد له حتى شهادة الدم.
لهذا كله ’ تعتبر أن عبارة المدعو للاسقفية "اليوم سأعيش خبرة عنصرتى الشخصية " ’ على أنها تعبير غير دقيق لاهوتيا وروحيا وكنسيا . ويميز الاب جورج فلوروفسكى بين العنصرة التى هى عطية لكل المؤمنين وبين الخلافة الرسولية والذى هو نعمة الاسقفية " لقد حل الروح القدس على الكنيسة الاولى فى أورشليم ووهب الجميع عطايا ومواهب وخدمات متنوعة , يوم الخمسين هو ينبوع كل الاسرار والعمال السرائرية والعنصرة والخمسين هما حق وواجب على كل من يعيش فى الكنيسة ’ بينما الاسقفية هى ان يصير الاسقف واسطة التواصل والتسلسل الرسولى . هذا معناه أن الكنيسة فى شخص اسقفها الرسولى النية والهمة والفكر ’ تتواصل مع الكنيسة الاولى وتشكل جزء لا يتجزْء من الكنيسة الجامعة جسد المسيح. التراث الكنسى هو كمال العنصرة فى اللحظة التاريخية التى يعيشها المؤمنون ’ المؤمنون يعيشونها والاسقف يضمن استمرارها .
هذا معناه أن العنصرة هى شركة خبرة الثيؤسيس ’ وهذه الخبرة يقدر كل من يريد ويقرر من المؤمنين الحسنى العبادة ’ أن يشارك فيها. هذه الخبرة ليست قاصرة على الاساقفة بل أن الاساقفة هم وسائط التسلسل الرسولى والمعبرين عنه ’ وهم المؤهلون والمسئولون عن قيادة المسيحيين الى شركة خيرات العنصرة.
يكتب بولس الرسول عن ذلك بكل وضوح قائلا:"...وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة والبعض معلمين .لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح . الى أن ننتهى جميعنا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله .الى انسان كامل . الى قياس قامة ملء المسيح " أفسس 4 :11 -14 .
«
Αυτός έδωκε τους μεν άποστόλους , τούς δέ προφήτας , τους δε εύαγγελιστάς ,τους δε ποιμένας και διδασκάλους , προς τον καταρτισμόν των άγίων είς έργον διακονίας , είς οίκοδομήν του σώματος του Χριστού , μεχρι καταντήσωμεν οί πάντες είς την ενότητα της πίστεως και της έπιγνώσεως του υίού του Θεού, είς άνδρα τέλειον , είς μέτρον ήλικίας του πληρώματος του Χριστού»
ربما أتت عبارة " العنصرة الشخصية" من اللاهوتيين الروس الذين تكلموا عن "عنصرة الاسرار الكنسية أو أن كل سر كنسى هو حضور للعنصرة " ’ وخلطوا فى حماسهم بين يوم الخمسين الذى حدث مرة واحدة فى التاريخ وبين طاقات التقديس التى تحدث فى الانسان وفى مادة الاسرار لكى ما يتم العمل السرائرى .
الخاتمة
نصل ’ يا أبائى الأجلاء ’ مما سبق الى أننا نعيش فعلا أزمة لاهوتية . أن كل الازمات الأخرى الاقتصادية والاخلاقية والاجتماعية والثقافية ’ هى أزمات من هذا الدهر ’ تكون يوما ولا تكون يوما أخر ’ هى أزمات تخص المادة والجسد والاشياء وهى وقتية وعابرة ’ بينما الأزمة اللاهوتية تختص بكيان الانسان ونفسه ووجوده ومعنى وجوده وخلاصه وهذه أمور باقية وأبدية ’
لهذا يجب علينا ’ نحن رؤساء الكهنة ’ أن ننتبه اليها بشكل خاص ’ لأنه حسب (الفكر) اللاهوت ’ يكون (الروشتة) العلاج
Ανάλογα με την θεολογία , γίνεται ή θεραπεία
حينما يستعمل الطبيب الوسيلة الطبية الخاظئة ’ وقتها لن يقدر على منح الشفاء .
أسمحوا لى أن أكرر ما سبق وقلته فى البداية ’ أن الأزمة اللاهوتية لا تقتصر على مجرد تحريف التعبيرات اللاهوتية عن أصولها ومعانيها وتاريخها وواقعيتها ’ مع أن التعبيرات والمعانى اللاهوتية هى ابداعات الاباء وثبتتها المجامع المسكونية السبع والمحلية العديدة وهى امتداد للتراث والتقليد ’ ولكن تكمن الأزمة فى ردم وتجريف التراث الكنسى ’ وبالتالى التغرب عن التراث والاصول ’ نحن لسنا فقط أمام أزمة لاهوت ’ بل أمام مرض لاهوتى .
أطلب أن تسامحونى لأنى قد أرهقتكم ’كما أتوسل تفهمكم وأختم بالقول أن هذه الافكار السريعة ’ سوف تشكل موضوع كتابى القادم .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire