ان سكت هؤلاء فالحجارة تنطق
رسالة سلام من العراق الجريح
الاب الدكتور اثناسيوس اسحق حنين – اليونان
ليس من خطر الا ما كان خطرا على النفس واريد بها نفس كل واحد منا ونفس كل بلد عربى وخاصة العراق وقلما يفتقد شبح الموت الوطن والذات بان غير ان ما نعانيه فى الايام الاخيرة من لعنة الحروب وثقافة الموت والكراهية يجعلنا فى قلق لا يحد الفاجعة فى ضمير الشعوب والفاجعة تكمن فى انهزام العرب امام الضربات التى تحل بهم وهم مدركون للفتك الذى يحل بهم وكأنهم لا يأبهون وهذا يطرح سؤالا كبيرا على ولائهم لتاريخهم وهويتهم فالعرب لا يبكون ولعلهم لا يتوجعون أقله انهم لا يشكون الامهم وكانهم صالحوا ما اعتبروه الحتم والقدر وكأنهم استقالوا من العقل او استقالوا من المروءة
وسط هذا الياس العميم جاء الفرح من خبر صغير نشرته وسائل الاعلام الاجنبية وهو تحقيقا علميا سبب سلاما وسط الحرب ورجاء وسط اليأس وتفائلا فى خضم التقاتل والتشائم ورؤية فى زمان عزت فيه الرؤى وصارت فيه كلمة الحق والسلوك بالروح والحق عزيزة وعلما وسط الجهل والتجاهل ولقد زاد وهج هذا الخبر انه يأتى من بلد كنا قد بدأنا نتشكك فى خصوبة اراضيه وعطائه التاريخى وامانة ابنائه ومستقبله الواعد الا وهو العراق بلاد ما بين النهرين التى شهدت ميلاد الحضارة الاشورية وكان مسرحا لاحداث دينية كبرى اعادة صياغة وجه التاريخ البشرى والتى خصص لها مؤخرا متحف اللوفر الشهير بباريس صالة كبرى
والخبر ليس هو اكتشاف حقل بترول جديد قد يسبب الحروب والاحقاد لانه صدق الذى قال بان المال اصل كل الشرور والذى اذا ما ابتغاه قوم ضلوا وضربوا انفسهم باوجاع كثيرة ولكن الاكتشاف الاثرى الثمين هو اكتشاف مقبرة العظيم فى الانبياء حزقيال وكأن الحجر اراد ان يقوم بما لم يرتضى ان يقوم به البشر وهو تأليف القلوب وتلاقى العقول وتلامس الركب الساجدة والجباه الخاشعة امام عظمة الله لانه حقا ان صمت هولاء واولئك من الناس عن قول الحق ومواجهة التحديات بالحب والابداعات فلابد ان تتكلم الطبيعة فى شخص الحجارة والنبى حزقيال نبى كبير فى التراث العبرانى والتاريخ اليهودى فهوعند اليهود قائد ونبى رأى رؤى من الله كبيرة وعند المسيحيين مبشر بيسوع وبأمه العذراء وعند المسلمين ولى من اولياء الله بل ونبى من لدن الرحمن ولقد كتب الباحث ستيفين لى مايرز فى صحيفة النيويورك تايمز الواسعة الانتشار فى صفحة العلوم والثقافة قائلة (الرجاء اى رجاء العراقيين بنبعث من قبر احد الانبياء) ففى قرية واقعة على شاطئ نهر الفرات العتيق الايام والذى ذكره الوحى الالهى فى سفر التكوين كاحد رؤوس الانهار الاربع التى تسقى الجنة(تك 2 : 14 )وهذه الضيعة تسمى(كيفييل ويلاحظ الشبه بينها وبين اسم ايزيكييل بالعبرانية) والتى صمدت امام حروب كثيرة ونجت من دمار الكوارث الطبيعة وشهدت ازدهار واندحار امبراطوريات وحكام خلال عقود طويلة من الزمن وكأنها تتحدى الايام الصعبة التى يجوزها شعب العراق اليوم وتطمنئنه فى الام زمانه الحاضر وعلى انها لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فى مستقبله فهناك فى هذه البقعة المجهولة يتم العثور على قبر النبى العبرانى حزقيال النبى الكتابى الذى عاش بين العبرانيين وعلمهم وقادهمفى احلك فترة فى تاريخ شعب الله خلال القرن السادس قبل الميلاد ويرى علماء الكتاب المقدس انه هناك وحسب التراث العبرانى(راجع الموسوعة العبرانية باريس ذ ص 1993\
ص 395 )قد رأى حزقيال رؤياه الكبيرة لله والرؤية القديمة التراثية لله يريد ان يراها الناس اليوم فى تأولياتها جديدة فى وجوه بعضهم البعض ويتطلعون ان يحمل اليهم هذ ا النبى العظيم الذى يجمع فى شخصه اليهودية والمسيحية والاسلام رؤية وقرائة جديدة فالانبياء دوما متوجعون وهم موجعون ايضا لان الله فى احشائهم يئن فالكون بهم لابد ان يهتز وان تتهدم القلوب العتيقة لكى يبنيها الله وحده من جديد فحزقيال رمز لاصحاب الرسالات التى تنادى بالحرية فى وسط السبى والعبودية العميمة فلقد كان بلده وشعبه مسبيا ومحتلا ومهجرا بسبب غضب الله عليه وعقابا لتركه وصايا الله وعبادته للاوثان ومع ذلك بل ورغم ذلك نراه واثقا متواضعا (وانا بين المسبيين عند نهر خابور ان السموات انفتحت فرايت رؤى الله )حز1 : 1 السماء تنفتح لصادق واحد من بين المسبيين والمهجرين والمهمشين فى الارض ولم يرى حزقيال فى قبول الدعوة كبريأ ولا انانية بل واجبا ورسالة وخلاصا للشعب الجالس فى الظلمة الشعب الذى تخلى عنه رعاته الاسميين سواء السياسيين او الدينيين لانهم انشغلوا برعاية انفسهم كما شهد الروح على فم حزقيال (المريض لم تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم )(حز 34 )ولقد ارسله الله ليس فقط الى رعاة منشغلين بانفسهم وبمصالحهم بل وكنتيجة حتمية الى شعب مقهور ومشتت كغنم لا راع لها وبسبب الامه لا يشأ ان يسمع لله ولا لنبيه لانهم (بيت متمرد)حز 1 : 9 حزقيال كان شاهدا على النار الالهية التى تحترق فى داخله مشتاقة ان تعود الى التبشير بالحياة الجديدة التى تأتى من رؤية الانسان لوجه اخيه الانسان صورة الله واجمل ما خلق الله لانه ما الفائدة من أن نقول (قولا) اننا نحب الله ونحن نكره (فعلا) الانسان المخلوق على صورته تعالى على حد تعبير احد تلاميذ المسيح ويحضرنى قصة مصرية قديمة لاحد الحكماء لا ترى فى معنى الجحيم الا غياب وجه الاخر اى الانسان الاخر المختلف و ان الناس فى الجحيم سوف لا يرون وجه بعضهم البعض لانهم سيكونون مربوطين الواحد فى ظهر الاخر !!! فالنعيم كل النعيم هو فى القدرة على رؤية الله فى وجه كل انسان وكل الانسان وهذا لا يتم الا بالتحولات الكبرى والتوبات التاريخية وحينما يعطيى الله للبشرية الجديدة (قلبا واحدا ) ويجعل فى داخلهم (روحا جديدا ) وينزع قلب الحجر من لحم الانسان ويعطيه قلب لحم ووقتها سيسلك البشر فى وصايا الله ويعملوا العدل وينفرد حزقيال بوصف هذا الزمن الجديد بانه (زمن الحب )حز 16 : 8 نبى يبشر بالحب فى زمن السبى والتشتت وعبادة الاصنام وخيانات شعب الله وانشغال الحكام والرعاة بانفسهم واول مظاهر الحب هى الوصية التى اعطاها الله لنبيه حزقيال (يا ابن ادم عرف اورشليم برجاساتها)حز 16 :1 فبداية التوبات الكبرى هى رؤية النجاسات وفظاعتها!!!
والشئ اللافت انه وحسب رأئ علماء الاركيولوجيا انه فى القرن الرابع عشر الميلادى قام المسلمون بعمل ضريحا اثريا تيمننا بالنبى حزقيال وينتظر قبر النبى حزقيال مستقبلا باهرا ليس فقط على مستوى التعايش السلمى بين اتباع الاديان المختلفة بل على المستوى السياحى وانتعاش السياحة الدينية التى هى سياحة السلام والخشوع مما يساهم فى تجديد صورة العراق امام نغسه وامام العرب بل وامام العالم اجمع وفى هذا صرح السيد حسين رشيد رئيس المجلس القومى العراقى للاثار وهو مسلم سنى (اننا نستطيع عن طريق التجديدات التى نجريها على المكان مع المحافظة على ابعاده الاثرية ان نظهر للعالم اجمع ان هذه المنطقة هى مهد الحضارات ومكان التعايش فى سلام بين الشعوب) ويرجوا العراقيون بكل اطيافهم ان تعتبر هيئة اليونيسكو هذا الاثر من ضمن اثار ومقتنيات العالم الحضارية ويحتوى هذا الاثر الكبير على قبر النبى حزقيال والمجمع اليهودى والاثر الاسلامى والبازار الذى تم بنائه فى القرن الثامن عشر ايام حكم الامبراطورية العثمانية يوم تعايش العبرانيون والمسلمين فى سلام ووئام ولكن بمجرد ما ان خرجت اخبار البدء فى ترميم هذا الاثر الكبير حتى خرجت اصوات من بعض وسائل الاعلام(كالعادة) تريد ان تشكك فى صدق الحجر ونقلت اخبارا عن النية فى تحويل المكان الى جامع اسلامى ولكن الشائعات لا تتوافق مع الواقع
وتعود اول الاشارات التاريخية للمجمع اليهودى الى القرن العاشر وبمجرد الاعلان عن الخبر توافد الاف اليهود الاتقياء وهم غير الصهاينة الاعداء من كل ارجاء العالم للسجود امام نبيهم العظيم وايضا ياتى المسلمون من كل حدب وصوب للتبرك ولزيارة نفس المكان الذى يؤمنون بانه قد تم فيه دفن مؤسس المدينة والمسيحيون يتقاطرون لتقديم الشكر للنبى الذى حسب لاهوتهم تنباء عن ميلاد المسيح من العذراء ولعل وراء قبر النبى حزقيال ما يطمئن قلوب المسيحيين فى العراق لان الرب يقول لهم(هانذا أسأل عن غنمى وأفتقدها.....واخلصها من جميع الاماكن التى تشتتت اليها فى يوم الغيم والضباب ..أنا ارعى غنمى واربضها يقول السيد الرب )حز 34 : 11 ويعتقد العلماء اليوم ان مؤسس المدينة والنبى حزقيال هما نفس الشخص اى شخص النبى حزقيال ويقول لك المرشد الذى يستقبلك فى المكان بابتسامة عريضة متفائلة اى كانت ديانتك وهو مسلم شيعى (ان حماية هذا الاثر العظيم لهذا النبى العظيم هو واجب اسلامى) وبالتالى فحماية البشر الذين هم اثمن من الحجر هو ايضا واجب اسلامى !! ويلاحظ الزائر على حوائط المقبرة صورا للحجاج اليهود الذى عبروا قديما بالمكان ولم يمحها احد وهم يصلون ويؤكد المرشد بان تاريخ العراق هو تاريخ الحفاظ على الرموز العبرانية واليهودية والمسيحية واذكر للتاريخ اننى التقيت طبيبا عراقيا فى مدينة بيسانسون بفرنسا فى الثمانينيات من القرن الماضى وكنا نتعلم معا اللغة الفرنسية استعدادا للدراسات العليا ووقتها جمعتنا الثقافة والفن والحب ولم اعلم الى اليوم ان كان مسيحيا او مسلما وهذا هو العراق الذى نرجوه ونصلى من اجل رخائه وسلامه بكل اطيافه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire