منذ اعتلائه الكرسى البابوى أكد قداسة البابا تواضروس أنه سوف يقوم بترتيب البيت الكنسى من الداخل ولأنها مهمة شاقة وقاسية وتحتاج إلى جهد وصبر وإلى إعادة نظر فى ملفات ضحايا يشعر كثيرون أنه قد تم ظلمهم فى العهد السابق، وكان آخرهم الأب العلامة القمص إثناسيوس.
إسحق حنين - العالم فى دراسات الآباء وكاهن ومؤسس كنيستنا القبطية فى اليونان - كان آخر من تم شلحهم دون ذنب فى عهد البابا شنودة، والذى خطفته على الفور الكنيسة اليونانية ليصبح بروتوبرسفيتيروس (متقدم فى الكهنة) - بمطرانية بيرية - بالكنيسة اليونانية - ونحن فى عرض وظفر أحدهم، لذلك نكشف فى هذا الحوار خفايا شلح هذا العالم الذى قدمه الأنبا بيشوى قربانا على مذبح التقرب من أجهزة الأمن فهل يقترب البابا الآن من الملفات الشائكة ويدخل حقل الألغام ليعيد الحق لأصحابه؟!
∎ فى البداية كيف كانت نشأتك الكنسية؟
- لم تكن لى نشأة كنسية خاصة، بل تعرفت على الكنيسة فى سن الجامعة على يد الأب الدكتور اللاهوتى صموئيل وهبة (مجدى وهبة ) حينما دعانى لاجتماع الشباب فى كنيسة القديس مار جرجس شرق الترعة سمالوط، وكان سيقوم بالوعظ وقتها الدكتور إميل عزيز (نيافة الأنبا موسى) (1972) وبعدها انتقلت إلى القاهرة للعمل كمدرس لغة إنجليزية أقمت فى بيت التكريس لخدمة الكرازة ومنه إلى بنى سويف للخدمة مع الأنبا إثناسيوس ثم إلى اليونان للدراسة.
∎ متى وكيف تمت رسامتك كاهنا؟
- تمت الرسامة حينما دعانى نيافة الأنبا بيشوى باسم قداسة البابا شنودة للرسامة وكنت أقوم بتدريس علوم الآباء فى الكلية الإكليريكية، كما كنت أحد أعضاء المركز العلمى لدراسات الآباء - القاهرة الذى أسسه الدكتور نصحى عبدالشهيد والإخوة علماء اللاهوت الدكاترة جوزيف موريس فلتس وجورج عوض وجورج أندراوس وعصام سامى حينما قال لى نيافته إن قداسة البابا يريد سيامتى كاهنا قلت بالحرف: (لو سيدنا قال لى اقفز فى البحر أنا وعيالى سأفعل) رد نيافته: (تقول الكلام ده لسيدنا) قلت: أقول، وفعلا ذهبت إلى سيدنا فى اجتماع الأربعاء وقلت لقداسته قال: تعال لى الدير، ذهبت إلى الدير وكان أسبوع الآلام وجلست مع قداسته ولما قلقت على أولادى فى القاهرة أمرنى بأن أكلمهم من تليفون العربية وأعطانى عيدية ثلاثة آلاف جنيه لى وللإخوة اللاهوتيين الدكاترة مجدى وهبة وجوزيف موريس)، قال لى قداسته: (الآباء بيرشحوك للكهنوت) فقدمت نفسى له فى طاعة مطلقة بلا مناقشة.
∎ كيف بدأ الخلاف مع البابا شنودة؟
- لم يكن هناك خلاف مع سيدنا وقد رويت عن عطفه وحنانه، ربما الخلاف نتج من أننا، وهذا تصورى ويمكن أن أراجعه، نحن العائدون من اليونان، تحمسنا لعلوم الآباء التى درسناها فى اليونان بعد أن لاحظنا فرح الناس وخاصة الشباب والخدام والآباء ليس فقط الكهنة، بل الأساقفة والرهبان وبدأنا فى نشرها فى طول البلاد وعرضها ولم نكن نعرف أن هناك تحسسا من هذه العلوم عند البابا شنودة لأمور قديمة لا ناقة لنا فيها ولا جمل وأدخلونا فى خلافات لم نصنعها وحسبونا على فريق ضد فريق، ونحن باحثون عاهدنا الله حينما حصلنا على شهادتنا ألا نتكلم أو نكتب عن الهوى (الأوجاع بلغة بستان الرهبان)، بل بالعلم والتقنية والتواضع، وكان البابا بحكم مسئولياته، دائما يرد على آراء البعض ولم تظهر رغبة جدية فى الاستفادة من دراساتنا التى قدمانها ومازلنا تحت أقدام الكنيسة، إلا من دعوة شخصية للتعاون فى ترجمة نص للأب متى المسكين إلى الفرنسية ورفضت حتى لا أزعل سيدنا البابا، وكان يمكن أن تساهم دراساتنا، لو تم استثمارها. فى حل الكثير من القضايا اللاهوتية والإنسانية، بل السياسية التى يعيشها الأقباط بل المصريون، بل فى تجنيب الكنيسة جهدا ضائعا وانقسامات فى جدل لاهوتى لا وجود له لا فى الكتاب المقدس بأصوله اليونانية والعبرية والقبطية ولا فى لاهوت الآباء الشامل الجامع، الخلاف ليس شخصيا بل ربما علمى أكاديمى ولاهوتى آبائى.. ربما كان على الكنيسة أن تنحاز أكثر لأهل العلم والخبرة أكثر من أهل الثقة والحظوة وهذا فى رأيى أساس مشاكل أى نظام دينى أو دنيوى.
∎ كيف تطورت الأمور للشلح؟
- بكل صدق لا أعرف، ولم يأتنى إنذار واحد أو تحذير أو نصيحة بأن هناك خطأ ما وعلى تصليحه، كما لم يحتو قرار الشلح على أى أدلة لاهوتية أو غيرها أى قائمة اتهامات بلغة القانون المدنى والكنسى حتى يستطيع المتهم أن يرد وهذا تراث كنسى فالردود على الهرطقات شكل أروع صفحات اللاهوت الآبائى ولم يقل أحد إن إثناسيوس كان لابد له أن لا يفشى أسرار آريوس أو أن كيرلس يشتم نسطوريوس، هذه بدع نسفانية حديثة! والذى تتلمذ على يد الآباء الكبار- مثلى - يعرف أن يعترف بالخطأ ولقد جاءتنى وريقة من ستة سطور غير مرفق بها أى شرح وهذا مخالف للقانون الكنسى الذى لا يقوم بإصدار قرار بعزل أى إكليريكى إلا بعد عقد المجمع، لم يكن عند الآباء شخصنة اللاهوت ولا لاهوت الخواطر! أقول جاء القرار لينهى حياة كاهن وباحث ومناضل من أجل القضية المصرية كلها وكنت- وقتها - أستعد للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من إحدى القنوات الفضائية لإلقاء بعض المحاضرات وتسجيل حلقات تليفزيونية عن اللاهوت السياسى عند الآباء والتبشير ومستقبل الخطاب المسيحى فى الشرق وعلاقة الكنيسة والدولة فى العصور المسيحية الأولى والمعاصرة وبالطبع قضية اضطهاد الأقباط - طلب منى حاملو الورقة التى وقعها نيافة الأنبا بيشوى نيابة عن قداسة البابا شنودة الثالث أن أقرأ وأوقع بالاستلام فقرأتها فى صمت ووقعت قائلا (أن كلام البطريرك هو بطريرك الكلام) وصلينا معهم وانصرفوا بسلام وبكى بعضهم واندهشوا من هدوئنا وسلامنا أنا وزوجتى، ولحسن الطالع لم يكن الأولاد فى المنزل وحماهم الله من الصدمة فى تلك اللحظة، ولكن كما قالها الدكتور مجدى خليل فى مقال له عشية القرار أن السبب سياسى ودليل صريح على تدخل أجهزة الدولة المصرية فى شئون الكنيسة الداخلية تنصب من تشاء وتعزل من تشاء.
∎ ما دخل الأنبا بيشوى فى القضية؟
- نيافة الأنبا بيشوى، حينما عرفناه كان أسقفا ذكيا وواعدا وهو يعرف شخصيا أننى أحبه شخصيا وأحترمه ومازلت، ولكن حينما يكون الزمان زمان شهادة للحق وللتاريخ وللقانون الكنسى تسقط المجاملات التى نخرت ومازالت فى عظام المصريين الطيبين، ومرة قلت لنيافته بسذاجتى ووسط دموعى وفى عز سلطان نيافته (أنا لا أخاف منك لأنى أحبك) وضحك على عبطى وسخر من دموعى، نقول كان نيافته يقرأ ويسأل ويقول (أنا لا أعرف!) ويتعلم وفى بداية مشاركته فى الحوارات اللاهوتية، تصرف بتقنية لاهوتية وأخذ معه علماء فى اللاهوت، ولكن كما يقول علماء السياسة (إن السلطة المطلقة تفسد بشكل مطلق) وكما قال أستاذ اللاهوت لنا مرة (احذروا شيئا واحدا، وهو أن تصنعوا من مشاكلكم النفسية قضايا لاهوتية!).
لا أعرف تفاصيل هذه التحولات فى حياة نيافته فالقضية تخصه شخصيا ولعل علامات زمان الكنيسة القبطية الجديد يؤدى إلى المراجعات والتوبات الكبرى! وتخص ماضى الكنيسة القريب وحاضرها ونرجو لها دراسات عميقة نزيهة من أجل خير الكنيسة والناس ولقد بذل نيافته جهدا خرافيا فى السيطرة وتسيير أمور كثيرة ربما لو تركها لأهل الخبرة والعلم وللطاقات الشابة لكانت الإنجازات أكثر والفائدة أعم! وكنا نشفق عليه ونسميه (الأسقف الذى لا ينام). أما عن دوره فى قرار عزلى (كلمة أرقى من شلحى) الذى لا علاقة له بالعقيدة من قريب ولا من بعيد، فلقد لعب الدور الأساسى ولقد خضع - على ما أظن - لضغوط من الدولة بسبب نشاطى السياسى كما قالوا أو فهموا ووقتها كان نيافته يغازل النظام المصرى وبدأت المتاعب الصحية لسيدنا البابا شنودة، وكان نيافته يقوم بتلميع صورة نجل الرئيس السابق جمال وأهان المسلمين (أنتم ضيوف) ووضع الكنيسة وقداسة البابا شنودة شخصيا والقبط فى العالم كله فى موقف لا يحسدون عليه مع أصدقائهم المسلمين، وربما وعدوه بالبطريركية على أن يسلم لهم رقاب (المارقون) من الكهنة والعلمانيين الأفندية وأولهم كاهن اليونان (اللى ما لوش ضهر! غير آباء الكنيسة الكبار) وخطؤه الوحيد هو الدفاع عن حقوق المصريين بشكل علمى تاريخى لاهوتى ومعاصر موثق - الشلح كان قرارا مبيتا (بضم الميم وفتح الباء والياء) ومنتهيا ويحتاج إلى غطاء تبريرى أمام الناس (بعتنا له وما جاش) لأننى أذكر للتاريخ أنه قبلها جاءنى اتصال تليفونى عنيف من نيافة الأنبا آرميا باسم قداسة البابا أن أنزل مصر فورا للقاء قداسته وفعلا جهزت نفسى للسفر وحدثت اضطرابات فى الطيران وأرسلت فاكس اعتذار (عندى صورته) ثم جاء قرار الشلح وعلمت من مصادر عليمة جدا أننى لو كنت قد نزلت مصر وقتها كنت سأصل معززا مكرما! إلى مكان آخر لا علاقة له ببركات البطريركية! - كجزء من صفقة بين نيافته وأمن الرئيس المخلوع - ومرة أخرى أشك إذا كان قداسة البابا المتنيح على علم بهذه المؤامرة الرخيصة!، هذه ما هى إلا محاولة للفهم - أهديها لكل المصريين - حتى لا نصاب بالجنون وننتظر من يكتب لنا هذه الصفحات بنزاهة لخير الأمة القبطية أو يتكلم المعنيون والأحياء بالروح والحق.
∎ هل حقا تعتنق نفس أفكار الدكتور جورج بباوى حول الشركة فى الطبيعة الإلهية؟
- القضية ليست آراء الأستاذ الدكتور جورج بباوى، القضية هى عقيدة الكنيسة الأولى الجامعة الرسولية (كنيسة الألفية الأولى على الأقل) والتى تأسست على الكتاب المقدس وخبرات الآباء والأمهات (يوجد اليوم علم الميترولوجى) النسكية والليتورجية وقرارات المجامع المسكونية، القضية ما هى علاقة البشرية بالمسيح له كل المجد هل هى علاقة أدبية لفظية وقتية ووعظية أم هى علاقة كيانية وجودية مصيرية وإفخارستية.
∎ إلى أين تطورت القضية وأين تقيم وتخدم الآن؟
- لا توجد قضية فلا أنا ارتضيت أن أجعلها قضية لأنى واثق أن كل الأشياء تعمل للخير من ناحية ومن ناحية أخرى تمنع القوانين الكنسية بشدة رجال الإكليروس أن يلجأوا فى اختلافاتهم إلى المحاكم المدنية، وفوجئت بسيادة المطران سيرافيم مطران ميناء بيرية يستدعينى تليفونيا وقام برسامتى متقدما فى الكهنة وعيننى على كنيسة لخدمة واستقبال وتبشير المهاجرين مع احترام حريتهم وخصوصياتهم الثقافية، وهنا اللغات صارت بركة، وهم بالآلاف والقيام بأعمال الترجمة والكتابة والاستعداد لاستئناف الحوار اللاهوتى بين الكنيستين.
∎ ما موقف البابا تواضروس منكم الآن؟
- قداسة البابا ثيؤدوروس هو فعلا عطية الله لمصر، عرفناه أسقفا جليلا روحيا وعمل مع أحد مطارنة زمان الكنيسة الجميل الأنبا باخوميوس - الله يعينه ويساعده ويقويه - لديه ملفات كثيرة للإصلاح وأنا إذا كانت رحمة ربنا تلقفتنى على قارعة الطريق وأنا بين حى وميت على يد الأسقف اليونانى الصالح إلا أنه هناك العشرات من الكهنة الأفاضل واللاهوتيين والخدام، بل المصريون كلهم - لم تتح لهم هذه الفرصة - يقولون له (اعبر إلينا وأعنا قم يا سيدنا البابا وتعهد هذه الكرمة التى غرستها يد الرب ودماء الشهداء فى أرض مصر أصلحها وفلحها وخلصها ونقها من الثعالب الصغيرة والكبيرة وقداستك الجدير بالفلاح والإصلاح ونحن معك يا جبار البأس) وأنا تحت رجليه من موقعى الجديد المتواضع لخدمة العلاقات اليونانية القبطية والحوارات اللاهوتية وإصلاح وتطوير التعليم اللاهوتى فى مصر والبحث عن بعثات لدراسات اللاهوت وتبادل المنافع العلمية وتكوين مكتبة لاهوتية كبيرة بعد فشل مكتبة الإسكندرية الحديثة فى إرجاع المجد المصرى المسيحى القديم وسيادة المطران سيرافيم يسألنى عن أحوال مصر وكنيستها وأقوم بإعداد التقارير اليومية وهو على استعداد لأى خدمات.