أوليفيه كليمنت
الشمس الأخرى !
سيرة ذاتية روحية ’ لاهوتية وانسانية
قصة أهتداء شيوعى ملتزم الى المسيحية الارثوذكسية
اصدار دار نشر ستوك – باريس 1975
Olivier Clement
L,Autre Soleil
Autobiographie spirituelle
STOCK 1975
PARIS
نقله الى العربية الأب أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية المقدسة –اليونان
تمهيد المترجم
أولفييه كليمنت هو لاهوتى روسى مهاجر من جحيم الشيوعية ’ الى فرنسا أرض الحرية ’ عاش فى باريس وعلم فى صفوف معهد القديس سرجيوس الروسى بباريس . ما دفعنى الى نقل بعض أفكار هذه السيرة الذاتية هو أن هذا العالم لم يأتى الى المسيحية الارثوذكسية من طائفة مسيحية أخرى ولا من دين أخر ’ بل قد أهتدى الى المسيحية المستقيمة الرأى وهو فى أحضان الشيوعية بكل ثقلها الفلسفى وسطوتها السياسية وألياتها الأمنية والمخابراتية القمعية .
التقيت الرجل العملاق فى اللاهوت والنسك والمفرط فى الوداعة والتواضع حتى الامحاء ’ فى باريس فى منزله المتواضع جدا والغنى بمكتبته فى ضواحى باريس الفقيرة وأضاف استقباله الكثير الى قامتى الروحية ورؤيتى اللاهوتية وكما التقيته مرة أخرى فى مؤتمر لاهوتى فى ضواحى باريس و كان هو فيه النجم اللامع والكوكب الساطع والشاهد "للشمس الأخرى" . أحب الشرق والشرقيين وأحبه الشرقيون وخاصة الأنطاكيون الارثوذكس .كما أحبه الفرنسيون على اختلاف ثقافاتهم وخاصة العلمانيين والملحدين منهم لأنهم وجدوا فيه ضالتهم وشريكهم فى حمل صليب الفكر التافه والجاحد والناكر والرافض ’ لقد أغنى المكتبة الفرنسية بانتاجه الغزير ! . نجح راهب الفكر الروسى فى استئثار الفكر الروسى الالحادى بكل ثقله الفلسفى والثقافى ’ للمسيح ’ فكر الله المتجسد ’ كما نجح فى تعميده فى جرن معمودية الارثوذكسية وعبر عنه وسكبه حبرا فى قوالب اللغة الفرنسية الرائعة والغنية والتى أتقنها وكتب بها وطوعها ’ وهى الكاثوليكية الوجدان ’ للفكر الارثوذكسى .
ولنعش مع هذا العالم العلمانى والمتزوج واب العيلة واللاهوتى واللى بياكل لقمته بعرق جبينه ! يقول :
أننى لا أحب أن أتكلم عن نفسى ’ بل أفضل أن أستمع للأخرين وهم يتكلمون عن أنفسهم . الشئ الوحيد الذى أحسب له كل حساب هو هذا الاهتداء القلبى والذى يحول المستقبل من نفق مظلم الى طريق واضح .
"أذهبى ولا تخطئى " ’ قالها يسوع للمرأة الزانية ’ قالها بعد أن خلصها من عقوبة الرجم والموت . هنا صار الكل جديدا ’ وبدأ كل شئ من جديد . لا يوجد موت ولا رجم ولا ملاحقات أمنية وناموسية . لأن الموت هو المرأأة ’ المرأأة التى لا نكف عن أن ننظر الى أنفسنا من خلالها ! ربما هذا هو السبب الذى يجعلنى أتحسس من الكلام عن نفسى . لأن المرأأة ’ مرأأتى ’ قد أنكسرت ! ’
ولكنى سأحاول أن أتكلم عنه ’ عن الأخر الذى يبحث عنا ’ سوف أتكلم عن ذاك الأخر الذى بحث عنى ووجدنى !
يروى دويتسوفسكى فى روايته (المراهق) عن رجل فقد كل شئ ’ فقد شبابه ’ فقد زوجته وشريكة حياته ’ فقد منزله ’ وسار يتخبط بلا مسكن ولا مأوى ’ يحيا على لا شئ ويقتات من لا شئ ! ينام فى العراء يلتحف السماء ويفترش البسيطة ’ وهكذا يتطهر قلبه ! كان يسير نحو (مكان القلب) ’ والمرء يحتاج الى الكثير من الوقت والمزيد من التعب ’ والسير الكثير للوصول الى (هذا المركز الضائع والبوصلة المفقودة ) ’ كما يقول لويرنزاتوس . وحدث أن هذا الرجل قد استيقظ فجأة واذ هو وسط حقل واسع ’ كان ذلك ذات صباح باكرا جدا ’ حيث كل شئ رطب وخفيف وجديد وأصيل ومنعش ومنتعش . حينما تشرق الشمس الأخرى معلنة بداية يوم جديد لا مساء له .وأدرك الرجل ’ وربما لأول مرة فى حياته ’ أدرك ورأى وفهم وسبر غور كل شئ " فى السر الأخر" . لقد أستيقظ فى ملء نور الشمس الأخرى . هو يستيقظ فى الشمس الأخرى . وهنا تأتى الصلاة فى القلب لتشكل جوهر الأشياء ومعناها ’ والرجل يلتقط كلماتها ويعلنها " لقد بدأ الزرع الصغير فى الظهور ....زرع الله الصغير" !.هنا يغمر القلب فيض ’ يتخلل الصخر ’ ويمر عبر الرمال ’ ويصير الرجل طفلا جديدا كما لم يكن طفلا أبدا ! طفل يعبر الشاطئ المهجور فى عز الشتاء ’ الى أن تنقلب السماء ويظهر فى العمق قرص المياه المستدير ’ النور الأخر ’ الشمس الأخرى . وهنا يصرخ "... أه حقا أنه يوجد أسرار كثيرة لا يدركها القلب ’ هذا أمر مرعب للقلب ’ ولكنه عجيب ومذهل ومدهش . لأن هذا الفيض ’ هذه الشمس الأخرى ’ تسكب أشعاعات فرح فى القلب لا ينطق به ومجيد". لقد قالها يوما الراهب السائر على دروب الرب مكاريوس والذى يعنى الطوباوى حسب التطويبات "طوبى للودعاء القلب لأنهم يرثون الأرض "’ وهم يرثون فعلا الأرض (وماعليها !) ’ يكمل مكاريوس الطوباوى :" يا سيدى ’ أن كل شئ يوجد فيك ’ يا سيدى ’ وأنا نفسى أوجد فيك ’ فأقبلنى اليك !".
أن الغياب المأساوى والواضح لله من الأفق ’ من كل أفق ومن كل الأفق ’ ’ يفتح الأفاق لصرخة " أقبلنى !". سوف نظل نصرخ وسيصرخ القلب عنا الى اليوم الذى نفهم فيه أن الله هو "ملء حريتنا" ’ وسنفهم أيضا أن حتى صمت الله ’ هو حريتنا ’ سندرك أن اهرخ حينما يصمت ’ يحررنا ! لأن " كل شئ هو فيك فأقبلنى اليك ’ أقبلنى اليوم ’ اقبلنى الأن".
الى اللقاء فى الحلقة القادمة .
الشمس الأخرى !
سيرة ذاتية روحية ’ لاهوتية وانسانية
قصة أهتداء شيوعى ملتزم الى المسيحية الارثوذكسية
اصدار دار نشر ستوك – باريس 1975
Olivier Clement
L,Autre Soleil
Autobiographie spirituelle
STOCK 1975
PARIS
نقله الى العربية الأب أثناسيوس حنين – مطرانية بيرية المقدسة –اليونان
تمهيد المترجم
أولفييه كليمنت هو لاهوتى روسى مهاجر من جحيم الشيوعية ’ الى فرنسا أرض الحرية ’ عاش فى باريس وعلم فى صفوف معهد القديس سرجيوس الروسى بباريس . ما دفعنى الى نقل بعض أفكار هذه السيرة الذاتية هو أن هذا العالم لم يأتى الى المسيحية الارثوذكسية من طائفة مسيحية أخرى ولا من دين أخر ’ بل قد أهتدى الى المسيحية المستقيمة الرأى وهو فى أحضان الشيوعية بكل ثقلها الفلسفى وسطوتها السياسية وألياتها الأمنية والمخابراتية القمعية .
التقيت الرجل العملاق فى اللاهوت والنسك والمفرط فى الوداعة والتواضع حتى الامحاء ’ فى باريس فى منزله المتواضع جدا والغنى بمكتبته فى ضواحى باريس الفقيرة وأضاف استقباله الكثير الى قامتى الروحية ورؤيتى اللاهوتية وكما التقيته مرة أخرى فى مؤتمر لاهوتى فى ضواحى باريس و كان هو فيه النجم اللامع والكوكب الساطع والشاهد "للشمس الأخرى" . أحب الشرق والشرقيين وأحبه الشرقيون وخاصة الأنطاكيون الارثوذكس .كما أحبه الفرنسيون على اختلاف ثقافاتهم وخاصة العلمانيين والملحدين منهم لأنهم وجدوا فيه ضالتهم وشريكهم فى حمل صليب الفكر التافه والجاحد والناكر والرافض ’ لقد أغنى المكتبة الفرنسية بانتاجه الغزير ! . نجح راهب الفكر الروسى فى استئثار الفكر الروسى الالحادى بكل ثقله الفلسفى والثقافى ’ للمسيح ’ فكر الله المتجسد ’ كما نجح فى تعميده فى جرن معمودية الارثوذكسية وعبر عنه وسكبه حبرا فى قوالب اللغة الفرنسية الرائعة والغنية والتى أتقنها وكتب بها وطوعها ’ وهى الكاثوليكية الوجدان ’ للفكر الارثوذكسى .
ولنعش مع هذا العالم العلمانى والمتزوج واب العيلة واللاهوتى واللى بياكل لقمته بعرق جبينه ! يقول :
أننى لا أحب أن أتكلم عن نفسى ’ بل أفضل أن أستمع للأخرين وهم يتكلمون عن أنفسهم . الشئ الوحيد الذى أحسب له كل حساب هو هذا الاهتداء القلبى والذى يحول المستقبل من نفق مظلم الى طريق واضح .
"أذهبى ولا تخطئى " ’ قالها يسوع للمرأة الزانية ’ قالها بعد أن خلصها من عقوبة الرجم والموت . هنا صار الكل جديدا ’ وبدأ كل شئ من جديد . لا يوجد موت ولا رجم ولا ملاحقات أمنية وناموسية . لأن الموت هو المرأأة ’ المرأأة التى لا نكف عن أن ننظر الى أنفسنا من خلالها ! ربما هذا هو السبب الذى يجعلنى أتحسس من الكلام عن نفسى . لأن المرأأة ’ مرأأتى ’ قد أنكسرت ! ’
ولكنى سأحاول أن أتكلم عنه ’ عن الأخر الذى يبحث عنا ’ سوف أتكلم عن ذاك الأخر الذى بحث عنى ووجدنى !
يروى دويتسوفسكى فى روايته (المراهق) عن رجل فقد كل شئ ’ فقد شبابه ’ فقد زوجته وشريكة حياته ’ فقد منزله ’ وسار يتخبط بلا مسكن ولا مأوى ’ يحيا على لا شئ ويقتات من لا شئ ! ينام فى العراء يلتحف السماء ويفترش البسيطة ’ وهكذا يتطهر قلبه ! كان يسير نحو (مكان القلب) ’ والمرء يحتاج الى الكثير من الوقت والمزيد من التعب ’ والسير الكثير للوصول الى (هذا المركز الضائع والبوصلة المفقودة ) ’ كما يقول لويرنزاتوس . وحدث أن هذا الرجل قد استيقظ فجأة واذ هو وسط حقل واسع ’ كان ذلك ذات صباح باكرا جدا ’ حيث كل شئ رطب وخفيف وجديد وأصيل ومنعش ومنتعش . حينما تشرق الشمس الأخرى معلنة بداية يوم جديد لا مساء له .وأدرك الرجل ’ وربما لأول مرة فى حياته ’ أدرك ورأى وفهم وسبر غور كل شئ " فى السر الأخر" . لقد أستيقظ فى ملء نور الشمس الأخرى . هو يستيقظ فى الشمس الأخرى . وهنا تأتى الصلاة فى القلب لتشكل جوهر الأشياء ومعناها ’ والرجل يلتقط كلماتها ويعلنها " لقد بدأ الزرع الصغير فى الظهور ....زرع الله الصغير" !.هنا يغمر القلب فيض ’ يتخلل الصخر ’ ويمر عبر الرمال ’ ويصير الرجل طفلا جديدا كما لم يكن طفلا أبدا ! طفل يعبر الشاطئ المهجور فى عز الشتاء ’ الى أن تنقلب السماء ويظهر فى العمق قرص المياه المستدير ’ النور الأخر ’ الشمس الأخرى . وهنا يصرخ "... أه حقا أنه يوجد أسرار كثيرة لا يدركها القلب ’ هذا أمر مرعب للقلب ’ ولكنه عجيب ومذهل ومدهش . لأن هذا الفيض ’ هذه الشمس الأخرى ’ تسكب أشعاعات فرح فى القلب لا ينطق به ومجيد". لقد قالها يوما الراهب السائر على دروب الرب مكاريوس والذى يعنى الطوباوى حسب التطويبات "طوبى للودعاء القلب لأنهم يرثون الأرض "’ وهم يرثون فعلا الأرض (وماعليها !) ’ يكمل مكاريوس الطوباوى :" يا سيدى ’ أن كل شئ يوجد فيك ’ يا سيدى ’ وأنا نفسى أوجد فيك ’ فأقبلنى اليك !".
أن الغياب المأساوى والواضح لله من الأفق ’ من كل أفق ومن كل الأفق ’ ’ يفتح الأفاق لصرخة " أقبلنى !". سوف نظل نصرخ وسيصرخ القلب عنا الى اليوم الذى نفهم فيه أن الله هو "ملء حريتنا" ’ وسنفهم أيضا أن حتى صمت الله ’ هو حريتنا ’ سندرك أن اهرخ حينما يصمت ’ يحررنا ! لأن " كل شئ هو فيك فأقبلنى اليك ’ أقبلنى اليوم ’ اقبلنى الأن".
الى اللقاء فى الحلقة القادمة .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire