lundi 28 mars 2016

تخاريف المثقفين العرب.. الاب د. اثناسيوس حنين / مطرانية بيريه - اليونان


تخاريف المثقفين العرب.. الاب د. اثناسيوس حنين / مطرانية بيريه - اليونان


جمعتنا مناسبة تقديم واجب العزاء فى رحيل شخصية طالما أحبت الثقافة والمثقفين وتذوقت الكلمة الطيبة والخيرة ,لون من الرجال نادر , يقولون عنه انه ابن النكبة أى نكبة الشعب الفلسطينى العريق ,اذ قد عاين ,طفلا, تهجير أهله مما تبقى لهم من أرض ,ولقد حولها بعزيمته وجهاده من نكبة الى نصرة , ومن كارثة الى نهضة , ومن تهجير قسرى الى هجرة طوعية مبدعة , فصارت الارض كلها أرضه .

ليس الهم الآن الكتابة عن الراحل الكريم لأننا لا نرثيه بل نناشده ونحاكيه ونعاهده .لقد رحل وفى قلبه غصة فلسطين . ما يهمنا فى هذه العجالة أن سعيد توفيق الخورى قد نجح فى تحويل النكبة الى نصرة , لم يبك على الديار والاطلال ويملأ الدنيا صياحا وشكوى وندبا , وتسولا على حساب القضية !, بل درس الهندسة وتفوق وأبدع وسهر الليالى ,اجتهد وأسس شركة , كانت نبتة صغيرة , ثم صارت شجرة يتظلل بها الآلاف من المهندسين والفنيين والعمال , صارت اسرة (سى سى سى) من أكبر شركات الانشاءات فى العالم .

فى اجواء توديع راع كبير من رعاة الكلمة وعشاق الثقافة , فى حى كيفسياس الراقى وفى صالونات بيت العائلة الفخمة بخفر وتواضع , اجتررنا همومنا, كالعادة , نحن حفنة من المثقفين العرب والمستعربين , القلة الباقية, بعضنا هواة فكر وبعضنا احترف الشغب الفكرى والكلمة وأمسك بناصية الفكر الحر.

كان صديقى الصحفى يملك جريدة نطل منها على الاحداث الساخنة في ضفتنا من الضفة الأخرى حيث نبحث عن هواء نقى وسط الخناق الذى يمسك بتلابيب الكون والانسان !

ظاهرة داعش واسبابها شغلتنا , هناك دواعش كثيرة فى شرقنا العربى, اتفقنا, وأكثرهم خطورة هم الذين لا يحملون سلاحا فتاكا , بل يملكون القدرة على نشر سموم الكراهية والحقد والخنوع وغسل عقول الناس باوسخ محاليل غسيل أبدعها عقل ابليس -الشيطان ,وربما الدواعش التى تعمل فى صمت وكبت وقهر هى التى اخرجت لنا دواعش السلاح. لكل فعل رد فعل .الكبت والقهر صار عملة يومية فى شرقنا , لم يعد يغرد عصفور من الشرق بل تنعق الغربان على جثة الانسان االشرقى , الغربان التى تولت مناصب رفيعة فى أكبر منصتين للارهاب الفكرى فى الشرق وهما السياسة والدين.

قررنا مع أصدقائى أن لا نتعاطى أفيون الشعوب وهو الدين وأن لا ننشغل بوساخات السياسة , لأنهما فى عالمنا العربى لا لون لهما ولا طعم ولا رائحة.

مصيبة الانسان العربى هو أنه لا يصنع الحدث بل ينتظره قدرا واذا ما وقع الحدث يبكى عليه كعزيز مع أنه لا يعرفه. الانسان العربى يعيش اليوم صدمة حضارية وثقافية كبرى , قلت لصديقى , "وما هذه الاحتجاحات والتى تأخذ اشكالا متعددة من الكلمة الى المدفع ’ الا صدمة جاءت بعد الانبهار" .. سألنى أن أفسر كلامى ؟

تذكرت استاذنا فى اللاهوت بجامعة اثينا فى الثمانينات من القرن الماضى جينما كان يدرس لنا مادة (الموسوعة اللاهوتية). قال لنا انه لكى نفهم اللاهوت، وليس الدين، لان اللاهوت هو رؤية كونية شاملة وقائمة على ثقافة الانسان الاتية من الهامات الروح , وليس خزعبلات ومخدرات وكرسى فى الكلوب وتقفيل الفرح !.. قال لنا طيب الذكر قنسطنطينوس باباتروس :"أن تاريخ البشرية هو تاريخ علاقة الانسان بالخرافة ,الخرافة (بالمعنى الفلسفى للكلمة (ميثوس) اى رؤية بدائية تقوم عليها الحضارة اليومية للشعوب القديمة) وينقسم التاريخ الى مراحل :
المرحلة الاولى مرحلة الانبهار الطفولى بالخرافة
المرحلة الثانية هى مأسسة الخرافة وعقدنتها أى صنع عقيدة منها
المرحلة الثالثة هى ولادة الوعى الناقد وليس الناقم وبداية طرح الاسئلة على الخرافات
المرحلة الرابعة هى مرحلة الصدمة وخيبة الامل وسقوط الاقنعة وبدايات التغيير والتحولات ،سلمية أكانت أم عنيفة، وهذه لا يعيشها الا من أجتر فى داخله كل المراحل السابقة .
المرحلة الخامسة هى مرحلة بزوغ الفكر الناقد والتصدى للخرافة وللمؤسسات التى تحميها وتحتمى فيها.

هذا حدث فى الغرب فى ما عرفناه بعصر النهضة والتصدى للخرافات التى تزعمتها المؤسسة الدينية الغربية وهذا هو سر ظهور ابداعات عصر النهضة وعنف حسها الناقد والساجد وليس الناقم والسافل .

نكرر....ولم يحدث فى الشرق , الشرق لا يؤمن بالنقد ويرتاح للخرافة ويعبد الساحر الذى يحكى له خرافات عجائزية سواء أكان رجل سياسة او رجل دين , لهذا قل او ندر الفلاسفة فى الشرق ومن حاول منهم قتلوه شكلا او موضوعا , وهم حفنة من الافاضل.

يعرف المثقف الشرقى مصيرهم.الانسان الشرقى لا يتغرب أبدا (اللى يخرج من داره , يتقل مقداره) , واذا تغرب يتعلم علوم الغرب لكى يكفرهم وينسبها لنفسه مرتكبا أكبر جريمة سرقة أدبية فى التاريخ والأمثلة كثيرة وبالنص !!!,

يأخذ من علومهم التى سارت فى طريق المراحل السابقة لكى يبرر كسله ,كل الشرقيون الذين تغربوا حقا , رفضهم الشرق , الانسان الشرقى اليوم يعيش فى قمة التطور التاريخى للفكر ’ وان تأخر, هو يعيش خيبات وصدمات تسليم مصيره للخرافات مهما تعقلنت وتجملت , يعيش رد فعل عنيف , داعش وشبابه عبروا عنه بشكل فج , هناك دواعش (لا بدين فى الدرة على رأى المصاروة) , ينتظرون ساعة العمل الثورى ونداء الاحرار كما كنا ننشد نحن جيل الوعد الناصرى.

اتفقنا , نحن القلة الباقية التى لم تسجد لصنم الخرافات ولا لصانعيها ولا لمروجيها, على ان بداية الحلول هو الكفر بكل الحلول , والاعتكاف والصمت , لأن كثر الحكى يجيب الفقر , واعادة قراءة التاريخ والفلسفة ونهضات الشعوب والتوبة العقلية....الان وهنا ...وأن نقوم نقوم نحن باختصار الطريق على الناس , اذ لابد ان نحمل فى عقولنا واجسادنا سمات ومعاناة ,أنات ومخاضات الكلمة الناضجة والواعية , ولا نمل من حب الكلمة وبث كلمات الحب وممارسة الفكر وتعاطى النقد الحر , وخاصة العرب المهاجرون او الذين تم تهجيرهم , عليهم بمخاطبة الغرب بلغته والشرق باشواقه.

لابد أن نلتقى , اتفقنا , فى رؤية ثقافية محلية وكونية , لا دين لها ولا سياسة , قلت لهم هذا هو اللاهوت الذى شربته من الكأس المقدسة, نحن لسنا رجال دين قلت لهم , نحن خدام فكر ورسل ثقافة غيرت خريطة الشرق والغرب على يد الناصرى وحفنة من فقراء وحفاة الارض وأكابر العقل, اللاهوت هو ثورة ضد تدين اليهود القاتل وسياسات الرومان الفاسدة.

هذا هو معنى الشهادة للحق المعلن فى القلب فيضا والمتجسد فى العقل فكراوالنازل فى الواقع رؤية والمتغلغل فى الحياة نسكا وحبا وسلاما ووداعة .

تعالوا نرتكب جميعا وفى وضح النهار جريمة الشروع فى التفكير والثورة السلمية على الخرافات , كل الخرافات , والايمان بدين الحب أيا كانت ركائبه.

الدعوة الى حفل تخاريف المثقفين العرب عامة.الدخول بالنوايا السلمية وليس بملابس النفاق الرسمية .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire