النعمة والبشارة
سلاسل وقيود بولس اللاهوتى والفيلسوف و الكارز والمبشر
نظرات فى لاهوت التبشير بين الواقع الدينى اليهودى والنظام السياسى
الرومانى
أعمال الرسل 21 : 27 -27 -----27 : 31
الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين
يلاحظ الدارسون فى سفر اعمال الرسل وخاصة الاصحاحات الاولى التى تؤرخ
لمسيرة المسيحية الاولى وللبشارة الانجيلية ...يلاحظ الدارسون ان الغزاة و
المحتلين الرومان رغم سيطرتهم على الاوضاع بعد الحكم على يسوع وقتله وهرب تلاميذه
وعدم ابدائهم لاى مقاومة او انتقام مسلح ضد السلطة كما اعتاد ان يفعل اليهود من
ثورات ضد الحكم الرومانى الا انهم اى السلطة الرومانية واجهزتها الامنية لا يظهرون
على ساحة الاحداث ولا يعترضون طريق رسل المسيح فى بدايات التبشير وحتى فى اثناء
رحلة بولس الرسول الاولى (اعمال13-14 ) واذا استثنينا حالة والى بافوس سرجيوس
بافلوس الذى يصفه لوقا بانه (رجل فهيم ) المبشرون المسيحيون يجدون حاكما رومانيا
فهيما وهذ يوضح اننا حينما نقول ان هؤلاء الناس وثنيون فلا نقصد انهم كانوا جالسون
لا يعملون شيئا الا السجود للحجارة وعمل الهة من العجوة ياكلوها اذا فتك بهم الجوع
!!! فهذا التفكير يحوى سذاجة تاريخية تمثل خطرا على البحث العلمى واللاهوت الكتابى
بل وعلم التفسير برمته اع 13 :7 (لما رأى ما جرى أمن مندهشا فى عمل الرب )اع 13
:12 فأن المدعوين اراخنة أو وجوه المدينة اع 13 :25 فى شمال غلاطية فهؤلاء حسب
الظن الاغلب رؤساء واراخنة وحكام مستعمرين غزاة
الى ان نأتى الى الحديث عن سجن بولس على يد السلطات الرومانية فى أثناء
زيارة بولس الرسول لفيليبى بمكدونية(اع18
ولكن هذا الحبس كان حادثا عابرا وانتهى بانتصار وفرح المبشرين الرسل بعد
حادص ايمان حافظ السجن (فاخبر الجلادان الحكام بهذا الكلام فاختشوا لما سمعا انهما
رومانيان فجأورا وتضرعوا اليهما وأخرجوهما وسالوهما ان يخرجا من المدينة فخرجا من
السجن ودخلا عند ليدية فأبصرا الاخوة وعزياهم ثم خرجوا) اع 14 :17 وطبعا اجبرتهم
السلطات على ترك المدينة وتم هذا بحذر شديد من جانب السلطات الرومانية ويجب ان
نذكر ان احضار بولس امام غاليون الحاكم الرومانى فى كورنثوس أنتهت بضرب سوستانيس
رئيس المجمع امام الجميع (ولم يهم غاليون شئ من ذلك )اع 18 :17
وحينما نتكلم عن قيود بولس فى سفر الاعمال فنحن نعنى متاعب بولس وهو أسير
السلطات الرومانية فى قيصرية فلسطين وحتى سفره او ترحيله مقيدا بالسلاسل الى روما
والتى يؤرخ لوقا لها من الاصحاح الحادى والعشرين والعدد السابع والعشرين الى
الاصحاح الثامن والعشرين والعدد الواحد والثلاثين من سفر تاريخ البشارة الاولى اى
سفر اعمال الرسل وهذا يشكل جزا هاما من تاريخ تدبير البشارة الاولى فى سفر الاعمال
لا غنى لاى خادم للكلمة اليوم او مبشر من اى كنيسة او طائفة مسيحية عن دراسته
والتعمق فى معانيه والشئ العجيب ان رجال الدين اليهودى ومعهم شعبهم هم الذين هجموا
على بولس بينما ممثلوا العدالة الرومانية وان لم يصلوا الى تبرئته من اتهامات
اليهود الا انهم أنقذوا حياته من ايديهم !!!
والسؤال الذي يطرحة الباحثون فى تاريخ انتشار المسيحية الاولى هو الاتى
:ماذا يريد كاتب سفر الاعمال ان يقول من وراء الحديث باستفاضة عن (وثق وسلاسل بولس
)اع 28 :20 وهل السبب هو مجرد الغضب الحانق والحاقد وحملات التشهير التى قام بها
اليهود ضد بولس ام هو اظهار رغبة الحكم الرومانى فى حماية بولس ؟ ام ان هناك قصد
لاهوتى كبير من وراء الاحداث التاريخية !!
فى الواقع ان مثلث العلاقات بين المسيحيين المبشرين واليهود المتمسكين
بالشريعة والعوائد القديمة والسلطات السياسية والامنية فى الدولة الرومانية هو موضوع
يشغل كل سفر الاعمال وايضا سفر لوقا الاول اى الانجيل ولكن سفر الاعمال يركز على
شخصية بولس والشئ الغريب ان روما وسلطات الدولة الرومانية واجهزتها الامنيةلا
تتدخل فى المشاكل بين اليهود والمسيحيين ويرى بعض الباحثين ان السلطات الرومانية
لم تعد لديها الرغبة فى ملاحقة المسيحيين وانهم ادركوا الخطأ بعد ان تورطوا فى
الحكم على معلمهم يسوع ووافقوا على اعدامه بضغط من المؤسسة الدينية اليهودية بينما
يرى البعض الاخر ان تلاميذ المسيح لم يعودوا يشكلون خطرا على الدولة الرومانية
بالرغم من ان لوقا يصور المسيحييين على انهم مثل معلمهم ثوريين ويتبعون الحق ولا
يتنازلون عنه والرومان لم يشعروا بخطر جماعة من الناس او التلاميذ يتبعون المسيا
المصلوب لانه كان يوجد احزاب وفرق يهودية تنتظر المسيا ونهاية العالم وبالتالى
نهاية الدولة الرمانية المترامية الاطراف اذا لا مبرر من اتخاذ اجرأأت ضدهم والامر
الثانى هو مبدأ كل الحكام وهو مبدا (فر ق تسد) فالنسبة للسلطات فى روما فالخلاف
بين الكنيسة المسيحية والمجمع اليهودى او السلطة الكهنوتية الصدوقية والاحزاب
المسيحية الاخرى هو أمر يضعف اليهودية وينسيهم الثورات ضد الرومان
وبالعكس نرى اليهود يقومون بحملات أضطهاد فى أورشليم ودمشق ضد المسيحيين
اليونانيين والذي أكمل بولس رسالتهم للامم ومعروف قسوة الملك اليهودى هيرودوس
أغريباس الاول(41 -44 م) ضد المسيحيين ارضاء لليهود (اع 12 )وكما كان الرومان فى
حالة يسوع خضعوا لضغوط اليهود فهكذا صار اليهود هم المسئولون عن قيود بولس والحقد
الغير الروحى والغير الدينى الذى اظهره اليهود ضد بولس واضح فى سفر الاعمال ص 20
والشئ العجيب ان الذى خلص بولس من أيدى المتدينيين اليهود هم السلطات الرومانية
والصورة عجيبة فالسلطات الرومانية تقبض على بولس وتحبسه لا لجرائم أرتكبها أو
تجاوزات للقانون الجنائى فروما تربط بولس بالوثق والقيود لكى تحميه من غضب وحقد
اليهود فنرى لوسيوس الحاكم الرومانى لاورشليم يتصرف بكرم كبير مع بولس ويضع نصف
قواته لحماية بولس وهم مائتين جندى وسبعين فرس ومائتين حامل رمح لكى ينقل بولس
امنا الى حاكم اليهودية فيلكس معلنا (ولكن شكوى تستحق الموت أو القيود لم تكن عليه
)اع 23 :29 وانه يرسله الى اليهودية ليكون فى امان وبعدما سمع فيلكس اتهامات
اليهود قال لبولس (ساسمعك متى حضر المشتكون عليك )وأمر ان يحرس بولس فى قصر
هيرودوس اع 23 :25 وبعد ان سمع الحاكم الرومانى الطرفين ازداد تعلقه ببولس (فلما
سمع لهذا فيلكس امهلهم اذ كان يعلم اكثر تحقيق امور هذا الطريق وامر قائد المئة ان
يحرس بولس وتكون له رخصة اى اذن بحرية الحركة وان لا يمنع احدا من اصحابه ان يخدمه
او ياتى اليه (اع 24 :23) وبعد ذلك كان فيلكس الذى تزوج يوديا دوروسولا بنت اغريبا
الاول ...تعود ان يستدعى بولس ويتناقش معه فى امور دينية ومثل كل العصور هناك حكام
يحترمون الشعور الدينى للناس ويهتمون بالبحث ولقد حكم فيلكس فلسطين من 52 الى 60
وبتأييد من اخيه القوى سياسيا بالانتا والذى يحظى بتأييد الامبراطور كلوديوس وكان
فيلكس من الحكام الذى يخلطون حب الاستطلاع الدينى مع حب السلطة وحب المال والرشوة
ولوقا يكشف هذه الحقيقة رغم تعاطفه مع الحكام الرومان الا انه لا يقبل على ضميره
المسيحى ان يعبر على هذه الصفة الساقطة فيقول(وكان ايضا يرجوا ان يعطيه بولس دراهم
ليطلقه ولذلك كان يستحضره مرار كثيرة ويتكلم معه )اع 24 : 26
لقد وقع المسيحيون بين مطرقة رجال الحكم الرومانى واجهزة امنها التى تشترى
حمايتهم وصمتهم بالمال والرشوة والتعادلات والتوازنات بين الطرفبن وبين سندان رجال
الدين اليهود الذين ارادوا تفصيل نظام دينى حسب مقاييسهم واذ هم يقيسون انفسهم على
انفسهم ويقلبلون انفسهم بانفسهم وهم لا يفهمون كما يقول بولس(2كو 10 :12 ولما احتج
بولس كمواطن رومانى وطلب المثول امام قيصر الامبراطور تقرر ذهابه الى روما تحت
حراسة مشددة وقدم شهادته فى قيوده (أنا أقف لدى كرسى ولاية قيصر حيث ينبغى ان
احاكم انا لم اظلم اليهود بشئ كما تعلم انت ايضا جيدا لانى ان كنت اثما او صنعت
شيئا يستحق الموت فلست استعفى من الموت ولكن اذا لم يكن شئ مما يشتكى على به هؤلاء
فليس احد يستطيع ان يسلمنى لهم الى قيصر انا رافع دعواى حينئذ تكلم الحاكم فستوس
مع مستشتاريه وقال الى قيصر رفعت دعواك الى قيصر تذهب )اع25 :10-12 وهكذا صارت خطة
الله ان ينتقل الانجيل من اورشليم الى روما بدعم وحراسة من اعداء الانجيل !!وهذا
يفسر البرنامج الذى وضعه الدكتور لوقا الرسول للبشارة بالانجيل من اورشليم
واليهودية والسامرة والى اقصى الارض اع 1 :8 واما بولس فلقد تيقن رغم الظروف القاسية
التى مر بها انه لابد ان يكرز فى روما (اع 23 :11) وانه لابد ان يقف امام قيصر (اع
27 :24 ) وانه ينبغى ان يرى روما (اع 19 :21 )ولقد شارك فى تنفيذ هذا المخطط اعداء
الرسل والكنيسة وهذه الفكرة تسود تاريخ الكنيسة الاول بل وكل التاريخ فالاضطهادات
والمتابعات الامنية وطلب الرشوة وفرق تسد ورفع الشعارات الدينية والتحالف والغزل
بين السلطة الزمنية والنظام الحاكم والسطة الدينية ولعبة التوازنات كل هذا ساعد
ويساعد وسيساعد فى انتشار الانجيل وجعل الرسل المبشرين يتجهون الى الامم والمثقفين
ثقافة دنيوية ويتركون المتطرقين المتدينيين لانه اتضح لهم ان الوثنى العلمانى
المثقف والغير مبرمج اقرب الى ملكوت الله من المتربيين على يد الكتبة والفريسيين
والصدوقيين والغيوريين والمتحالفين مع السلطة الكذابين حلفاء وعملاء الكذاب الاكبر
اى الشيطان بلغة الانجيل فالكنيسة على يد لوقا صارت كنيسة العابرين المتنصرين من
الوثنية الى المسيحية ولقد عاد الفضل فى ذلك الى غباء اليهود ومعهم رجال الدولة
الرومانية واجهزتها الامنية من القتلة والمرتشين والمتسترين بالدين
(ولما اتينا الى روما سلم قائد
المائة الاسرى المساجين الى رئيس المعسكر واما بولس فقد اذن له ان يسكن وحده مع
العسكرى الذى كان يخدمه وهذا هو الامتياز الذى منحه له الرومان منذ علاقته الطيبة
بفيلكس حاكم اليهودية وككل رحلاته التبشيرية يبدا بالكلام مع اليهود ويعرض عليهم
الانجيل فعينوا له يوما فجاء اليه كثيرون الى المنزل فطفق يشرح لهم شاهدا بملكوت
الله ومقنعا اياهم من ناموس موسى والانبياء بأمر يسوع من الصباح الى المساء فاقتنع
بعضهم بما قال والبعض رفضوا(حرية القبول وحرية الرفض ) اع 28 : 23 -24 وقدم لهم
الرسالة الخالدة ( فليكن معلوما عندكم ان خلاص الله قد ارسل الى الامم وهم
سيسمعون) هذه هى البشارة فى سلاسل وعلى هذا الرجاء اى رجاء خلاص اسرائيل يجد بولس
معنى لسلاسله وقيوده (لانى من أجل رجاء اسرئيل موثق بهذه السلاسل) ولكن كلمة الله
لا تقيد (2تيمو 2 :9) فبولس لا يبشر فقط فى القيود بل يلد نفوس للرب فى القيود
(أطلب اليك لاجل انسيموس الذى ولدته فى قيودى )فلى 10 ولا ينسى لمسات الاخوة
المؤمنين فى تخفيف الام القيود فيقول للعبرانيين وهذا له مغزاه لموضوعنا (لانكم
رثيتم لقيودى وقبلتم سلب اموالكم بفرح عالمين فى انفسكم ان لكم مالا افضل فى
السوات وباقيا)عب 10 :34 ولا يتردد وبكل تواضع حقيقى وبدون ذكر اسمه ان يضع قيوده
فى شركة قيود الانبياء الكبار والمبشرين فيقول (واخرون تجربوا فى هزء وجلد ثم فى
قيود أيضا وحبس)عب 11 : 36 ولهذا نجده يضع الاساس الرصين الروحى واللاهوتى لرعاية
المقيدين (أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم ) عب 13 :3 ونتيجة لهذا الرفض من قبل
اليهود لرسالة الخلاص توجه بولس بنفس القيود وذات السلاسل الى الامم الوثنيين
فبولس ذهب بسلاسله الى (خاصة المسيح ) خاصته التى لم تقبله(يو1 :11 فاعلن فى قلب
روما عاصمة العالم القديم والعسكرية القوية والفكرالفلسفى والتماثيل التى تمجد
الاشخاص ليعلن (فليكن معلوما عندكم ان خلاص الله قد أرسل الى الامم وهم سيسمعون
)اع 28 :28 -29 وذلك بعد ان اعلن الانجيل فى عواصم الشرق الكبرى ونلاحظ ان اليهود
لم يقاوموا بولس او يعاندوا او يحاولوا أيذائه كما حدث فى فلسطين ربما لان يهود
المهجر كانوا اكثر انفتاحا على الرسالة المسيحية وحرية التفكير من ذويهم فى الشرق
والاكثر من ذلك ان يهود المشرق لم يرسلوا لهم شيئا بخصوصو بولس (نحن لم نقبل
كتابات فيك من اليهودية ولا أحد من الاخوة جاء فأخبرنا أو تكلم عنك بشئ ردئ)اع 28
:21 والشئ الذى يحسب للنظام السياسى الرومانى والذى لا نراه فى اى نظم سياسية اخرى
فى مناطق كثيرة هو انه بالرغم من ان دين الدولة هو الديانة الوثنية الثقافية
الواقعية اى العلمانية فى بداياتها الاولى الا ان الدولة الرومانية تسمح –فى
بدايات الرسالة المسيحية- لسجين مسيحى متنصر وعابر من الديانة اليهودية المسيطرة -
أن يبشر بالانجيل جهارا وبلا مانع (وأقام بولس سنتين كاملتين فى بيت استأجره لنفسه
وكان يقبل جميع الذين يدخلون اليه كارزا بملكوت الله ومعلما بكل الامور التى تخص
(حسب النص الاصلى) الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع)اع 28 :30-31
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire