mardi 24 mai 2016

نحو تجديد الخطاب الدينى بقلم الأب الدكتور أثناسيوس حنين




نحو تجديد الخطاب الدينى فى المحروسة
عيد القديسين قنسطنطينوس وهيلانة
العلاقة بين الدين والدولة
المسيحية بين المؤسسة الدينية والشهادة اللاهوتية
استمرارية أم قطيعة ؟
رؤية أرثوذكسية


بقلم الأب الدكتور أثناسيوس حنين دكتوراة فى تاريخ الحضارات القديمة المصرية واليونانية من كلية الأداب جامعة ليموج بفرنسا


أولا : تمهيد
رأينا القيام بهذه الدراسة المتواضعة مساهمة منا فى النهضة المرجوة فى بلادنا على كافة المستويات وخاصة أن هناك لونا من التلاحم والتعاون الكبير بين الدولة والمؤسسات الدينية فى مصر وخاصة الأزهر الشريف والكنيسة القبطية واستجابة منا ’ نحن الذين نرتكب كل يوم جريمة الشروع فى التفكير !’ للدعوة الملحاحة للسيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى . نحن نرى أن أحد أهم مناحى تجديد الخطاب الدينى فى مصر هو ضرورة أعادة صياغة العلاقة بين المؤسسات الدينية وبنيتها الفكرية التحتية من ناحية والعلاقة بين المؤسسات الدينية والدولة بكافة أجهزتها التشريعية والتنفيذية الدنيوية’من الناحية الأخرى . هذا العمل التقنى والعلمى والشاق لا يتم بدون الدراسة المتعمقة لتجارب الشعوب الأخرى فى العالم حيث لم يعد العالم جزرا منعزلة بل قرية كونية صغيرة.ولقد أخترنا التركيز فى موضوع دراستنا على الكنيسة بحكم التخصص والانتماء ’ هذا لا يحول دون امكانية تطبيق هذه الرؤية على كافة المؤسسات الدينية الأخرى أيا كانت ركائبها . رأينا أن نقدم هذه الدراسة والكنيسة الارثوذكسية البيزنطية فى العالم تعيد لتذكار الامبرارطور قنسطنطينوس وأمه الملكة الينى ونتذكر ما لهذا الحاكم "المؤمن"’ ’ والذى وضع أول لبنات العلاقة بين الكنيسة والدولة ’ من أفضال على الكنيسة ’ وذلك بعد أن ذاق أفضال المسيح عليه . هذه لا يمنع أن حوارات كثيرة تجرى اليوم فى اليونان خاصة ’ وخارجها(نلاحظ موقف الرئيس الروسى بوتين الايجابى من الكنيسة الروسية ’ حتى أن الكثيرون من الصحفيين والباحثيين يشبهون بوتين بقنسطنطينوس الجديد) حول طبيعة هذه العلاقة وألياتها وطبيعتها وحدودها ’ وعلاقتها بعالم "متعلمن" ’ لأنه يجب الاشارة أن اليونان هى من البلاد القليلة فى العالم التى ما زالت تعيش ’ الكثير من ملامح ومعطيات ’ العصر القنسطنطينى فيما يخص علاقة الكنيسة بالدولة . يجب الاعتراف بفضل استاذى الدكتور العالم اللاهوتى الطيب الذكر البروفسور نيقولاؤس نيسيوتيس وغيره من الباحثين فى تعميق نقاط هذا البحث . وللتسهيل على القراء والاصدقاء ’ رأينا تقسيم البحث الى أجزاء ’ وليكن القسم الاول فى عيد الملوك قنسطنطينوس وهيلانة أمه .
يشكل هذا الموضوع حول "الكنيسة المؤسسة والكنيسة الشهادة " حلقة من حلقات العلاقة بين "الكنيسة والعالم " ’ كما فهمتها الأجيال الماضية ’ وكما تم اليوم طرح تساؤلات على طبيعة هذه العلاقة بسبب من تفشى ظاهرة "العولمة" وخاصة فى البلاد التى كانت معروفة كونيا بأنها بلاد وأمم ودول "مسيحية" ’ بينما هى الأن ’ أى المجتمعات المعروفة تقليديا بأنه مجتمعات مسيحية(مثل اليونان على سبيل المثال) ’ تسير فى طريق العولمة وتطرح أسئلة (من خارج) على مسيحيتها وتعيد فحص هويتها . العولمة ’ ببساطة’ هى بداية وعى الانسان بذاته وخصوصياته وحقوق جسده ونفسه عليه ’ وحقه فى القبول والرفض ’ وحريته فى أن يفكر فيما يؤمن به و أن يقول لربنا نفسه (أنا مش لاعب !!!). ان الاجابة عن السؤال المطروح وهو العلاقة بين الكنيسة المؤسسة أى المسيحية المؤسسة والكنيسة الرسالة والشهادة وهل هذه العلاقة هى استمراية أم قطيعة ’ تعتمد أى الاجابة ’ على المنهجية التى يتم بها تقييم ظاهرة "العولمة" ’ والتى تتباين وتتنوع فى الدول ذات التراث المسيحى من ناحية ’ ومن الناحية الأخرى تعتمد ’ نقصد الاجابة ’ وبنفس الدرجة على اختلاف اختبار وتطبيق مفهوم الايمان عند الطوائف المسيحية المتعددة ’ وفى المجتمعات المختلفة وفى الثقافات المتباينة.
ما هى العلاقة بين الكنيسة التى تمأسست وصارت مؤسسة من مؤ سسات الدولة وبين المسيحية الرسالة والشهادة ؟ وكأننا نعود مرة أخرى للسؤال عن طبيعة العلاقة بين الشريعة (الناموس – القانون ( ناموس وروتين ونمطية الادارة الذى يخشى مخاطر التفكير ) وبين النعمة ( أى شجاعة وعفوية وحرية الشهادة بالروح والحق والتى تواجه تهديدات التكفير من داخل الدين المؤسسة ومن الخارج !) أو بصورة كتابية اخرى بين هاجر(الأنزوائية والقومية العرقية والبداوة والأمان الشكلى والكأبة ) وبين سارة (الخروج والكونية والحضارة والاقدام بلا ضمان سوى المسيح "كن ضامنا لى " كما صرخ النبى المبشر قديما ’ وفوق ذلك السلام الباطنى والضحك والبشاشة خلف سارة كلها ضحك ومرح وفرح ’ اسحق ابن الضحك ’ سارة ضحكت مع ربنا نفسه ! راجع مقالنا عن الاكتائبولوجيا والثيؤلوجيا ) . باختصار العلاقة بين الدين الرسالة والدين المؤسسة !
نحن نعتقد انه لمن الصعوبة بمكان الاجابة على مثل هذا السؤال عن طريق تعميم فكرة "المسيحية بين المأسسة والشهادة " عن طريق التعميم لفكرة المسيحية بشكل عام وكمحاولة للتوفيق بين الايمان المسيحى والثقافة المحلية وقوانين الدولة ’ تزداد الصعوبة اذا علمنا أن هذا التوفيق بين المسيحية ككنيسة وكمؤسسة وبين المسيحية كشهادة ورسالة قد تعرض للنقد الشديد من تيار العولمة السائد فى المجتمع الحديث من ناحية ومن الناحية الأخرى الخلافات العملية فى التطبيق من بلد لأخروطبيعة بنيان كل كنيسة محلية . هذا لا يمنع من أنه يوجد ’ وبالرغم من خصوصية المشكلة فى كل بلد ’ يوجد ’ نقول قواسم مشتركة كثيرة بين كل المجتمعات التى تظهر فيها بدرجة او باخرى عملية العولمة.
ان المبرر وراء هذه الملاحظات هو ما يتطلبه بحثنا من منهجية فى التعاطى مع ما يتطلبه التعامل مع نمط محلى مجتمعى واقعى بغرض ان نقيم ونقنن كيف تعمل وتتحرك علامات العلمنة وألياتها بهدف تحرير العقل من الانماط والبنايات التقليدية والتراثية الشكليه وذلك فى مجتمع يتطور بشكل سريع ومطرد ويبحث عن المعنى والقصد ويرفض الشكل والنمط ! .
اذن السؤال الذى نطرحه له أبعاد انثروبولوجية وسوسيولوجية أى انسانية واجتماعية والتى تحمل أهمية كبيرة ليس فقط للكنيسة كمؤسسة ولكن لكل مجتمع يبحث فى اساسياته الثقافية ودور قوانينه ومستقبل وحاضر ابنائه . ان التحليل الاجتماعى والوضعى يسير فى العادة حسب النمط التطورى ’ فالمجتمع البطريركى الدينى التقليدى يتحول ’ عن طريق العقلانية ’ الى مجتمع متحرر من المبادئ الدينية ’ أى الى مجتمع اقتصادى وصناعى يدعو للمساواة وأعمال العقل والخضوع لاليات السوق سواء أكان هذا السوق هو سوق الكتاب أو سوق الهمبرجر . يؤدى هذا التطور بما يحمل من حيوية ووعود لا تقاوم الى سقوط المفاهيم التقليدية والتى ولدت من رحم المفاهيم الدينية والماورائية.لقد حل المجتمع الجديد محل المجتمع التقليدى . هذا المجتمع الجديد يعمل كمدرسة يتم فيها تعلم المبادئ الجديدة المؤسسة على التجربة الحياتية المباشرة والحرة والمتطورة على اساس انسانى مستقل عن اية سلطة دينية او ما ورائية ميتافيزيقية. صار الانسان هو الحل ! . هنا يظهر المجتمع كحقيقة موضوعية بحتة وهذه الحقيقة تتمتع بأولوية نوعية مطلقة فى مقابل الفرد ومعتقداته الدينية وعاداته الاجتماعية بل وحتى موروثه الثقافى . ويتم تقييم هذه المعتقدات والعادات على اساس معيار قدرتهم على التوائم مع هذا التطور والذى يسير بشكل موضوعى مستقلا عن الافراد . هنا كل شئ يسير مستقلا تماما عن القيم النازلة "من فوق" والتى تنبع من مبادئ دينية ’ غير لاهوتية ’ مقدسة ثابتة وجامدة وغير متغيرة ولا متوائمة ولا متأنسنة ولا متجسدنة ويستمد ’ هذا الواقع الجديد ’ قيمته من الطاقات الانسانية الطالعة "من تحت" أى من اعماق الانسان كانسان سواء على شكل أسئلة متمردة (المفكرون) أو طاقات مدمرة (الارهابيون) أو انفلاتات نفسانية (النقد الحاقد والاسقاطات المريضة بلا اسانيد) وجسدانية(البورنو والدعارة والانفلات الجنسى) . لقد فرض المجتمع الحديث نفسه على العصر الصناعى كما سبق وفرض عصر الصناعة نفسه على المجتمع اليدوى . هذا واقع وحقيقة يملك مبررات وجوده فى ذاته والتى يخضع لها الأفراد والمجتمعات التى سبق و تشكلت على اساس الايمانات الميتافيزيقية او على أسس ثقافية او انسانية والتى ترتبط باصل خارجى او فوقى فى علاقته بهذا الواقع الاجتماعى المستقل.
هنا يحدث نوع من "الضغط الاجتماعى" فى غياب اى لون من التعليم المنهجى أو الحوار . هذا التيار الضاغط هو الحقائق الواقعية المجتمعية نفسها والتى تتكلم لغة الاقناع بالحقائق الملموسة من حياة الناس فى مواجهة الخطاب الدينى المفرط فى التفاؤل والوعود. نحن أمام لون من الوان الاستقلالية الانثروبولوجية فى مواجهة ثيؤلوجيا الدين وهذه القوى الضاغطة تسير بشكل سريع نحو التحرير مستلهمة ايديولوجيات ذات طابع سياسى والتى بدورها حلت محل القناعات الدينية التى تنسحب بخجل أمام تيار العقلانية الجامح ويصاب الانسان بانفصام بين طبيعته وعقله وبين دينه ودنياه وبينما تسوقه الطبيعة الى الحياة ’ يقوده العقل-وحده اذا ما تطرف دينيا أو علمانيا وكلاهما تطرف - الى الموت !’ وهذه العقلانية تدفع نحو الصدام بين القيم العلمانية الجديدة و التبريرات الدينية واللاهوتية القديمة . ينشاء على هذا الاساس لون من البراجماتية الاجتماعية المسنودة بايديولوجيات تفتقد النمو المنهجى مثل وعلى سبيل المثال : الصحوة العلمية والتى تقوم على سيادة التكنولوجيا والتى بدورها تخدم الرفاهية المادية ’ ينشاْء من هذا الينبوع التطورى الذى يهدف الى خدمة الانسان ’ ينشاء سيطرة رأس المال والتى تمثل ايديولوجية مجتمع يسعى نحو السعادة والرفاهية عن طريق المشاركة أى مشاركة الناس فى ما تنتجه عجلة التطور ودكتاتورية البنوك الميتافيزيقية (القديس دولاريوس !!!). والواقع أن المبادئ الاخلاقية الدينية تنسحب أمام هذا الزحف للنفعية العملية أو تركب موجتها وتستثمرها من أجل البشارة أو الدعوة(العصر القنسطنطينى) !. ولقد حل محل هذه المبادئ الماورائية ’ لون من الايمان الواقعوعاطفى وليس الكيانى اللاهوتى والذى أسميه "الانسانوية النفعية الجديدة" (الله يعمل لحساب رفاهية الانسان المادية صحته - عياله – احفاده - مستقبله ..اهسط شغال جارسون عند الانسان ! والا ! ....) هنا تتحول المنابر الدينية الى رفع الدعوات من أجل رفاهية الحاكم والدولة وأستتاب النظام القائم . البعد الانسانوى والغير المتدين يظهر بنوع خاص فى مظاهر التعاطف والتعاضد الذى يظهر وبحماس مع كل عمل اجتماعى وانسانى ذات أبعاد كونية (مثل تهجير الشعوب وتخريب بيوتهم وتشويه هويتهم بالحروب المبرمجة ثم البكاء عليهم والتعاطف معهم وتقديم المساعدة لهم !). الهدف من هذا العمل الاجتماعى هو خدمة الفقراء ومساندة حركات التحرر فى الانظمة الشمولية ومراعاة حقوق الانسان والمساواة بين الجنسين بدون الاشارة مطلقا الى أى مصدر دينى او حتى الى الانجيل الاجتماعى.
ترتبط هذه الايديولوجيات الواقعية والانسانية بمصادر الثقافة الحالية . فالمسرح الناقد والشعر والرواية البراغماتية تعكس هذه الاستقلالية الاجتماعية والبراغماتية كضرورة حتمية لتكوين مرجعية ما لحركة العولمة . تجدر الاشارة الى أن كل ما سبق من تيارات انسانوية يظهر من وقت لأخر كرد فعل متسارع الوتيرة ضد هذا "الجفاف " " والعقم " المفروض من قبل المبادئ الفلسفية الجامدة والمؤسسة الدينية بالمعنى التقليدى. ولكن يجب الاعتراف أنه وفى معظم الاحوال فأن هذه الردود الأفعال لا أصل مسيحى لها. ان ردود الأفعال هذه بدروها ذات مصدر انسانى مستقل مثل حركات الحفاظ على البيئة أو التطرف كلون من الوان الاحتجاج على مجتمع تحول الى ماكينة انتاج واستهلاك وحركات الاصوليات العلمانية ذات المضمون الدينى و التى تبحث عن حلول فى الديانات الاسيوية واليوجا وغيرها أو الجهاد المسلح للوقوف فى وجه الانسنة السريعة لمجتمع يريد أن يكون الهيا بحتا !!!....".


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire