jeudi 31 mars 2016

الدين ونعمة الحياة الاب الدكتور أثناسيوس اسحق حنين




                                              الدين ونعمة الحياة


 الدين ونعمة الحياة                                                                               
                                              الاب الدكتور أثناسيوس اسحق حنين
السؤال الكبير الذى يشغل المفكرين والمثقفين والسياسيين وصناع القرار وأحيانا البعض من رجال الدين الباحثين عن معنى الوجود هو هذا :هل من فائدة من وراء الدين وبالطبع ليس الايمان بالله لان الدين وسيلة والله فى الانسان الاخر هو الغاية؟هل للدين اليوم دورا فى صياغة مستقبل البشرية ؟ ما دور الدين والانسان يواجه اليوم كم هائل من المذابح المبرمجة والكوارث الطبيعية والاهوال النفسية ؟ ولقد وصل الامر الى ان شريحة كبيرة من الناس فى العالمين الحر والغير الحر اصبحت تخاف من الدين وتتقى شر المتدينيين من كل حدب وصوب !!
نشرت الصحيفة الامريكية الواسعة الانتشار(يو أس توديى ) U S TODAY MONDAY 9 AUGUSTبنشر بحثا موثقا استطلعت فيه اراء شرائح كبيرة من الناس وكان السؤال المطروح هو لماذا الدين ؟
Why Religion?
وتعددت الاجابات وتنوعت فالبعض أجاب بان السعى من وراء الدين هو العبادة والخشوع والبعض الاخر رأى أن وراء الاجتماع الاسبوعى للعبادة فوائد جمة ليس أقلها الاعتراف بفضل القوة الاتية من فوق!! بينما ذهب بعض الامريكيين(الامريكيون هم يمثلون كل شعوب الارض بسبب الهجرة) الى القول أن التدين يعطينا مجتمعات دينية صحية وهى على اى الاحوال أفضل بمكان من التجمعات فى النوادى العلمانية واماكن اللهو وهذه المجتمعات الروحية تشد من أزر العائلات وتحفظ الاطفال وهناك شريحة لا بأس بها من الامريكيين ذهبت الى ان اجمل ما فى الحياة الدينية أنهم يجدون فى الدين والتدين معنى كبير فى خدمة الاخرين فالشعب الامريكى (الشعب لا الحكومات ) المتدين يسعى دائما لاطعام الجائع وكسوة العريان وتسكين من لا مأوى له وهذا العمل يتم فى اغلبه عن طريق الجمعيات الخيرية الغير حكومية ولقد نشرت صحيفة القدس العربى فى عددها الصادر فى 10 أغسطس 2010 وفى الصفحة الاولى مقالا بعنون (مليارديرات العرب وثرواتهم ) ويقول (خبر صغير نشر على استحياء فى ذيل الصفحات الاخيرة فى بعض الصحف العربية يقول ان اربعين مليارديرا امريكيا تعهدوا والتزموا بتخصيص نصف ثرواتهم على الاقل لخدمة الاعمال الخيرية والانسانية تجاوبا مع حملة اطلقها بيل غيتس مؤسس شركة (مايكروسوفت) العملاقة وزميله الملياردير الاخر وارين بافيت................نشعر بالحسرة والخجل معا عندما نرى مليارديرات امريكيين يقدمون على مثل هذه الخطوة وأخرين من زملائهم ينضمون اليهم بحماسة ولا نرى من بين الاسماء أسما عربيا واحدا ) ولعل السيد عطوان رئيس تحرير القدس العربى والمقيم بلندن يريد القول ان هؤلاء الامريكيون الغير المتدينيين(لم يقل الرجل الكفرة) يفعلون ما لا يفعله العرب المتدينيين(لم يقل العرب المسلمين)!
وهناك شريحة ليست بصغيرة من الامريكيين رأوا ان للدين دورا لا يستهان به فى انه يساهم فى بناء المجتمعات وهذه المساهمة تتعدى حياة التألف والخدمة الى انها تعطى معنى للحياة وشجاعة فى الوجود ولقد أجرى الباحثون فى علم الاجتماع ابحاثا فى التجمعات التى يستعد فيها الناس للموت لاى سبب من الاسباب الطبيعية او الابادة او التهديد بالموت فى كل لحظة وشملت الدراسة اناسا من كل الاديان والمذاهب فوجدوا ان من عاش وسط هذه الاجواء واوجد لها معنى واستعان بها على الوجود ليس هو الأقوى أو الأكثر أدبا او مالا ولكن الذين عاشوا وسط هذه الاجواء القمعية وواوجدوا معنى وابدعوا هم الذين وجدوا معنا لوجودهم Those who have found meaning in their lives
فالانسان فى حاجة ماسة الى سبب جوهرى يجعله يتمسك بالحياة ولهذا قد يستغرب الشرقيون من ان حالات الاقدام على الانتحار فى ازدياد فى البلاد الغنية !وليس الغرب فقط بل قد ادلى احد المثقفين فى وسيلة اعلام شرقية ان السبعين فى المائة من الشباب المصرى يتعاطى المخدرات ويصادق البنجو مما حدا بالفنان شعبان عبد الرحيم ان يخصص احد اغانيه لمقاومة التحشيش وقال عبارته الشهيرة مع السيد ابراهيم عيسى على الهواء مباشرة (ما حشش يجيلك فى وحش!!!! )
هذا البحث الدائب عن معنى الوجود هو الذى ادى الى السعى الدائم فى الغرب لنقد الخطاب الدينى والبحث فى غياهب التاريخ عن المعنى من وراء الدين والتدين وهم وجدوا ان الفهم الذاتى للدين يؤدى الى لون نفسانى من الوجود يقاوم ويتصدى لتيار نعمة الحياة ويقف امام عجلة التقدم ووجدوا ان الدين الصحيح هو فى الدافع للحياة وليس فى الشكليات او المظاهر التى قد تصلح فى جيل ولا تصلح فى اخر وقد تناسب انسان ولا تناسب اخر فلقد وجدوا مثلا ان الانسان المريض او السجين او المريض او الفقير او العالم القابع فى قلايته وقد ضحى بحاضره لايجاد مستقبل افضل للبشرية او الجندى قد ينسى نفسه ويهتم بتشجيع الاخرين على قبول مخاطر الحياة واقناعهم بقبول المعاناة الفردية من اجل خير الجماعة التى ينتمى اليها وهنا يأتى الدور الاجتماعى للدين فى انه يعطى معنى للوجود الجماعى للناس وهنا تظهر ثقافة قبول الاخر مهما اختلف فقبول الاخر يأتى من منظومة قبول معنى للوجود لا غنى فى هذا المعنى عن الاخر وهنا يأتى دور الدين فى طرح اسئلة جوهرية على الانسان لماذا نحن هنا ؟ ما هو المعنى وراء كل شئ ؟ مما هو الدافع وراء اى سلوك مهما كان صغيرا اى كيف يجب ان نعيش ؟ هذه لم تعد اسئلة فلسفية محصورة فى الصالونات المكيفة بل هى اسئلة يطرحها رجل الشارع فى كل ارجاء الارض بشكل ايجابى فى المجتمعات الحرة وبشكل خفى مرأى فى المجتمعات القمعية ولقد اكد نيتشة انه اذا استطاع الانسان الاجابة عن (لماذا ؟) الوجود فسوف يقبل على الحياة ويبدع فيها ويقبل اى وكل (كيف ؟) يأتى عليه فالعالم اليوم يبحث عن الاسباب هنا على الارض وهو يرفض بل لقد رفض كل غيبيات وخرافات تقيد حريته فى السؤال الحر عن معنى وجوده منذ اساطير اليونانيين الى العصور الوسطى الى اليوم اى كانت الاشكال الدينية التى تختفى ورائها هذه الاشكال
فى الواقع ما اعتاد ان يسميه المثقفون فى الشرق بالالحاد فى الغرب هو تسطيح لقضية عميقة وتهميش لاسئلة مصيرية فالانسان الغربى ما حقق هذه الحضارة التى حقق وما وصل الى هذا المستوى من احترام الانسان وطاقاته الخلاقة الا لانه انسان فى اعماقه روحانى يطلب النعمة فى الدين ولكن نعمة الوجود والشئ العجيب ان معظم الذين ساهموا فى التحولات الكبرى فى تاريخ البشرية هم العلماء الذين تمردوا على السجن الدينى الغير مساهم فى فهم معنى الوجود وهدف الحياة ولعل هذا يفسر عدم نمو الفلسفة الوجودية الاحادية !!فى الشرق مع ان بذارها وشراشريبها متجذرة فى داخل الانسان الشرقى تبرما وزهقا وتريقة على الحياة ومن فيها وهى تظهر ابداعا حينما ما ينوجد نفس ىالانسان الشرقى فى اجواء صحية نجحت فى وضع حجر الاساس للحياة الناجحة اى امنت بنعمة الحياة وبركة الوجود لانه بدون معنى حقيقى للحياة وهدف واضح للوجود سوف يعيش الناس ليأكلوا ويشربوا وغدا يموتوا كما قالت الفلسفة الرواقية
ان العالم اليوم يبحث عن الله ليس فى السماء بل على الارض فى المشروع الحضارى والثقافى الذى يحتوى الجميع ولا يقمع احد والغرب بدأ بنقد دينه الرسمى وهو المسيحية ويحاول اليوم تطبيق هذا النهج النقدى العلمى على كل ديانات الارض من خلال مراكز البحوث التى لا هدف لها سوى خير الانسان ومستقبل الانسانية فنابليون جاء الى مصر ليس بالعسكر فقط بل بالباحثين والعلماء ولن يترك العالم اليوم اى جماعة صغيرة على الارض مهما علا صوتها تنفرد بالدين وتحتكر الله!! لان قضية الله والدين هى قضية البشرية جميعا وكما كان التدين المريض كان ومازال سببا فى خراب البيوت وتعطل الطاقات وتكبيل الحريات وتخلف المجتمعات فان التدين السليم وفهم معنى الوجود سيظل هو طريق الحياة والحياة الافضل
بحث علماء الانثروبولوجى اى علم الانسان- والكلمة يونانية – وسط المجتمعات التى تعرض أهلها للموت أو التهديد بالموت أو التصفية المعنوية او الجسدية فوجدوا ان هناك نوعان من الناس الانسان المهذب والراقى والانسان الغير مهذب والمتخلف وهنا لا يدخل فى التصنيف اى بعد سياسى او عرقى او دينى فهناك جندى نازى مهذب لم يقبل اوامر هتلر وقام بمساعدة اليهودى البائس وهناك قائد مسيحى غير مهذب يمعن فى احتقار الاخرين وهناك من لا يدين باى دين شكلا وهو يؤمن بالعدالة والغفران والحب موضوعا لحياته وسببا لوجوده ويجب ان لا ننسى ان اكبر القوى الاقتصادية والتقدمية فى العالم اليوم مثل اليابان والصين وجزء كبير من الهند لا يؤمنون بالاديان التقليدية !!! فبذرة التخلف قائمة فى كل انسان كما ان بذار الصلاح موجودة فى كل انسان وفى كل مكان واقد اعطى احد العلماء الحائزين على جائزة نوبل وهو البرت شفايتزر تعريفا للدين على انه هو الذى يؤكد على معنى وقيمة ونعمة الحياةReligion is Life Affirming
فالدين اى دين صحيح هو الوسيلة وليست الغاية اى الوسيلة التى تسهل للانسان كل انسان وكل الانسان ان يكون مهذبا ومتحضرا لانه اى الدين يشجع الانسان أن يتطور ويتمسك بالقيم الجوهرية وليست الشكلية ويجاهد للافضل دائما ويعمل لا لحساب نفسه او جماعته او عشيرته او قبيلته بل لحساب البشرية جمعاء فالانسان يسعى للصلاح ليس خوفا من قوة الله الغاشمة ولكن لانه يشعر بالامتنان والشكر على نعمة الحياة وبركات الوجود والانسان الراقى يعرف انه يوما ما سيرحل عن هذه الارض ليلقى وجد ربه الكريم ويشعر بالواجب المقدس ان أن عليه يترك لانسان اخر يأتى بعده ما وهبه الله من عطايا ومواهب وانه عليه ان يترك العالم فى المكان والزمان الذى عاش فيه بشكل افضل مما وجده

وهنا دور رجال الدين الغير تقليدى والمثقف بوعى والمصلى بحرارة فليس الاهم عنده هو حفظ السبت ولعن من هو غير يهودى والتمسك الاستعمارى بيوم كيبور أو شكليات وزحمة يوم الاحد او مظاهر شهر رمضان الخلابة ولكن قضيتهم الاولى يجب ان تكون مساعدة الناس كل الناس على اكتشاف القصد والمغزى الذى يجعل الانسان يملك الجرأة والقوة والحيوية بالدراسة الواعية والناقدة وليست الناقمة ان يترك سريره فى كل صباح ليبدأ مواجهة جديدة مع الحياة الافضل وهنا وهنا فقط سيصير الدين نعمة الحياة والحياة نعمة من الله الخالق والمحب لكل الناس ورغم كل الخلافات اللاهوتية والفقهية بين الاديان(( الا ان الحياة الروحية تبقى لنا طاقة كبرى طاقة للذين ذاقوا الله فى انفسهم هؤلاء اخوتى واذا اختلوا له منسحقين فأنا له معهم عابد انه فيهم وفى وهذه قناعتى التى لن تنتزعها منى ادلة الارض جميعا ان الله اراه فى الروحانيين وأياه أشهد فى قلوبهم ولا ينفى ذلك ما يقولونه وما انا قائله ما اعرفه انه سبحانه هنا معنا وفى ما بيننا وانا اسجد له فى هذا الهياكل البشرية التى تحتضنه وتطلقه فى العالم نورا وميراث على هامش ذلك قد تأتى المشاركة فى خيرات الارض والتطوع للانسان المحروم والذود عن السلام هذه اشياء نرتقى بها الى الله ومنه نعود اليها ولكن الذى لا يبتغى وجهه الكريم من اجل نفسه ومن اجل الناس جميعا فليس على شئ (ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب) هذا وحده يذكى لقائنا ويصير اللقاء (صدى غنوة) من أعالى السماء(المطران جورج خضر فى مواقف أحد دار النهار للنشر بيروت 1992 ص74)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire