lundi 28 mars 2016

لعازر بين وفاء الكلاب وجفاء الاغنياء الاب الدكتور اثناسيوس حنين مطرانية بيرية-اليونان

لعازر بين وفاء الكلاب وجفاء الاغنياء
الاب الدكتور اثناسيوس حنين
مطرانية بيرية-اليونان
...
قرأنا فى كنيستى البيزنطية الصغيرة تلك الكنيسة القديمة الايام (تأسست عام 1867م )الاحد الماضى من بشارة الطبيب لوقا والمقطع الخاص بقصة العلاقة بين الفقراء والاغنياء والمعروف فى تراثنا الشعبى بقصة الغنى ولعازر.
هذا الانجيل (لوقا 16 :19 -31 ) هو من أجمل الفصول التى تكشف محبة المسيح للفقراء وخطر الحياة فى الغنى(سيادة المطران جورج خضر). لوقا الانجيلى تخصص فى الانسانيات , كما تخصص يوحنا فى اللاهوتيات, وبولس فى الرعائيات. لأنه فى رؤية المستقيمى الرأى لا يستقيم الانسان بدون الله , ولا يفهم الله بدون الانسان , الله فى الانسان والانسان فى الله بدون امتزاج ولا اختلاط ولا انفصال ولا تغيير حسب قانون المجمع المسكونى الرابع 451 ميلادية"راجع : مجموعة الشرع الكنسى –منشورات النور-1980 .ص. 364 -445 . قل لى كيف حال انسانك , أقول لك من هو الهك !
القصة معروفة ومطروقة ومقرؤة , الشى الذى لفتنى ولفت انتباه رعيتى الصغيرة ونحن نتأمل فى قرأة اليوم حسب العادة فى ليتورجية ما بعد الليتورجيا حسب التعبير الابائى ,والمقصود به مائدة المحبة التى تتبع القداس ونحتسى شاى المحبة المصرى , نقول ما لفتنا فى تفاصيل الواقعة الغنية هو سلوك الكلاب والتى حرص الطبيب لوقا والمؤرخ أن يذكرها بتفصيل روحى دقيق وحذق طبى.
لست ممن يؤمنون ويبشرون ويبالغون أن الكتاب المقدس قد تناول كل تفاصيل حياة الانسان لانه كلمة الحياة , ولكننى لم اتمالك نفسى من الاندهاش أمام هذه اللفتة الدقيقة جدا التى يشير فيها البشير والطبيب والمؤرخ لوقا, بالهام الروح الالهى بالطبع, الى الكلاب, نعم الى الكلاب ووفاء الكلاب. يقول "كان انسان غنى وكان يلبس الارجوان والبز وهو يتنعم كل يوم مترفها. وكان مسكين اسمه لعازر الذى طرح عند بابه مضروبا بالقروح. ويشتهى أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغنى ....بل كانت الكلاب تأتى وتلحس قروحه"لوقا 16 :19 -21 .
الكتاب الالهى لا ينسى وفاء الحيوانات عامة والكلاب خاصة. القارئ للكلام الالهى يعرف أنه فى عز الطوفان وغضب الله على البشر , اختارت العناية الالهية نوحا وعائلته لينجو فى الفلك ومعه"كل البهائم والطيور وما يدب على وجه الارض" (خروج 7 :14 ),كما أن كلمة الله لا تتساهل مع جحود وغباء الاغنياء وقصر نظرهم وعدم حبهم للقرأة والثقافة(غنى لعازر لم يكلف خاطره ان يقرأ اسفار موسى الخمس) . لعازر ومعنى اسمه"الله عونى" فقير "اوهيكى بالقبطية" أى انسان بلا مأؤ ملقى على قارعة الطريق , لا يهتم به احد , اصدقاؤه هم الكلاب .
ساقنى حب استطلاعى اللغوى الى البحث فى اصول الكلمات لأننى أومن بما قاله الفيلسوف اليونانى "أن بداية التربية الصحيحة والتثقيف الرصين هو فهم معانى الكلمات".
شغلتنى الاية الكريمة "وكانت الكلاب تأتى وتلحس قروحه" سارعت, كالعادة, الى الاصل اليونانى
«άλλά και οί κύνες έρχόμενοι άπέλειχον τά έλκη αύτού»
الفعل,(يلحس), يرد فى الماضى المستمر مصحوب باسم فاعل أى أن الكلاب كانت قد اعتادت أن تأتى وتلحس وتتضمد وتهدئ من جراحه الخاصة جد, هذا يعنى أن ايام لعازر البلايا كما يسميه شعبنا الطيب قد طالت أمام قصر الغنى ,ويضيف النص اليونانى كلمة الاضافة
Και
ويصير المعنى أوضح " بل وحتى الكلاب تعودت أن تأتى اليه وتلحس جراحاته.......".
صارت بينهما الفة وصداقة ومودات لأنه على ما يبدو كان الفقير عزيز النفس حتى أنه لم يطلب أن يشارك الكلاب فتاتها وما أدراك من فتات الاغنياء! بل ولم يكن ينتهرها لتتركه وهمومه ! لهذا ردو له الجميل بأن قاموا بدور الممرضين للجروح. لا أدعى أننى أعرف البعد الطبى (نحتاج الى طبيب بيطرى) لهذه العمل ولكننى أتلمس ابعاده الانسانية ونتائجه اللاهوتية والتفسيرية .وهذا المعنى يؤكده الترجمة الرسمية للنص اليونانى القديم الى اليونانى الحديث
"Ακόκη καί τά σκυλία έσυνείθιζαν νά έρχωνται και να γλύφουν τις πληγές του»
لم تشبع الاية باللغة اليونانية فضولى , فقررت أن أذهب الى لغة أهلى وعشيرتى , لغة مصر العظيمة , اللغة القبطية ,والتى تعد نتاج اكبر ابداع لغوى فى تاريخ البشرية , كما اثبتنا فى رسالة الدكتوراة ,اذ تم انقاذ لغة تحتضر وهى الفرعونية الهيروغليفية , بحروف واصوات لغة حية وهى اللغة اليونانية , فى اكبر زواج لغوى شرعى فى التاريخ , ونتج عنه طفل شرعى جميل وهو اللغة القبطية , والتى ما أن بدأت تتجمل وتشارك فى صنع التاريخ والحضارة ,حتى تم ذبحها فى عز شبابها !!! ولقد شارك الجميع فى ذبحها فى أكبر مذبحة حضارية وثقافية وعلمية فى التاريخ ولا يوجد برئ ولن تسقط التهمة بقتل لغة وثقافة وحضارة بلد بحجم مصرنا بالتقادم , فاللغة القبطية ليست هى لغة المسيحيين فقط بل هى لغة كل المصريين !!!
نعود الى الاية التى تشغلنا باللغة القبطية , النص القبطى يستعمل صيغة الجمع للاشارة الى باب الغنى (ابواب ...) وهذه واقعية لغوية كبيرة تميز اللغة المصرية القديمة, فقصر الغنى له ابواب كثيرة والفقراء ينتقلون من باب الى باب طلبا للفتات ولقد رأيت بأم عينى موائد للاغنياء يكفى ما يفضل عنها لاطعام قرية بكاملها .اسم لعازر يأتى بعد صفة الفقير والكلمة فى النص القبطى (اوهيكى) والاو هى اداة التنكير , يعنى لعازر فقير نكرة وغير مسبوق باداة التعريف والتفخيم , كما يستهمل القبطى نفس الاسم اليونانى للعازر, يرد كما هو فى القبطية مع الفارق ان اللغة القبطية تستخدم , فى نهاية الكلمة , السجما القديمة
Λαζαροc
كما تبدأ الاية بالقبطية بنفس اداة الوصل اليونانية
αλλα
كما هى فى اللغة اليونانية أى أن اللغة القبطية قد حفظت اصولا يونانية ثقافية وصارت اللغة القبطية ,وعن حق وحسب شهادة اساتذتنا علماء القبطيات, احد اهم مصادر اللغة اليونانية. من يقرأ النصوص القبطية , يشعر أنه يقرأ اللغة اليونانية فى ثوب مصرى أصيل , لهذا لا نمل من أن نؤكد وندعو الى أن نهضة اللغة القبطية ستعود بالخير على البلدين مصر واليونان وأن قرار مصرى سيادى بانشاء قسم للدراسات القبطية فى جامعة القاهرة سيعود على المصريين بالخير الاعم والدائم .
حينما سارعت الى قاموس كروم وهو أكبر وأشهر قاموس فى اللغة القبطية (القاموس من القطع الكبير وعدد صفحاته 953 صفحة ويزن بلا ادنى مبالغة اكثر من 5 كيلووهو من اعز الكتب فى مكتبتى الخاصى احمله معى اينما حللت ومن يريد رؤيته بالعيان يتفضل مشكورا وعنوانا معروف )والصادر من لندن والذى استغرق تأليفه عقود على يد أكبر علماء المصريات والهيللينيات والقبطيات فى العالم والاسم الكامل للقاموس
ِA COPTIC DICTIONARY
By
W.E.CRUM
OXFORD 1990
حينما قمت بالبحث فى مفردات الاية "...بل وحتى الكلاب , كانت تأتى وتلحس(تضمد-ترطب –تطبب ) جروحه", وبحثت عن الفعل (لوكه) وأصله
Λωγ
وجدت العجب العجاب , على رأى طيب الذكر الاب متى المسكين , حينما كان يرشده الروح الى كشف جديد (ابوكاليبسيس), وجدت أن الفعل (يلحس) له بحار من المعانى العميقة ومنها (يمحوكل أثر للحزن –يترجى ساجدا عند الاقدام ) ويشير كروم الى أن الكلمة القبطية تلتقى مع الكلمة اليونانية الوارد فى لوقا 16 : 21 (راجع سفر العدد 22 :4 ) (لييخن),وتأتى بمعنى (يسحق ) كما وردت فى المزمور 18 :38 (أسحقهم فلا يستطيعون القيام . يسقطون تحت رجلى) واذا لاحظنا أن الكلمة القبطية (لوكه) يسبقها المقطع (أيف)أى (ايفلوكه) اى الحسن والجميل والسار (كما فى ايفا- نجيليون), فيصير المعنى يزيل ويسحق الاوجاع ويطبب الجراح ,لا بشكل تسلطى , بل بشكل جيد ورائع وجميل بشكل يجلب السرور , ويسحق الالام بشكل رائع. لان الالام ليست صديقة للانسان بل هى غريبة عنه ودخيلة على طبيعته الاصلية وبالتالى عدوة له , هنا يكمن السبب الجوهرى وراء الام المسيح فى الجسد اى جسد اوجاعنا لكى يشفينا من وطأة الالام. نأتى الى كلمة (جراحه-أنيفشاش) ولقد أمضيت وقتا ليس بقليل فى البحث فى قاموس كروم ولم أصل الى نتيجة علمية مرضية بخصوص الكلمة ووصلت الى أن السبب يكمن فى أن النسخة القبطية للبشائر التى بين ايدينا والتى اشرف على طباعتها الطيب الذكر الدكتور شاكر باسيليوس عام 1990 هى نسخة من القبطى البحيرى أى اللغة القبطية العامية , بينما قاموس كروم قائم على القبطى الصعيدى أى اللغة القبطية الفصحى(الصعايدة كانوا أفصح المصريين لغة ولهذا فاللغة العربية العامية الصعيدية حافلة بالكلمات من أصل قبطى مثل كلمة الشومة تأتى من شوم اى القوة والعافية والتى صارت جوم فى تسبحة ثوك تاتى جوم ) . وصلت بعد البحث الى وجود تشابه بين كلمة (شاش) وكلمة (اوجاع شوشبى) التى يستعملها الرسول بولس فى حديثه مع تيموئأوس عن اوجاع معدته فى 1كو 5 (راجع كروم صفحة 151 العمود الشمال). كانت الكلاب لا تلحس فقط جراحات لعازر , بل تعالج أوجاعه النفسية والجسمية.
ذهبنا الى الاية باللغة الفرنسية وهى تحمل بصمات النص الاصلى بلا تغيير .
Et meme les chiens venaient encore lecher ses ulcers.
والفعل (ليشير) لا يخلوا من رومانسية الادب الفرنسي فهو يعنى المداعبة والاتقان فى رسم لوحة والتزلف لشخص ما وخطب وده وطلب صداقته وهى تعنى ايضا التمعن فى الشئ والتأمل فيه(لابد لك من الذهاب الى متحف اللوفر بباريس لكى معنى التأمل فى اللوحات) , وكلمة (يولسيريس) اى جروح تعنى ايضا قروح وتعنى ايضا جرح فى القلب ووجع , فجراحات لعازر كانت أنين قلب وليس فقط وجع لحم .هذا يفسر سر الصداقة بين لعازر والكلاب (راجع قاموس المنهل فرنسى –عربى بيروت 1983 ص 605 ).
الاية باللغة الانجيلزية
Moreover the dogs came and licked his sores .
الفعل (ليكيد) بالانجليزية اى يلحس أو يضمد أو يطبطب او يمسح .
الاية باللغة الالمانية
Dazu kamen auch noch die Hunde und leckten
lhm seine Schwaren.
لقد قمنا بهذا الجهد المتواضع تحية منا لوفاء الكلاب, ونحن لم نأتى بشئ من عندياتنا , وليس فى نيتنا اسقاط الكلام على اشخاص او اوضاع , بل سرنا على درب يسوع الناصرى نصير الفقراء والشفوق على كل الخليقة والمخلوقات والذى قال بنفسه هذا المثل, وبالطبع من تبقى له اذنان للسمع فليسمع, وحسب سياق الاصحاح السادس عشر من بشارة لوقا فأن يسوع قال هذا المثل , الذى ليس هناك ما يمنع ابدا من أن يكون المثل قصة واقعية جدا رأها يسوع بعينيه, نقول السياق العام للايات اللعازارية هو حديث السيد عن المال والله واستهزاء الفريسيين (دواعش الفكر اليهودى) بيسوع "وكان الفريسيون يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به" فما كان من السيد الا أن رد على التطاول بمثل أدبى رائع ,محترما حرية حتى المستهزئيين فى الفهم,
و ذكر لهم مثل الأغنياء الأغبياء ووفاء الكلاب الأذكياء.
تحضرنى قصة- نكتة رواها لى شيخ روحانى كبير ,لا أذكر بأية لغة وأين ولكنها ليست بالعربية , واحاول ترجمتها مما تبقى لى من ذاكرة , قال الشيخ الروحانى: " أن الحيوانات قد اجتمعت من كافة ارجاء المعمورة وكلفت أكبر مكتب محاماة فى العالم , برفع أكبر قضية سب علنى وقذف وتشويه سمعة وطلب تعويض كبير , على البشر لأنهم يتهمون الحيوانات بتهم باطلة ويلصقون بهم اوصاف ليست بها , بل هى اسقاطات نفسانية, والقاعدة القانونية والانسانية التى سيتكل عليها المحامون فى مقاضاة بنى أدم ورد الاعتبار للحيوانات هى "أن كل أناء ينضح بما فيه والبادى أظلم".
سنعود الى مثل الغنى ولعازر فى خبرة و رؤية وعلم أباء وعلماء الكنيسة قديما وحديثا فى مقال أخر حتى لا نثقل على القارئ الكريم.الى اللقاء

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire